-
۴۳۱
صفحه 431
السبب أو لا ؟ إنّما المهمّ الآن البحث عن تحديد معنى « الهلال » بمعنى « الشهر الجديد »; أي ولادة القمر وإن كان المستفاد من بعض العبائر(1) إمكانيّة أن يكون ثـمّة فاصل زمنيّ يتخلّل بين زمان الولادة وتحقّق الهلال ، ففي تحقّق الهلال لابدّ من مضيّ مدّة بعد ولادته; لشدّة ضعف نوره ، ولكنّ الظاهر أنّه يتحقّق بداية الشهر بمجرّد ولادة الهلال .
تعريف الهلال
والهلال لغة هو الشهر الجديد وإن كان يطلق لليلتين أو إلى ثلاث ليال هلالاً أيضاً عند البعض(2)، أو إلى سبعة عند آخر (3) .
قال في لسان العرب : الهلال غرّة القمر حين يُهِلُّهُ الناس في غرّة الشهر . وقيل : يسمّى هلالاً لليلتين من الشهر، ثمّ لا يسمّى به إلى أن يعود في الشهر الثاني . وقيل: يسمّى به ثلاث ليال، ثمّ يسمّى قمراً (4) .
ويتّضح من هذا النصّ أنّ الهلال يصدق على الشهر من أوّل ليلة ومنذ الولادة ; لأنّ ابن ليلتين يعني الليلة الاُولى والثانية ، والنتيجة هي صدق الهلال عليه بخروجه من المحاق ولو لم يره الناس، والتعبير بـ « حين يهلّه الناس » ليس مقوّماً لمعناه ، بل هو من آثاره الغالبة ، والشاهد على ذلك ما ورد في القاموس المحيط من تفسيره الهلال بغرّة القمر (5)، ولم يتضمّن عبارة « حين يهلّه الناس ».
ثمّ قال(6) : قال أبو إسحاق : والذي عندي وما عليه الأكثر أن يسمّى هلالاً
(1) لعلّ المراد هو عبارة أقرب الموارد ولسان العرب الآتيين.
(2 ، 3) منتهى الإرب 4: 1370، أقرب الموارد 2: 1399، لسان العرب 6 : 349، القاموس المحيط 3: 641.
(4) لسان العرب 6 : 349.
(5) القاموس المحيط 3 : 641 .
(6) أي في لسان العرب. -
۴۳۲
صفحه 432
ابن ليلتين ; فإنّه في الثالثة يتبيّن ضوؤه (1) . وعليه: فإنّ الهلال صادق على بداية ضوء القمر الضعيف ، في حين أنّه لا يغلب على ظلمة السماء .
قال في صحاح اللغة : الهلال أوّل ليلة والثانية والثالثة ، ثمّ هو قمر (2) ، حيث اعتبر أوّل ليلة هلالاً ويصدق عليها عنوان الهلال ، وليس فيها « حين يهلّه الناس » .
وعلى هذا فإنّ للهلال معنى لغويّاً بيّناً ، وإن كان ثـمّة مقولة معروفة عن أبي العبّاس بأنّه قال: وسمّي الهلال هلالاً لأنّ الناس يرفعون أصواتهم بالإخبار عنه(3)، إلاّ أنّه لا يمكن اعتبار مثل هذا في الهلال مورد البحث ، أي الموضوع للحكم الشرعي ، بعبارة اُخرى : لا يمكن عدّ ذلك ـ أي صيحة الناس ـ ملاكاً في الهلال ، وإن كان هو الغالب فيه .
نعم ، ورد في صحاح اللغة كما يلي : ويقال أيضاً: استهلّ هو بمعنى تبيّن، ولايقال: أهلّ (4). حيث فسّر الاستهلال بمعنى التبيّن والظهور ، والسبب في ذلك هو أنّه لو استهلّ شخص ولم ير الهلال فلا يصدق على ذلك الاستهلال .
والنقطة الجديرة بالإشارة هي: أنّ الاستهلال في الروايات ليس ملاكاً للحكم وأنّ الملاك هو نفس الهلال ورؤيتة .
النقطة الاُخرى الجديرة بالاهتمام هي: أنّه ولو فرضنا القبول بمدخليّة الظهور ورؤية الناس وصيحتهم لذلك في تحقّق الهلال ، إلاّ أنّه قد ثبت في محلّه(5) أنّه لامدخليّة تامّة لوجه التسمية في صدق العنوان ; بمعنى إمكانيّة أن يصدق العنوان
(1) لسان العرب 6 : 349 .
(2) الصحاح 2 : 1375.
(3) لسان العرب 6 : 349.
(4) الصحاح 2 : 1375.
(5) لم نجده عاجلاً. -
۴۳۳
صفحه 433
في بعض الحالات من دون صدق وجه التسمية .
والنتيجة هي: أنّ الهلال يتحقّق بمجرّد ولادته ، وقوله ـ تعالى ـ : ( يَسْألونَكَ عَنِ الاَْهِلَّةِ ) الآية (1) شامل أيضاً لمثل هذا الهلال قطعاً .
وللفلكيّين أن يسلكوا لتعيين ولادة الهلال طريق الحساب الدقيق كما سلكوه في المقارنة ، إلاّ أنّ المشكلة عدم حجّية مثل هذه الحسابات بنفسها، ومع غضّ النظر عن إمكان إفادتها الاطمئنان وعدمه ، هذا أوّلاً :
وثانياً: الأدلّة(2) نصّت على اعتبار أنّ الرؤية هي الملاك ، ولذا لايمكن الاعتماد على الحسابات الفلكيّة ، فالملاك إذاً بحسب ظاهر الأدلّة هي رؤية الهلال .
وقد وقع البحث في أنّه لو كان الهلال ـ وهو ما كان في زمن الولادة ـ قابلاً للرؤية بالتلسكوب بنحو لا تستوجب الرؤية به تغييراً في الواقع، ولا تعكس إلاّ الهلال الواقعي، فهل مثل هذه الرؤية حجّة أم لا ؟
والوارد في كلمات بعض الأعاظم ـ كالمرحوم المحقّق الخوئي (قدس سره) فيما يرتبط بالهلال محلّ البحث ـ هو: أنّ تكوّن الهلال عبارة عن خروجه عن تحت الشعاع بمقدار يكون قابلاً للرؤية ولو في الجملة (3) .
فهو يشترط في تعريف الهلال ـ مضافاً إلى خروجه من تحت الشعاع ـ أن ينفصل قليلاً عن الشمس، وأن يخرج من تحت شعاعها حتّى يكون قابلاً للرؤية ولو في بعض المناطق .
ولكنّا لا نرى وجهاً لإضافة مثل هذا القيد في تعريف الهلال ، بل يلزم على ذلك ألاّ تكون هناك ضابطة معيّنة ولو أردنا تعريف الهلال كذلك; فإنّه يمكن اعتبار
(1) سورة البقرة 2 : 189 .
(2) وسائل الشيعة 10: 252، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان ب3.
(3) المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الصوم 22 : 118 .
صفحه 434
النزاع حينئذ لفظيّاً .
توضيح ذلك : أنّا لو التزمنا بهذا التعريف ـ أي خروج الهلال من تحت شعاع الشمس بحيث لا يكون قابلاً للرؤية بالعين الطبيعيّة فعلاً لشدّة ضعف نوره، ولكنّه قابل للرؤية من الناحية العلميّة ، فيرى بالتلسكوب أو الكاميرات ـ فلابدّ أن يفتي الجميع في هذه الصورة بكفاية ذلك وصحّته .
وإن كان ظاهر الفتاوى(1) عدم كفاية ذلك في مثل الفرض ما لم تتحقّق الرؤية بالعين المجرّدة ، إلاّ أنّ الواقع هو أنّه مع حصول الاطمئنان بخروج الهلال من تحت الشعاع لعدّة ساعات ـ بمعنى مضيّ ساعات على الهلال ـ تكون تلك الليلة هي أوّل ليلة للشهر القمري، ولا يكون مجال للتأمّل والتردّد فيه .
ولو لم يوافق على مثل هذه الدعوى، وقيل بأنّ هذه الصورة المفروضة داخلة في محلّ النزاع أيضاً ، فلابدّ حينئذ من البحث بصورة أوسع بما يشمل صورتين :
الصورة الاُولى : أن يولد الهلال ولكن بنحو لا تمكن رؤيته ـ حسب الحسابات الفلكيّة ـ بالعين المجرّدة ، وذلك حين خروجه في اللحظات الاُولى من تحت الشعاع .
الصورة الثانية : أن يخرج من تحت شعاع الشمس بمقدار تكون إمكانيّة الرؤية بالعين المجرّدة من حيث الحسابات الفلكيّة ضعيفة جدّاً ، ولكن مع ذلك لا تستحيل الرؤية وإن كانت بالفعل غير متحقّقة . ففي هاتين الصورتين لم يفكّك بينهما من تعرّض لبحث المسألة، مع أنّ الصورة الثانية كما أسلفنا يمكن إخراجها عن محلّ النزاع ، فحينئذ هل يمكن التعويل على الرؤية بالوسائل والتلسكوب، أم لا ؟
نُسب إلى المشهور(2) من الفقهاء عدم كفاية الرؤية بالعين المسلّحة ، والحال أنّ
(1) المقنع: 182 ، النهاية: 150، شرائع الإسلام 1: 199، العروة الوثقى 3: 628، المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الصوم 22: 122 ـ 123، توضيح المسائل مراجع 1 : 997.
(2) الصوم في الشريعة الإسلاميّة الغرّاء 2:144، رؤيت هلال 2:1189، فقه أهل بيت (عليهم السلام) : شماره43: 168. -
۴۳۵
صفحه 435
المسألة هي من المسائل المستحدثة التي لايرجع تأريخها إلى فترة قديمة ، بل يمكن القول بشكل أدّق ـ كما ورد ذلك في بعض الكلمات ـ أنّ فترة الاستخدام المنضبط والمقنن لهذه الأجهزة والوسائل لرؤية الهلال لا تتجاوز بضعة عقود . وعليه: فلا يمكن دعوى الشهرة المعتبرة بين الفقهاء، والتي هي عبارة عن الشهرة بين المتقدّمين . نعم، الحكم مشهور بين المتأخريّن ، ولكنّ الشهرة بينهم ليست حجّة كما هو معلوم .
أدلّة الموافقين بالرؤية بالعين المسلّحة
وقد تمسّك القائلون(1) بكفاية الرؤية بالعين المسلّحة بأصالة الإطلاق في المقام ، وأنّه لم يرد أيُّ دليل أو قرينة تقيّد الرؤية بغير المسلّحة ، وإن كانت أصل الرؤية عندهم معتبرة ، والحسابات الفلكيّة والاُمور الظنّية غير معتبرة عندهم ، ولكنّهم يرون أنّ الرؤية لـمّا كانت مجزئة بالوسائل كالنظّارات مثلاً; فإنّها مجزئة أيضاً إذا كانت بوسائل أقوى وأفضل إذا لم تحدث تغييراً في الواقع المرئي ، فالمهم من الناحية الصناعيّة هو صدق استناد الرؤية إلى الرائي ، ومن يرى بالتلسكوب تُسند إليه الرؤية قطعاً ، وهذا الاستناد حقيقيّ .
وبعبارة اُخرى : إنّ صدق الرؤية محرز ومسلّم في الرؤية بالتلسكوب ، والشاهد على ذلك هو إمكانيّة الشهادة بالقتل إذا شوهد بالتلسكوب، وعلى القاضي ترتيب الأثر عليه ، مع أنّه يشترط في باب الشهادات أن تكون مستندة إلى الرؤية أيضاً .
وشاهد آخر على هذا القول هو: أنّه يشترط في حليّة أكل السمك أن يكون
(1) المسائل الفقهيّة للسيّد محمّد حسين فضل الله 1 : 116 مسألة 3 و 6، رؤيت هلال 2: 1188ـ 1191، 1479. -
۴۳۶
صفحه 436
ذا فلس ، فقد اعتبرت النصوص(1) والفتاوى(2) الملاك في حلّية أكل السمك هووجود الفلس ، فلو تعذّرت رؤية الفلس في بعض أنواع السمك مثلاً بالعين المجرّدة، وأمكنت بمثل الناظور، أو لم يتمكّن عامّة الناس من تشخيصه الفلس، وتمكّن اُهل الخبرة من ذلك، فالظاهر كفاية هذا المقدار في حليّة أكله، ولا يمكن القول باشتراط كون الرؤية بالعين المجرّدة فقط.
وبعبارة اُخرى : إنّ جواز الأكل منوط بوجود الفلس واقعاً ، وفيما نحن فيه وإن ذكرت الرؤية في الروايات، إلاّ أنّ المستفاد من الأدلّة هو الوجود الواقعي للهلال .
وبشكل عامّ فإنّه ـ مضافاً إلى هذين الشاهدين ـ يمكن إجمالاً استدلال هذا الفريق بثلاثة أدلّة ومؤيّد واحد :
1 ـ إجراء أصالة الإطلاق بالنسبة لسبب الرؤية، وعدم وجود قرينة على الانصراف .
2 ـ استناد الرؤية حقيقة إلى من يستخدم هذه الوسائل في الرؤية .
3 ـ شمول لفظ الأهلّة في قوله ـ تعالى ـ : ( يَسْألونَكَ عَنِ الاَْهِلَّةِ) الآية (3) ، حيث يشمل بإطلاقه الهلال الذي لا يراه الناس بالعين غير المسلّحة، ولكنّهم يرونه بالعين المسلّحة .
ومن المؤيّدات لهذا الرأي بالإضافة إلى هذه الأدلّة الثلاثة هو: أنّه لو لم تمكن الرؤية العادية في الليلة الاُولى، وتـمّت رؤيته بالتلسكوب، فإذا لم نعتبر نهار تلك الليلة اليوم الأوّل من الشهر، واعتبرنا اليوم الذي بعده أوّل الشهر ، فإذا كان ذلك
(1) وسائل الشيعة 24: 127، كتاب الأطعمة والأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة ب8 .
(2) المقنع: 423، النهاية: 576، جواهر الكلام 36: 243 (ط ـ ق)، وسيلة النجاة: 614 مسألة 2، تحرير الوسيلة 2: 147 مسألة 2.
(3) سورة البقرة 2 : 189 . -
۴۳۷
صفحه 437
الشهر ثمانية وعشرين يوماً; فإنّه يجب قضاء يوم واحد طبقاً لبعض الروايات(1)وفتوى جميع الفقهاء(2) ، وهذا يكشف عن أنّ ذلك اليوم هو الأوّل للشهر ولو لم تتمّ فيه الرؤية بالعين الطبيعيّة .
وهذا خير شاهد على أنّه لا موضوعيّة للرؤية بالعين العادية .
إن قلت : إنّه في مثل الفرض المذكور نستكشف أنّ الرؤية بالعين المجرّدة في الليلة الاُولى كانت ممكنة، إلاّ أنّها تعذّرت لبعض الموانع .
وبعبارة اُخرى : إنّه قد يدّعى وجود ملازمة بين هذين الأمرين ; أي بين رؤية الهلال في الليلة الثلاثين بالعين المجرّدة، وبين إمكانيّة رؤيته كذلك في الليلة الاُولى(3) .
قلت : إنّه لم يقم أيُّ دليل لا من الناحية الفلكيّة، ولا غيرها من الطرق الاُخرى على وجود هذه الملازمة ، بل أنّا لو لاحظنا حالات الرؤية لوجدنا في بعض الموارد منها أنّ الفلكيّين يدّعون فيها عدم قابليّة الرؤية في الليلة الاُولى بالعين المجرّدة ، ثمّ يأتون ويدّعون بعد مضيّ تسعة وعشرين يوماً إمكانيّة رؤية الهلال الجديد بالعين المجرّدة ، بل يمكن القول مع غضّ النظر عن هذا المطلب إنّه لا دليل أساساً في علم الفلك على وجود مثل هذا الأمر .
أدلّة المخالفين بالرؤية بالعين المسلّحة
وأمّا من استدلّ على عدم كفاية الرؤية بالعين المسلّحة فمجموع ما استدلّ به عبارة عن دعويين :
(1) تهذيب الأحكام 4 : 158 ح444، وعنه وسائل الشيعة 10 : 296 ، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان ب14 ح1.
(2) المهذّب 1 : 190 ، السرائر 1 : 384 ، جواهر الكلام 16 : 376 (ط ـ ق)، العروة الوثقى 3 : 630 مسألة 2، مستمسك العروة الوثقى 8 : 468 ، المستند في شرح العروة الوثقى 22 : 112، رؤيت هلال 2 : 1189.
(3) راجع مجلّة فقه دفتر تبليغات، شماره 50 سال 1385 : 118.
صفحه 438
الدعوى الاُولى : دعوى انصراف الرؤية إلى الرؤية بالعين الطبيعيّة ، قال بعض الأعلام : لا تكفي الرؤية بعين ذات البصر الحادّ، كما لا تكفي الرؤية بالآلات الرصديّة ، وما هذا إلاّ للانصراف (1) .
الدعوى الثانية : دعوى أخذ الرؤية بنحو الطريقيّة لا الموضوعيّة ، على توضيح سيأتي .
الدعوى الاُولى : الانصراف
قال بعض الأعاظم : عندما تطلق الرؤية، فالمنصرف هو الرؤية المتعارفة; وهي الرؤية بالعين غير المسلّحة ; لأنّ الفقهاء يصرفون الإطلاقات في جميع أبواب الفقه إلى الأفراد المتعارفة (2) .
ولكن ثـمّة اُمور جديرة بالملاحظة في هذا النصّ ; وهي كما يلي :
أوّلاً : لابدّ من ملاحظة ما هو المنشأ في الانصراف ؟ قد ثبت في علم الاُصول(3) صحّة الانصراف لو كان منشؤه غلبة الاستعمال، لا ما إذا كان من غلبة الوجود ، وكما تستعمل الرؤية في الرؤية بالعين غير المسلّحة، فكذلك تستعمل ـ حقيقة ـ في الرؤية بالنظّارات أو المكبّرات أو المنظار .
وثانياً : أنّ ما ذكر دليلاً على هذا المدّعى حقيق بالتأمّل ; لأنّ ما ذكر ـ من أنّ الفقهاء يصرفون الإطلاقات في جميع الأبواب الفقهيّة إلى المصاديق المتعارفة ـ علىفرض صحّته هل يمكن اعتبار عمل الفقهاء دليلاً وحجّة في المقام ؟ فإذا كان الفقهاء
(1) الصوم في الشريعة الإسلاميّة الغرّاء 2 : 144 .
(2) فقه أهل بيت (عليهم السلام) ، سال 11 ، شماره 43 : 169 .
(3) كفاية الاُصول : 289 ، نهاية الأفكار 2 : 575 ـ 577 ، منتقى الاُصول 1 : 380، مناهج الوصول إلى علم الاُصول 1: 251.
صفحه 439
إلى ما قبل العلاّمة الحلّي يفتون بلزوم نزح المقدّرات في البئر، فهل يكون هذا حجّة على سائر الفقهاء ؟ ! فإنّه من الواضح لزوم البحث في أدلّة الأقوال في مثل هذه المسألة ، وكذا الأمر فيما نحن فيه .
من الواضح: أنّه كما يجب في أمثال هذا المورد البحث والفحص عن الدليل ، فكذا يجب في هذا المورد الرجوع إلى أدلّة المسألة لكي يتمّ بحثها .
وثالثاً : عدم تماميّة مثل هذه النسبة إلى الفقهاء بمجرّد إحصاء موارد قليلة ، حيث توجد ثـمّة موارد على خلاف ذلك ـ سنشير إليها(1) ـ تؤكّد عدم صحّة مثل هذه الدعوى على إطلاقها ونسبتها إلى جميع الفقهاء .
ولكن نشير قبل التعرّض للموارد ـ سواء قَبِلَ الفقهاء بالانصراف فيها، أو لم يقبلوا ـ إلى بعض النقاط التي ينبغي تدقيقها وتمحيصها من جهة صناعيّة :
النقطة الاُولى : من الواضح: أنّ أصالة الإطلاق من الاُصول اللفظيّة العقلائيّة ، والأصل الأوّلي في الألفاظ هو الإطلاق بمقتضى مقدّمات الحكمة ما لم يتوفّر دليل أو تقم قرينة على التقييد . وبعبارة اُخرى : إنّ رفع اليد عن الإطلاق ودعوى الانصراف بحاجة إلى قرينة دائماً ، وبدونها لا يمكن دعوى الانصراف ، بل لو أردنا حمل المطلقات في جميع الموارد على الفرد المتعارف لفقد الاجتهاد حيويّته وفاعليّته ، فالاجتهاد حيٌ وفاعل ببركة هذه الإطلاقات والعمومات .
ولا توجد أيّة قرينة صارفة في الروايات الواردة في رؤية الهلال أو غيرها من الأدلّة ، والرؤية مطلقة من جهة الأسباب : « إذا رأيت الهلال فصم، وإذا رأيته فأفطر »(2) أو « صم للرؤية وأفطر للرؤية »(3) .
(1) في ص449 ـ 460.
(2) وسائل الشيعة 10 : 252 ، 253 و 260 ، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان ب3 ح1 ، 3 و27.
(3) وسائل الشيعة 10 : 255 و 257 ، كتاب الصوم ، أبواب أحكام شهر رمضان ب3 ح11 و 19. -
۴۴۰
صفحه 440
لقد وردت « الرؤية » في هذه الروايات إمّا بصيغة الخطاب، أو بغير صيغة الخطاب ، والخطاب إمّا بصورة المفرد، أو بصورة الجمع ، إلاّ أنّه لم يرد في جميع هذه الروايات الثمانية والعشرين في الباب الثالث من أبواب شهر رمضان أيّة قرينة دالّة على الانصراف ، وبذلك نثبت الاكتفاء بالرؤية بكلّ طريقة ; بمعنى: أنّ الملاك هو صدق الرؤية بأيّ طريق اتّفق .
ومن جهة اُخرى: فإنّ من الواضح أنّه في الموارد الاُخر حتّى في حالات كثيرة، بل في جميع موارد الإطلاق، عندما يتمّ الانصراف إلى الأفراد المتعارفة، لابدّ من القول بأنّ مقتضى القاعدة والصناعة توقّف دعوى الانصراف على وجود القرينة ، وبدونها لا يمكن القبول بدعوى الانصراف البتّة .
تحليل الروايات
المستفاد من دراسة الروايات الواردة أنّ الرؤية طريق وكاشف عن ثبوت الهلال ، لكنّها طريق إلى اليقين والاطمئنان بتحقّق الهلال في السماء بعد خروجه عن المقارنة .
إنّ الرؤية الواردة في الروايات قد وردت كمقدّمة لليقين ، كما أنّ مفادها أيضاً أنّ شهر رمضان لا يكون بالرأي والتظنّي :
1 ـ محمد بن الحسن بإسناده عن علي بن مهزيار عن محمّد بن أبي عمير ، عن أبي أيّوب وحمّاد ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : إذا رأيتم الهلال فصوموا ، وإذا رأيتموه فأفطروا ، وليس بالرأي ولابالتّظنّي، ولكن بالرؤية، الحديث (1) .
(1) تهذيب الأحكام 4 : 156 ح433 ، الاستبصار 2 : 63 ح203، الكافي 4 : 77 ح6، الفقيه 2 : 76 ح334، المقنعة: 296، وعنها وسائل الشيعة 10 : 252 ، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان ب3 ح2.
صفحه 441
2 ـ وعنه، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة قال : صيام شهر رمضان بالرؤية ، وليس بالظّن، الحديث(1) .
3 ـ وبإسناده عن الحسين بن سعيد، عن فضالة، عن سيف بن عميرة، عن إسحاق بن عمّار ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، أنّه قال : في كتاب علي (عليه السلام) : صم لرؤيته وأفطر لرؤيته، وإيّاك والشكّ والظنّ ، الحديث (2) .
4 ـ وبإسناده عن سعد بن عبدالله، عن العبّاس بن موسى ، عن يونس بن عبدالرحمن، عن أبي أيّوب إبراهيم بن عثمان الخزّاز، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث قال : إنّ شهر رمضان فريضة من فرائض الله، فلا تؤدّوا بالتظنّي (3) .
والمستفاد بشكل واضح من هذه النصوص هو :
أوّلاً: أنّ المقصود بالرؤية في الروايات نفي الرأي والظنّ، والتأكيد على لزوم حصول اليقين بالهلال في وجوب الصوم .
ومن الواضح جدّاً: أنّ تحصيل هذا اليقين غير مختصّ بالرؤية المجرّدة ، بل يحصل من طريق الوسائل والأجهزة أيضاً .
وثانياً: أنّ الملاك في شروع شهر رمضان هو نفس الهلال، لا أصل وجود القمر، وإذا تيقّنّا من الهلال فلابدّ من الصوم، ومع تجدّد الهلال يبدأ الشهر ، ومع التيقّن من تحقّق الهلال يبدأ الشهر القمري .
5 ـ روى محمّد بن الحسن بإسناده عن الحسين بن سعيد ، عن محمّد
(1) تهذيب الأحكام 4 : 156 ح432 ، الاستبصار 2 : 63 ح202، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 253، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان ب3 ح6.
(2) تهذيب الأحكام 4 : 158 ح441 ، الاستبصار 2 : 64 ح208 ، وعنهما وسائل الشيعة 10: 255، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان ب3 ح11.
(3) تهذيب الأحكام 4 : 160 ح451 ، وعنه وسائل الشيعة 10 : 256 ، كتاب الصوم ، أبواب أحكام شهر رمضان ب3 ح16.