الاوامر
الجلسة 7- بتاريخ 25 ربیع الاول 1445
خلاصات الملاحظات
إشکالیة المحقق الاصفهانيّ تجاه أستاذه
مقولة السید الخوئي تجاه المعنی المصطلح
نقد السید الخوئيّ لکلام المحقق الاصفهانيّ
ملاحظة السید الخوئيّ تجاه المحقّق الاصفهانيّ
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحيمْ
الْحَمْدُ للّه رَبِّ الْعَالَمِينْ وَصَلَى الله عَلَىٰ سَيِّدَنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِينْ
الظاهر- كما هو صريح جماعة من المصنفين- أن هذا المعنى (القول المخصوص و هي الصیغة افعل) من المعاني اللغوية و العرفية -دون الاصطلاحية- بمعنى أنّ من أثبته (هذا المعنی اللغويّ) جعله منها (اللغویة). و لو كان الكلام في مجرد ثبوت الاصطلاح، لكفى فيه نقل بعض مُهرة الفن في ثبوته، و لم تكن حاجة إلى نقل الإجماع على أنه (الأمر) حقيقة فيه (القول الخاص) نعم، الظاهر أن ما هو أحد المعاني اللغوية: إما الطلب المخصوص، أو الطلب القولي، لا أنّ كليهما من معانيه، (فأطبق و ألصق المعنی اللغوي کالطلب القولي علی المعنی المصطلح) و إن كان ذلك (أن کلیهما یعدّان معنی للأمر) ظاهر بعضهم بل صريحه.
فيكون- كما في الفصول و غيره- نظير الفعل و الاسم و الحرف في الدلالة على ألفاظ خاصة لها معانٍ مخصوصة. (فالأمر أیضاً کذلک بحیث له قالبه الخاص أولاً و یدل أیضاً علی الطلب الخاص أو القول الخاص)كما أشرنا إليه في أوائل مبحث المشتق- عبارةً عن قبول المبدأ للنسبة (بین الذات و الحدث) و ذلك لا يكون (لا یتحقق المبدأ للنسبة) عقلاً إلا في ما له نحو من أنحاء القيام بشيء قيامَ العرض بموضوعه، أو غير ذلك.
(و أما) الفرق بين المعنى الجامد و المعنى الاشتقاقي أن المعنى إذا كان قابلا للحاظ نسبته إلى شيء بذاته كان معنى اشتقاقيا، و إلا كان جامدا. فحينئذ نقول:
إن وجه الإشكال: إن كان توهّم أن الموضوع له، لفظ لا معنى، فضلاً من أن يكون حدثياً (و لنفترضه مادةَ الأمر)، ففيه: أن طبيعة الكيف المسموع (کالألفاظ فإنه سبب لاستماع اللفظ الآخر) بأنواعه و أصنافه- كسائر الطبائع- قابلة للحكاية عنها بلفظ (و حروف) كما في اللفظ و القول و الكلام، فإنّ مفاهيمها و مداليلها ليست إلا الألفاظ (و هذا کاف للاشتقاق باعتبار مدلوله) و كونُ اللفظ وجودا لفظيا لطبيعة الكيف المسموع بأنواعه و أصنافه في غاية المعقولية، فان طبيعي الكيف المسموع- كغيره- له نحوان من الوجود العيني و الذهني، فلا يتوهم عدم تعقّل سببية لفظ في وجود لفظ آخر في الخارج (و هذه السببیة تشکّل الاشتقاق فیتولد اللفظ الآخر). و (أما) إن كان وجه الإشكال ما هو المعروف من عدم كونه (الأمر بمعنی القول المخصوص) معنى حدثياً،
ففيه: أن لفظ (اضرب) صنف من أصناف طبيعة الكيف المسموع، و هو من الأعراض القائمة بالمتلفّظ به: فقد يلاحظ نفسه- من دون لحاظ قيامه و صدوره عن الغير- فهو المبدأ الحقيقي الساري في جميع مراتب الاشتقاق (و هو المصدر الأوليّ للکلمات) و قد يلاحظ قيامه فقط فهو المعنى المصدري المشتمل على نسبة ناقصة (اضرب بلا لحاظ الزمان) و قد يلاحظ قيامه و صدوره في الزمان الماضي، فهو المعنى الماضوي، و قد يلاحظ صدوره في الحال أو الاستقبال، فهو المعنى المضارعي، و هكذا. فليس هيئة (اضرب) مثلا كالأعيان الخارجية و الامور الغير القائمة بشيء حتى لا يمكن لحاظ قيامه فقط، أو في أحد الأزمنة. (فهذه المشتقات تتمتع بالمعنی الحدثيّ لأن المتکلم قد أضاف إلی هذا القول المخصوص الهیئة و الطلب و النسبة ما بینهما و الزمان ) و عليه فالأمر موضوع لنفس الصيغة الدالّة على الطلب مثلا، أو للصيغة القائمة بالشخص، و (أمر) موضوع للصيغة الملحوظة من حيث الصدور في المضي، و (يأمر) للصيغة الملحوظة من حيث الصدور في الحال أو الاستقبال.
ينبغي التكلم في أن الأمر هل هو مطلق الطلب أو الطلب المنشأ مطلقا أو بخصوص القول؟ و الظاهر من الإطلاقات العرفية أنه لا يقال لمن أراد قلبا: إنه أمر، بل يقال: أراد، و لم يأمر بالمراد، بل سيجيء- إن شاء اللّه تعالى- ما لا يبقى معه مجال لصدق الأمر بلا دالّ، كما أن الظاهر صدق الأمر على الطلب المدلول عليه بدالّ، و إن لم يكن بخصوص القول؛ لصدقه عرفا على البعث بالإشارة و الكتابة عرفا. (فکلها تصدر أمراً و بعثاً و طلباً، فلا خصوصیة للفظ المخصوص)
و لا يتوهم: أن صدقه على البعث بهما من جهة الكشف عن الطلب القولي، و ذلك لأنّ الإشارة إنما هي إلى المعاني خصوصا ممن لا يعرف أن في دار الوجود ألفاظا، و الكتابة و إن كانت نقش الألفاظ إلا أن الطلب القولي هو الطلب المدلول عليه باللفظ لا بنقش اللفظ، فتوسط نقش اللفظ للدلالة على الطلب لا يجعل الطلب قوليا.
و الإجماعات المحكية على وضع الأمر للطلب القولي- مع مصادمتها بتعريف كثير من القدماء للأمر بصرف الطلب- لا حجية فيها بعد مساعدة العرف على خلافه، مع أنه يمكن إرادتهم لأشيع (أبرز) أفراد ما ينشأ به البعث مثلا (و هو بالقول) و أما قوله تعالى: إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ[1] فلا دلالة له على انحصار الدالّ في القول، و إن كان قوله تعالى: أَنْ يَقُولَ* إلى آخره بيانا لأمره تعالى.
وجه عدم الدلالة: بقوله: كُنْ* ليس هذه الصيغة الإنشائية قطعا، بل هذه هي المعبّر عنها في كلمات أهل المعرفة بالكلمة الوجودية (لأن إرادته سبحانه تحقق بلا إصدار صوت و قول، فالقول هنا تکوینيّ أي بمعنی المشیئة الإلهیة، فإن عیسی کلمة الله مما یعني أنه مراد الله و بینة الله) و في خطبة أمير المؤمنين و سيد الموحدين- عليه السلام-: «إنما يقول لما أراد كونه:كن، فيكون، لا بصوت يقرع، و لا بنداء يسمع، و إنما كلامه فعلُه أنشأه و مثّله»[2] إلى آخره، و سر التعبير عن أنحاء الوجودات بالكلمات: هو أن الكلام ما يعرب عن ما في الضمير، و هذه الموجودات معربة عما في الغيب المكنون، فظهر أن فعله- تعالى- أمره باعتبار دلالته على تعلّق إرادته به، و كذا في جميع موارد إنزال العذاب؛ حيث عبّر عنه بقوله تعالى: جاءَ أَمْرُنا*[3] في غير مورد، فانه بلحاظ دلالته على تحتّمه و تعلّق الإرادة التكوينية به. فافهم.[4]
لقد استشکل السید الخوئيّ علی الکفایة تجاه تفسیره بالقول المخصوص، قائلاً: و يرد عليه أنه ان كان هذا (القول المخصوص) مجردَ اصطلاح، فلا مشاحة فيه، و الا (لیس محضَ الاصطلاح بل یشتق منه) فلا وجه له أصلاً، و ذلك لأن الظاهر ان الاشتقاق منه بحسب معناه الاصطلاحي: و عليه فلو كان معناه الاصطلاحي القولَ المخصوص لم يمكن الاشتقاق منه لأنه جامد، و من الطبيعي أن مبدأ المشتقات لابد أن يكون معنى حدثياً قابلاً للتصريف و التغيير (خلافاً للقول المخصوص) هذا من ناحية. و من ناحية أخرى (یجب) أن يكون المبدأ خالياً عن جميع الخصوصيات، ليقبَلَ كلَ خصوصية ترد عليه، و من ثمةَ قلنا في بحث المشتق أن المصدر لا يصلح ان يكون مبدأ له (خلافاً للبصریّین في النحو) لعدم توفر الشرط الأساسي للمبدأ فيه، و هو خلوه عن جميع الإشكال و الصور المعنوية و اللفظية حتى يقبل أيّة صورة ترد عليه (فالمبدأ هو: أ م ر، لا الأمر الذي له وزن و هیئة)، نظير الهيولى في الأجسام، حيث إنها فاقدة لكل صورة افترضت، و لذا تقبل كل صورة ترد عليها بشتى أنواعها و اشكالها، و بطبيعة الحال إنها لو لم تكن فاقدة لها (للخصوصیات) فلا تقبل صورة أخرى، لوضوح إباء كل صورة عن صورة أخرى، و كل فعلية (في شکل خاص) عن فعلية ثانية.
النتيجة على ضوء هاتين الناحيتين: هي ان القول المخصوص لا يصلح ان يكون مبدأ للمشتقات، و ان يجعله شقة شقة، لاستحالة تصريفه و ورود هيئة أخرى عليه، فيكون نظير الجملة، و المفرد، و الكلمة، و الكلام، و ما شاكل ذلك مما هو اسم لنفس اللفظ، فانها غير قابلة لأن تشتق منها المشتقات، لعدم توفر الركيزتين الأساسيتين للمبدأ فيها (المعنى الحدثي و الخلو من الخصوصيات).[5]
و عقیب ما انتقد مقولة الکفایة عرَج إلی دراسة مقولة أستاذه ثم نقده و الاعتراض علیه، فقال: و لكن لشيخنا المحقق (قده) في هذا الموضوع (المعنی المصطلح للأمر) كلام، و هو ان الأمر بهذا المعنى(القول المخصوص) أيضاً قابل للاشتقاق و التصريف. و قد أفاد في وجه ذلك ما إليك نصه: «و ان كان وجه الإشكال (في المعنی المصطلح) ما هو المعروف من عدم كونه (القول المخصوص) معنى حدثياً، ففيه: أن لفظ اضرب صنفٌ من أصناف طبيعة الكيف المسموع (فهو عرَضٌ و یسمع لفظه من اللافظ) و هو من الأعراض القائمة بالمتلفظ به: 1. فقد يلاحظ نفسه (الضرب مفهوم الضرب بحتاً) من دون لحاظ قيامه و صدوره عن الغير، فهو المبدأ الحقيقي الساري في جميع مراتب الاشتقاق (لا المصدر) 2. و قد يلاحظ قيامه (الضرب) فقط فهو المعنى المصدري المشتمل على نسبة ناقصة (لأنه عرَض قائم بالمعروض و الحدث فیتم الاشتقاق منه بهذا الاعتبار) 3.و قد يلاحظ قيامه و صدوره في الحال، أو الاستقبال، فهو المعنى المضارعي و هكذا (فتتکوّن الصیغ المختلفة منها) فليس هيئة اضرب كالأعيان الخارجية، و الأمور غير القائمة بشيء (کالجواهر) حتى لا يمكن لحاظ قيامه فقط، أو في أحد الأزمنة، (کلا لیس الضرب کذلک ) و عليه فالامر موضوع (في المصطلح) لنفس الصيغة الدالة على الطلب مثلا أو للصيغة القائمة بالشخص: و أمَرَ موضوع للصيغة الملحوظة من حيث الصدور في المضي،و يأمُرُ موضوع للصيغة الملحوظة من حيث الصدور في الحال، أو الاستقبال».
و بین یدیک نص إشکالیة السید الخوئيّ تجاه أستاذه: و لنأخذ بالنقد على ما أفاده (قده) و حاصله: أن ما ذكره في إطاره (کیفیة لحاظ القول المخصوص) و ان كان في غاية الصحة و المتانة، إلا انه لا صلة له بما ذكرناه، و السبب في ذلك ان لكل لفظ حيثيتين موضوعيتين: 1. (الأولى): حيثيةُ صدوره (اضرب مثلاً) من اللافظ خارجاً و قيامه به، كصدور غيره من الأفعال كذلك (فیتم الاشتقاق منه لأجل توفّر لحاظ الحدثيّ فیه) 2. (الثانية): حيثية تحققه و وجوده في الخارج (بلا لحاظ القیام و الصدور عن الغیر لأنا نبحث حول مادة الأمر بحتاً لا بلحاظ صدوره و قیامه بالغیر) فاللفظ من الحيثية الأولى و ان كان قابلا للتصريف و الاشتقاق، الا أن لفظ الأمر لم يوضع بإزاء القول المخصوص من هذه الحيثية (الثانیة فلم یوضع له حیثیة الصدور و قیامه بالغیر) و إلا (القول المخصوص بالحیثیة الثانیة) لم يكن مجال لتوهم عدم إمكان الاشتقاق و الصرف منه، بل هو موضوع بإزائه من الحيثية الثانية، و من الطبيعي أنه بهذه الحيثية غير قابل لذلك، كما عرفت. فما أفاده (قده) مبنى على الخلط بين هاتين الحيثيّتين.
-------------
[1] سورة يس 36: 82.
[2] نهج البلاغة- شرح صبحي صالح،- دار الكتاب اللبناني-: 274/ خطبه: 186.
من خطبة لإمامنا علي- عليه السلام- في التوحيد، و لكن في النهج هكذا:( يقول لمن أراد...
و إنما كلامه سبحانه فعل منه أنشأه).
[3] هود 11: 40، 58، 66، 82، 94، المؤمنون 23: 27.
[4] نهاية الدراية في شرح الكفاية، ج1، ص: 254.256
[5] محاضرات في أصول الفقه ( طبع دار الهادى )، ج2، ص: 12
ساعد على توسيع الكلمات المفتاحية للدروس
خلاصات الملاحظات
إشکالیة المحقق الاصفهانيّ تجاه أستاذه
مقولة السید الخوئي تجاه المعنی المصطلح
نقد السید الخوئيّ لکلام المحقق الاصفهانيّ
ملاحظة السید الخوئيّ تجاه المحقّق الاصفهانيّ
رأيك