الواجب التعیینی و التخییری
الجلسة 29- بتاريخ 18 جمادی الاول 1447
خلاصات الملاحظات
خلاصة البحث السابق
محصّلة تقرير المحقّق الأصفهاني في حقيقة الواجب التخييري ومختاره
أمورٌ تمهيديّةٌ في تحليل الواجب التخييري الشرعي: تحريرُ محلّ النزاع
التخيير الشرعي ونقد مبنى «الأمر بأحدهما» عند المحقّق الخوئي
النقطة الثانية في تحقيق الواجب التخييري: معيار الثواب والعقاب ونسبته إلىٰ مصلحة التسهيل
إعادة النظر في «مصلحة التسهيل» في تحليل الواجب التخييري و العودة إلىٰ تقرير الآخوند
حقيقة الحكم وعلاقته بالغرض
الاختيار المولوي في جعل الترخيص ونقد تصوّر «العبد والمولىٰ» في المنهجيّة الأصوليّة
المصادر
الحمدللّه ربّ العالمین وصلّی اللّه علی محمّد و آله الطّاهرین
خلاصة البحث السابق
يرتكز تحقيق المحقّق الأصفهاني في حقيقة «الوجوب التخييري الشرعي» علىٰ تقسيمٍ خماسيٍّ للصور المتصوَّرة في مقام الثبوت. فإنّ أربعاً من هذه الصور إمّا أن تكون خارجةً عن محلّ النزاع، أو أنّها تؤول إلىٰ «التخيير العقلي»، وقد تولّىٰ المؤلّف نفسه تقرير الإشكالات عليها. وأمّا الصورة الخامسة — التي أثبتها في متن «نهاية الدراية» بوصفها القول المختار — فهي الصورة الوحيدة التي تصلح لتصوير «التخيير المولوي الشرعي» علىٰ نحوٍ معقولٍ في مقام الثبوت.
الصورة الخامسة: أركانها وصياغتها
في كلِّ واحدٍ من أطراف الواجب التخييري، يقوم غرضٌ ملزمٌ ومستقلٌّ يقتضي الإيجابَ التعييني؛ من دون أن يُفترض أيُّ تضادٍّ أو تقابلٍ أو كسرٍ وانكسارٍ بين الملاكات. وإنّما يطرأ هنا عنصرٌ عارض، وهو «مصلحة الإرفاق والتسهيل»، فيسوِّغ للشارع جعلَ الترخيص البدلي.
الجمع بين الإيجاب والترخيص البدلي: فيعمد الشارع، بملاك ذات كلِّ طرف، إلىٰ «إيجاب كليهما»، ثمّ بملاك التسهيل، «يرخّص في ترك كلٍّ منهما إلىٰ بدل». وبذلك، يتحصّل «إيجابٌ تخييريٌّ شرعيٌّ محض». وفي ظلّ هذه البنية، لا تكون هناك حاجةٌ لإرجاع الأمر إلىٰ «جامعٍ انتزاعيّ»، ولا إلىٰ اختزاله في «تخييرٍ عقليّ»؛ بل يكون التخيير مولويّاً بأكمله، ومنبثقاً عن الجمع بين الملاكات الذاتيّة وملاك التسهيل. وقد جاء التفصيل الصناعيّ لهذا الرأي المختار في حاشية «نهاية الدراية» ضمن بيانين، وهما ناظران إلىٰ الكيفيّة الدقيقة لصياغة «الترخيص البدلي» (أي حدود الترخيص وقيوده)، وثمرات ذلك في مقامي الامتثال والمؤاخذة (ومن جملتها حدود وحدة المخالفة والعقاب وتعدّدهما). والنقودات والتوضيحات التي تقدّمت — والتي تمحورت حول هذين البيانين — إنّما تُقيَّم وتُفهَم في هذا الإطار.
تحديد موضوع البحث: التخييرُ المولويُّ الشرعيّ
إنّ محلّ النزاع إنّما هو «التخييرُ الشرعيُّ المولويّ»، لا التخيير العقلي؛ أي ذلك التخيير الذي يوقعه الشارع بلسان الجعل بين متعلَّقين (كما هو الحال في تخيير المسافر في الأماكن الأربعة بين القصر والإتمام). والمقصود في هذا المقام هو تقديم تحليلٍ ثبوتيٍّ لهذا التخيير المولوي بالذات.
المرتكز في موضوع البحث: تماميّة الملاك في كلّ طرفٍ وتعدّد الأمر
فإنّ المرتكز في إطار التخيير الشرعي هو أنّ كلَّ واحدٍ من طرفي التخيير يكون في نفسه «تامَّ الملاك»، وأنّه يقتضي علىٰ نحوٍ مستقلٍّ جعلَ حكمٍ إلزاميٍّ. واللازم الطبيعيّ لهذا المرتكز هو «تعدّد الأمر»؛ بمعنىٰ أنّ كلَّ طرفٍ قد وقع متعلَّقاً للأمر مباشرةً، وإن كان الشارع، بملاكٍ ثانويٍّ (كالتسهيل)، قد رخّص في ترك كلِّ واحدٍ منهما بالإتيان بالآخر. وعليه، فكلُّ تحليلٍ ينقض هذا المرتكز، يكون خارجاً عن محلّ الكلام؛ وقد قام المحقّق الأصفهاني نفسه بطرح بعض الصور جانباً علىٰ هذا الأساس بالذات.
التمایز عن التخيير العقلي: نفي الإرجاع إلىٰ القدر الجامع
إنّ المرتكز في تحليل الواجب التخييري الشرعي، والذي هو ركن البحث، هو أنّ كلَّ واحدٍ من طرفي التخيير يكون في نفسه «تامَّ الملاك»، وأنّه يقتضي علىٰ نحوٍ مستقلٍّ جعلَ حكمٍ إلزاميٍّ. واللازم الطبيعيّ لهذا المرتكز هو «تعدّد الأمر»، لا وحدته. وعلىٰ هذا الأساس، فإنّ «التخيير الشرعي» يعني أنّ الشارع، مع الحفاظ علىٰ الملاك والأمر في كلِّ طرف، وبملاكٍ ثانويٍّ — كنحو «مصلحة التسهيل» — يرخّص في ترك كلِّ واحدٍ منهما بالإتيان بالآخر. وعليه، فكلُّ تحليلٍ ينقض هذا المرتكز، يكون خارجاً عن محلّ الكلام.
نقد مبنى المحقّق الخوئي في مقولة «الأمر بأحدهما»
لقد أفاد السيد الخوئي (قدس سره) ما نصّه:
إنّا قد ذكرنا غير مرّةٍ أنّه لا طريق لنا إلىٰ إحراز الملاك في شيءٍ ما عدا تعلّق الأمر به، وحيث إنّ الأمر في ما نحن فيه قد تعلّق بأحد الطرفين أو الأطراف، فلا محالة لا نستكشف إلّا قيام الغرض به.[1]
إلّا أنّ هذا الكلام مخدوشٌ في صغراه. فإنّ ما افترضه السيد الخوئي (قدس سره) طيلة إشكالاته — وهو أنّ «الأمر قد تعلّق بأحد الطرفين» — لا ينسجم مع مفروض النزاع. وذلك لأنّ المفروض في الواجب التخييري الشرعي ليس هو أنّ «أحدهما مأمورٌ به»، بل إنّ «كلَّ واحدٍ منهما مأمورٌ به». فالقصر والإتمام كلاهما متعلَّقٌ للأمر، والعتق والإطعام كلاهما متعلَّقٌ للأمر، وهكذا.
وأمّا الكبرىٰ فهي مقبولةٌ؛ فإنّ الكبرىٰ القائلة بأنّه «لا طريق لنا إلىٰ إحراز الملاك إلّا بتعلّق الأمر» هي في أصلها كبرىٰ تامّةٌ وسليمة. بَيدَ أنّ بناء الصغرىٰ علىٰ مقولة «أحد الطرفين» يختزل دائرة البحث فيحوّلها من التخيير الشرعي إلىٰ التخيير العقلي، فيخرج بذلك عن محلّ النزاع.
الضابطة المحوريّة: الخطاب، لا الملاك
إنّ المعيار في باب الثواب والعقاب إنّما هو «موافقة الخطاب ومخالفته»، لا «استيفاء الملاك وتفويته». فبمخالفة الأمر يتحقّق موضوع العقاب، وبامتثاله يثبت موضوع الثواب. وعلىٰ هذا الأساس، فبناءً علىٰ مبدأ «تعدّد الأمر في أطراف الواجب التخييري»، يكون مقتضىٰ القاعدة هو ثبوت تعدّد العقاب في فرض ترك كلا الطرفين، وتعدّد الثواب في فرض الإتيان بهما معاً. هذا، في حين أنّ المشهور في الواجب التخييري هو القول بوحدة العقاب. وهذا التعارض الظاهري هو ما ينبغي أن يُصاغ بدقّةٍ ويُصار إلىٰ حلّه.
تقريب حلّ المحقّق الأصفهاني علىٰ محور مصلحة التسهيل
يقترح المحقّق الأصفهاني حلّاً للمسألة من مدخل «مصلحة الإرفاق والتسهيل»؛ فبما أنّ التسهيل ثابت، فإنّ الشارع يجعل «الترخيص البدلي»، أي أنّ «ترك الشيء إلىٰ بدله جائزٌ». ومعنىٰ ذلك أنّك إذا أتيت بأحد الطرفين وتركت الآخر، فإنّك لا تؤاخذ علىٰ تركك للثاني. وعليه، فإنّ «جواز الترك المشروط» يرتكز علىٰ مصلحة التسهيل، وبذلك يتمّ تسويغ انتفاء العقاب في فرض ترك أحد الطرفين مع الإتيان بالبديل.
ملاحظات ونقاط تأمّل
أوّلاً، تناظر التسهيل في كلا الطرفين: إنّ التسهيل ذا الطرفين أمرٌ يمكن تصوّره في خصال الكفّارة (فقد يكون العتق أيسر علىٰ شخص، ويكون الإطعام أو الصوم أيسر علىٰ آخر). بَيدَ أنّه في مسألة القصر والإتمام، لا بدّ من تقرير التسهيل في كلا الجانبين علىٰ نحوٍ موجَّه. فترك الإتمام والاكتفاء بالقصر يمكن حمله علىٰ التسهيل؛ ولكن، ما هي علاقة ترك القصر والإتيان بالإتمام بمصلحة التسهيل؟ إنّ هذه القرائن لا بدّ أن تُقرَّر علىٰ نحوٍ متناظرٍ ومستند، كي لا يكون التعليل أحاديَّ الجانب.
ثانياً، التمايز بين «الجعل» و«المجعول»: إنّ التسهيل يجري في مقام «المجعول» (أي العمل الخارجي)، لا في مقام «جعل الحكم». ونصُّ عبارة المحقّق الأصفهاني هو:
إلّا أنّ مصلحةَ الإرفاق والتسهيل تقتضي الترخيصَ في تركِ أحدهما.[2]
فالتسهيل في عبارته هذه — «تقتضي الترخيص في ترك أحدهما» — إنّما هو ناظرٌ إلىٰ مقام «المجعول» والامتثال، لا إلىٰ مقام «جعل أصل الإيجاب». وعليه، فالمراحل هي كالتالي: أوّلاً، يُجعل أمران مستقلّان بناءً علىٰ مبدأ «تماميّة الملاك». ثمّ ثانياً، وبملاك التسهيل، يُرخَّص في ترك كلِّ واحدٍ منهما، شريطة الإتيان بالبديل. ومن هنا، فإنّ الحديث عن «التسهيل في جعل الحكم» لا وجه له؛ فالترخيص إنّما هو في فعل المكلّف «بعد» أصل جعل الإيجاب.
قراءتان لمفهوم التسهيل وما يترتّب عليهما:
1- التسهيل بمعنىٰ «الترخيص في ترك أحدهما»: فإذا كان المراد هو أنّ الشارع قد رخّص في ترك كلٍّ منهما — شريطة الإتيان بالبديل — فإنّ الإشكالات المتقدّمة تبقىٰ قائمة؛ ولا سيّما في مسألة القصر والإتمام، حيث إنّ تصوير ترخيصٍ بدليٍّ متوازنٍ في كلا الجانبين يغدو أمراً عسيراً: فترك الإتمام والاكتفاء بالقصر يمكن حمله علىٰ التسهيل، ولكن، ما هي علاقة ترك القصر والإتيان بالإتمام بمصلحة التسهيل؟ إنّ هذا الافتقار إلىٰ التناظر يوهن هذه القراءة ويضعفها.
2- التسهيل بمعنىٰ «عدم لزوم الجمع بين الملاكين»: وأمّا إذا كان المقصود هو أنّه «علىٰ الرغم من تماميّة الملاك في كلِّ طرف، فإنّ الجمع بينهما ليس بلازم»، فإنّ إشكال السيد الخوئي يعود للبروز من جديد: فأيّة مصلحةٍ هذه التي تبلغ من القوّة حدّاً تتفوّق به علىٰ لزوم استيفاء ملاكين تامّين، فترفع بذلك «وجوب الجمع» عن الحكيم؟ إنّ مجرّد عنوان التسهيل لا يمتلك شأنيّة المزاحمة مع إلزامين قائمين علىٰ ملاكين تامّين. فالمحصّلة هي أنّ «مصلحة التسهيل» — وإن كانت مبادرةً جديرةً بالاهتمام في مقام الثبوت — إلّا أنّها تواجه الإشكالات (كنظير القصر والإتمام)، كما أنّها — حتّىٰ لو أُجيب عن تلك الإشكالات — تفتقر إلىٰ دعامةٍ إثباتيّةٍ كافيةٍ لإثبات وجود مثل هذه المصلحة المزاحمة إلىٰ جانب الملاكات التامّة. فهي في أحسن الأحوال لا تعدو كونها احتمالاً ثبوتيّاً عارياً عن الحجّة الإثباتيّة.
النتيجة المقترحة: العودة إلىٰ تقرير الآخوند
مع الحفاظ علىٰ الركنين المفروضين — وهما «تماميّة الملاك في كلِّ طرف» و«تعدّد الأمر» — فإنّ السبيل المعقول هو أن نُدرج الترخيص البدلي في صميم جعل «سنخ الوجوب التخييري» نفسه، لا أن نجعله محمولاً علىٰ «التسهيل الملاكي». فـ«الوجوب التخييري سنخٌ من الوجوب»، لا هو بمجموعٍ لعدّة وجوباتٍ تعيينيّة، ولا هو بإرجاعٍ إلىٰ جامعٍ انتزاعيّ. فإذا ما فُسِّر مفهوم «سنخ الوجوب» عند الآخوند علىٰ نحوٍ دقيق — أي بوصفه نحواً مستقلاً من جعل الإلزام، لا أنّه حدٌّ وسطٌ بين الوجوب والاستحباب — فإنّه يمكن تبيين إطار الإلزام التخييري من دون الحاجة إلىٰ «التسهيل الملاكي»؛ وذلك علىٰ أساس أنّ كلَّ طرفٍ في نفسه مقتضٍ للأمر، إلّا أنّ جنس الجعل منذ البداية هو جعلٌ تخييريّ، ويكون الترخيص حينئذٍ وصفاً بنيويّاً لذلك السنخ نفسه، لا عارضاً لاحقاً عليه.
إنّ المناط في باب الطاعة والعصيان إنّما هو موافقة «الخطاب المعتبر» ومخالفته، لا تحصيل «الغرض» وتفويته. فإنّ القول بأنّ المناط هو الغرض ترد عليه نقوضٌ، كالأمر الامتحاني الذي يُعقل حتّىٰ مع عدم وجود غرضٍ فيه. وعليه، فلو وُجد غرضٌ من دون أمرٍ، لم تجب الطاعة، ويكون تمام الميزان هو الحكم المولويّ المعتبر. كما أنّ تعابير من قبيل «كلٌّ بمنزلة الأمر» ترتكز هي الأخرىٰ علىٰ إبراز الإلزام، لا علىٰ نفس المقصد. وفي مقام تحليل حقيقة الحكم، يُطرح تقريران مشهوران: فهو إمّا «الخطاب الصادر من الشارع» (علىٰ مسلك القدماء)، وإمّا «اعتبارٌ علىٰ ذمّة المكلَّف» (علىٰ مسلك المتأخّرين)، وهو اعتبارٌ يقتضي الإبراز. وحتىٰ لو أُحرِزَ هذا الاعتبار ولم يكن إبرازه ممكناً، فإنّ مناط الامتثال يبقىٰ هو الحكم نفسه، لا مجرّد الغرض. وعليه، فإنّ «مجرّد الغرض» لا يكون منشأً للتكليف، ولا معياراً للمؤاخذة.
شواهد أصوليّة تؤيّد كون المعيار هو الخطاب
أوّلاً، المقدّمات المفوِّتة: إنّ لزوم حفظ المقدّمة يرتكز علىٰ ضرورة امتثال الأمر الآتي، لا علىٰ مجرّد تحصيل الغرض.
من بين الاحتمالات الخمسة التي طرحها المحقّق الأصفهاني، نختار الصورة الخامسة، ولكن مع الاستغناء عن إبتنائها علىٰ «مصلحة التسهيل». والمفاد الذي نلتزم به هو أنّه: مع الحفاظ علىٰ تماميّة الملاك في كلِّ طرف، وافتراض تعدّد الأمر، فإنّ الشارع بمحض اختياره المولويّ يجعل «الترخيص البدلي»، أي أنّ «ترك أحدهما إلىٰ بدله مرخَّصٌ فيه». وهذا الترخيص ليس بالضرورة أن يكون من باب التسهيل علىٰ المكلّف، بل هو شأنٌ من شئون الحاكميّة المولويّة للشارع. فكما ورد في النصوص: «إنّ الله سكتَ عن أشياء لم يسكت عنها نسياناً، فلا تتكلّفوها؛ رحمةً من الله لكم»،[4] فقد يكون الفعل تامّ الملاك، ومع ذلك لا يُصيِّره الشارع إلىٰ مرتبة الوجوب. وهذا أمرٌ معقولٌ ويقع ضمن دائرة صلاحيّات الشارع.
إنّ معيار الطاعة والعصيان إنّما يحدّده العقل؛ فالعقل هو الحاكم بلزوم امتثال «الحكم المعتبر»، وهو الذي يشخّص موضوع الموافقة والمخالفة في مقام العمل. وفي مقام إثبات التكليف، فإنّنا نُفهِّم العقلَ موضوعَ الامتثال والمخالفة من خلال الأدوات المعتبرة للحجيّة (كالظهورات، وسيرة العقلاء، وخبر الواحد الثقة، والإطلاق والتقييد، والعموم والخصوص، والإطلاق المقامي، وقاعدة اليد، وغيرها)، لا أن نعتمد علىٰ التعاقدات الحقوقيّة المزعومة بين «العبد والمولىٰ». فهذه التعابير غالباً ما تكون تمثيليّةً وتقريبيّةً للذهن، لا أنّها مقوِّمةٌ للحجيّة.
وبناءً علىٰ هذا التقرير، يبقىٰ الركنان المفروضان في البحث محفوظين: تماميّة الملاك في كلِّ طرف، وتعدّد الأمر. وعلىٰ هذا الأساس، يمكن إسناد الترخيص البدلي إلىٰ مجرّد «الاختيار المولوي للشارع»؛ فلا تكون هناك حاجةٌ إلىٰ «التسهيل الملاكي»، وهذا المسلك أكثر انسجاماً مع الصناعة الأصوليّة، وأحصن من النقوض. إنّ تصوّر «العبد والمولىٰ» إذا ما تحوّل إلىٰ القالب المهيمن علىٰ المنهجيّة، يغدو أمراً مضلِّلاً؛ فالمعيار إنّما هو العقل والمحاورات العرفيّة الحجّة. وعلىٰ هذا المبنىٰ، سنتابع في تبيين الرأي المختار النهائي — ومن جملته القراءة الدقيقة لمقولة الآخوند بأنّ «الوجوب التخييري سنخٌ من الوجوب» — هذا الإطار نفسه: أي أنّ الجعل التخييري هو سنخٌ من الإلزام، مع ترخيصٍ بدليٍّ ذاتيٍّ مندرجٍ في صميم الجعل، وتعيين آثار الثواب والعقاب علىٰ مدار الخطاب، وتحديد صعيد المؤاخذة عند اللزوم.
و صلّی اللّه علی محمّد و آله الطّاهرین
---------------------
[1]- ابوالقاسم خویی، محاضرات فی أصول الفقه، با محمد اسحاق فیاض (قم: دارالهادی، 1417)، ج 4، 29.
[2]- محمد حسین اصفهانی، نهایة الدرایة فی شرح الکفایة (بیروت: مؤسسة آل البیت علیهم السلام، 1429)، ج 2، 270-271.
[3]- إنّه بالإمكان في مقام الثبوت تصويرُ وجوهٍ معقولةٍ متعدّدة؛ إلّا أنّ المدار في مقام الاستدلال إنّما هو علىٰ تلك الصورة التي تقوم عليها دعامةٌ إثباتيّةٌ معتبرة. وعليه، فإنّ مجرّد الاحتمال الثبوتي، ما لم تعضده حجّةٌ إثباتيّة، لا يكفي وحده لبناء الاستدلال.
[4]- محمد بن حسن حرّ عاملی، تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة (قم: مؤسسه آل البيت عليهم السلام، 1409)، ج 18، 129.
-------------------------
المصادر
- اصفهانی، محمد حسین. نهایة الدرایة فی شرح الکفایة. ۶ ج. بیروت: مؤسسة آل البیت علیهم السلام، 1429.
- حرّ عاملی، محمد بن حسن. تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة. ۳۰ ج. قم: مؤسسه آل البيت عليهم السلام، 1409.
- خویی، ابوالقاسم. محاضرات فی أصول الفقه. با محمد اسحاق فیاض. ۵ ج. قم: دارالهادی، 1417.
- الواجب التعييني
- الواجب التخييري
- التخيير العقلي
- التخيير الشرعي
- الثواب والعقاب
- مصلحة التسهيل
- الترخيص البدلي
- التزاحم الامتثالي
- الجامع الانتزاعي
- الخطاب
- تعدّد الأمر
- الغرض
- العبد والمولى
الملصقات:
ساعد على توسيع الكلمات المفتاحية للدروس
خلاصات الملاحظات
خلاصة البحث السابق
محصّلة تقرير المحقّق الأصفهاني في حقيقة الواجب التخييري ومختاره
أمورٌ تمهيديّةٌ في تحليل الواجب التخييري الشرعي: تحريرُ محلّ النزاع
التخيير الشرعي ونقد مبنى «الأمر بأحدهما» عند المحقّق الخوئي
النقطة الثانية في تحقيق الواجب التخييري: معيار الثواب والعقاب ونسبته إلىٰ مصلحة التسهيل
إعادة النظر في «مصلحة التسهيل» في تحليل الواجب التخييري و العودة إلىٰ تقرير الآخوند
حقيقة الحكم وعلاقته بالغرض
الاختيار المولوي في جعل الترخيص ونقد تصوّر «العبد والمولىٰ» في المنهجيّة الأصوليّة
المصادر
رأيك