pic
pic

الواجب التعیینی و التخییری

الجلسة 33
  • بتاريخ 25 جمادی الاول 1447
خلاصات الملاحظات

خلاصة البحث السابق
دراسة الإشكالات الثلاثة للمحقّق الخوئي علىٰ صورة الآخوند الأولىٰ
الإشكال الثاني: انتفاء الدليل الإثباتي علىٰ وجود جامعٍ ماهويٍّ بين الأطراف
الإشكال الثالث: ضرورة كون متعلَّق التكليف أمراً عرفيّاً وعدم تماميّة الإرجاع إلىٰ الجامع العقلي
الإجابة علىٰ الإشكال الثالث
الصورة الثانية في نظرية الآخوند وإشكالات المحقّق الخوئي
الإشكال الأوّل للمحقّق الخوئي: مخالفة ظاهر «أو»
الجواب علىٰ الإشكال الأوّل
الإشكال الثاني للمحقّق الخوئي: الجمع بين «تضادّ الغرضين» و«القدرة علىٰ جمع الفعلين»
المصادر


بِسمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِیم
الحمدللّه ربّ العالمین وصلّی اللّه علی محمّد و آله الطّاهرین
 
خلاصة البحث السابق
دار البحث في الجلسة السابقة حول نقد مبنىٰ الآخوند الخراساني في تحليله للصورة الأولىٰ من الواجب التخييري، حيث يرىٰ (قدس سره) أنّ وحدة الغرض في أطراف الواجب كاشفةٌ عن جامعٍ ذاتيٍّ واحد، فتكون حقيقة الحكم بذلك هي التخيير العقلي. وقد بيّنّا، تبعاً لإشكال المحقّق الخوئي وتأييد المحقّق الأصفهاني، أنّ وحدة الغرض في هذا المقام هي وحدةٌ نوعيّةٌ لا شخصيّة، وعليه، فلا دلالة لها علىٰ جامعٍ حقيقيٍّ وحدانيّ. وبعبارةٍ أخرىٰ، فإنّ الوحدة النوعيّة غايتها الدلالة علىٰ قدرٍ مشتركٍ سنخيّ، وهو ما يقع خارج موضوع قاعدة الواحد. فمن وجهة نظر المحقّق الأصفهاني، تختصّ قاعدة الواحد بالواحد الشخصي البسيط؛ إذ إنّ تشخّص المعلول في مرتبة ذات علّته هو الشرط لتجنّب محذور «التخصّص بلا مخصّص»، وهو ما لا يُتصوَّر إلّا في فرض الوحدة الشخصيّة. وكذلك، فإنّ أصل سنخيّة العلّة والمعلول لا يستلزم وجود جامعٍ ماهويّ؛ لأنّ التأثير إنّما هو من ناحية الوجود لا الماهيّة، والاشتراك في الحيثيّة الوجوديّة لا يلازم الاشتراك الماهوي. 
وعلىٰ هذا، فحتىٰ مع القبول بقاعدة السنخيّة، يبقىٰ كشف الجامع الذاتي من وحدة الغرض النوعيّة أمراً غير تامّ. وفي المقطع الأخير من البحث، ومع إعادة النظر في حدود قاعدة الواحد والسنخيّة، رفضنا الإطلاق الفلسفيّ لهذه القواعد في صعيد الفعل الإلهي. فالسنخيّة يمكن القبول بها في العلل والمعاليل الطبيعيّة، ولكنّ تعميمها إلىٰ «علّة العلل» لا دليل عليه؛ إذ إنّ الآيات القرآنيّة تسند الأضداد (كالحياة والموت، والنور والظلمات) إلىٰ الجعل الإلهي، من دون أن يستلزم ذلك سنخيّةً بينها. وعليه، فإنّ التمسّك بقاعدة الواحد والسنخيّة لتحليل الواجب التخييري وكشف جامعٍ ذاتيٍّ بين أطرافه، هو أمرٌ غير صحيح. وإنّما التحليل الصحيح لا بدّ أن يرتكز علىٰ الآليّات الأصوليّة الداخليّة، ومنها: تماميّة الملاك في كلِّ طرف، وتعدّد الأمر، والترخيص الشرعي البدلي.

دراسة الإشكالات الثلاثة للمحقّق الخوئي علىٰ صورة الآخوند الأولىٰ

الإشكال الثاني: انتفاء الدليل الإثباتي علىٰ وجود جامعٍ ماهويٍّ بين الأطراف

تقدّم في محصّلة المحور الأوّل أنّ الاستناد إلىٰ قاعدة الواحد لكشف جامعٍ ذاتيٍّ من «وحدة الغرض» في ما نحن فيه ليس بتامّ؛ وذلك لأنّ القاعدة إنّما تجري في «الواحد الشخصي البسيط»، ووحدة الغرض في أطراف الواجب التخييري هي غالباً «نوعيّة»، فتقع خارج نطاق القاعدة. يُضاف إلىٰ ذلك أنّنا في هذه الدورة، وبعد إعادة قراءة المباني علىٰ نحوٍ تفصيليّ، قد ناقشنا في أصل القاعدة، فخلصنا إلىٰ أنّه — حتّىٰ علىٰ فرض قبولها في الجملة — لا مجال للاستناد إليها في علم الأصول، ولا بدّ من إخراجها من دائرة الاستدلالات الأصوليّة. هذا ما تحصّل من المحور الأوّل.

وأمّا الإشكال الثاني الذي يورده السيد الخوئي (قدس سره) فهو أنّه: حتّىٰ لو سلّمنا — علىٰ فرض المحال — بأنّ وحدة الغرض كاشفةٌ عن جامع، فإنّه لا دليل كافياً علىٰ وجود «قدرٍ جامعٍ ماهويٍّ أو حقيقيٍّ» بين أطراف الواجب التخييري في كثيرٍ من الموارد. فقد تكون الأطراف من مقولاتٍ مختلفة؛ بل قد يكون أحدها «أمراً وجوديّاً» والآخر «أمراً عدميّاً». ومن البديهي أنّه في مثل هذه الموارد لا وجه لتصوير «جامعٍ حقيقيٍّ واحد» بين الأطراف، فتكون صغرىٰ الاستدلال (وهي ثبوت جامعٍ ذاتيٍّ بين الأطراف) مخدوشة. والنقل عن السيد الخوئي في هذا المقام واضحٌ، حيث يقول:

… ما أفاده (قده) لو تمّ فإنما يتمّ فيما يمكن وجودُ جامعٍ حقيقيٍّ بينهما كان يكونا فردين أو نوعين من طبيعةٍ واحدة، وأما فيما إذا لم يمكن وجودُ جامعٍ كذلك—كما إذا كان كلٌّ منهما من مقولةٍ على حدة—فلا يتمّ أصلاً. ومن الواضح أنّ التخيير بين فعلين أو أفعال لا يختصّ بما إذا كانا من مقولةٍ واحدة، بل كما يمكن أن يكونا كذلك يمكن أن يكون أحدُهما من مقولةٍ والأخرى من مقولةٍ أخرى، أو أن يكون أحدُهما أمراً وجودياً والآخر أمراً عدمياً، ومن المعلوم أنّه لا يمكن تصويرُ جامعٍ حقيقيٍّ بينهما في أمثال ذلك كما هو واضح.[1]

والنتيجة هي أنّه — حتّىٰ مع التسليم بالكبرىٰ — فإنّه مع عدم إحراز «جامعٍ ماهويٍّ واحد» بين الأطراف، لا يثبت مدّعىٰ إرجاع الأمر إلىٰ الجامع، وإرجاع التخيير الشرعي إلىٰ التخيير العقلي. وعليه، فإنّ تحليل الواجب التخييري لا بدّ أن يُبنىٰ علىٰ مبانٍ أصوليّةٍ داخليّةٍ مناسبةٍ للمقام، لا علىٰ فرض جامعٍ ماهويٍّ لم تُحرَز صغراه في موارد الابتلاء.

الإشكال الثالث: ضرورة كون متعلَّق التكليف أمراً عرفيّاً وعدم تماميّة الإرجاع إلىٰ الجامع العقلي
بعد أن استُكمِلَ البحث في المحورين الأوّلين، نصل إلىٰ الإشكال الثالث الذي يورده المحقّق الخوئي. فإنّه (قدس سره) — حتّىٰ مع التنزل والقبول بالمقدّمتين السابقتين — يذهب إلىٰ أنّ الجامع المكشوف بالبرهان العقلي لا صلاحيّة له لكي يتعلّق به الأمر؛ وذلك لأنّ متعلَّق التكليف لا بدّ أن يكون «أمراً قابلاً للإلقاء إلىٰ العرف»، و«القدر الجامع» الذي لا يدركه إلّا العقل الفلسفي يقع خارج أفق الفهم العرفي، فلا يمكن أن يكون موضوعاً للخطاب الشرعي. وفي هذا الصدد، يقول (قدس سره):

لو تنزّلنا… وسلّمنا… إلاّ أنّ الجامعَ المزبور ممّا لا يصلح أن يكون متعلّقاً للأمر، ضرورةَ أنّ متعلّقَ الأمر لا بدّ أن يكون أمراً عرفيّاً قابلاً للإلقاء إليهم، وأمّا هذا الجامع المستكشف بالبرهان العقلي فهو خارجٌ عن أذهانهم… لوضوح أنّ الخطابات الشرعيّة… على طبق المتفاهم العرفيّ، ولا يعقل تعلّق الخطاب بما هو خارج عن متفاهمهم.[2]

محصّلة الإشكالات الثلاثة للمحقّق الخوئي: لقد اتّضح بالنسبة إلىٰ المحور الأوّل من الإشكالات أنّه — حتّىٰ علىٰ فرض القبول — تختصّ قاعدة الواحد بـ «الواحد الشخصي البسيط»، ولا تجري في «الوحدة النوعيّة للغرض». يُضاف إلىٰ ذلك أنّ أصل القاعدة ليس ممّا يُستند إليه في هذا المقام الأصوليّ. وتبيّن في المحور الثاني أنّه لا يمكن إثبات «جامعٍ ماهويٍّ ذاتيٍّ» بين الأطراف في كثيرٍ من التطبيقات؛ وذلك لأنّ الأطراف قد تكون منسوبةً إلىٰ مقولاتٍ متباينة، بل أحياناً إلىٰ الوجود والعدم. والآن في المحور الثالث، فحتىٰ مع الإغماض عن الإشكالين السابقين، يبقىٰ مانعُ عدمِ كون متعلَّق التكليف أمراً عرفيّاً قائماً.

الإجابة علىٰ الإشكال الثالث
وفي قبال هذا الإشكال، يمكن بيان نقطتين لدرء هذا المانع:

أوّلاً: إنّ معيار الامتثال إنّما هو فهم الآثار والوظيفة العمليّة، لا إدراك حقيقة المتعلَّق في مقام الثبوت. فخطاب الشارع في الواجب التخييري هو أمرٌ واضحٌ وقابلٌ للفهم لدىٰ العرف: «ائْتِ بواحدٍ من هذه الخصال». فالعرف يفهم هذا ويقوم بالامتثال علىٰ أساسه. وأمّا أن يحكم العقل، في مقام التحليل الثبوتي لواقع الجعل، بأنّ المتعلَّق الحقيقي للوجوب هو «الجامع»، فهذا أمرٌ تحليليٌّ لا يلزم أن يكون في أفق فهم المخاطب العرفي. فلو كان الخطاب يقول: «أدرِكِ الجامع وأتِ به»، لكان الإشكال وارداً. والحال أنّ لسان الدليل هو ذلك الأمر العرفيّ الواضح بـ «أحد الأطراف»، والامتثال إنّما يقع علىٰ هذا الأساس.

ثانياً: إنّ هذا الجواب يترسّخ من خلال القياس علىٰ البحث المشهور في «تعلّق الأمر بالطبائع». ففي ذلك البحث، قُبِلَ علىٰ نحوٍ غالبٍ بأنّ التكاليف تتعلّق بـ «الطبيعة»، لا بالأفراد؛ والدليل علىٰ ذلك عقليٌّ أيضاً (وهو إشكال تحصيل الحاصل في الفرد الموجود، والتكليف بالمعدوم في الفرد المعدوم). وفي الوقت نفسه، فإنّ العرف في مقام الامتثال ينظر إلىٰ الفرد الخارجي ويأتي به. وعليه، فإنّ «كون تحليل المتعلَّق الحقيقي للأمر أمراً عقليّاً» لا ينافي كون الخطاب عرفيّاً وصحّة الامتثال. وكما قُبِلَ هذا في باب الطبائع، كذلك يمكن في الواجب التخييري تفكيكُ التحليل الثبوتي لـ «الأمر بالجامع» عن دائرة «الإفهام العرفي في مقام الخطاب».

وليس المقصود من هذا الجواب أنّ «الخطاب» متوجّهٌ إلىٰ ذلك الجامع، بل إنّ الخطاب قد ورد بلسانٍ عرفيٍّ علىٰ «أحد الأطراف»، والامتثال إنّما يُبنىٰ علىٰ هذا الأساس. وتحليل «الأمر بالجامع» إنّما هو في مقام الثبوت وتفسير واقع الجعل فحسب. وعليه، فإنّ مفاد إشكال السيد الخوئي — الذي هو ناظرٌ إلىٰ «قابليّة تعلّق الخطاب» — يُجاب عنه بهذا التفريق، لا بادّعاء كون الجامع أمراً لسانيّاً في مقام البيان. وعلىٰ هذا الأساس، فإنّ التفريق بين «مقام ثبوت الجعل» و«مقام الخطاب والامتثال» يمكنه أن يرفع مانع عدمِ كون المتعلَّق أمراً عرفيّاً: فالخطاب عرفيّ، والامتثال يرتكز علىٰ «أحد الأطراف»، وإن كان التحليل الثبوتي لواقع الجعل عقليّاً وناظراً إلىٰ الجامع.

الصورة الثانية في نظرية الآخوند وإشكالات المحقّق الخوئي
في الصورة الثانية من كلام المحقق الخراساني — والتي هي الركن الأساس لنظريّته في الواجب التخييري — يُفترض أنّ أطراف التخيير لا تشترك في «غرضٍ واحد»، بل إنّ لكلِّ طرفٍ غرضاً لزوميّاً مستقلاً، كما أنّ غرض كلِّ طرفٍ لا يجتمع مع غرض الطرف الآخر. وعلىٰ هذا المبنىٰ، يكون حكم الواجب التخييري «سنخاً من الوجوب»، لا يُعرَف إلّا من خلال آثاره الثلاثة: وهي عدم جواز ترك كلِّ طرفٍ إلّا إلىٰ بدله، وترتّب الثواب علىٰ فعل الواحد، وثبوت العقاب علىٰ ترك المجموع. وهذه البنية هي التي تبيّن حقيقة التخيير الشرعي في فرض تعدّد الأغراض المتضادّة.

الإشكال الأوّل للمحقّق الخوئي: مخالفة ظاهر «أو»
إنّ السيد الخوئي (قدس سره) في «النقطة الثانية» من تقريره، يسمّي هذه البنية عينها بالتخيير الشرعي، ولكنّه يورد عليها إشكالاً مفاده أنّ هذا التحليل لا ينسجم مع ظاهر الأدلّة؛ وذلك لأنّ الظاهر من العطف بأداة «أو» في نحو «أعتق أو صم» هو أنّ «الواجب أحدهما لا كلاهما». وعليه، فلو كان لكلِّ طرفٍ غرضٌ لزوميٌّ مستقلّ، لكان لازم ذلك تعدّد الوجوب، لا وجوب أحدهما. وفي هذا الصدد، يقول (قدس سره):

فإنّ الظاهرَ من العطفِ بكلمة (أو) هو أنّ الواجبَ أحدُهما لا كلاهما.[3]

الجواب علىٰ الإشكال الأوّل

ويُجاب علىٰ ذلك أوّلاً بأنّ الكلام في هذا المقام إنّما هو ناظرٌ إلىٰ «التحليل الثبوتي»، لا إلىٰ مجرّد الاحتجاج بظهور اللفظ. فالشارع يقول للعرف: «ائتِ بواحدٍ من هذه الخصال»، والعرف يفهم ذلك بوضوح ويمتثل علىٰ أساسه. وأمّا أنّه في واقع الجعل، كيف يُحلَّل تعلّق التكليف — هل هو بالجامع أم بـ «الواجب التعييني المشروط» — فهذا بحثٌ ثبوتيٌّ عقليٌّ لا يلزم أن يكون العرف مدركاً له. فإذا كان التحليل الثبوتي المعقول الوحيد يستلزم العدول عن الظهور الابتدائي، فإنّ الوزن في مثل هذا المورد يكون للتحليل الثبوتي. ثمّ في مقام الإثبات، لا بدّ إمّا من العثور علىٰ قرينةٍ للجمع الدلالي، وإمّا من حمل الظهور علىٰ نحوٍ معقول.

ثانياً: إنّ فهم الآثار كافٍ لتحقّق الامتثال العرفي؛ فيكفي أن يعلم العرف بأنّ ترك كلِّ طرفٍ منوطٌ بالإتيان بعدله الآخر، وأنّ الإتيان بالواحد كافٍ وموجبٌ للثواب، وأنّ الجمع بين التروك يوجب العقاب. فمع وضوح هذه الآثار، يتحقّق الامتثال، حتّىٰ وإن كان التحليل الثبوتي لواقع الجعل في الخلفيّة يُقرَّر علىٰ نحوٍ آخر (أي كسنخٍ خاصٍّ من الوجوب التخييري ذي آثارٍ ثلاثة).

تنبیه: إذا كان هناك تحليلٌ ثبوتيٌّ — كـ «الوجوب التعييني المشروط» أو «حمل الوجوب علىٰ جامعٍ بدليٍّ انتزاعيّ» — أكثر انسجاماً مع ظاهر «أو»، فهو الأرجح طبعاً. بَيدَ أنّه إذا كانت الصورة المعقولة الوحيدة، بناءً علىٰ تقرير الآخوند في محوره الثاني، هي صورة «النحو من الوجوب» ذي الآثار الثلاثة، فإنّ المخالفة البدويّة للظاهر لا تكون حاسمة؛ إذ إنّ الظهور يُقاس في عرض التحليل الثبوتي، ويبقىٰ مجال الجمع الدلالي أو الحمل العرفي — كأن تُلحظ أداة «أو» في مقام الامتثال — محفوظاً. والنتيجة هي أنّه في المحور الثاني من نظرية الآخوند، يكون التخيير في فرض تعدّد الأغراض المتضادّة تخييراً شرعيّاً يُعرَّف بآثاره الثلاثة. وإشكال مخالفة ظاهر «أو» — باعتبار التفريق بين مقامي الثبوت والإثبات، وكفاية الآثار لتحقّق الامتثال العرفي — لا يمكنه أن يمنع من تماميّة هذا التحليل الثبوتي؛ وتُتابع المقارنة النهائية بين الظهور وهذا التحليل في مقام الجمع الدلالي.

الإشكال الثاني للمحقّق الخوئي: الجمع بين «تضادّ الغرضين» و«القدرة علىٰ جمع الفعلين»
في المحور الثاني من تقرير المحقّق الخراساني، يُفترض أنّ لكلِّ طرفٍ من أطراف الواجب التخييري غرضاً لزوميّاً مستقلاً، وأنّ غرض كلِّ طرفٍ لا يجتمع مع غرض الطرف الآخر؛ وفي الوقت نفسه، يكون المكلّف قادراً علىٰ الإتيان بكلا الفعلين. وقد أورد السيد الخوئي (قدس سره) إشكالاً علىٰ هذه البنية، فذهب إلىٰ أنّ الجمع بين «تضادّ الغرضين» و«القدرة علىٰ جمع الفعلين» هو فرضٌ بعيد، بل هو «ملحقٌ بأنياب الأغوال»؛ وذلك لأنّه إذا كان الغرضان متضادّين، لكان مقتضىٰ التضادّ هو أن لا يتحقّق الآخر مع تحقّق أحدهما، والحال أنّ فرض القدرة علىٰ جمع الفعلين ينفي هذه اللوازم. وفي هذا الصدد، يقول (قدس سره):

و ثانياً: إن فُرض كونُ الغرضين متضادّين فلا يمكن الجمع بينهما في الخارج مع فرضِ كونِ المكلّف قادراً على إيجادِ كِلا الفعلين فيه بعيدٌ جدّاً، بل هو ملحقٌ بأنياب الأغوال، ضرورةَ أنّا لا نعقلُ التضادّ بين الغرضين مع عدمِ المتضادّة بين الفعلين؛ فإذا فُرض أنّ المكلّف متمكّنٌ من الجمع بينهما خارجاً فلا مانعَ من إيجابِهما معاً عندئذٍ.[4]

وتقريب الإشكال: إنّ مبنىٰ هذا الإشكال هو أنّه لو كان الغرضان متضادّين واقعاً، لكان الجمع بينهما في الخارج ممتنعاً. وعليه، فلا بدّ إمّا من القول بأنّ الفعلين أيضاً — من حيث تأثيرهما — لا يملكان في مقام الاجتماع قابليّة تحصيل كلا الغرضين، وإمّا أنّه لو كان الفعلان قابلين للجمع والمكلّف متمكّناً منهما، لما بقي وجهٌ للمنع من «الإيجاب الجمعي»، ولا وجه للتخيير. وعلىٰ هذا الأساس، فإنّ الجمع بين «تضادّ الغرضين» و«القدرة علىٰ جمع الفعلين» يغدو أمراً غير موجَّه.

ملاحظة: بناءً علىٰ القراءة التي تقدّمت، فإنّ حمل عبارة «الكفاية» علىٰ «عدم بدليّة الأغراض» — لا علىٰ التضادّ بالذات — يمهّد الطريق للجمع بين «القدرة علىٰ جمع الفعلين» و«عدم إمكان جمع الغرضين» علىٰ نحوٍ أيسر. فالفعلان قابلان للجمع في الخارج، ولكنّ الغرضين غير قابلين للاجتماع في ظرف التأثير. وهذا التفريق ينسجم مع سياق عبارة الآخوند، إذا ما حُمِلت جملة «لا يكاد يحصل الغرض في الآخر مع حصول الغرض في الأوّل» علىٰ نفي «بدليّة الأغراض»، لا علىٰ تضادّها الذاتي؛ فكلُّ غرضٍ قائمٌ بفعله الخاصّ، وبحصول أحدهما لا يتحصّل الآخر. بَيدَ أنّ غالب المحشّين قد فهموا من هذه العبارة للآخوند افتراضَ التضادّ بين الأغراض، وسنجيب نحن أيضاً علىٰ هذا الأساس.

و صلّی اللّه علی محمّد و آله الطّاهرین


--------------------
[1]- ‏ابوالقاسم خویی، محاضرات فی أصول الفقه، با محمد اسحاق فیاض (قم: دارالهادی، 1417)، ج 4، 36.
[2]- نفس المصدر، 37.
[3]- نفس المصدر.
[4]- نفس المصدر.

-----------------
المصادر:
- خویی، ابوالقاسم‏. محاضرات فی أصول الفقه. با محمد اسحاق فیاض. ۵ ج. قم: دارالهادی، 1417.




۴۳ الزيارة

رأيك

رمز الامان
مطالب اكثر...
ساعد على توسيع الكلمات المفتاحية للدروس

اقترح كلمة مفتاحية لهذا الدرس
خلاصات الملاحظات

خلاصة البحث السابق
دراسة الإشكالات الثلاثة للمحقّق الخوئي علىٰ صورة الآخوند الأولىٰ
الإشكال الثاني: انتفاء الدليل الإثباتي علىٰ وجود جامعٍ ماهويٍّ بين الأطراف
الإشكال الثالث: ضرورة كون متعلَّق التكليف أمراً عرفيّاً وعدم تماميّة الإرجاع إلىٰ الجامع العقلي
الإجابة علىٰ الإشكال الثالث
الصورة الثانية في نظرية الآخوند وإشكالات المحقّق الخوئي
الإشكال الأوّل للمحقّق الخوئي: مخالفة ظاهر «أو»
الجواب علىٰ الإشكال الأوّل
الإشكال الثاني للمحقّق الخوئي: الجمع بين «تضادّ الغرضين» و«القدرة علىٰ جمع الفعلين»
المصادر