الواجب التعیینی و التخییری
الجلسة 35- بتاريخ 27 جمادی الاول 1447
خلاصات الملاحظات
محصّلة البحث المتقدّم
الإشكال الرابع للمحقّق الخوئي علىٰ المحور الثاني من «الكفاية»: التفريق بين التضادّ الترتّبي والمطلق
الصورة الأولىٰ: التضادّ الترتّبي (لا علىٰ نحو الإطلاق)
الصورة الثانية: التضادّ المطلق
دراسة الإشكال الرابع للسيد الخوئي علىٰ المحور الثاني من «الكفاية» والقراءة المقبولة لعبارة الآخوند
الحلّ المقترَح من قِبَل المحقّق الخوئي: متعلَّق الوجوب هو «أحدهما لا بعينه» والجامع الانتزاعي
نقدٌ علىٰ الصورة الثانية للآخوند: «سنخٌ من الوجوب» بين العرف والصناعة
إشكالان للسيد الروحاني علىٰ الصورة الثانية من «الكفاية»
المصادر
محصّلة البحث المتقدّم
وإذا كان اجتماع الغرضين في زمانٍ واحدٍ غير ممكنٍ أصلاً، لكان لازم ذلك أنّه لو أتىٰ المكلّف بكلا الفعلين في زمانٍ واحد، لما وقع أيٌّ منهما علىٰ الصفة المطلوبة؛ وذلك لأنّ «وقوع أحدهما دون الآخر ترجيحٌ بلا مرجِّح، ووقوعُ كليهما محالٌ لوجود المضادّة». هذا، في حين أنّ البداهة العرفيّة تقضي بأنّه لو أتىٰ المكلّف بكلا طرفي الواجب التخييري دفعةً واحدة، لوقع أحدهما علىٰ الأقل علىٰ الصفة المطلوبة، ولتحقّق الامتثال. فلا بدّ إمّا من الالتزام بـ «وجوب الجمع» (وهو ما يخالف ظاهر «أو»)، وإمّا أن ينتهي تحليل التضادّ المطلق إلىٰ طريقٍ مسدود.
النتيجة بناءً علىٰ مبنىٰ السيد الخوئي: ففي فرض التضادّ الترتّبي، يكون مقتضىٰ الحكمة المولويّة هو «إيجاب الجمع»؛ وجعل التخيير في هذا الفرض يستلزم تفويت الملاك اللزومي من قِبَل الشارع. وفي فرض التضادّ المطلق، يؤول البحث إلىٰ «التزاحم» و«التخيير العقلي»، فلا يثبت التخيير المولوي بالمعنىٰ الذي أراده الآخوند. وفي هذا الصدد، يقول (قدس سره):
في القسم الثاني من نظرية الآخوند الخراساني في الواجب التخييري، يُفترض أنّ لكلِّ طرفٍ من الأطراف غرضاً لزوميّاً مستقلاً، وأنّ بين هذه الأغراض «تضادّاً». ويقرّر السيد الخوئي إشكالاً رابعاً يرتكز علىٰ التفريق بين صورتين لـ «تضادّ الأغراض»، ويبيّن أنّه علىٰ كلا الصورتين لا تستقرّ النتيجة التي يرتضيها الآخوند (وهي التخيير الشرعي بوصفه سنخاً من الوجوب البدلي). فبحسب بيانه، إذا كان التضادّ «ترتيبيّاً» — أي أنّ اجتماع الغرضين في زمانٍ واحدٍ ممكن، وإنّما يمتنع تحقّق اللاحق في فرض التقدّم والتأخّر فحسب — فإنّ مقتضىٰ الحكمة المولويّة هو وجوب الجمع في زمانٍ واحد، تحاشياً لتفويت الملاك اللزومي. ويكون ترك إيجاب الجمع في مثل هذا المورد أمراً قبيحاً ومخالفاً لظاهر أدلّة التخيير؛ فلا وجه لجعل التخيير في هذا الفرض. وإذا كان التضادّ «مطلقاً» — أي أنّ اجتماع الغرضين في زمانٍ واحدٍ غير ممكنٍ أصلاً — لكان لازم ذلك أنّه لو أتىٰ المكلّف بكلا الفعلين في آنٍ واحد، لما وقع أيٌّ منهما علىٰ الصفة المطلوبة؛ وذلك لأنّ وقوع أحدهما دون الآخر ترجيحٌ بلا مرجِّح، ووقوع كليهما محال. هذا، في حين أنّ البداهة العرفيّة والفقهيّة تقضي بأنّه لو أتىٰ المكلّف بأطراف الواجب التخييري دفعةً واحدة، لوقع أحدها علىٰ الأقل علىٰ صفة المطلوبيّة، ولتحصّل الامتثال. فنتيجة الإشكال هي أنّه لو فُرض «تضادّ الأغراض» في عبارة الآخوند، فلا بدّ إمّا من الالتزام بـ «وجوب الجمع» — وهو ما يخالف ظهور «أو» في أدلّة التخيير — وإمّا الالتزام باللازم الباطل، وهو سقوط كلا الأثرين؛ وكلا الأمرين مردود.
وعلىٰ هذا الأساس، فإنّ القراءة الأكثر انسجاماً مع سياق «الكفاية» هي حمل عبارة «لا يكاد يحصل الغرض في الآخر بإتيانه» علىٰ «نفي بدليّة الأغراض»، لا علىٰ «التضادّ» بمعنىٰ استحالة اجتماع الأثرين. فبناءً علىٰ هذه القراءة، يكون كلُّ غرضٍ قائماً بفعله الخاصّ، فلا يتحصّل بالفعل الآخر. إلّا أنّ جمع الفعلين في نفسه أمرٌ ممكنٌ ومعقولٌ عرفاً، وفي ظرف الاجتماع — ما لم يكن هناك قيدٌ واقعيٌّ آخر في موضوع الأثر — يتحقّق كلُّ غرضٍ بفعله الخاصّ. وتكون بنية الإلزام حينئذٍ «سنخاً من الوجوب البدلي»؛ أي أنّه إلزامٌ واحدٌ يتوجّه إلىٰ مجموع البدائل، ويسقط بالإتيان بواحدٍ منها. لا هو بإرجاعٍ إلىٰ جامعٍ ماهويّ، ولا هو بانحلالٍ إلىٰ عدّة وجوباتٍ تعيينيّةٍ مستقلّة.
إنّ السيد الخوئي (قدس سره)، بعد إبطاله للوجوه المطروحة، يرىٰ أنّ السبيل الصائب يكمن في الحفاظ علىٰ ظاهر الأدلّة، وهو أنّ «الواجب أحدُ الفعلين أو الأفعال لا بعينه، وتطبيقُه علىٰ كلٍّ منها بيدِ المكلَّف»؛ مع هذا الفارق، وهو أنّ متعلَّق الوجوب في الواجبات التعيينيّة هو «الطبيعة المتأصّلة» أو «الجامع الحقيقي»، وأمّا في الواجبات التخييريّة، فالمتعلَّق هو «الطبيعة المنتزعة» أو «الجامع العنواني».[3] ويدفع (قدس سره) الإشكال القائل بعدم تماميّة «الجامع الانتزاعي» بقوله: «لا مانع من تعلّق الأمر بالجامع الانتزاعي»؛ فكما أنّ صفاتٍ حقيقيّةً كالعلم والإرادة تتعلّق به، فكذلك الحكم الاعتباري الشرعي يكون قابلاً للتعلق به بطريقٍ أولىٰ. وتدلّ الأمثلة الفقهيّة — كـ «اعتبار ملكيّة أحد المالين» في البيع، أو قول البائع: «بعتُ أحدهما»، أو ما يرد في الوصيّة — علىٰ أنّ عنوان «أحدهما»، مع أنّه لا واقع موضوعيّاً له سوىٰ الانتزاع، هو أمرٌ قابلٌ للاعتبار وترتّب الأثر.
يذكّر صاحب «منتقىٰ الأصول» بأنّه: أوّلاً، إنّ الوجدان العرفي إنّما يفهم من الواجبات التخييريّة تكليفاً واحداً لا تكاليف متعدّدة. والحال أنّ تقرير الآخوند — مع افتراضه لتعدّد الأغراض وتكثّر الوجوبات — يفضي بالضرورة إلىٰ «وجوباتٍ متعدّدةٍ وواجباتٍ متعدّدة»، وهو ما لا ينسجم مع الذوق العرفي للتخيير. وثانياً، فعلىٰ فرض تعدّد الوجوب، إذا أتىٰ المكلّف بأحد الطرفين، فإمّا أن لا يسقط وجوب الطرف الآخر، فتكون النتيجة هي وجوب الجمع ونقض التخيير؛ وإمّا أن يسقط، فيكون لازم ذلك تقييد وجوب كلِّ طرفٍ بـ «ترك البديل»، والرجوع إلىٰ «الوجوب التعييني المشروط». وهذا لا ينسجم مع تصريح الآخوند بعدم إرجاع التخيير إلىٰ الوجوب المشروط. وعليه، فإنّ بنية «تعدّد الوجوب»، من دون الالتزام بأحد الشقّين (السقوط أو التقييد)، تبقىٰ معلّقة.
التحليل الصناعي لمسلكي السقوط والتقييد
فلو كان (أ) و(ب) إلزامين تعيينيّين مستقلّين، فإنّ الإتيان بـ (أ) إمّا أن يوجب سقوط وجوب (ب) أو لا يوجبه. فعدم السقوط يستلزم وجوب الجمع ونفي التخيير. والسقوط يستلزم أن يكون وجوب (ب) مشروطاً بترك (أ) والعكس بالعكس؛ وهذا هو عين «الوجوب التعييني المشروط». وحيث إنّ الآخوند لا يقبل بأيٍّ منهما، فإنّ مقولة «سنخٍ من الوجوب» لا تعدو كونها تعريفاً باللوازم، ولا تنهض لبيان ماهيّة الجعل.
السبل المحتملة للإصلاح
إنّ الوجه القابل للدفاع هو أن يؤخذ «الوجوب الواحد البدلي» في صعيد الجعل؛ أي أن يتوجّه الإلزام الواحد إلىٰ عنوان «أحدها» (الجامع الانتزاعي)، لا أن يُجمع بين عدّة وجوباتٍ تعيينيّة. وفي هذه الحالة، يكون التكليف واحداً، والامتثال واحداً، ويتحقّق سقوط الإلزام بالإتيان بواحد؛ فلا وجوبات متعدّدة، ولا لوازم للسقوط أو التقييد. والسبيل الثاني هو القبول بـ «الوجوب التعييني المشروط»، ولكنّ هذا التقرير — كما نُقِدَ في كلمات المحقّق النائيني وغيره — يواجه تهافت جعل الوجوب التعييني مع الترخيص في الترك. والسبيل الثالث هو تحديد صعيد المؤاخذة: أي أنّه حتّىٰ لو تُصوِّرت كثرةٌ في صعيد الخطابات، فإنّ موضوع العقاب يقيَّد بـ «ترك المجموع»، كي تُصان بذلك وحدة العقاب؛ وهذا يفتقر طبعاً إلىٰ قرينةٍ إثباتيّة. وفي هذا الصدد، يقول السيد الروحاني (قدس سره):
… هذا الاختيار وإن كنّا قد قرّبناه وقوّيناه سابقاً… لكن الذي يبدو لنا فعلاً أنّه لا يخلو من مناقشة وذلك لوجهين: الأوّل: أنّه يتنافى مع ما يراه الوجدان في الواجبات التخييرية العرفية من ثبوت وجوب واحد لا وجوبين. الثاني: أنّه لو فُرض تعدّد الوجوب… فما هو الوجه في سقوطه عن أحدهما عند الإتيان بالآخر؟… فإنِ التزم بعدم سقوطه كان ذلك منافياً لما هو الثابت… وإن التزم بسقوطه كان ذلك التزاماً بتقييد وجوب أحدهما بترك الآخر… فما ذكره صاحب الكفاية لا تمكننا المساعدة عليه… ثم إنّ ما ذكره في صورة وحدة الغرض… لا يخلو من خدشة… لأنّ هذه القاعدة تنطبق على الواحد الشخصي… بل الوجدان على خلافه… كالحرارة الصادرة عن الشمس والكهرباء والحركة… وبالجملة: فكلام صاحب الكفاية بجهتيه لا يخلو عن مناقشة فتدبّر.[5]
النتيجة: في الصورة الثانية من «الكفاية»، تكون مقولة «سنخٍ من الوجوب» — بحيث لا يُعرَف إلّا من خلال آثاره — قاصرةً عن تبيين حقيقة الجعل. فلا «البرزخ» بين الوجوب والاستحباب قابلٌ للالتزام، ولا «تعدّد الوجوب» يستقرّ من دون القبول بأحد لازميه (السقوط أو التقييد). فإذا كان المراد هو الحفاظ علىٰ التخيير الشرعي، فلا بدّ إمّا من الرجوع إلىٰ «الوجوب الواحد البدلي»، وإمّا الالتزام صراحةً بصورة السقوط أو التقييد وقبول لوازمها. وإلّا، فإنّ مقولة «سنخٍ من الوجوب» لا تتجاوز حدّ التعريف باللوازم، ولا تنهض لتوضيح ماهيّة الإلزام.
و صلّی اللّه علی محمّد و آله الطّاهرین
[2]- والحقّ هو أنّ حمل عبارة «الكفاية»: «لا يكاد يحصل الغرض في الآخر بإتيانه»، علىٰ «التضادّ بالذات» بين الأغراض، هو أمرٌ محلّ مناقشة. فالأقرب إلىٰ السياق هو حملها علىٰ «نفي بدليّة الأغراض»؛ بمعنىٰ أنّ غرض كلِّ فعلٍ لا يتحصّل بالفعل الآخر، لا أنّ اجتماع الأثرين ممتنعٌ ذاتاً.
[3]- نفس المصدر، 40.
[4]- نفس المصدر، 41.
[5]- محمد الروحانی، منتقی الأصول (قم: دفتر آيت الله سيد محمد حسينی روحانی، 1413)، ج 2، 484.
- الروحانی، محمد. منتقی الأصول. ۷ ج. قم: دفتر آيت الله سيد محمد حسينی روحانی، 1413.
- خویی، ابوالقاسم. محاضرات فی أصول الفقه. با محمد اسحاق فیاض. ۵ ج. قم: دارالهادی، 1417.
- الواجب التعييني
- الواجب التخييري
- التخيير العقلي
- التخيير الشرعي
- الوجوب البدلي
- الجامع الانتزاعي
- الملاك
- سنخ الوجوب
- أحدهما
- تضادّ الأغراض
- الوجوب الجمعي
- التزاحم
الملصقات:
ساعد على توسيع الكلمات المفتاحية للدروس
خلاصات الملاحظات
محصّلة البحث المتقدّم
الإشكال الرابع للمحقّق الخوئي علىٰ المحور الثاني من «الكفاية»: التفريق بين التضادّ الترتّبي والمطلق
الصورة الأولىٰ: التضادّ الترتّبي (لا علىٰ نحو الإطلاق)
الصورة الثانية: التضادّ المطلق
دراسة الإشكال الرابع للسيد الخوئي علىٰ المحور الثاني من «الكفاية» والقراءة المقبولة لعبارة الآخوند
الحلّ المقترَح من قِبَل المحقّق الخوئي: متعلَّق الوجوب هو «أحدهما لا بعينه» والجامع الانتزاعي
نقدٌ علىٰ الصورة الثانية للآخوند: «سنخٌ من الوجوب» بين العرف والصناعة
إشكالان للسيد الروحاني علىٰ الصورة الثانية من «الكفاية»
المصادر
رأيك