الواجب التعیینی و التخییری
الجلسة 34- بتاريخ 26 جمادی الاول 1447
خلاصات الملاحظات
محصّلة البحث المتقدّم
تقييم الإشكال الثاني للمحقّق الخوئي علىٰ صورة الآخوند الثانية
الإشكال الثالث للمحقّق الخوئي علىٰ صورة الآخوند
نقد المبنىٰ: مخالفة الخطاب المنجَّز هي معيار استحقاق العقاب
تحليل الإلزام في بيان الآخوند: سنخ الوجوب البدلي ووحدة المؤاخذة
القياس علىٰ الترتّب قياسٌ مع الفارق
تكملة: ترك الجميع لا يستلزم بالضرورة تفويتَ غرضين
المصادر
محصّلة البحث المتقدّم
في المحور الثاني من كلام المحقّق الخراساني، يُدَّعىٰ أنّ لكلِّ طرفٍ من أطراف الواجب التخييري غرضاً لزوميّاً مستقلاً، وأنّ هذه الأغراض متضادّةٌ وغير قابلةٍ للاجتماع، وإن كان المكلّف قادراً علىٰ الإتيان بكلا الفعلين. ويبدو أنّ الإشكال الثاني الذي يورده السيد الخوئي علىٰ هذه البنية هو إشكالٌ واردٌ وقويّ؛ وذلك لأنّ الجمع بين «التضادّ في الغرضين» و«القدرة علىٰ جمع الفعلين» بذلك الإطلاق الوارد في التقريرات، ومن دون بيان قيودٍ واقعيّةٍ في موضوع الأثر، يبدو أمراً غير معقول. وتقريب الإشكال هو أنّه: لو كان الغرضان متضادّين واقعاً، لكان مقتضىٰ التضادّ هو أن لا يتحقّق الآخر مع تحقّق أحدهما، وأن ينتفي إمكان اجتماع الأثرين في الخارج؛ والحال أنّه بناءً علىٰ الفرض، يكون المكلّف قادراً علىٰ جمع الفعلين. إنّ الجمع بين هاتين الحيثيّتين، بتعبير السيد الخوئي، هو أمرٌ بعيد و«ملحقٌ بأنياب الأغوال»؛ وذلك لأنّه عادةً، إذا كان الفعلان قابلين للجمع في الخارج، فإنّ آثارهما الملاكيّة تكون أيضاً — بقدر الإمكان — قابلةً للتحصيل. وإذا كان الغرضان ذاتاً غير قابلين للاجتماع، فلا بدّ أن ينعكس هذا الامتناع في صعيد الفعل أيضاً، علىٰ الأقل في ظرف التأثير. والنقل عن السيد الخوئي في هذا المقام هو كالتالي:
و ثانياً - ان فرض كون الغرضين متضادّين فلا يمكن الجمع بينهما في الخارج مع فرض كون المكلّف قادراً على إيجاد كلا الفعلين فيه بعيد جداً، بل هو ملحق بأنياب الأغوال، ضرورة انا لا نعقل التضاد بين الغرضين مع عدم المتضادة بين الفعلين، فإذا فرض ان المكلف متمكن من الجمع بينهما خارجاً فلا مانع من إيجابهما معاً عندئذ.[1]
ويمكن في مقام تأييد هذا الإشكال ذكر نقطتين محوريتين:
أوّلاً: إنّ الغرض والملاك ليسا أمرين اعتباريّين محضين، بل هما أمران واقعيّان تكوينيّان يتبعان الفعل. فبناءً علىٰ مبدأ الحسن والقبح الذاتيّين، يكون الفعل حاملاً لمصلحةٍ قائمةٍ بذاته، وبتحقّق الفعل يبلغ ملاكُه مرتبة الفعليّة. وعليه، فلو وقع الفعلان معاً، لكان الأصل هو تحقّق كلا الملاكين؛ فالجمع بين «إمكان الفعلين» و«امتناع اجتماع الغرضين» علىٰ نحوٍ مطلق، أمرٌ غير معقول.
ثانياً: إنّ التفريق العملي بين الغرض والملاك ليس بوجيه؛ ففي مقام الجعل، يُلحظ هذان الأمران علىٰ أنّهما متّحدا الاعتبار تقريباً. فلا يمكن القول بأنّ: «الفعلين مقدوران، ولكنّ أحدهما له غرض والآخر ليس له غرض»؛ وذلك لأنّ تحقّق كلِّ فعلٍ هو موضوعٌ وظرفٌ لتحقّق ملاك ذلك الفعل نفسه.
بناءً علىٰ النقطة الثانية في تقرير صاحب «الكفاية»، يُفترض أنّ لكلِّ طرفٍ من أطراف الواجب التخييري غرضاً لزوميّاً مستقلاً، وأنّ هذه الأغراض غير قابلةٍ للاجتماع. والنتيجة هي أنّ كلَّ طرفٍ واجب، ولكنّ تركه مشروطٌ بالإتيان بالعدل الآخر؛ أي أنّ التخيير الشرعي يُعرَف بآثاره الثلاثة: عدم جواز ترك كلِّ طرفٍ إلّا إلىٰ الآخر، وترتّب الثواب علىٰ الإتيان بالواحد، وثبوت العقاب علىٰ ترك المجموع. إلّا أنّ السيد الخوئي (قدس سره) — حتّىٰ مع التنزل والقبول بتضادّ الغرضين وعدم إمكان جمعهما — يذهب إلىٰ أنّ استنتاج «التخيير الشرعي» ليس بالأمر التامّ، وأنّ له لوازم لا يلتزم بها أحد. ويرتكز تقريره علىٰ ثلاث مقدّمات:
الأولىٰ: إنّ ترك كلا الفعلين معاً ليس بممتنع. فلو كان الإتيان بهما معاً ممتنعاً، فإنّ تركهما معاً ليس بممتنع؛ إذ يمكن للمكلّف عمليّاً أن لا يأتي بأيٍّ منهما.
الثانية: القاعدة العقليّة في استحقاق العقاب: وهي أنّ العقل لا يفرّق في استحقاق العقاب بين «تفويت الواجب الفعلي» و«تفويت الملاك الملزم»؛ فكلّما فُوِّتَ ملاكٌ ملزمٌ عمداً، تحقّق استحقاق العقاب.
الثالثة: وجه عدم العقاب في فرض الإتيان بأحدهما: فلو أتىٰ المكلّف بأحد الطرفين وترك الآخر، فإنّ عدم استحقاقه للعقاب علىٰ ترك الآخر إنّما هو من جهة أنّ تحصيل ذلك الغرض قد أصبح غير مقدورٍ بعد الإتيان بالمتعلَّق الآخر (بسبب التضادّ). وأمّا في فرض ترك كليهما، فلا امتناع في البين.
النتيجة: فبناءً علىٰ هذا، لو أتىٰ المكلّف بأحد الطرفين وترك الآخر، لانتفىٰ عقاب ترك الآخر (لعدم القدرة اللاحق). وأمّا إذا تركهما معاً، فإنّه يكون قد فوّت ملاكين ملزمين في حال قدرته علىٰ تحصيل أحدهما علىٰ الأقل؛ فيثبت عليه بذلك «عقابان». وهذا نظير ما ورد في بحث الترتّب: فلو ترك المكلّف الأهمّ والمهمّ معاً، لاستحقّ عقابين؛ وذلك لأنّ الجمع بين التركين كان مقدوراً. ويعيد السيد الخوئي صياغة هذه البنية بلسانٍ تكليفيّ، فيقول: إنّ مقتضىٰ «كون كلِّ غرضٍ ملزماً بنفسه» هو وجوب كلِّ فعل، غاية الأمر أنّه من جهة التضادّ، يصبح وجوب كلِّ واحدٍ منهما «مشروطاً» بعدم الإتيان بالآخر. وعليه، ففي فرض ترك كليهما، يكون كلا الشرطين قد تحقّق، وكلا الوجوبين قد أصبح فعليّاً، وكلا المخالفتين قد وقعت. هذا، في حين أنّ «الالتزام بتعدّد العقاب» في الواجب التخييري ليس ممّا يقبله أحد. وفي هذا الصدد، يقول السيد الخوئي (قدس سره):
و ثالثاً: لو تنزّلنا… و قلنا بالمضادّة بين الغرضين و عدم إمكان الجمع بينهما في الخارج. إلاّ أنّه من الواضح جدّاً أنّه لا مضادّة بين تركيهما معاً… والعقلُ مستقلّ باستحقاق العقاب على تفويت الغرض الملزم… فالنتيجة… أنّه يستحقّ العقابين عند جمعه بين التركين… نظير ما ذكرناه في بحث الترتّب… ومقتضى كون كلٍّ من الغرضين ملزماً في نفسه هو وجوبُ كلٍّ من الفعلين… غاية الأمر… يكون وجوبُ كلٍّ منهما مشروطاً بعدم الإتيان بالآخر… فلا مناص من الالتزام بما ذكرناه… ولزوم تعدّد العقاب في فرض ترك كليهما… وهذا ممّا لم يلتزم به أحد.[3]
حتّىٰ لو سُلِّمت المقدّمة الثانية علىٰ نحوٍ جدليّ، فإنّه في فرض تضادّ الغرضين — بمعنىٰ عدم إمكان اجتماع الأثرين في ظرفٍ واحد — لا يكون ترك الجميع مستلزماً بالضرورة لتفويت غرضين مقدورين. فإنّ ترتّب الغرض علىٰ الفعل هو أمرٌ واقعيٌّ وتابعٌ لموضوعه؛ وقد يزول موضوع أثر الطرف الآخر بتحقّق الطرف الأوّل، أو يُشبَع باب التأثير. وفي هذه الحالة، لا يكون ما هو قابلٌ للتحصيل في دائرة قدرة المكلّف أكثر من «غرضٍ واحد». وعليه، فإنّ ترك الجميع، علىٰ هذا الفرض، لا يُنتج أكثر من تفويتٍ واحدٍ موجبٍ للمؤاخذة. وبعبارةٍ أخرىٰ، فإنّ تعدّد التفويت فرعٌ لإمكان جمع الأثرين؛ ومع فرض عدم إمكان اجتماع الغرضين، ينتفي هذا الفرع.
النتيجة
أوّلاً: إنّ المقدّمة الثانية من الإشكال — التي تُبنىٰ عليها استحقاق العقاب علىٰ مجرّد تفويت الملاك الملزم — هي مقدّمةٌ مخدوشةٌ مبنائيّاً؛ فالمعيار في استحقاق العقاب هو مخالفة الخطاب المنجَّز. ثانياً: علىٰ مبنىٰ الآخوند، يكون الوجوب التخييري «خطاباً واحداً بدليّاً»، ويكون ترك الجميع نقضاً لذلك الخطاب الواحد؛ فلا يلزم من ذلك تعدّد العقاب. ثالثاً: إنّ قياس المقام بباب الترتّب ليس بتامّ؛ إذ يُفترض في الترتّب وجود خطابين منجَّزين، وهو ما لا يُفترض في التخيير الشرعي. رابعاً: حتّىٰ علىٰ فرض الأخذ بمبنىٰ تفويت الغرض، فإنّه مع افتراض التضادّ في الآثار، لا يفضي ترك الجميع بالضرورة إلىٰ تعدّد التفويت. وعلىٰ هذا الأساس، فإنّ الإشكال الثالث — في الشقّ الذي يرتكز علىٰ قاعدة «تفويت الغرض» — ليس بتامّ، ولا ينسجم مع بنية «سنخ الوجوب التخييري».
و صلّی اللّه علی محمّد و آله الطّاهرین
[2]- علی قوچانی، تعلیقة القوچاني علی کفایة الأصول (قم، 1430)، ج 1، 345.
[3]- خویی، محاضرات فی أصول الفقه، نفس المصدر.
-----------------------
- قوچانی، علی. تعلیقة القوچاني علی کفایة الأصول. ۲ ج. قم، 1430.
- الواجب التعييني
- الواجب التخييري
- تعدّد العقاب
- الوجوب البدلي
- الملاك
- التحليل الثبوتي
- الغرض
- تضادّ الأغراض
- الملاك اللزومي
- تفويت الغرض
- الخطاب المنجَّز
- الترتّب
الملصقات:
ساعد على توسيع الكلمات المفتاحية للدروس
خلاصات الملاحظات
محصّلة البحث المتقدّم
تقييم الإشكال الثاني للمحقّق الخوئي علىٰ صورة الآخوند الثانية
الإشكال الثالث للمحقّق الخوئي علىٰ صورة الآخوند
نقد المبنىٰ: مخالفة الخطاب المنجَّز هي معيار استحقاق العقاب
تحليل الإلزام في بيان الآخوند: سنخ الوجوب البدلي ووحدة المؤاخذة
القياس علىٰ الترتّب قياسٌ مع الفارق
تكملة: ترك الجميع لا يستلزم بالضرورة تفويتَ غرضين
المصادر
رأيك