-
۴۲۱
صفحه 421
من التشبيه(1).
وفي الاستشعار إشكال، بل منع; لأنّه في بعض الروايات ـ كما أشرنا إليه ـ قد استثنى منه النطق، فقال: «إلاّ أنّ الله أحلّ فيه النطق»، ولعلّه من هذه الجهة استدلّ هو نفسه بهذه الرواية في مواضع عديدة من كتابه، من دون كلمة «في»(2)، فتدبّر.
هذا كلّه، مضافاً إلى أنّه لو كان الطواف مرتفعاً عن الكعبة غير جائز، لصار هذا أيضاً حدّاً من جهة الارتفاع ، ولكان اللاّزم على الشارع ذكره، كما ذكر الحدّ في جهة المساحة ومحيط الدائرة الأرضيّة ، فمن عدم البيان بالنسبة إلى هذه الجهة نستكشف صحّة العمل .
اللهمّ إلاّ أن يقال: إنّ عدم البيان إنّما كان من جهة عدم الموضوع الخارجي في ذلك الزمان، وهو كما ترى .
الطواف من الطابق الأوّل عند السنّة
وممّا ذكرنا ظهر ضعف ما حكي عن الشافعي; فإنّه قال: فإن جعل سقف المسجد أعلى لم يجز الطواف على سطحه(3)، ويستفاد من صاحب الجواهر مخالفته له في ذلك ، وقال: مقتضاه كما عن التذكرة(4) أنّه لو انهدمت الكعبة ـ والعياذ بالله ـ لم يصحّ الطواف حول عرصتها، وهو بعيد، بل باطل(5) .
والظاهر ذهاب صاحب الجواهر أيضاً إلى صحّة الطواف من السطح وإن كان أعلى من البيت .
(1) جواهر الكلام 1: 13 ـ 14.
(2) جواهر الكلام 2 : 8 ، وج18 : 58 وج19 : 270 ، 271 ، و ج35 : 360.
(3) المجموع 8 : 43 ، العزيز شرح الوجيز 3 : 395.
(4) تذكرة الفقهاء 8 : 93.
(5) جواهر الكلام 19 : 298 ـ 299. -
۴۲۲
صفحه 422
والذي يبدو أنّ أكثر العامّة قائلون بصحّة الطواف فيما إذا كان مرتفعاً عنالبيت ، فقد قال النووي: قالوا: ويجوز ـ أي الطواف ـ على سطوح المسجد إذا كان البيت أرفع بناءً من المسجد، كما هو اليوم ، قال الرافعي: فإن جعل سقف المسجد أعلى من سطح الكعبة، فقد ذكر صاحب العدّة أنّه لايجوز الطواف على سطح المسجد ، وأنكره عليه الرافعي وقال: لو صحّ قوله لزم منه أن يقال: لو انهدمت الكعبة ـ والعياذ بالله ـ لم يصحّ الطواف حول عرصتها، وهو بعيد(1) .
وهذا الذي قاله الرافعي هو الصواب ، وقد جزم القاضي حسين في تعليقه: بأنّه لو طاف على سطح المسجد صحّ وإن ارتفع عن محاذاة الكعبة ، ثمّ أضاف قاعدةً كلّيّةً; وهي: أنّه لو وسّع المسجد اتّسع المطاف ، وقال: اتّفق أصحابنا على ذلك»(2) .
وقال الزحيلي: ويصحّ على سطح المسجد وإن كان سقف المسجد أعلى من البيت(3) .
فروع ملحقة:
الأوّل: الطواف في المكان المرتفع من البيت قليلاً
ثمّ إنّه ـ مع قطع النظر عن التوسعة، وبناءً على عدمها، ولزوم الاقتصار على البيت ـ يمكن أن يقال: الظاهر عند العرف أنّ الارتفاع القليل بمقدار متر، أو مترين لا يخرجه عن الطواف حول البيت ، فيصحّ الطواف انطلاقاً من الصدق العرفي .
الثاني: شمول الحكم لحال الاضطرار، وعدمه
ثمّ إنّه يظهر أيضاً أنّ صحّة الطواف فيما إذا كان أعلى من الكعبة ليستمختصّةً بحال الاضطرار ، بل من يقول بعدم وجود حدّ للمطاف يصحّ له القول بذلك
(1) العزيز، شرح الوجيز 3 : 395.
(2) المجموع 8 : 43.
(3) الفقه الإسلامي وأدلّته 3 : 159.
صفحه 423
مطلقاً، والله العالم .
الثالث: الاستنابة ومشروعيّتها
الظاهر أنّه لا تصل النوبة إلى الاستنابة إلاّ على قول من يذهب إلى وجود حدّ للمطاف ; إذ يلزمه طبعاً الإفتاء بلزوم الاستنابة، وعدم صحّة الطواف من الطابق الأوّل ، لا من جهة كونه أعلى من البيت، بل من جهة كونه خارجاً عن حدّ المطاف .
ويأتي هنا بحث، وهو: أنّه على القول بوجود الحدّ إذا أمكنت الاستنابة وجبت عليه ، وأمّا إذا لم يمكن، وعلم الحاجّ ـ ابتداءً قبل الشروع في الإحرام ـ أنّه غير قادر على الطواف لا بنفسه ولا بالاستنابة ، فهل يكون إحرامه صحيحاً، أم لا؟
يمكن أن يقال بعدم وجوب الحجّ في هذا الفرض; إمّا من جهة أنّ عدم القدرة على الجزء أو الشرط، موجب لعدم القدرة على المركّب أو المشروط، فيسقط وجوب الحجّ لأجل عدم توجّه التكليف والخطاب نحو المخاطب ، بناءً على ما أسّسه المحقّق النائيني من أنّ شرطيّة القدرة تستفاد من اقتضاء الخطاب لا من حكم العقل(1) ، أو أنّ عدم القدرة على الجزء أو الشرط موجب لكون توجّه التكليف إليه قبيحاً على مبنى المشهور: القاضي بحكم العقل بقبح تكليف العاجز ، كلّ ذلك بناءً على شرطيّة القدرة في التكليف; إمّا من اقتضاء نفس الخطاب، أو من حكم العقل .
وأمّا بناءً على عدم شرطيّة القدرة فيه، والقول بأنّ الخطاب يشمل العاجز كما أنّه يشمل القادر ، غايته أنّ العاجز معذور في ترك الامتثال ، وهو ما ذهب إليه السيّد الإمام الخميني(2) والسيّد الخوئي (قدس سرهما) (3)، فيكون العجز عن الجزء مساوقاً
(1) فوائد الاُصول 1 : 314.
(2) تهذيب الاُصول 1 : 440.
(3) محاضرات في اُصول الفقه (موسوعة الإمام الخوئي) 2 : 344 ـ 345.
صفحه 424
للعجز عن المركّب ، فيكون معذوراً في ترك الامتثال .
وبعبارة اُخرى : الوجوب الواحد في المركّب يسقط بتعذّر جزء من الأجزاء ، فإذا تعذّر أحد الأجزاء يسقط الوجوب عن الباقي بمقتضى القاعدة الأوّليّة . نعم،قد يدلّ الدليل الخاصّ على بقاء الوجوب في الباقي، كما في باب الصلاة .
سوال و جواب
إن قلت: قد حقّق في محلّه أنّ الجامع بين المقدور، وغير المقدور مقدور(1) ، فإذا كان بعض أفراد الطبيعة المأمور بها مقدوراً، ولكن بعضها الآخر غير مقدور، يصحّ التكليف بالطبيعة من هذه الجهة .
قلت: نعم ، هذا الكلام إنّما يجري في الكلّي والفرد، لا في الكلّ والجزء ، والكلام هنا إنّما هو في الثاني ; فإنّ العاجز عن الجزء يكون ـ قهراً ـ عاجزاً عن الكلّ ، فتدبّر .
إن قلت: لا ملازمة بين عدم وجوب الحجّ، وعدم صحّة الإحرام ، فيمكنأن يقال بصحّة إحرامه دون وجوب الحجّ عليه ، والخروج من الإحرام له أسباب يمكن الإتيان بها ، ولم يشترط أحد في صحّة الإحرام إمكان الإتيان ببقيّة الأجزاء في الحجّ .
قلت: إنّ الإحرام أيضاً من أجزاء الحجّ ، فبعد عدم القدرة على جزء من أجزائه تكون بقيّة الأجزاء في حكم غير المقدور ، ولا أقلّ لا تكون مشمولةً للطلب المتوجّه إلى المركّب ، والمفروض عدم المطلوبيّة الاستقلاليّة لكلّ من الأجزاء، فلايصحّ الإحرام أيضاً .
وبهذا ظهر ممّا أسلفناه أنّ العاجز عن الطواف الصحيح المشروع مع
(1) هداية المسترشدين 2 : 364 ، محاضرات في اُصول الفقه (موسوعة الإمام الخوئي) 1 : 538 ، بحوث في الاُصول (مباحث الدليل اللفظي) 2: 323 ، 372 و424. -
۴۲۵
صفحه 425
عدم إمكان الاستنابة أيضاً يسقط عنه الوجوب ، ولا يجب عليه الحجّ، كما لايصحّ منه الإحرام .
نعم ، لا يخفى أنّ القدرة على العمل كافية ولو من طريق الاستنابة ; فإنّ القادر على الاستنابة في العمل الذي يقبل النيابة قادر على العمل أيضاً ، وعلى هذا يتّضح أنّه لو لم يكن الحاجّ قادراً على الطواف والسعي مثلاً، لكنّه كان قادراً على الاستنابة فيهما، وعلى المباشرة في الصلاة والتقصير، لكان إحرامه وعمرته صحيحين .
خلاصة البحث، ونتيجة الدراسة
1 ـ أنّه بناءً على جواز الإضافة في جهة الارتفاع إلى البيت .
2 ـ وبناءً على عدم شمول النهي الوارد في الروايات عن البناء فوق الكعبة(1)للأبنية المتعلِّقة بالمسجد .
3 ـ وبناءً على عدم اختصاص التوسعة ـ علوّاً وسفلاً ـ بالاستقبال ، بل تجري في الطواف أيضاً بمقتضى إطلاق الرواية المرسلة(2) الواردة في المقام أوّلاً ، وانضمام الروايات(3) الدالّة على أنّ البيت قبلة من جهة الفوق ثانياً ; فإنّ الانضمام يدلّ على التوسعة من جهة الفوق أيضاً ، ومن جهة الصدق العرفي، كالاستقبال ثالثاً ، ووحدة السياق والتعبير في أدلّة الطواف، وأدلّة القبلة ـ من جهة أنّ الملاك فيهما هو البيت ـ رابعاً .
4 ـ وعلى عدم وجود حدّ للمطاف .
نستنتج صحّة الطواف من الطابق الأوّل وإن كان أعلى من البيت ، وهو المستفاد أيضاً من كلمات صاحب الجواهر(4) .
(1) تقدّمت في ص410 ـ 411.
(2 و 3) تقدّمت في ص413 ـ 418.
(4) تقدّمت في ص413 ـ 414. -
۴۲۶
صفحه 426
كما نستنتج ـ مع قطع النظر عن التوسعة ـ صحّة الطواف وإن كان أعلى من البيت بمقدار متر، أو مترين ; فإنّ هذا المقدار لا يضرّ في صدق الطواف عرفاً حول البيت ، والله العالم .
وبما أنّ هذا البحث جديد، ولم أرَ من تعرّض له سابقاً حتّى بنحو الإشارة، يحتاج ـ طبعاً ـ إلى دقّة كثيرة ، وعلى المحقّقين والفقهاء أن يبحثوا حوله، وينظروا إلى ما قلناه نظراً جامعاً وافياً .
-
۴۲۷
صفحه 427
رسالة في
اعتبار الأجهزة الحديثة
في رؤية الهلالوقد ألّفت في سنة 1426 هـ . ق
- ۴۲۸
-
۴۳۰
صفحه 430
وقد تركت هذه الفتوى انعكاساً وصدى واسعاً في الخارج والداخل ، سيّما بين العلماء والأكابر ، ولعلّه يمكن أن يقال بأنّه لانجد نظيراً لهذه الفتوى بين المراجع العظام بهذه الصراحة والوضوح قبل هذا ، وقد طلب منّي جمع من الأفاضل على إثر ذلك بيان وتوضيح هذه الفتوى .
وحالفني التوفيق ـ ولله الحمد ـ لبحث هذه المسألة التي هي في عداد المسائل المستحدثة بحثاً استدلاليّاً بحسب ما سنحت به الفرصة، وفي حدود الإمكان ، راجياً من ذوي الرأي ملاحظتها بعين الإنصاف .
تحرير محلّ النزاع
قبل الخوض في الآراء واستعراض الأدلّة يلزم أوّلاً تحرير محلّ النزاع، فنقول :
إنّ للهلال من الناحية التكوينيّة والواقعيّة حالتين :
الاُولى : المقارنة ، وهي عندما يكون الهلال واقعاً تحت ضوء الشمس بحيث لا يمكن رؤيته بالعين المجرّدة إطلاقاً .
الثانية : الولادة ، وهي عندما يخرج القمر من المحاق ومن تحت ضوء الشمس ، ويبدأ بذلك شهر جديد ، وهو ما يعبّر عنه في اللغة والعرف بالهلال .
وبعبارة أخرى : إنّ أوّل زمان الولادة هو أوّل زمان الهلال .
والوارد في لسان الأخبار(1) كملاك للمسألة عبارة عن عنوان مركّب هو « رؤية الهلال » ; وهو مكوّن من « الرؤية» و «الهلال » ، ولابدّ من البحث في كلّ منهما ، وسوف نتناول فيما يلي من البحث عند تعريف الرؤية كيفيّة أخذها في الأخبار، وأنّه هل بنحو الموضوعيّة، أو الطريقيّة ؟ وهل إنّ لها إطلاقاً من جهة
(1) وسائل الشيعة 10: 252، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان ب3.