الواجب التعیینی و التخییری
الجلسة 33- بتاريخ 25 جمادی الاول 1447
خلاصات الملاحظات
خلاصة البحث السابق
دراسة الإشكالات الثلاثة للمحقّق الخوئي علىٰ صورة الآخوند الأولىٰ
الإشكال الثاني: انتفاء الدليل الإثباتي علىٰ وجود جامعٍ ماهويٍّ بين الأطراف
الإشكال الثالث: ضرورة كون متعلَّق التكليف أمراً عرفيّاً وعدم تماميّة الإرجاع إلىٰ الجامع العقلي
الإجابة علىٰ الإشكال الثالث
الصورة الثانية في نظرية الآخوند وإشكالات المحقّق الخوئي
الإشكال الأوّل للمحقّق الخوئي: مخالفة ظاهر «أو»
الجواب علىٰ الإشكال الأوّل
الإشكال الثاني للمحقّق الخوئي: الجمع بين «تضادّ الغرضين» و«القدرة علىٰ جمع الفعلين»
المصادر
خلاصة البحث السابق
تقدّم في محصّلة المحور الأوّل أنّ الاستناد إلىٰ قاعدة الواحد لكشف جامعٍ ذاتيٍّ من «وحدة الغرض» في ما نحن فيه ليس بتامّ؛ وذلك لأنّ القاعدة إنّما تجري في «الواحد الشخصي البسيط»، ووحدة الغرض في أطراف الواجب التخييري هي غالباً «نوعيّة»، فتقع خارج نطاق القاعدة. يُضاف إلىٰ ذلك أنّنا في هذه الدورة، وبعد إعادة قراءة المباني علىٰ نحوٍ تفصيليّ، قد ناقشنا في أصل القاعدة، فخلصنا إلىٰ أنّه — حتّىٰ علىٰ فرض قبولها في الجملة — لا مجال للاستناد إليها في علم الأصول، ولا بدّ من إخراجها من دائرة الاستدلالات الأصوليّة. هذا ما تحصّل من المحور الأوّل.
وأمّا الإشكال الثاني الذي يورده السيد الخوئي (قدس سره) فهو أنّه: حتّىٰ لو سلّمنا — علىٰ فرض المحال — بأنّ وحدة الغرض كاشفةٌ عن جامع، فإنّه لا دليل كافياً علىٰ وجود «قدرٍ جامعٍ ماهويٍّ أو حقيقيٍّ» بين أطراف الواجب التخييري في كثيرٍ من الموارد. فقد تكون الأطراف من مقولاتٍ مختلفة؛ بل قد يكون أحدها «أمراً وجوديّاً» والآخر «أمراً عدميّاً». ومن البديهي أنّه في مثل هذه الموارد لا وجه لتصوير «جامعٍ حقيقيٍّ واحد» بين الأطراف، فتكون صغرىٰ الاستدلال (وهي ثبوت جامعٍ ذاتيٍّ بين الأطراف) مخدوشة. والنقل عن السيد الخوئي في هذا المقام واضحٌ، حيث يقول:
… ما أفاده (قده) لو تمّ فإنما يتمّ فيما يمكن وجودُ جامعٍ حقيقيٍّ بينهما كان يكونا فردين أو نوعين من طبيعةٍ واحدة، وأما فيما إذا لم يمكن وجودُ جامعٍ كذلك—كما إذا كان كلٌّ منهما من مقولةٍ على حدة—فلا يتمّ أصلاً. ومن الواضح أنّ التخيير بين فعلين أو أفعال لا يختصّ بما إذا كانا من مقولةٍ واحدة، بل كما يمكن أن يكونا كذلك يمكن أن يكون أحدُهما من مقولةٍ والأخرى من مقولةٍ أخرى، أو أن يكون أحدُهما أمراً وجودياً والآخر أمراً عدمياً، ومن المعلوم أنّه لا يمكن تصويرُ جامعٍ حقيقيٍّ بينهما في أمثال ذلك كما هو واضح.[1]
بعد أن استُكمِلَ البحث في المحورين الأوّلين، نصل إلىٰ الإشكال الثالث الذي يورده المحقّق الخوئي. فإنّه (قدس سره) — حتّىٰ مع التنزل والقبول بالمقدّمتين السابقتين — يذهب إلىٰ أنّ الجامع المكشوف بالبرهان العقلي لا صلاحيّة له لكي يتعلّق به الأمر؛ وذلك لأنّ متعلَّق التكليف لا بدّ أن يكون «أمراً قابلاً للإلقاء إلىٰ العرف»، و«القدر الجامع» الذي لا يدركه إلّا العقل الفلسفي يقع خارج أفق الفهم العرفي، فلا يمكن أن يكون موضوعاً للخطاب الشرعي. وفي هذا الصدد، يقول (قدس سره):
لو تنزّلنا… وسلّمنا… إلاّ أنّ الجامعَ المزبور ممّا لا يصلح أن يكون متعلّقاً للأمر، ضرورةَ أنّ متعلّقَ الأمر لا بدّ أن يكون أمراً عرفيّاً قابلاً للإلقاء إليهم، وأمّا هذا الجامع المستكشف بالبرهان العقلي فهو خارجٌ عن أذهانهم… لوضوح أنّ الخطابات الشرعيّة… على طبق المتفاهم العرفيّ، ولا يعقل تعلّق الخطاب بما هو خارج عن متفاهمهم.[2]
وفي قبال هذا الإشكال، يمكن بيان نقطتين لدرء هذا المانع:
أوّلاً: إنّ معيار الامتثال إنّما هو فهم الآثار والوظيفة العمليّة، لا إدراك حقيقة المتعلَّق في مقام الثبوت. فخطاب الشارع في الواجب التخييري هو أمرٌ واضحٌ وقابلٌ للفهم لدىٰ العرف: «ائْتِ بواحدٍ من هذه الخصال». فالعرف يفهم هذا ويقوم بالامتثال علىٰ أساسه. وأمّا أن يحكم العقل، في مقام التحليل الثبوتي لواقع الجعل، بأنّ المتعلَّق الحقيقي للوجوب هو «الجامع»، فهذا أمرٌ تحليليٌّ لا يلزم أن يكون في أفق فهم المخاطب العرفي. فلو كان الخطاب يقول: «أدرِكِ الجامع وأتِ به»، لكان الإشكال وارداً. والحال أنّ لسان الدليل هو ذلك الأمر العرفيّ الواضح بـ «أحد الأطراف»، والامتثال إنّما يقع علىٰ هذا الأساس.
ثانياً: إنّ هذا الجواب يترسّخ من خلال القياس علىٰ البحث المشهور في «تعلّق الأمر بالطبائع». ففي ذلك البحث، قُبِلَ علىٰ نحوٍ غالبٍ بأنّ التكاليف تتعلّق بـ «الطبيعة»، لا بالأفراد؛ والدليل علىٰ ذلك عقليٌّ أيضاً (وهو إشكال تحصيل الحاصل في الفرد الموجود، والتكليف بالمعدوم في الفرد المعدوم). وفي الوقت نفسه، فإنّ العرف في مقام الامتثال ينظر إلىٰ الفرد الخارجي ويأتي به. وعليه، فإنّ «كون تحليل المتعلَّق الحقيقي للأمر أمراً عقليّاً» لا ينافي كون الخطاب عرفيّاً وصحّة الامتثال. وكما قُبِلَ هذا في باب الطبائع، كذلك يمكن في الواجب التخييري تفكيكُ التحليل الثبوتي لـ «الأمر بالجامع» عن دائرة «الإفهام العرفي في مقام الخطاب».
إنّ السيد الخوئي (قدس سره) في «النقطة الثانية» من تقريره، يسمّي هذه البنية عينها بالتخيير الشرعي، ولكنّه يورد عليها إشكالاً مفاده أنّ هذا التحليل لا ينسجم مع ظاهر الأدلّة؛ وذلك لأنّ الظاهر من العطف بأداة «أو» في نحو «أعتق أو صم» هو أنّ «الواجب أحدهما لا كلاهما». وعليه، فلو كان لكلِّ طرفٍ غرضٌ لزوميٌّ مستقلّ، لكان لازم ذلك تعدّد الوجوب، لا وجوب أحدهما. وفي هذا الصدد، يقول (قدس سره):
ويُجاب علىٰ ذلك أوّلاً بأنّ الكلام في هذا المقام إنّما هو ناظرٌ إلىٰ «التحليل الثبوتي»، لا إلىٰ مجرّد الاحتجاج بظهور اللفظ. فالشارع يقول للعرف: «ائتِ بواحدٍ من هذه الخصال»، والعرف يفهم ذلك بوضوح ويمتثل علىٰ أساسه. وأمّا أنّه في واقع الجعل، كيف يُحلَّل تعلّق التكليف — هل هو بالجامع أم بـ «الواجب التعييني المشروط» — فهذا بحثٌ ثبوتيٌّ عقليٌّ لا يلزم أن يكون العرف مدركاً له. فإذا كان التحليل الثبوتي المعقول الوحيد يستلزم العدول عن الظهور الابتدائي، فإنّ الوزن في مثل هذا المورد يكون للتحليل الثبوتي. ثمّ في مقام الإثبات، لا بدّ إمّا من العثور علىٰ قرينةٍ للجمع الدلالي، وإمّا من حمل الظهور علىٰ نحوٍ معقول.
ثانياً: إنّ فهم الآثار كافٍ لتحقّق الامتثال العرفي؛ فيكفي أن يعلم العرف بأنّ ترك كلِّ طرفٍ منوطٌ بالإتيان بعدله الآخر، وأنّ الإتيان بالواحد كافٍ وموجبٌ للثواب، وأنّ الجمع بين التروك يوجب العقاب. فمع وضوح هذه الآثار، يتحقّق الامتثال، حتّىٰ وإن كان التحليل الثبوتي لواقع الجعل في الخلفيّة يُقرَّر علىٰ نحوٍ آخر (أي كسنخٍ خاصٍّ من الوجوب التخييري ذي آثارٍ ثلاثة).
في المحور الثاني من تقرير المحقّق الخراساني، يُفترض أنّ لكلِّ طرفٍ من أطراف الواجب التخييري غرضاً لزوميّاً مستقلاً، وأنّ غرض كلِّ طرفٍ لا يجتمع مع غرض الطرف الآخر؛ وفي الوقت نفسه، يكون المكلّف قادراً علىٰ الإتيان بكلا الفعلين. وقد أورد السيد الخوئي (قدس سره) إشكالاً علىٰ هذه البنية، فذهب إلىٰ أنّ الجمع بين «تضادّ الغرضين» و«القدرة علىٰ جمع الفعلين» هو فرضٌ بعيد، بل هو «ملحقٌ بأنياب الأغوال»؛ وذلك لأنّه إذا كان الغرضان متضادّين، لكان مقتضىٰ التضادّ هو أن لا يتحقّق الآخر مع تحقّق أحدهما، والحال أنّ فرض القدرة علىٰ جمع الفعلين ينفي هذه اللوازم. وفي هذا الصدد، يقول (قدس سره):
و ثانياً: إن فُرض كونُ الغرضين متضادّين فلا يمكن الجمع بينهما في الخارج مع فرضِ كونِ المكلّف قادراً على إيجادِ كِلا الفعلين فيه بعيدٌ جدّاً، بل هو ملحقٌ بأنياب الأغوال، ضرورةَ أنّا لا نعقلُ التضادّ بين الغرضين مع عدمِ المتضادّة بين الفعلين؛ فإذا فُرض أنّ المكلّف متمكّنٌ من الجمع بينهما خارجاً فلا مانعَ من إيجابِهما معاً عندئذٍ.[4]
وتقريب الإشكال: إنّ مبنىٰ هذا الإشكال هو أنّه لو كان الغرضان متضادّين واقعاً، لكان الجمع بينهما في الخارج ممتنعاً. وعليه، فلا بدّ إمّا من القول بأنّ الفعلين أيضاً — من حيث تأثيرهما — لا يملكان في مقام الاجتماع قابليّة تحصيل كلا الغرضين، وإمّا أنّه لو كان الفعلان قابلين للجمع والمكلّف متمكّناً منهما، لما بقي وجهٌ للمنع من «الإيجاب الجمعي»، ولا وجه للتخيير. وعلىٰ هذا الأساس، فإنّ الجمع بين «تضادّ الغرضين» و«القدرة علىٰ جمع الفعلين» يغدو أمراً غير موجَّه.
ملاحظة: بناءً علىٰ القراءة التي تقدّمت، فإنّ حمل عبارة «الكفاية» علىٰ «عدم بدليّة الأغراض» — لا علىٰ التضادّ بالذات — يمهّد الطريق للجمع بين «القدرة علىٰ جمع الفعلين» و«عدم إمكان جمع الغرضين» علىٰ نحوٍ أيسر. فالفعلان قابلان للجمع في الخارج، ولكنّ الغرضين غير قابلين للاجتماع في ظرف التأثير. وهذا التفريق ينسجم مع سياق عبارة الآخوند، إذا ما حُمِلت جملة «لا يكاد يحصل الغرض في الآخر مع حصول الغرض في الأوّل» علىٰ نفي «بدليّة الأغراض»، لا علىٰ تضادّها الذاتي؛ فكلُّ غرضٍ قائمٌ بفعله الخاصّ، وبحصول أحدهما لا يتحصّل الآخر. بَيدَ أنّ غالب المحشّين قد فهموا من هذه العبارة للآخوند افتراضَ التضادّ بين الأغراض، وسنجيب نحن أيضاً علىٰ هذا الأساس.
و صلّی اللّه علی محمّد و آله الطّاهرین
[2]- نفس المصدر، 37.
[3]- نفس المصدر.
[4]- نفس المصدر.
- خویی، ابوالقاسم. محاضرات فی أصول الفقه. با محمد اسحاق فیاض. ۵ ج. قم: دارالهادی، 1417.
- الواجب التعييني
- الواجب التخييري
- التخيير الشرعي
- مقام الثبوت
- التحليل الثبوتي
- الجامع الحقيقي
- الجامع الماهوي
- الغرض الواحد
- العرف
- متعلَّق التكليف
- مقام الإثبات
- تضادّ الأغراض
الملصقات:
ساعد على توسيع الكلمات المفتاحية للدروس
خلاصات الملاحظات
خلاصة البحث السابق
دراسة الإشكالات الثلاثة للمحقّق الخوئي علىٰ صورة الآخوند الأولىٰ
الإشكال الثاني: انتفاء الدليل الإثباتي علىٰ وجود جامعٍ ماهويٍّ بين الأطراف
الإشكال الثالث: ضرورة كون متعلَّق التكليف أمراً عرفيّاً وعدم تماميّة الإرجاع إلىٰ الجامع العقلي
الإجابة علىٰ الإشكال الثالث
الصورة الثانية في نظرية الآخوند وإشكالات المحقّق الخوئي
الإشكال الأوّل للمحقّق الخوئي: مخالفة ظاهر «أو»
الجواب علىٰ الإشكال الأوّل
الإشكال الثاني للمحقّق الخوئي: الجمع بين «تضادّ الغرضين» و«القدرة علىٰ جمع الفعلين»
المصادر
رأيك