الواجب التعیینی و التخییری
الجلسة 31- بتاريخ 20 جمادی الاول 1447
خلاصات الملاحظات
خلاصة البحث السابق
الصورة الأولىٰ في تقرير الآخوند برواية المحقّق الخوئي: وحدة الغرض وكشف الجامع
التقرير الفلسفي لقاعدة الواحد: التّشخّص السابق واللاحق وعلاقته بالضرورة
سنخيّة العلّة والمعلول وامتناع توارد العلّتين
تبيين الشقّ الثاني من قاعدة الواحد وتحديد موضوعه
نقد استناد الآخوند إلىٰ «قاعدة الواحد» في صورة وحدة الغرض
الغموض في نوع الوحدة وتحديد موضوع قاعدة الواحد
المصادر
الحمدللّه ربّ العالمین وصلّی اللّه علی محمّد و آله الطّاهرین
خلاصة البحث السابق
ففي هذه الصورة، وبناءً علىٰ تقرير المحقّق الخوئي، إذا كانت أطراف الواجب التخييري تشترك في «غرضٍ واحدٍ حقيقيّ»، فإنّ وحدة الغرض تكون كاشفةً عن وجود «جامعٍ حقيقيٍّ واحد» بين تلك الأفعال، ويكون الأمر في الواقع قد تعلّق بذلك الجامع نفسه. وبعبارةٍ أخرىٰ، إنّ وحدة الأثر السنخي — وهو الغرض الواحد — تدلّ علىٰ أنّه في صميم التباين الظاهري للأطراف، توجد حيثيّةٌ جامعةٌ مشتركة، هي المتعلَّق الحقيقي للتكليف. ومبنىٰ هذا الكشف هو القاعدة الفلسفيّة التي يقرّرها السيد الخوئي (قدس سره) بقوله:
الأمورُ المتباینةُ لا يمكن أن تُؤثِّر أثراً واحداً بالسنخ.[1]
أي أنّ الأمور المتباينة بما هي متباينة لا تصدر عنها أثرٌ سنخيٌّ واحد.وعليه، فإذا افترضنا في مقام الجعل أنّ الغرض واحد، فلا مناص من القول بثبوت «جهةٍ جامعةٍ حقيقيّة» بين الأطراف. وتكون النتيجة هي أنّ المتعلَّق الحقيقي للوجوب أيضاً جامعٌ وحداني، حتّىٰ وإن كان المتعلَّق الظاهري للخطاب هو الأفراد المتعدّدة. وعلىٰ هذا الأساس، فإنّ ما يبدو في ظاهر الخطاب تخييراً شرعيّاً، يؤول في حقيقته إلىٰ «تخييرٍ عقليّ»؛ وذلك لأنّ الأمر المولوي قد تعلّق حقيقةً بالجامع، والعقل، بعد كشفه عن الجامع، يرىٰ المكلّف مخيّراً في تطبيق ذلك الكلّي علىٰ أيٍّ من أفراده. وبتعبيرٍ إثباتيّ، فإنّ «نصب أداة أو» في لسان الدليل إنّما له وظيفةٌ بيانيّةٌ محضة، أمّا الحقيقة الثبوتيّة للحكم فهي الأمر بالجامع. وبذلك يكون التخيير الواقعي عقليّاً، وإن كان الظاهر يوحي بكونه تخييراً شرعيّاً. یقول السيد الخوئي (قدس سره) في هذا الصدد:
إنّ الغرضَ إذا كان واحداً بالذات والحقيقة، فلا محالةَ يكشف عن وجودِ جامعٍ وحدانيٍّ ذاتي بين الفعلين أو الأفعال بقاعدة أنّ الأمور المتباينة لا يمكن أن تؤثّر أثراً واحداً بالسنخ؛ فوحدةُ الغرضِ هنا تكشف عن جهةٍ جامعةٍ حقيقيةٍ بينها، فيكون ذلك الجامع هو متعلّقَ الوجوبِ بحسب الواقع والحقيقة، وإن كان متعلّقه بحسب الظاهر هو كلَّ واحدٍ منها؛ وعليه يكون التخييرُ بينها عقلياً لا شرعياً… .[2]
بيان القاعدة ومقدّماتها: إنّ التحليل الفلسفي لقاعدة الواحد — بتقرير السيد الخوئي — يرتكز علىٰ مقدّمتين تعودان في حقيقتهما إلىٰ مبنىً واحد. فالمقدّمة الأولىٰ هي أنّ: «كلَّ معلولٍ يتعيّن في مرتبة ذات علّته». ومعنىٰ ذلك أنّ المعلول، باعتبار ربطه و فقره الوجودي، ليس إلّا مرتبةً نازلةً من وجود العلّة، فهو «كامنٌ» و«مندرجٌ» في صميم وجودها. وعليه، فإنّه قبل تحقّقه الخارجي، يكون ممتلكاً لتعيّنه الخاصّ في مرتبة علّته؛ وهذا هو ما يُصطلح عليه بـ «التشخّص السابق». ثمّ إذا ما وُجد في مرتبته الخاصّة، تشخّص بوجوده الخاصّ، وهو ما يُعرف بـ «التشخّص اللاحق».
والمقدّمة الثانية هي أنّ: «الشيء ما لم يجب لم يوجد»؛ أي أنّ الشيء ما لم يبلغ مرتبة الضرورة — ولو بالغير — لا يمكن أن يوجد. ومضمون هذه المقدّمة ليس إلّا تعبيراً آخر عن التشخّص السابق؛ فإنّ المعلول في مرتبة ذات علّته يبلغ «الوجوب بالغير» (وهو الوجوب السابق)،[3] ثمّ في ظرف تحقّقه، ينقلب ذلك الوجوب إلىٰ «وجود» (وهو الوجوب اللاحق). فكما أنّ تحقّق الشيء يتوقّف علىٰ تشخّصه السابق، كذلك يتوقّف علىٰ ضرورته السابقة.
النتيجة والمفاد: فبناءً علىٰ هاتين المقدّمتين، إذا كانت العلّة «واحدةً شخصيّةً بسيطةً» من جميع الجهات، فلا يصدر عنها إلّا «تعيّنٌ واحد». وإذا كان «الأثر/الغرض» واحداً شخصيّاً بالفعل، فإنّ ذلك يقتضي أن تكون علّته التامّة واحدةً شخصيّةً أيضاً. وهذا هو مفاد قاعدة الواحد: «الواحد لا يصدر عنه إلّا الواحد». وعليه، فإذا أُحرِزَت في موردٍ ما الوحدةُ الواقعيّة للأثر، كُشِفَ من خلالها عن الوحدة السنخيّة للمتعلَّق. وأمّا إذا كانت الوحدة نوعيّةً لا شخصيّة، فلا يلزم من ذلك كشفُ جامعٍ شخصيّ.
علىٰ أساس هذا المبنىٰ، تتبيّن سنخيّة العلّة والمعلول؛ فإنّ المعلول ليس إلّا ظهوراً وتجلّياً للعلّة في مرتبةٍ أضعف، وهو مرتبةٌ من مراتب وجودها. وعليه، تكون السنخيّة بينهما ضروريّة، ويكون فرض صدور المعلول من علّةٍ لا سنخيّة بينها وبينه أمراً ممتنعاً. وكذلك علىٰ هذا المبنىٰ، يستحيل «توارد علّتين علىٰ معلولٍ شخصيٍّ واحد»؛ إذ إنّ لازم التشخّص السابق للمعلول هو أن يكون متعيّناً في مرتبة ذات علّةٍ واحدة، وافتراض تعيّن ذلك المعلول الشخصي نفسه في مرتبة ذات علّتين مستقلّتين يستلزم تعدّد ذلك المعلول، وهو محال. وعلىٰ هذا القياس، يستحيل أيضاً صدور معلولين متباينين من علّةٍ واحدةٍ شخصيّةٍ بسيطة، إلّا أن تُفترض كثرةُ الجهات في العلّة؛[4] وذلك لأنّ تعيّن كلِّ معلولٍ في مرتبة ذات العلّة يفتقر إلىٰ جهةٍ خاصّةٍ فيها، واجتماع تعيّنين متباينين من دون فرض جهتين متباينتين في العلّة، خُلفُ فرض بساطة العلّة الشخصيّة.
حدود القاعدة ومجالها: إنّ مفاد قاعدة الواحد إنّما هو ناظرٌ إلىٰ «الواحد الشخصي البسيط» في صعيد العلّيّة التكوينيّة. فمن وحدة الأثر السنخيّة أو النوعيّة، لايُكشَف بالضرورة عن وجود جامعٍ شخصيٍّ في العلّة. بَيْدَ أنّ تسريَة هذه القاعدة من عالم التكوين إلىٰ صعيد الاعتبار والتشريع تفتقر إلىٰ إثبات نحوٍ من السنخيّة بين الموردين يبرّر هذا الانتقال. وهذا القيد لا بدّ من مراعاته عند تطبيق القاعدة علىٰ مباحث كالواجب التخييري، وعلىٰ نسبة «وحدة الغرض» إلىٰ «كشف جامع المتعلَّق». وفي هذا الصدد، يقول المحقّق الخوئي (قدس سره):
يتّضح الآن الشقّ الثاني من قاعدة الواحد بناءً علىٰ مبدأ «التشخّص السابق» نفسه. فكما أنّه يستحيل أن يتشخّص المعلول الشخصي الواحد في ذاتي علّتين مستقلّتين ومتباينتين (وهو امتناع توارد العلّتين علىٰ معلولٍ واحد)، فكذلك يستحيل صدور الكثرة من العلّة الشخصيّة الواحدة — مع فرض وحدة الجهة علىٰ نحوٍ حقيقيّ. ومبنىٰ هذا الامتناع هو قاعدة «الشيء ما لم يتشخّص لم يوجد» عينها. فلو صدر عن علّةٍ واحدةٍ معلولان مستقلّان، للزم من ذلك افتراض وجود حيثيّتين متباينتين في ذات تلك العلّة «لتؤثّر بإحداهما في معلولٍ وبالأخرىٰ في آخر». إنّ كلَّ معلولٍ، باعتبار تعيّنه السابق، يمتلك «تشخّصه السابق» في مرتبة ذات علّته. وعليه، فإنّ تحقّق معلولين متباينين يستلزم وجود تعيّنين سابقين في ذات العلّة. هذا، في حين أنّه لو فُرضت العلّة «واحدةً شخصيّةً من جميع الجهات»، لكانت كثرة الجهات فيها أمراً غير معقول. وبذلك، يستحيل صدور معلولين من مثل هذه العلّة؛ إذ «لا يُعقَل أن يكون كلاهما من مراتب وجودها ومتعيِّنَينِ في ذاتها».[6]
وعلىٰ هذا الأساس، يكون الموضوع الدقيق للقاعدة هو «الواحد الشخصي البسيط من جميع الجهات». وعلىٰ هذا التحديد، تجري القاعدة — علىٰ أتمّ نحوٍ — في حقّ واجب الوجود بالذات. وأمّا إذا لم يكن «الواحد الشخصي» بسيطاً من جميع الجهات — كما في بعض المصاديق الطبيعيّة كالماء والنار — فإنّ رؤية الآثار الخاصّة (كالبرودة للماء والحرارة للنار) لا تنفي أصل القاعدة، بل إنّها تدلّ علىٰ أنّه في هذا السنخ من العلل تُفترض جهاتٌ متكثّرةٌ أو حيثيّاتٌ تُنتزَع من الماهيّة والعوارض، وعليه، لا يكون محلّ جريان القاعدة بمعناها الفلسفي الدقيق (أي البسيط من جميع الجهات) متحقّقاً. ومن هنا، فإنّ تعابير من قبيل «شخصيّةٌ من جميع الجهات» تؤول في حقيقتها إلىٰ معنىٰ «بسيطٌ من جميع الجهات»، أي نفي أيّ نحوٍ من الكثرة الحيثيّة في ذات العلّة.[7] فالمحصّلة هي أنّ التحليل القائم علىٰ مبدأ «تعيّن المعلول في مرتبة ذات علّته» و«ضرورته السابقة»، ينتج كلا شقّي القاعدة:
أوّلاً: امتناع صدور المعلول الشخصي الواحد من عللٍ متعدّدةٍ مستقلّة، وذلك لاستحالة اجتماع تعيّنين سابقين لمعلولٍ واحدٍ في ذاتين مستقلّتين.
ثانياً: امتناع صدور الكثير من العلّة الشخصيّة الواحدة البسيطة، وذلك لأنّ صدور معلولين يقتضي وجود حيثيّتين في ذات العلّة، وهو ما يخالف فرض البساطة ووحدة الجهة.
في تقرير الصورة الأولىٰ من نظرية الآخوند، إذا كانت أطراف الواجب التخييري تشترك في «غرضٍ واحد»، فإنّ وحدة الغرض تُعَدّ كاشفةً عن وجود «جامعٍ حقيقيٍّ واحد» بين تلك الأفعال. وعلىٰ هذا الأساس، يكون الأمر في الواقع قد تعلّق بالجامع، ويغدو التخيير الواقعي عقليّاً. إلّا أنّ السيد الخوئي (قدس سره) يورد إشكالاً علىٰ هذا الاستدلال، فيذهب إلىٰ أنّ الارتكاز فيه علىٰ القاعدة الفلسفيّة المعروفة بـ «قاعدة الواحد» ليس تامّاً في ما نحن فيه. وأصل هذا النقد كان قد قرّره المحقّق الأصفهاني من قبل.[8]
أوّلاً: إنّ موضوع قاعدة الواحد هو «الواحد الشخصي البسيط من جميع الجهات»، لا «الواحد النوعي» أو «السنخي». وكما يصرّح السيد الخوئي (قدس سره)، فإنّ برهان استحالة «صدور الواحد من الكثير» و«صدور الكثير من الواحد» لا يجري في الواحد النوعي. فأمّا عدم جريانه في الشقّ الثاني، فلأنّه لا امتناع في صدور الكثير من الواحد النوعي؛ إذ إنّ كلَّ معلولٍ شخصيٍّ إنّما يستند في الواقع إلىٰ «فردٍ» من ذلك النوع، وما إسناده إلىٰ «الجامع» إلّا من باب لحاظ القدر المشترك. وأمّا عدم جريانه في الشقّ الأوّل، فلأنّه لا محذور في صدور الواحد النوعي من الكثير؛ إذ إنّ الواحد النوعي له أفرادٌ متعدّدة، وكلُّ فردٍ منها يمكن أن يستند إلىٰ علّةٍ بالخصوص.
ثانياً: لا بدّ من التفريق بين صعيد التكوين وصعيد التشريع. فقاعدة الواحد إنّما هي ناظرةٌ إلىٰ العلّيّة الطبيعيّة. وتسريتها من دون واسطةٍ إلىٰ صعيد الغايات التشريعيّة ومقاصد الشارع تفتقر إلىٰ إثبات نحوٍ من السنخيّة بين الموردين. فـ «الغرض» في عالم التشريع هو أمرٌ اعتباريٌّ غائيّ، ويمكن تحصيله من خلال مجارٍ متباينة. ووحدة هذا الغرض هي غالباً «وحدةٌ نوعيّة»، لا «وحدةٌ شخصيّة»، ومثل هذه الوحدة لا تكشف عن «جامعٍ حقيقيٍّ واحد» في الموضوعات.[9] وفي هذا الصدد، يصرّح السيد الخوئي (قدس سره) بقوله:
الواحد النوعيّ لا يكشف عن وجود جامع وحداني أصلاً… والغرض المترتّب على الواجب التخييري ليس واحداً شخصياً بل واحد بالنوع.[10]
ثالثاً: حتّىٰ في الصعيد الطبيعي، لا تلازم بين وحدة الأثر السنخيّة ووحدة العلّة الشخصيّة. والمثال الواضح علىٰ ذلك هو الحرارة؛ فهي تارةً تُسند إلىٰ إشراق الشمس، وأخرىٰ إلىٰ النار، وثالثةً إلىٰ الغضب، ورابعةً إلىٰ الحركة، وخامسةً إلىٰ القوّة الكهربائيّة. وعلىٰ فرض اجتماع هذه الأسباب، فإنّ «المؤثّر هو كلّ واحدٍ واحدٍ» علىٰ الاستقلال، لا «الجامعُ» الموهومُ بينها. فإنّ دعوىٰ أنّ «المؤثّر هو الجامع بين تلك الأسباب» هي دعوىٰ خلاف الوجدان وغير معقولة؛ وذلك لأنّ هذه الأسباب تقع في مقولاتٍ متعدّدة، وهي من «الأجناس العاليات» المتباينة بتمام الذات؛ فلا يُعقل وجود جامعٍ ماهويٍّ بينها:
لا يعقل وجود جامع ذاتي بين هذه الأسباب… فإنّها أجناس عاليات و متباينات بتمام ذواتها و ذواتياتها.[11]
في مقام نقد الصورة الأولىٰ من كلام المحقق الخراساني — التي جعلت «وحدة الغرض» كاشفةً عن «الجامع الواقعي» — لا بدّ أوّلاً من استجلاء نوع هذه الوحدة: فهل المراد هو «الواحد بالذات/بالحقيقة»، أم «الواحد بالنوع/بالعنوان»؟ إنْ كان الغرض واحداً حقيقيّاً شخصيّاً، فلا يكون كاشفاً عن جامعٍ حقيقيٍّ وحدانيٍّ في المتعلَّق. وأمّا إذا كانت الوحدة نوعيّةً أو عنوانيّة، فإنّ غاية ما تدلّ عليه هو وجود قدرٍ مشتركٍ سنخيّ. وفيما نحن فيه، لا دليل علىٰ أنّ وحدة الغرض هي «بالذات»، لا «بالعنوان». وعليه، فحتىٰ مع التسليم بكبرىٰ القاعدة، فإنّ صغراها في ما نحن فيه غير مُحرَزَة؛ فلا يكون استظهار «الأمر بالجامع الحقيقي» وإرجاع التخيير الشرعي إلىٰ التخيير العقلي تامّاً.
ويُضاف إلىٰ ذلك تحديد موضوع قاعدة الواحد؛ فإنّ القاعدة — سواءٌ في صيغة «الواحد لا يصدر إلّا عن الواحد» أم في صيغة «الواحد لا يصدر عنه إلّا الواحد» — إنّما هي، بحسب المباني الحكميّة، ناظرةٌ إلىٰ «الواحد الشخصي البسيط من جميع الجهات»، لا إلىٰ «الواحد النوعي» أو «السنخي». وقد فصّل صدر المتألّهين هذا التحديد في «الأسفار»، وجعل المجال التامّ لجريان القاعدة هو في حقّ «الواحد البسيط».[12] وعلىٰ هذا الأساس، لا يكون في الواحد النوعي امتناعٌ لـ «صدور الواحد من الكثير»، ولا لـ «صدور الكثير من الواحد»؛ وذلك لأنّ كلَّ معلولٍ شخصيٍّ إنّما يستند في الواقع إلىٰ «فردٍ» من تلك العلّة النوعيّة، وما إسناده إلىٰ النوع إلّا من باب لحاظ القدر المشترك. وعليه، فإنّ وحدة الغرض النوعيّة لا تكشف عن جامعٍ حقيقيٍّ وحدانيّ، بل غايتها الحكاية عن اشتراكٍ سنخيّ. ثمّ يُردف السيد الخوئي (قدس سره) قائلاً بأنّ التخيير في الأفعال لا يختصّ بمقولةٍ واحدة، ومع فرض اختلاف المقولة، يكون «تصوير الجامع الحقيقي» ممتنعاً. فتكون النتيجة عنده واضحة:
الواحد النوعيّ لا يكشف عن وجود جامعٍ وحداني أصلاً… والغرض المترتّب على الواجب التخييري ليس واحداً شخصياً بل واحد بالنوع… ومع عدمِ العلم بسنخ الغرض—على فرضِ كونه واحداً—لا نعلم سنخَ الجامعِ المستكشَف منه أنه واحدٌ بالذات أو بالعنوان.[13]
المحصّلة
نظراً للغموض الذي يكتنف نوع وحدة الغرض — حيث إنّ المحرَز في المقام ليس أكثر من «الوحدة النوعيّة أو العنوانيّة» — ومع لحاظ تحديد موضوع قاعدة الواحد في «الواحد الشخصي البسيط»، فإنّ استناد الصورة الأولىٰ للآخوند إلىٰ هذه القاعدة لكشف جامعٍ ذاتيٍّ وإرجاع التخيير الشرعي إلىٰ التخيير العقلي، ليس بتامّ. وبعبارةٍ أخرىٰ، فحتىٰ مع التسليم بكبرىٰ القاعدة، فإنّ صغراها في ما نحن فيه غير ثابتة. وعليه، يكون إشكال السيد الخوئي — الذي تعود جذوره إلىٰ كلمات المحقّق الأصفهاني — إشكالاً وارداً.[14]
و صلّی اللّه علی محمّد و آله الطّاهرین
[2]- نفس المصدر.
[3]- وكما أفاده المحقّق الأصفهاني (قدس سره): إنّ المعلول يستمدّ تشخّصه من علّته، والخصوصيّة التي أوجبت تعيّن المعلول هي ذاتيّةٌ للعلّة؛ وعليه، فإنّ هذا التشخّص موجودٌ في مقام ذات العلّة. (محمد حسین اصفهانی، نهایة الدرایة فی شرح الکفایة (بیروت: مؤسسة آل البیت علیهم السلام، 1429)، ج 2، 266.)
[4]- والحال أنّ المفروض هو أنّ العلّة واحدةٌ من جميع الجهات.
[5]- خوئی، محاضرات فی أصول الفقه، ج4، 34.
[6]- نفس المصدر
[7]- فلیُراجع: صدرالدین محمد بن ابراهیم الشیرازی، الحکمة المتعالیة فی الأسفار العقلیّة الأربعة (بیروت: دار إحیاء التراث، 1981)، ج 7، 209.
[8]- أنظُر: اصفهانی، نهایة الدرایة فی شرح الکفایة، ج 2، 266.
[9]- تجدر الإشارة إلىٰ أنّ تعبير «لا بدّ من التفريق بين صعيد التكوين وصعيد التشريع» لم يرد بهذا اللفظ في «المحاضرات»، وإن كان مضمونه يُستفاد من عبارة السيد الخوئي (قدس سره): «سنخ هذا الغرض غير معلوم... واحد بالذات أو بالعنوان». وعليه، فإنّ هذا المقطع إنّما هو بيانٌ إيضاحيّ، لا أنّه نصٌّ حرفيّ.
[10]- خوئی، محاضرات فی أصول الفقه، ج4، 35.
[11]- نفس المصدر.
[12]- الشیرازی، الحکمة المتعالیة فی الأسفار العقلیّة الأربعة، نفس المصدر.
[13]- خوئی، محاضرات فی أصول الفقه، ج4، 36.
[14]- ويزيد السيد الخوئي (قدس سره) في التحقيق دقّةً، فيذهب إلىٰ أنّه حتّىٰ مع فرض «وحدة الغرض»، فإنّه ما لم يُحرَز أنّ سنخ تلك الوحدة هو وحدةٌ «بالذات»، لا يمكن كشف جامعٍ حقيقيٍّ.
- اصفهانی، محمد حسین. نهایة الدرایة فی شرح الکفایة. ۶ ج. بیروت: مؤسسة آل البیت علیهم السلام، 1429.
- الشیرازی، صدرالدین محمد بن ابراهیم. الحکمة المتعالیة فی الأسفار العقلیّة الأربعة. ۹ ج. بیروت: دار إحیاء التراث، 1981.
- خویی، ابوالقاسم. محاضرات فی أصول الفقه. با محمد اسحاق فیاض. ۵ ج. قم: دارالهادی، 1417.
- الواجب التعييني
- الواجب التخييري
- التخيير العقلي
- التخيير الشرعي
- الجامع الحقيقي
- وحدة الغرض
- قاعدة الواحد
- العلّة والمعلول
- السنخيّة
- التشخّص السابق
- التشخّص اللاحق
- العلّة البسيطة
- الواحد الشخصي
- الواحد النوعي
- الجامع الذاتي
الملصقات:
ساعد على توسيع الكلمات المفتاحية للدروس
خلاصات الملاحظات
خلاصة البحث السابق
الصورة الأولىٰ في تقرير الآخوند برواية المحقّق الخوئي: وحدة الغرض وكشف الجامع
التقرير الفلسفي لقاعدة الواحد: التّشخّص السابق واللاحق وعلاقته بالضرورة
سنخيّة العلّة والمعلول وامتناع توارد العلّتين
تبيين الشقّ الثاني من قاعدة الواحد وتحديد موضوعه
نقد استناد الآخوند إلىٰ «قاعدة الواحد» في صورة وحدة الغرض
الغموض في نوع الوحدة وتحديد موضوع قاعدة الواحد
المصادر
رأيك