pic
pic
  • ۴۵۱

    صفحه 451

    الثاني : لو خرج من غير الثلاثة المذكورة في المنتهى، فاعتبار الاعتياد حقيق بأن يكون مقطوعاً به (1). ثمّ قال صاحب الجواهر : ولعلّ الوجه خلافه ; وذلك لاشتراك الدليل بالنسبة للمجموع وهو الإطلاقات، كقوله (صلى الله عليه وآله) : إنّما الماء من الماء (2) . ثمّ قوّى في النهاية القول الثاني القائل بالإطلاق، مستضعفاً دليل القول الأوّل; وهو انصراف المطلقات إلى المتعارف المعهود(3) .

    فهذا شاهد آخر على عدم إمكان رفع اليد عن العمومات والإطلاقات حتّى مع وجود الفرد المتعارف .

    5 ـ ذكر الفقهاء وجوهاً في مسألة وجوب الغسل لو كان الدخول في الدبر ولم يتحقّق الإنزال ، منها: ما ذكره في الجواهر، قال : إطلاق قولهم: إذا أدخله وأولجه، أو غيّب الحشفة فقد وجب الغسل الشامل للدبر ، ثمّ قال : وما يقال: إنّ المطلق ينصرف إلى المتعارف، يدفعه ـ بعد تسليم كون ذلك من المتعارف الذي يكون سبباً لحمل اللّفظ عليه ـ أنّه كذلك ما لم يعارضه فهم الأصحاب ; لانقلاب الظنّ حينئذ بخلافه (4) .

    والمتحصّل من هذه العبارة أوّلاً: أنّ كلّ فرد متعارف ومعهود لا يمكن أن يكون سبباً لحمل اللفظ عليه . وثانياً: أنّ المتعارف لو كان صالحاً للتقييد، فهو مشروط بعدم معارضته لفهم الأصحاب . وفي مقامنا بالرغم من دعوى وجود الفرد المتعارف، إلاّ أنّه (قدس سره) يرى الإطلاق هو المحكّم في المقام .


    (1) جامع المقاصد 1 : 277 .
    (2) المسند لأحمد 4: 59 ح11243، وج9: 138 ح23590، صحيح مسلم 1: 225 ح343، سنن ابن ماجه 1: 329 ح607، السنن الكبرى للبيهقي 1: 282 ح809، كنز العمّال 9: 379 ح26545.
    (3) جواهر الكلام 3 : 13 ـ 15.
    (4) جواهر الكلام 3 : 56 ـ 57.
  • ۴۵۲

    صفحه 452

    6 ـ في بحث العصير العنبي وأفراده نجد أنّ صاحب الجواهر وإن كان قد ذهب في بداية البحث إلى تنزيل العموم على المتعارف وقال : إن لم نقل بتنزيل عموم الصحيح على المتعارف من أفراد العصير ، إلاّ أنّه ذهب في الأخير إلى ترجيح العمل بالعموم ، قال (قدس سره) : ومع ذا فهو ليس بأولى من حمله على إرادة العموم بالنظر إلىأفراد العنب وأقسامه، وإلى ما ظهر إسكاره أو اتّخذ له، وعدمه، وإلى ما اُخذمن كافرأو مسلم مستحلّ لما دون الثلثين وعدمه(1).

    فيستنتج منه أن لا وجه لدعوى الانصراف مع وجود العموم اللغوي في البين .

    7 ـ قال (قدس سره) في بحث حرمة التغطية من محرّمات الإحرام : ثمّ لا فرق بين جميع أفرادها، كالثوب والطين والدواء والحنّاء وحمل المتاع أو طبق ونحوه، كما صرّح به غير واحد ، بل لا أجد فيه خلافاً، بل عن التذكرة نسبته إلى علمائنا(2) .

    نعم ، في المدارك وهو غير واضح ; لأنّ المنهيّ عنه في الروايات المعتبرة تخمير الرأس ووضع القناع عليه، والستر بالثوب، لا مطلق الستر، مع أنّ النهي لو تعلّق به لوجب حمله على ما هو المتعارف منه; وهو الستر بالمعتاد(3)، وتبعه في الذخيرة(4) .

    ثمّ ناقشه في الجواهر وقال : مضافاً إلى قوله (عليه السلام) : إحرام الرجل في رأسه(5)


    (1) جواهر الكلام 6 : 43.
    (2) تذكرة الفقهاء 7 : 331 مسألة 251.
    (3) مدارك الأحكام 7 : 354.
    (4) ذخيرة المعاد : 599 .
    (5) الكافي 4 : 345 ح7 ، الفقيه 2 : 219 ح1009، وعنهما وسائل الشيعة 12 : 505 ، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام ب55 ح2.

    صفحه 453

    وغيره من الإطلاقات(1)، واستثناء عصام القربة وغير ذلك (2) .

    والنتيجة هي: أنّه قدّم العمل بالإطلاق وردّ الانصراف إلى المتعارف .

    8 ـ لا شك في أنّ من الأسباب المتعارفة والبيّنة للكسوف هو حيلولة القمر بين الأرض والشمس، أو حيلولة الأرض بين القمر والشمس ، وهذا السبب موجب لصلاة الآيات ، ولكنّ الخلاف فيما لو سبّبت بعض الكواكب للبعض الآخر كسوفاً ، أو فيما لو حصل خسوف أو كسوف للشمس أو القمر بالنسبة إلى الكواكب الاُخرى ، بحيث يكون ذلك سبباً غير متعارف وغير معهود ، فهل تجب صلاة الآيات حينئذ ؟

    ذكر صاحب الجواهر أنّ الملاك في تحقّق وجوب صلاة الآيات هو تحقّق الكسوف ، ولا موضوعيّة لأيّ سبب من قبيل حيلولة الأرض ، واستدلّ لذلك بإطلاق النصوص والفتاوى ، قال (قدس سره) : فالمدار في الوجوب تحقّق المصداق المزبور ـ أي الكسوف ـ من غير مدخليّة لسببه من حيلولة الأرض أو بعض الكواكب وغيرها ; لإطلاق النصوص والفتاوى، وعدم مدخليّة شيء من ذلك في المفهوم لغةً وعرفاً وشرعاً .

    نعم ، قد يتوقّف في غير المنساق منه عرفاً كانكساف الشمس ببعض الكواكب، الذي لم يظهر إلاّ لبعض الناس; لضعف الانطماس فيه ، فالاُصول حينئذ بحالها ، فما في كشف اللثام من أنّه لا إشكال في وجوب الصلاة لهما وإن كان لحيلولة بعض الكواكب، جيّد إن كان الحاصل والمتعارف ممّا يتحقّق به صدق اسم الانكساف عرفاً .


    (1) وسائل الشيعة 12 : 505 ، كتاب الحجّ، أبواب تروك الإحرام ب55.
    (2) جواهر الكلام 18 : 384 (ط ، ق).

    صفحه 454

    لكن قال: فإنّ مناط وجوبها الإحساس بالانطماس، فمن أحسّ به كلاًّ أو بعضاً وجبت عليه الصلاة، أحسّ به غيره أو لا، كان الانطماس على قول أهل الهيئة لحيلولة كوكب أو الأرض أو لغير ذلك، وإذا حكم المنجّمون بالانطماس بكوكب أو غيره ولم يحسّ به لم تجب الصلاة; لعدم الوثوق بقولهم شرعاً، فإن أحسّ به بعض دون بعض، فإنّما تجب الصلاة على من أحسّ به، ومن يثبت عنده بالبيّنة دون غيره، من غير فرق في جميع ذلك بين أسباب الانطماس.

    فلا وجه لما في التذكرة ونهاية الإحكام من الاستشكال في الكسف بشيء من الكواكب: من عدم التنصيص، وأصالة البراءة، وخفائه; لعدم دلالة الحسّ عليه، وإنّما يستند فيه إلى قول من لا يوثق به كالمنجّم، ومن كونه آية مخوفة(1); وذلك لأنّ النصوص كلّها تشمله.

    والكلام في الوجوب لما يحسّ به، لا ما يستند فيه إلى قول من لا يوثق به، ولا لما في الذكرى من منع كونه مخوفاً; فإنّ المراد بالمخوف ما خافه العامّة غالباً وهم لا يشعرون بذلك(2)، وذلك لأنّ على صلاة الكسوفين الإجماع والنصوص من غير اشتراط بالخوف.

    نعم، قد يتّجه ما فيهما من الاستشكال في انكساف بعض الكواكب من غير ما ذكر، والأقرب الوجوب فيه أيضاً; لكونه من الأخاويف لمن يحسّ به، والمخوف ما يخافه معظم من يحسّ به، لا معظم الناس مطلقاً(3).

    وفي المدارك بعد نقل ذلك عنهما قال: والأجود إناطة الوجوب بما يحصل منه


    (1) تذكرة الفقهاء 4 : 195 مسألة 498 ، نهاية الإحكام في معرفة الأحكام 2: 76.
    (2) ذكرى الشيعة 4 : 228.
    (3) كشف اللثام 4 : 364 ـ 365.
  • ۴۵۵

    صفحه 455

    الخوف، كما تضمّنته الرواية(1).(2)

    ولا يخفى عليك محالّ النظر من ذلك كلّه، خصوصاً ما في كشف اللثام; لما عرفت من انصراف إطلاق أدلّة الكسوف إلى ما هو المتعارف منه كائناً ما كان سببه، أمّا غيره فلا يدخل تحت الإطلاق المزبور، بل ربما شكّ في صدق الاسم على بعض أفراده، فضلاً عن انصراف الإطلاق إليه(3).

    والمتحصّل هو: أنّ صاحب الجواهر لا يرى انحصار سبب وجوب صلاة الآيات بسبب خاصّ وهو الحيلولة ، بل إنّه يوسّع من دائرة ذلك إلى أسباب اُخرى في الكسوف بأنّها توجب صلاة الآيات إذا كانت أسباباً متعارفة ، بل إنّ كاشف اللثام قد توسّع إلى الأسباب غير المتعارفة استناداً إلى الإطلاقات ، فتجب صلاة الآيات مشترطاً استناد الرؤية إلى المكلّف نفسه .

    ومن الملفت هنا هو: أنّ الملاك في الكسوف في الروايات والنصوص هو الرؤية أيضاً ، كما هو الأمر في تحديد بداية الشهر القمري على ما بيّناه في تحرير محلّ النزاع(4) :

    روي عن الصادقين (عليهما السلام) ، إنّ الله إذا أراد تخويف عباده وتجديد الزجر لخلقه كسف الشمس وخسف القمر ، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الله بالصلاة (5) .

    وكذا في خبر محمّد بن عمارة، عن أبيه، عن الصادق، عن أبيه (عليهما السلام) قال: إنّ الزلازل والكسوفين والرياح الهائلة من علامات الساعة،فإذارأيتم شيئاً من ذلك


    (1) تهذيب الأحكام 3 : 155 ح330 ، الكافي 3 : 464 ح3 ، الفقيه 1 : 346 ح1529، وعنها وسائل الشيعة 7: 486، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف والآيات ب2 ح1.
    (2) مدارك الأحكام 4 : 128.
    (3) جواهر الكلام 11 : 691 ـ 694.
    (4) في ص430 ـ 431.
    (5) المقنعة: 208 ، وعنه وسائل الشيعة 7 : 484 ، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف والآيات ب1 ح5.
  • ۴۵۶

    صفحه 456

    فتذكّروا قيام الساعة، وافزعوا إلى مساجدكم(1).

    فالمستخلص من المورد الثامن هو : أنّه لو كان الانصراف إلى الفرد المتعارف أمراً متسالماً عليه بين الفقهاء، لما كان هذا الاختلاف بينهم في ذلك ، ولكان الملاك في الكسوف ووجوب صلاة الآيات هو الحيلولة لا غير ، والحال أنّ صاحب الجواهر وغيره من الأكابر لم يوافقوا على انصراف الإطلاق إلى الفرد المتعارف في المورد المذكور طبعاً . نعم، ثـمّة تردّد من جهة اُخرى في صدق عنوان الكسوف .

    9 ـ ما تمسّك به بعض الأعاظم ـ كالمحقّق الخوئي(2) ـ من إطلاق قوله ـ تعالى ـ : (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (3) لإثبات وجوب النفقة على الصغيرة مع وضوح انصرافه إلى الكبيرة; بمعنى أنّه لا اعتبار عندهم لهذا الانصراف .

    10 ـ التمسّك بقوله ـ تعالى ـ : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَ جًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُر وَعَشْرًا) (4) لإثبات العدّة على الزوجة الصغيرة إذا مات عنها زوجها ، مع أنّ الإطلاق في الأزواج منصرف إلى الكبيرة(5) .

    11 ـ تمسّك الفقهاء بشكل جليّ بإطلاق قوله ـ تعالى ـ : (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) (6) في موارد البيع كافّة حتى في المصاديق التي لم تكن في السابق، كإنشاء البيع بالتلفون والإنترنيت ، فلم يدّع فقيه إلى الآن أنّ البيع ينصرف إلى خصوص البيع


    (1) أمالي الصدوق: 551 ح735، وعنه وسائل الشيعة 7 : 487 ، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف والآيات ب2 ح4 .
    (2) منهاج الصالحين 2 : 287 مسألة 1400 ، موسوعة أحكام الأطفال وأدلّتها 2 : 83 .
    (3) سورة البقرة 2 : 233 .
    (4) سورة البقرة 2 : 234 .
    (5) موسوعة أحكام الأطفال وأدلّتها 2 : 106.
    (6) سورة البقرة 2 : 275 .
  • ۴۵۷

    صفحه 457

    المتعارف الموجود بين غالب الناس ، بل قد تمسّك البعض بإطلاقها لإثبات صدق البيع فيما يشك في صدقه (1) .

    12 ـ من الواضح أنّه لم يتمسّك أحد بحمل قوله ـ عزّ وجلّ ـ : (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِى الاَْرْضِ) (2) على الفرد المتعارف للضرب الذي هو بمعنى المشي المعروف، أو المشي مع الحيوانات كالخيل وإن كان هناك شبهات قد طرحت أخيراً في هذاالمجال، إلاّ أنّ أكابر الفقهاء قد تمسّكوا بإطلاقها لكلّ أفراد الضرب وإن لم تكن من أفراده المتعارفة(3) .

    13 ـ فسّر المشهور ـ ومنهم الشيخ الأنصاري(4) ـ الباطل في قوله ـ تعالى ـ : (وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَ لَكُم بَيْنَكُم بِالْبَـطِـلِ) (5) بالباطل العرفي ، وقد طبّق ذلك على مصاديق للباطل سيّما في عصرنا هذا استناداً إلى الآية الكريمة، كالمعاملات المعبرّ عنها بالمعاملات الهرميّة ، فهي وإن كانت قد لا تُعدّ باطلاً بحسب الظاهر لدى العرف ، ولكن حقيقتها باطلة ، ولو كان العرف يقف على حقيقتها واقعاً لحكم بكونها باطلاً .


    (1) كتاب المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 3 : 20 ، 40 التنقيح في شرح المكاسب 1 : 197ـ 198، 208،212، 220، 225، وج2: 27، كتاب البيع للإمام الخميني(قدس سره) 2 : 124 ، 536 ، جامع المسائل ، الاستفتاءات 2 : 305 مسألة 971.
    (2) سورة النساء 4 : 101 .
    (3) رساله استفتاءات 2 : 139 مسألة 1356 و 1357، نماز مسافر با وسائل امروزى : 3 وما بعدها، نكرشى جديد بر نماز و روزه مسافران : 5 وما بعدها، مصباح الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، صلاة المسافر: 13ـ 18.
    (4) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1 : 239 ، و ج3 : 54 ـ 55 ، وج5: 20، حاشية المكاسب للايرواني 3: 20، حاشية المكاسب للاصفهاني 4 : 40 ، كتاب البيع للإمام الخميني 1 : 101، 171، 200، ولكن خالفهم في ذلك السيّد الخوئي في التنقيح، في شرح المكاسب 3 : 33 ـ 34.
    (5) سورة النساء 4 : 29 .
  • ۴۵۸

    صفحه 458

    14 ـ النظر للأجنبيّة حرام مطلقاً من غير تقييد بالعين مباشرة ، ولم يذهب فقيه واحد إلى تقييده بذلك ، فلو تمّ النظر إلى الأجنبيّة على بعد عدّة كيلومترات بواسطة الكاميرات القويّة لكان مصداقاً للنظر المحرّم .

    15 ـ لقد ورد في بعض الروايات في نفس مقامنا ـ أي مسألة الهلال ـ أنّه لو رُؤي الهلال قبل الزوال نهاراً فذاك هو أوّل شوّال، وإن كان بعده فهو من رمضان (1)، مع أنّ القائلين بالانصراف ينبغي أن يصرفوا الرؤية للرؤية ليلاً ، والحال أنّ الرؤية نهاراً قد اعتبرت جزءاً من الرؤية أيضاً .

    قال في الجواهر: قد يستدلّ(2) على حرمة النظر إلى الطفل المميّز بمثل قوله (عليه السلام) : عورة المؤمن على المؤمن حرام(3) (4)، ولم يصرفوا الأحاديث إلى خصوص البالغ.

    فالمتحصّل من جميع هذه الموارد عدم صحّة ما ذكره البعض; من أنّا لا يمكننا الأخذ بالأفراد المتعارفة في سائر المطلقات في الفقه، ولكن عندما نصل إلى رؤية الهلال نرجع إلى الأفراد غير المتعارفة (5) .

    ولعلّ المتتبّع يظفر بالمزيد من الموارد الاُخرى التي لم يرتّب فيها الفقهاء الحكم على الفرد المتعارف .

    وقد ورد في رسالة «چند نكته مهم در باره رؤيت هلال» بعض الموارد التي حمل فيها الفقهاء المطلقات على الفرد المتعارف ، إلاّ أنّ العجيب أنّ في بعض تلك


    (1) تهذيب الأحكام 4 : 176 ح489 ، الاستبصار 2 : 74 ح226، وعنهما وسائل الشيعة 10: 279، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان ب8 ح5.
    (2) كالنراقي في مستند الشيعة 16 : 34.
    (3) تهذيب الأحكام 1 : 375 ح1152 و 1153، معاني الأخبار: 255 ح3 و2، وعنهما وسائل الشيعة 2: 37، كتاب الطهارة، أبواب آداب الحمّام ب 8 ح1 و 2 ، وفي بحار الأنوار 75 : 214 ح9 عن المعاني.
    (4) جواهر الكلام 2 : 7 ـ 8 .
    (5) فقه أهل بيت (عليهم السلام) ، سال 11 ، شماره 43 : 170.

    صفحه 459

    الموارد ما لا علاقة له بالمطلوب إطلاقاً . فمثلاً جاء في المورد الرابع : أنّ الكثير من الفقهاء يجعلون الملاك في المناطق القطبيّة أو القريبة من القطب التي يكون فيها الليل أو النهار قصيراً جدّاً وخارجاً عن المتعارف هو المناطق المتعارفة(1) .

    ولكن أيّة علاقة لهذا المورد بالمدّعى ؟ فهل أنّ كلمة « المتعارف » كلّما وردت في الفقه فهي ترتبط بمحلّ الكلام ؟ وهل ثمّـة إطلاق في هذا المورد حتّى يحمل على الفرد المتعارف ؟

    ومن الواضح : أنّ المراد بالمتعارف هنا هو ما كان جهة اشتراك المكلّفين في أصل التكليف في أيّة منطقة ومكان كانوا ، فلابدّ أن يأتوا بأعمالهم العباديّة كسائر المكلّفين ، فالمناسب أداء أعمالهم في الأوقات الخمسة كالمناطق المتعارفة الاُخرى ، وإلاّ لم يلتزم فقيه بأنّ قوله ـ تعالى ـ : (أَقِمِ الصَّلَوةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ الَّيْلِ) (2) يجب حمله على الطلوع أو الغروب المتعارف للشمس !

    وهكذا الكلام فيما ذكره في المورد السادس، حيث ذكر أنّ المتعارف في موارد الجلد بالسوط المتعارف منه(3) ; إذ من الواضح عدم استفادة ذلك من الإطلاق ، بل من القرائن المتوفّرة الدالّة على الفرد المتعارف .

    نتائج البحث :

    أوّلاً : أنّ الأصل الأوّلي هوأصالة الإطلاق، فيجب التمسّك بها .

    وثانياً : أنّ الانصراف إلى فرد معيّن بحاجة إلى قرينة خاصّة ، وقد لوحظ أنّ الفقهاء يتمسّكون في موارد عديدة من الفقه بالإطلاق فيما لو فُقدت هذه القرينة ،


    (1) فقه أهل بيت (عليهم السلام) ، سال 11 ، شماره 43 : 169.
    (2) سورة الإسراء 17 : 78 .
    (3) فقه أهل بيت (عليهم السلام) ، سال 11، شماره 43 : 170.

    صفحه 460

    ولا قرينة فيما نحن فيه على الانصراف ، ومناسبات الحكم والموضوع لا تصلح للقرينيّة هنا .

    وثالثاً : عدم كفاية القرينة الدالّة على الانصراف لو كانت لوحدها ، بل لابدّ من توفّر القرائن والشواهد الاُخرى التي يمكن أن يستند إليها الفقيه .

    ورابعاً : أنّه لو كان الشارع الأقدس يعتبر الرؤية بالعين غير المسلّحة لوحدها شرطاً في ثبوت الهلال، لأكّد ذلك ببيان أوضح وأجلى ممّا هو عليه . وبعبارة اُخرى : إنّه لا يمكن الالتزام بأنّ الشارع قد اكتفى بالانصراف في مثل هذا الأمر المهمّ الذي هو مورد ابتلاء المسلمين في كلّ سنة، بل وفي كلّ شهر من الشهور القمريّة .

    وخامساً : أنّه لو قلنا بالانصراف لوجب الالتزام بأنّ الرؤية المعتبرة هي خصوص ما كان على سطح الأرض المستوي دون ما كان منه على رأس جبل أو بناية شاهقة ، مع أنّه ممّا لايمكن الالتزام به . نعم ، قد ورد النهي في بعض الروايات(1) من الصعود على الجبل لرؤية غروب الشمس ، إلاّ أنّه خارج عمّا نحن فيه ; لاختلاف الموضوع بين المقامين .

    وعليه : فإنّه يمكن المصير إلى جواز رؤية الهلال بالعين المسلّحة كالعين غير المسلّحة تماماً ، والأدلّة والضوابط الشرعيّة تساعد على إثبات ذلك .

    الدعوى الثانية : الطريقيّة والموضوعيّة

    طرح البعض(2) في بعض بحوثه حول هذه المسألة مسألة الطريقيّة والموضوعيّة وأنّ الرؤية في باب الهلال ذات عنوان طريقيّ، وفي باب النظر


    (1) وسائل الشيعة 4 : 198 ، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب20.
    (2) بررسى حكم شرعى رؤيت هلال با چشم مسلّح، محمد سميعى.

    صفحه 461

    للأجنبيّة ذات عنوان موضوعيّ، ولذا حاولوا حلّ الإشكال عن هذا الطريق ; أي بما أنّ الرؤية في باب النظر إلى الأجنبيّة مأخوذة على نحو الموضوعيّة ، فلذا لا فرق حينئذ بين أقسامها وأسبابها .

    وهذا الكلام في غاية الإشكال ، حيث يرد عليه أوّلاً : لا شكّ أنّ الرؤية في أوّل الشهر القمري قد اُخذت على نحو الطريقيّة، وأنّ البيّنة أو العلم الشخصي يمكن أن تقوم مقامها ، إلاّ أنّ نزاعنا ليس في أنّ الرؤية مأخوذة بنحو الطريقيّة أو الموضوعيّة ; لأنّه يمكن بناء النزاع على كلا القولين: الطريقيّة والموضوعيّة ، بل النزاع في أنّه هل مطلق الرؤية طريق، أو الطريق هو خصوص الرؤية الاعتياديّة ؟ وهل أنّ مطلق الرؤية مأخوذة على نحو الموضوعيّة، أو خصوص الرؤية الاعتياديّة ؟

    وثانياً : أنّه لا يمكن إثبات انحصار الرؤية بالاعتياديّة من خلال نفي الموضوعيّة . فما ورد في بعض المقالات (1) من أنّه بناءً على التفريق بين موارد الطريقيّة والموضوعيّة يمكن القول بأنّ الملاك ليس هو إلاّ الرؤية الاعتياديّة في غاية الغرابة ; إذ كيف يمكن للتمييز بين الموضوعيّة والطريقيّة أن ينتج القول بأنّ مجرّد نفي الموضوعيّة يثبت أصالة الطريقيّة، وأنّ مجرّد نفي الطريقيّة يثبت أصالة الموضوعيّة . وأمّا الإطلاق وعدم الإطلاق، فلا ربط لأحدهما بالآخر ؟ !

    وذهب بعض آخر في بعض المقالات (2) إلى أنّه كلّما ورد السمع أو النظر في الروايات في تحديد شيء معيّن فإنّهما مأخوذان على نحو الطريقيّة، ولا يمكن أن يقوم مقامهما شيء آخر حتى لو كان النظر والسمع حادّين وخارقين للعادة، لاخصوص الرؤية والسماع بالوسائل والأجهزة الحديثة .


    (1) بررسى حكم شرعى رؤيت هلال با چشم مسلّح، محمد سميعى.
    (2) رؤيت هلال 1 : نود و نه ـ يك صد و يك.

    صفحه 462

    ويرد عليه أوّلاً: أنّ الطريقيّة لا تعني عدم قيام شيء مقامها ، بل يراد بها العكس ; أي إمكانيّة قيام شيء مقامها .

    وثانياً: أنّ التأمّل فيما تقدّم من البحث يكشف وقوع خلط بين أن يؤخذ عنوان ما طريقاً، وبين أن يؤخذ ملاكاً وموضوعاً للحكم . ومن الممكن القول في مثل هذه الموارد أنّ رؤية الموضوع وسماعه إنّما هو للتحديد، وقرينيّة مناسبات الحكم والموضوع تقتضي عدم إمكانيّة أن يقوم مقامهما أيُّ بديل آخر ، بل الذي يقوم هو خصوص ما كان متناسباً مع التحديد دون ما كان منافياً له .

    وثالثاً: ذكر كاتب المقال أنّ رؤية الهلال تشبه مسألة حدّ الترخّص ، فكما أنّ الشارع في حدّ الترخّص هو في مقام التحديد، فكذلك هنا .

    إلاّ أنّ هذه مجرّد دعوى لا دليل عليها ; وذلك أنّا لا نجيز استعمال الوسائل بدل الرؤية في حدّ الترخّص ; لتوفّر قرينيّة مناسبات الحكم والموضوع ; وذلك باعتبار أنّ الملاك هو الابتعاد عن البلد بحيث لا يسمع أذانه ، في حين أنّ مقامنا هو في قيام الوسائل مقام الرؤية الاعتياديّة ، وذلك لا ينافي بداية الشهر القمري وتحديده .

    وأخيراً ، فالمهمّ عند من يناقش في كفاية الرؤية بالوسائل هو دفع جميع الأقوال المقابلة حتى القول بأنّ بداية الشهر هي بخروج الهلال من المحاق ، فهل يمكن أن ندّعي في قبال من يرى أنّ بداية الشهر بالخروج من المحاق، أنّ هذا الرأي يتنافى مع كون المسألة في مقام التحديد ؟ وإذا أجابكم صاحب هذا القول بأنّ الرؤية المأخوذة في النصوص هي على نحو الطريقيّة لإثبات خروج الهلال من المحاق، لا لإثبات إمكانيّة الرؤية الاعتياديّة ، فما هو الجواب على ذلك ؟ !

    إنّ دعوى كون الرؤية هي خصوص الرؤية الاعتياديّة ليس إلاّ مصادرة واضحة على المطلوب ، حيث أخذ القائل بذلك في ذهنه مسبقاً هذا المعنى ثمّ حمل الرؤية الواردة في الأخبار عليها بما يشبه أن تكون قضيّة ضروريّة بشرط المحمول .

    صفحه 463

    وبعبارة أوضح: إنّ لمسألة حدّ الترخّص خصوصيّات ، وهي عبارة عن :

    1 ـ إنّ العرف يرى أنّ ثـمّة حدّ معيّن يسمّى بحدّ الترخّص، وما ذكره الشارع يمكن أن يكون طريقاً لإحراز ذلك الحدّ العرفي ليس إلاّ .

    2 ـ إنّ كلّ شيء يراد له أن يكون طريقاً إلى حدّ الترخّص لابّد أن يكون موائماً ومنسجماً مع عنوان التحديد . وأمّا في مقامنا، فالتحديد تكوينيّ وواقعيّ ، فالشهر له بداية ونهاية محدّدة تستغرق فترة من 29 إلى 30 يوماً ، وهذا أمر تكوينيّ وليس عنواناً عرفيّاً ، فالحدّ إذن في مسألة حدّ الترخّص له عنوان عرفيّ، بينما في مقامنا له عنوان واقعيّ .

    وعليه: فبعد أن اعتبر الشارع الرؤية طريقاً يُطرح التساؤل في أنّه طريق لأيّ شيء ؟ إذا قلنا: إنّه طريق للهلال في حال خروجه من المحاق، حيث لا تتيسّر رؤيته بالعين الاعتياديّة، فهذا إضافة إلى بعده، فهو عين المدّعى .

    موضوع الرؤية

    وعليه : فما يقتضيه البحث العلمي ليس التركيز على كون الرؤية بنحو الطريقيّة، أو لا ، بل لابدّ من البحث عن نفس الشيء الذي تقع الرؤية موضوعاً له ، فهل هو صرف الخروج من المحاق؟ ليُجاب بما أنّ الخروج من المحاق أمر عقليّ دقيق خارج عن الفهم العرفي، فلا يمكن أن يكون هو الملاك، هذا الاحتمال الأوّل.

    الاحتمال الثاني : هو أن يخرج من المحاق بمقدار معيّن، وأن يخرج من تحت شعاع الشمس، ولا تمكن رؤيته إلاّ بالعين المسلّحة .

    الاحتمال الثالث : هو أن يخرج وتمكن رؤيته بالعين الاعتياديّة .

    ويقع البحث في الصحيح من هذين الاحتمالين: الثاني أو الثالث، وفي الدليل على ذلك ، وصرف الادّعاء بأنّ الرؤية مأخذوة بنحو الطريقيّة لا يعيّن الصحيح

۱۰۵,۹۱۵ الزيارة