-
۴۱۱
صفحه 411
ابن الحكم أيضاً ثقة ، وصفوان وإن كان مشتركاً بين صفوان بن مهران وصفوان ابن يحيى، إلاّ أنّ كليهما ثقتان ، والمراد من العلاء هو علاء بن رزين; وهو ثقة جليل القدر .
ومنها: ما ذكره المفيد في المقنعة قال: نهى (عليه السلام) أن يرفع الإنسان بمكّة بناءً فوق الكعبة(1) .
وبعد الاختلاف في أنّه هل هو محمول على الحرمة، أو دالّ على الكراهة كما يستفاد من عنوان الباب الموجود في الوسائل ، يوجد سؤال آخر، وهو: هل النهي في هذا النصّ شامل لجميع الأبنية الواقعة في مكّة حتّى المسجد الحرام; بمعنى أنّ الشارع نهى أن يرفع بناء فوق الكعبة لشرافتها ، فلايجوز البناء حتّى داخل المسجد، بحيث يصير مرتفعاً عنها، أو أنّ النهي مختصّ بالأبنية التي يصطنعها الناس لأنفسهم ، ومن ثمّ فتكون الروايات منصرفة عن نفس المسجد؟
الظاهر عدم الانصراف; لعدم وجه له، والإنصاف ظهور الكلام في الإطلاق، سيّـما بالنسبة إلى كون لفظ «بناء» نكرة في سياق النفي أو النهي «نهى أن...» ، ويؤيّده قرينة مناسبة الحكم والموضوع; فإنّ شرافة الكعبةوعظمتها يجب أن تحفظ بالنسبة إلى كلّ شيء حتّى بلحاظ البناء الموجود داخل المسجد.
فبناءً على الإطلاق يمكن أن يقال بعدم صحّة الطواف من الطابق الأوّل الموجود فعلاً ; فإنّه بعد التحقيق والسؤال; ظهر في زماننا هذا كونه مرتفعاً عن البيت بمقدار سبعة وعشرين سانتمتراً .
والدليل على ذلك: أنّ الشارع إذا نهى عن البناء نفهم بالملازمة العرفيّة عدم صحّة الطواف منه، أو نفهم عدم جواز كون الإنسان أيضاً مرتفعاً عن الكعبة .
هذا ، والإنصاف أنّ هذه الروايات لا تشمل صورة ما إذا كان نفس الإنسان
(1) المقنعة : 444 ، وعنه وسائل الشيعة 13 : 236 ، كتاب الحجّ، أبواب مقدّمات الطواف ب17 ح3.صفحه 412
مرتفعاً عن البيت حال الطواف ; فإنّ موردها الأبنية الثابتة لا المتحرِّكة ، فلا تشمل الإنسان نفسه في دورانه حوله مرتفعاً عنه .
كما أنّ شرافة البيت ـ التي هي الحكمة الأصليّة لهذا الحكم ـ لا تشمل ما يتعلّق بهذا البيت من الأبنية الموجودة في المسجد، ممّا هو من شؤونه .
الطواف من الطابق الأعلى من البيت
السادس: وهو المهمّ في المقام ، وحاصله: أنّه قد اشتهر في ألسنة الفقهاء ، بل صار أمراً مجمعاً عليه بينهم ، بل بين المسلمين، كما صرّح به كاشف الغطاء(1); أنّ القبلة تمتدّ محاذية للكعبة علواً وسفلاً من تخوم الأرض إلى أعلى السماء، فالمتوجّه إليه مستعلياً على البنية إلى السماء، أو منخفضاً عنها إلى الثرى مستقبل لها ، ولا مدار على بنيانها، والظاهر أنّ أوّل من صرّح به هو الشهيد الثاني في المسالك(2)، ثمّ تبعه صاحب المدارك(3) ، وتبعهما جميع من تأخّر عنهما إلى زماننا هذا ، إلى أن صار أمراً مسلَّماً عند الجميع(4) .
لكنّ السؤال يكمن في أنّ الطواف هل هو ملحق بالاستقبال ، بحيث يكون الفضاء الموجود فوق البيت وتحت الأرض ملحقاً به ، فيجوز الطواف حوله، أم لا؟ وبعبارة اُخرى: هل أنّ الطواف حول الفضاء طواف حول البيت، أم لا؟ ومن ثمّ لايكون ملحقاً، بل ذاك الحكم مختصّ بالاستقبال؟
الظاهر أنّ المستفاد من الروايات عدم اختصاصه بالاستقبال ; فإنّ بعضها
(1) كشف الغطاء 3 : 100.
(2) مسالك الأفهام 1 : 152.
(3) مدارك الأحكام 3 : 121 ـ 122.
(4) الحبل المتين 2: 230 ـ 231 ، ذخيرة المعاد : 215 ، الحدائق الناضرة 6 : 377 ، غنائم الأيّام 2: 367، جواهر الكلام 7 : 320 ، مصباح الفقيه 10 : 40 ، مستمسك العروة الوثقى 5 : 174. -
۴۱۳
صفحه 413
يدلّ بالإطلاق على جواز الطواف حول الفضاء أيضاً ، فقد روى الصدوق مرسلاً عن الصادق (عليه السلام) قال: أساس البيت من الأرض السابعة السفلى إلى الأرض السابعة العليا(1) .
وهذه الرواية وإن كانت مرسلة، إلاّ أنّ هذا النوع من الإرسال غير مضرّ على ما حقّق في محلّه .
كما أنّ دلالتها أيضاً واضحة ; فإنّ قوله (عليه السلام) : «أساس البيت» لا يختصّ بالاستقبال ، بل يشمل الطواف أيضاً ، ولا قرينة في الرواية على اختصاصه بالاستقبال . نعم ، لا يدلّ على كون الفوق ملحقاً بالبيت ، وإنّما يدلّ على أنّ ما تحت البيت من الأرض السفلى إلى الأرض العليا من البيت ، إلاّ أن يقال: إنّ كلمة الأرض لا يراد بها الأرض في قبال السماء ، بل يراد من الأرض السفلى والعليا الامتداد من جهة الفوق والتحت ، ومعه فيكون التعبير كناية عن هذا الأمر .
وقد ورد في بعض الروايات الواردة في ذيل الآية الشريفة: (اللَّهُ الَّذِى خَلَقَ سَبْعَ سَمَـوَ ت وَ مِنَ الاَْرْضِ مِثْلَهُنَّ) (2) ، أنّ المراد من الأرض العليا هي الأرض السابعة فوق السماء السادسة ، فقد روى العيّاشي بإسناده عن الحسين بن خالد ، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: بسط كفّه ثمّ وضع اليمنى عليها، فقال: هذه أرض الدُّنيا والسماء الدُّنيا عليها قبّة ، والأرض الثانية فوق السماء الدُّنيا ، والسماء الثانية فوقها قبّة ، والأرض الثالثة فوق السماء الثانية ، والسماء الثالثة فوقها قبّة ، حتّى ذكر الرابعة والخامسة والسادسة ، فقال: والأرض السابعة فوق السماء السادسة ، والسماء السابعة فوقها قبّة ، وعرش الرحمن فوق السماء السابعة ، وهو قوله: ـ تعالى
(1) الفقيه 2 : 160 ح690 ، وعنه وسائل الشيعة 4 : 339 ، كتاب الصلاة ، أبواب القبلة ب18 ح3.
(2) سورة الطلاق 65 : 12 . -
۴۱۴
صفحه 414
ـ (سَبْعَ سَمَـوَ ت وَ مِنَ الاَْرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الاَْمْرُ بَيْنَهُنَّ) (1) .
فهذه الرواية صريحة في الامتداد والتوسعة من جهة الفوق والتحت معاً .
وكيف كان ، فلاشكّ في أنّ هذا التعبير إنّما هو كناية عن الامتداد .
وفي بعض الروايات الواردة في القبلة إشارة إلى الفوق أيضاً، كما في خبر عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سأله رجل قال: صلّيت فوق أبي قبيس العصر، فهل يجزئ ذلكوالكعبة تحتي؟ قال:نعم ، إنّها قبلة من موضعها إلى السماء (2).
وبعد انضمام هذه الرواية إلى المرسلة ـ مع قطع النظر عن الرواية المذكورة عن العيّاشي ـ نفهم أنّ البيت ممتدّ من الجانبين، ولا يختصّ بالبناء الموجود هذا .
بل يمكن أن نضيف بأنّ التوسعة من جانب التحت فقط دون الفوق ، ووجود الفرق بينهما من هذه الجهة بعيد جدّاً، وغريب حقّاً ، ولا يكون الخبر قرينة على كون المراد من المرسلة القبلة والاستقبال فقط; لعدم جريان التقييد في المثبتين .
اشكالات وأجوبة
إن قلت: إنّ أدلّة الطواف ظاهرة في وجوب كون الطواف محاذياً لنفس البيت ; فإنّ قوله ـ تعالى ـ : (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) (3) ظاهر في لزوم كون الطواف بنفس البيت لا بفضائها ، والعودة إلى اللغة ـ سيّـما بالنسبة إلى التعبير بكلمة الحول في بعض الروايات(4) ـ تؤيّد ذلك ، وظاهر «طاف بالمكان» يعني أنّه جعل المكان في
(1) مجمع البيان في تفسير القرآن 10 : 44 ـ 45 ، البرهان في تفسير القرآن 5 : 415 ح2.
(2) تهذيب الأحكام 2 : 383 ح1598 ، وعنه وسائل الشيعة 4 : 339 ، كتاب الصلاة ، أبواب القبلة ب18 ح1.
(3) سورة الحجّ 22 : 29.
(4) وسائل الشيعة 5: 60 ، كتاب الصلاة ، أبواب الملابس ب31 ح10، وج13: 210، كتاب الحجّ، أبواب مقدّمات الطلاق ب11 ذح 2 ، و ص 265 ب30 ح1 و ص391، أبواب الطواف ب47 ح8 وص420 ب67 ح2 وغيرها. -
۴۱۵
صفحه 415
وسطه، لا فوقه ولا تحته .
قلت: نعم ، وإن كان الظاهر كذلك ، إلاّ أنّ الرواية حاكمة، ومفسِّرة للأمر الذي يوجب التوسعة ، كما أنّ الأدلّة الواردة في الاستقبال ظاهرة في لزوم كون الصلاة محاذية لنفس البيت ، ولا أقلّ لمن كان في المسجد ، والرواية توجب التوسعة في ذلك ، ومن البعيد جدّاً وجود الفرق بين الاستقبال والطواف مع كون التكليف فيهما إلى البيت .
إن قلت: يستفاد من بعض الآيات الشريفة أنّ الواجب على المصلّي أن يجعل وجهه شطر المسجد الحرام ، كقوله ـ تعالى ـ : (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِوَ حَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ) (1) ، ومعنى ذلك: أنّه لا مدخليّة لنفس البيت ، مع أنّ التكليف في الطواف لا يكون إلى المسجد، بل بالبيت ، لقوله ـ تعالى ـ : (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) (2) ، وقوله ـ تعالى ـ : (وَ عَهِدْنَآ إِلَى إِبْرَ هِيمَوَ إِسْمَـعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِىَ لِلطَّـآئِفِينَ) (3) ، ومن الواضح أنّ المراد من البيت في الآية الكعبة لا المسجد .
قلت: ـ مضافاً إلى أنّ هذا التعبير إنّما جاء في قبال بيت المقدس، ولزوم الانصراف عنه، والتوجّه إلى المسجد الحرام ـ لاشكّ في أنّه من كان داخلاً في المسجد يجب عليه أن يتوجّه إلى البيت ، ولايجوز أن يصلّي إلى المسجد ، وعنوان المسجد الحرام في الآيات الشريفة إشارة إلى البيت ، ولا مدخليّة لنفس المسجد .
نعم، ذهب الكثير أو الأكثر ، بل حكي عن مجمع البيان نسبته إلى أصحابنا(4) ،
(1) سورة البقرة 2 : 144 .
(2) سورة الحج 22 : 29 .
(3) سورة البقرة 2 : 125 .
(4) مجمع البيان 1 : 384 . -
۴۱۶
صفحه 416
وادّعى الشيخ في الخلاف الإجماع عليه(1) ، وهو: أنّ الكعبة قبلة لمن كان في المسجد ، والمسجد قبلة لمن كان في الحرم ، والحرم قبلة لمن خرج عنه ، ولكن لاترديد في أنّ البيت قبلة لمن كان في المسجد .
وكيف كان ، فالظاهر عدم الفرق بين الاستقبال والطواف من هذه الجهة ، والشاهد على ذلك أنّه لو اُزيل البناء تصحّ الصلاة إلى الفضاء ، ولا تصحّ إلى البناء الزائل ، وأيضاً يجوز الطواف حول الفضاء الموجود، ولايسقط وجوبه في هذا الفرض .
نعم ، هذه التوسعة إنّما هي في الطواف ، ولا تجري في السعي ، فلا يتوهّم أنّه كما يجوز الطواف فوق الكعبة، يجوز السعي أيضاً من الفوق ; فإنّ السعي لابدّوأن يكون بين الجبلين لا فوقهما ، ولا دليل على أنّ الفوق فيه ملحق بالبين ، إلاّ أن يقال: إنّ البين ليس مقابلاً للفوق ، بل المراد كون السعي في هذا الحدّ بدواً وختماً ، وهو كما ترى .
إن قلت: ورد في بعض الروايات(2) أنّ الملائكة ينزلون إلى الأرض ويطوفون حول البيت ، أليس هذا شاهداً على أنّ الملاك في الطواف نفس البيت، وإلاّ لما احتاجوا إلى النزول؟
قلت: كلاّ ، لا يثبت بهذا ذاك ، بل يمكن أن يكون نزولهم لاشتراكهم مع المؤمنين، وجعل أنفسهم في صفّهم، هذا أوّلاً ، وثانياً: لا ينكر رجحان الطواف بنفس البيت من باب أنّ الأقرب إليه يكون أكثر ثواباً ، وأيضاً من جهة أنّ الموجود
(1) الخلاف 1 : 295 مسألة 41 .
(2) الكافي 4 : 195 ح2، علل الشرائع : 420 ح3 ، ثواب الأعمال : 121 ح46، تفسير العيّاشي 1: 37 قطعة من ح21، وعنها وسائل الشيعة 13 : 210 ، كتاب الحجّ ، أبواب مقدّمات الطواف ب11 ذح2 وج14: 421، أبواب المزار ب37 ح29، ومستدرك الوسائل 9 : 338 ، كتاب الحجّ ، أبواب مقدّمات الطواف ب12 ح5.
صفحه 417
والمحسوس هو الطواف حول هذا البيت ، وربما يكون هذا موجباً لكون القرب إليه أكثر ثواباً .
إن قلت: إذا كان البيت ممتدّاً حتّى من جهة الطواف ، فما معنى استلام الحجر، أو الركن اليماني؟!
قلت: يمكن استلام الحجر بالإشارة إلى محاذيه ، وكذا الحال في الركن اليماني ، وكيف كان ، فنحن نلتزم بصحّة الطواف من الفوق ، وهذه الاُمور لا توجب رفع اليد عنه .
إن قلت: إنّ العرف يساعدنا في ذلك بالنسبة إلى الاستقبال ، لكنّه لا يوافقنا في الطواف ; بمعنى أنّ الاستقبال إلى الفضاء لا نقص فيه عند العرف، بل هو مقبول عندهم ، بخلاف الطواف فيه ; إذ لا يعدّ عنده طوافاً .
قلت: أوّلاً: نحن لا نوافق في ذلك ، بل ندّعي أنّ العرف لا يفرّق بينهما من هذه الجهة، فيصدق الطواف على الطائف من الفوق عرفاً ، والظاهر عدم وجود مسامحة عرفيّة في هذا الصدق ، وإن كان الصدق ـ ولو بالمسامحة العرفيّة ـ كافياً في حكم العقل بامتثال الأمر ، ألاترى أنّه إذا أمر المولى بإتيان الماء، فأتاه العبد بالمائع المسمّى عند العرف «ماءً» مسامحةً وإن لم يكن بالدقّة العقليّة ماءً، تحقّق الامتثال وكفى .
وثانياً: بعد التسليم نقول: إنّ الشارع قد خالف العرف في هذه الجهة، فجعل البيت فوقاً وتحتاً بيتاً تجوز الصلاة والطواف نحوه مطلقاً، دون أن يكون للبناء مدخليّة فيه عند الشارع . نعم، الظاهر انعقاد الإجماع بين الفريقين على عدم جواز الطواف خارج المسجد، بخلاف الاستقبال ، فالفرق بينهما من هذه الجهة ممّا لاينكر ; بمعنى: أنّه يجب أن يكون الطواف داخلاً في المسجد ، إمّا ما بين البيت
-
۴۱۸
صفحه 418
والمقام، كما ذهب إليه المشهور(1)، أو في المسجد مطلقاً ، كما صرّح به العامّة(2)وبعض علماء الشيعة(3)، ولكن رعاية الحدّ وعدمها أمر آخر غير ما نحن فيه . والنتيجة التي يمكن الخروج بها: أنّه مع قطع النظر عن الرواية المرسلة الدالّة بالإطلاق على صحّة الطواف والصلاة حول الفضاء وتحت الأرض ، يمكن أن يقال:
إنّ المستفاد من أدلّة القبلة والطواف، ووحدة التعبير في كليهما ـ حيث جعلالملاك في كلّ واحد منهما البيت ـ أنّه كما يكون الفوق صالحاً للاستقبال، يكون صالحاً للطواف أيضاً ، ولولا هذه الرواية لأمكن أن يقال: بأنّ هذا أمر عرفيّ لا ريب فيه .
ومراجعة الأسئلة الواردة في الروايات تشعر بذلك ; فإنّ الناس كانوا يصلّون ارتكازاً فوق جبل أبي قبيس ، فهم وإن سألوا بعد العمل، إلاّ أنّ عملهم هذا كان مطابقاً لارتكازهم .
هذا كلّه، مضافاً إلى عموم التنزيل المستفاد من قول النبيّ (صلى الله عليه وآله) : الطوافبالبيت صلاة (4); فإنّه دالّ على أنّه كما يمتدّ البيت في الصلاة علوّاً وسفلاً، فكذلك في الطواف.
والدليل على عموم التنزيل: أنّه قد استثنى في الرواية مورداً واحداً وقال: «إلاّ أنّ الله تعالى أحلَّ فيه النطق»، وهذه الرواية وإن كانت غير مسندة من طرقنا سوى
(1) تقدّم في ص406.
(2) المغني لابن قدامة 3 : 388 ، الشرح الكبير 3 : 390.
(3) الفقيه 2 : 249 ح1200 ، كما استظهر في مدارك الأحكام 8 : 131 وذخيرة المعاد : 628.
(4) سنن الدارمي 2 : 32 ح1848 ، سنن النسائي 5 : 222 ، المعجم الكبير للطبراني 11: 29 ح10955، السنن الكبرى للبيهقي 7 : 190ـ 192 ح9384ـ9388 ، المستدرك على الصحيحين 1 : 630 ح1686 ، وج2 : 293 و 294 ح3056 و 3058، عوالي اللئالي 1 : 214 ح70 وج2 ص167 ح3، وعنه مستدرك الوسائل 9 : 410 ، كتاب الحجّ، أبواب الطواف ب38 ح2. -
۴۱۹
صفحه 419
ما عن عوالي اللئالي، إلاّ أنّ جمعاً من كبار الفقهاء قد استند إليها واستدلّ بها:
فقد استدلّ الشيخ بها في الخلاف(1)، والعلاّمة في المختلف في باب وجوب القيام في الطواف، وقال: قد ثبت وجوب القيام في الصلاة فكذا فيه(2)، وكذا في المنتهى في شرطيّة الطهارة قال: الطهارة شرط في الطواف الواجب، وفي شرطيّة الستر، فقال: الستر شرط في الطواف(3).
وحكي عن ابن إدريس الفتوى على طبقها، مع كونه ممّن لايعمل بالخبر الواحد(4).
واستدلّ بها الشهيد الثاني في المسالك، مصرّحاً بالإطلاق، حيث قال: مستند ذلك إطلاق قوله (صلى الله عليه وآله) : الطواف بالبيت صلاة. خرج منه ما أجمع على عدم مشاركته لها فيه، فيبقى الباقي(5).
وقال في الروض: الطواف بالبيت صلاة، فيشترط فيه ما يشترط فيها، إلاّ ما أخرجه الدليل(6).
وذهب السيّد الطباطبائي إلى أنّ التشبيه يقتضي الشركة في جميع الأحكام، ومنها هنا الطهارة من النجاسة(7).
نعم، خالفهم سيّد المدارك، حيث ذهب إلى أنّ سند الرواية قاصر، ومتنها مجمل(8).
(1) الخلاف 2 : 323 مسألة 129.
(2) مختلف الشيعة 4: 201 مسألة 156.
(3) منتهى المطلب 10: 313 ـ 314 و 316.
(4) اُنظر مجمع الفائدة والبرهان 7: 70، و رياض المسائل 6: 523 ـ524، والسرائر 1 : 574 .
(5) مسالك الافهام 2 : 339.
(6) روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان 1: 53.
(7) رياض المسائل 6 : 523.
(8) مدارك الأحكام 1 : 12، وكذا المحقّق الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان 1: 65، حيث قال: هو ـ أي الحديث ـ غير صحيح ولا صريح، وج 7: 69، حيث قال: وأنت تعلم عدم صحّة الخبر; فإنّه ذكر في كتب الاستدلال بغير سند، وما رأيته مسنداً في الاُصول، ثمّ قال: وسيجيء ـ أي في ص 72 و 73 ـ منع حجيّته عن المصنّف في المختلف 4: 315 مسألة 168. -
۴۲۰
صفحه 420
ولكن يمكن أن يُقال : إنّه يستفاد العموم من نفس التنزيل والتشبيه ; بمعنى أنّ هذا الأمر لو خلّي وطبعه يقتضي العموم ، حتّى لو لم يكن استثناء في الرواية يستفاد هذا العموم أيضاً . نعم ، إنّ الاُمور التي قام الدليل على أنّها مختصّة بالصلاة، يستثنى من هذا العموم.
إن قلت: إنّ الرواية واردة في مقام بيان التنزيل من بعض الجهات ، وهذه الجهة لم تكن واضحة ، فتصير مجملة، مضافاً إلى أنّه لو قلنا بالتعميم يلزم كثرة التخصيص ، وهو مستهجن.
قلنا: إنّ الإطلاق في الرواية مُحكَّمٌ يرفع الإجمال.
وأمّا تخصيص الأكثر ، فلا يكون في حدّ الاستهجان.
وكيف كان، لا ريب في استناد المشهور إلى الرواية، وعليه ينجبر ضعفها، فما ورد من السيّد الخوئي; من أنّه لم يعلم استناد المشهور إليه(1) غير تامّ، وقد صرّح السيّد الحكيم بالانجبار(2).
هذا، وقد ورد من طرق الإماميّة عن معاوية بن عمّار، عن الصادق (عليه السلام) قال: لابأس أن تقضي المناسك كلّها على غير وضوء إلاّ الطواف; فإنّ فيه صلاة، والوضوء أفضل(3).
وقد استشعر صاحب الجواهر من هذا الخبر; أنّ أصل المرسل المشهور عن النبي (صلى الله عليه وآله) هكذا: «في الطواف بالبيت صلاة» وقد أسقط من أوّله لفظ (في) فظنّ أنّه
(1) المعتمد، في شرح المناسك (موسوعة الإمام الخوئي) 29 : 37 ـ 38.
(2) دليل الناسك : 245.
(3) تهذيب الأحكام 5 : 154 ح509، الاستبصار 2: 241 ح8415 ، وعنهما وسائل الشيعة 1 : 374 ، كتاب الطهارة ، أبواب الوضوء ب5 ح1، و ج13: 493، كتاب الحجّ، أبواب السعي ب15 ح1.