pic
pic
  • ۳۸۱

    صفحه 381

    مجرّد احتمال وقوع التحريف ـ ولو في آية الحفظ أيضاً ـ لا يمنع عن الاستدلال بها لعدم التحريف، كيف، وكان الدليل على عدم حجّية الظواهر والمانع عنها هو التحريف، فمع عدم ثبوته واحتمال وجوده، وعدمه كيف يرفع اليد عن الظاهر، ويحكم بسقوطه عن الحجّية؟ بل اللاّزم الأخذ به والحكم على طبق مقتضاه، الذي عرفت أنّ مرجعه إلى عدم تحقّق التحريف بوجه، ولا يستلزم ذلك تحقّق الدور الباطل; ضرورة أنّ سقوط الظاهر عن الحجّية فرع تحقّق التحريف وثبوته، وقد فرضنا أنّ الاستدلال إنّما هو في مورد الشكّ وعدم العلم.

    ومن الواضح: أنّ الشكّ فيه لا يوجب سقوط الظاهر عن الحجّية ما دام لم يثبت وقوعه ، فتدبّر جيّداً(1).

    وفي هذا الجواب أيضاً في حالة العلم الإجمالي بالتحريف، سيكون الاستدلال بالآيات مخدوشاً .

    الجواب الخامس : أنّ الذي يتبادر بالذهن أنّ التحريف كسائر الاُمور الاُخرى يحتاج إلى داع ودافع، ولكون الدواعي والدوافع على تحريف القرآن كثيرة جدّاً; فإنّ هذه الآيات الشريفة فيما إذا كانت معرّضة للتحريف لابدّ أن تحرّف بشكل بحيث يحدث فيها نقصان، وذلك بالنحو الذي تسقط فيه الدلالة على عدم تحريف الكتاب ، مثلاً أن يحذفوا من آية الحفظ الشريفة (وَ إِنَّا لَهُ لَحَـفِظُونَ) (2)أو على الأقلّ أن يحذفوا كلمة «له»، التي تعتبرمؤثّرة جدّاً في استفادة عدم التحريف .

    بناءً على هذا وجود وبقاء نفس هذه الكلمات قرينة واضحة تفيد العلم والطمأنينة للإنسان بعدم تحريف هذه الآيات .

    ولو فرض وجود علمٌ إجماليٌ بالتحريف، فيكون في هذه الآيات لدينا علم عاديّ على الخلاف ، فبالنتيجة تخرج هذه الموارد عن دائرة العلم الإجمالي .


    (1) مدخل التفسير لآية الله العظمى الشيخ محمّد الفاضل اللنكراني(قدس سره) : 219 ـ 221.
    (2) سورة الحجر 15 : 9.
  • ۳۸۲

    صفحه 382

    النكتة العاشرة : نوعين من الادّعاء في التحريف

    لقد اتّضح من النكتة السابقة وجود دعويين بالنسبة إلى التحريف :

    الاُولى : توهّم البعض(1) بأنّ دائرة التحريف مختصّة ببعض الآيات المعيّنة التي عيّنت حدودها الروايات الواردة بشأنها . وبناءً عليه بقيت سائر الآيات الشريفة مصونة ومحفوظة من دائرة التحريف والتلويث والتغيير ، و هي قابلة لأن يستفاد منها في الاستدلال والاستفادة من الظواهر .

    وهذا النوع من الادّعاء عادةً يطرح ممّن سندهم ومدركهم على التحريف، الروايات(2) الموجودة في بعض الكتب الروائيّة .

    الثانية : يعتقد البعض(3) بأنّ القرآن الكريم تعرّض للتحريف إجمالاً ، وبتعبير آخر يدّعون العلم الإجماليّ بالنسبة إلى تحريف القرآن الشريف .

    ودليل وسند هذه الطائفة التي قبلت هذه الدعوى في باب التحريف هو دليل الاعتبار ونظائره .

    النكتة الحادية عشر : الدليل العقلي والعقلائي في عدم التحريف

    يستفاد من بعض كلمات أهل الرأي والنظر التمسّك بالدليل العقلي، وكذلك ببناء العقلاء، لبطلان التحريف . مثلاً السيّد ابن طاووس صرّح في سعد السعود أنّ بطلان التحريف هو مقتضى العقل(4) ، والبعض استدلّ ببناء العقلاء(5) .

    أمّا الدليل العقلي :


    (1، 2) فصل الخطاب، الدليل الحادي عشرة 211 ـ 227، وسيأتي ذكر بعض الروايات في ص 396ـ401.
    (3) كفاية الاُصول: 284 ـ 285.
    (4) سعد السعود: 316.
    (5) گفتار آسان در نفى تحريف قرآن: 12.

    صفحه 383

    فلبيان هذا الدليل هناك طريقان :

    الطريق الأوّل: أنّ الوارد في كلمات المحقّق الخوئي (رحمه الله) هو بصورة دليل عقليّ غير مستقلّ ، وملخّص ذلك :

    إنّ احتمال التحريف لا يخرج عن ثلاث صور، ولا يتصوّر له عقلاً صورة رابعة .

    الصورة الاُولى : احتمال وقوع التحريف قبل خلافة عثمان بواسطة أبي بكر وعمر ، هذه الصورة باطلة قطعاً ; لأنّها لا تخرج من ثلاثة احتمالات :

    الاحتمال الأوّل : أنّ التحريف حصل عن غير عمد ; بمعنى أنّ هذين الشخصين جمعا القرآن بعد رحلة الرسول (صلى الله عليه وآله) ، ولأسباب ـ منها: قلّة الاطّلاع، وعدم وصول جميع القرآن إليهما، وعدم الدقّة والإحاطة ـ لم يحصلوا على بعض الآيات .

    الاحتمال الثاني : أنّ التحريف حصل عمداً بخصول الآيات التي لا تلحق أيّ ضرر بخلافتهما وزعامتهما .

    الاحتمال الثالث : التحريف حصل عمداً ، لكن في خصوص آيات كانت مضرّة بزعامتهما ، حيث استند القائلون بالتحريف هذا الاحتمال .

    ولكن هذه الاحتمالات الثلاثة منتفية ومرفوضة .

    أمّا الاحتمال الأوّل: فإنّه باطل لجهتين :

    الاُولى: لا شكّ في أنّ اهتمام النبيّ (صلى الله عليه وآله) بأمر القرآن ، بحفظه، وقراءته، وترتيل آياته، واهتمام الصحابة بذلك في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبعد وفاته، يورِثُ القطع بكون القرآن محفوظاً عندهم، جمعاً أو متفرِّقاً، حفظاً في الصدور، أو تدويناً في القراطيس، وقد اهتمّوا بحفظ أشعار الجاهليّة وخطبها، فكيف لا يهتمّون بأمر الكتاب العزيز، الذي عرَّضوا أنفسهم للقتل في دعوته، وإعلان أحكامه، وهجروا في سبيله

  • ۳۸۴

    صفحه 384

    أوطانهم، وبذلوا أموالهم، وأعرضوا عن نسائهم وأطفالهم، ووقفوا المواقف التي بيَّضوا بها وجه التاريخ؟!.

    الثانية : يتّضح بطلان هذا الاحتمال من روايات الثقلين المتضافرة، فإنّ قوله (صلى الله عليه وآله) : إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب الله ، وعترتي(1)، لا يصحّ إذا كان بعض القرآن ضائعاً في عصره، فإنّ المتروك حينئذ يكون بعض الكتاب لا جميعه، بل وفي هذه الروايات دلالة صريحة على تدوين القرآن وجمعه في زمان النبيّ (صلى الله عليه وآله) ; لأنّ الكتاب لا يَصدُقُ على مجموع المتفرِّقات، ولا على المحفوظ في الصدور، ومن الواضح بطلان جميع ذلك.

    وأمّا بطلان الاحتمال الثاني: فمن الواضح: أنّ تحريف الشيخين للقرآن عمداً في الآيات التي لا تمسّ بزعامتهما و زعامة أصحابهما، فهو بعيدٌ في نفسه; إذ لاغرض لهما في ذلك، على أنّ ذلك مقطوع بعدمه.

    وأمّا بطلان الاحتمال الثالث: فإنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) وزوجته الصدِّيقة الطاهرة (عليها السلام) وجماعة من أصحابه قد عارضوا الشيخين في أمر الخلافة، واحتجّوا عليهما بما سمعوا من النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، واستشهدوا على ذلك من شهد من المهاجرين والأنصار، واحتجّوا عليه بحديث الغدير وغيره.

    ولو كان في القرآن شيء يمسُّ زعامتهم لكان أحقَّ بالذِّكر في مقام الاحتجاج، وأحرى بالاستشهاد عليه من جميع المسلمين، ولا سيّما أنّ أمر الخلافة كان قبل جمع القرآن على زعمهم بكثير، ففي ترك الصحابة ذكر ذلك في أوّل أمر الخلافة وبعد انتهائها إلى عليّ (عليه السلام) دلالة قطعيّة على عدم التحريف المذكور.


    (1) المسند لابن حنبل 4: 30 ح11104 وج8 : 138 ح21634 و154 ح21711، الكافي 1: 294 ح3، كمال الدِّين: 234 ـ 241 ح44 ـ 64، بحار الأنوار 23: 104 ـ 166 ب7، ويلاحظ مدخل التفسير لآية الله العظمى الفاضل اللنكراني (قدس سره) : 229، ويلاحظ ص390.

    صفحه 385

    الصورة الثانية : احتمالوقوع التحريف من عثمان، فهو أبعد من الدعوى الاُولى:

    أوّلاً: لأنّ الإسلام قد انتشر في زمان عثمان على نحو ليس في إمكان عثمانأن ينقص من القرآن شيئاً، ولا في إمكان من هو أكبر شأناً من عثمان.

    وثانياً: لأنّ تحريفه، إن كان للآيات التي لا ترجع إلى الولاية، ولا تمسّ زعامة سلفه بشيء، فهو بغير سبب موجب، وإن كان للآيات التي ترجع إلى شيء من ذلك، فهو مقطوع بعدمه; لأنّ القرآن لو اشتمل على شيء من ذلك وانتشر بين الناس لما وصلت الخلافة إلى عثمان.

    وثالثاً: أنّه لو كان محرِّفاً للقرآن، لكان في ذلك أوضحُ حجّة، وأكبرُ عذر لقَتَلةِ عثمان في قتله علناً، ولمَا احتاجوا في الاحتجاج على ذلك إلى مخالفته لسيرة الشيخين في بيت مال المسلمين، وإلى ما سوى ذلك من الحجج.

    ورابعاً: كان من الواجب على عليّ (عليه السلام) بعد عثمان أن يَرُدَّ القرآن إلى أصله، الذي كان يُقرَأ به في زمان النبيّ (صلى الله عليه وآله) .

    فيكون إمضاؤه (عليه السلام) للقرآن الموجودفي عصره دليلاًعلى عدموقوع التحريف فيه.

    وبناءً عليه : الصورة الثانية مرفوضٌ وباطلٌ أيضاً.

    الصورة الثالثة : حدوث التحريف بعد خلافة عثمان بواسطة خلفاء بني اُميّة وعمّالهم ، وهذه الصورة لم يدّعيها أحد من العلماء والمؤرّخين . وبالنظر لعدم وجود صورة رابعة عقلاً نستنتج أنّ دعوى وقوع التحريف لا وجه لها، ومرفوضةٌ من وجهة نظر التحليل العقلي والتاريخي .

    ويجدر الانتباه إلى أنّ هذا الدليل ليس بصورة حكم عقليٍّ مستقلٍّ ، وإنّما هو بإضافة التحليل التاريخي (1).

    الطريق الثاني : في هذا الطريق يلزم بيان مقدّمتين :


    (1) البيان في تفسير القرآن: 215 ـ 219.
  • ۳۸۶

    صفحه 386

    المقدّمة الاُولى : أنّ شريعة الإسلام المقدّسة تعتبر آخر دين بين الأديانالسماويّة، وأكمل دين لجميع الناس إلى يوم القيامة .

    المقدّمة الثانية : من اللازم أن يكون لمثل هذا الدِّين سندٌ خالدٌ وأبديّ ليكون أساساً لقوانينه وأحكامه .

    ونستفيد من ضمّ هاتين المقدّمتين أنّ الشارع المقدّس يجب عليه أن يصون هذا من التلوّث بالتحريف ، فمن وجهة نظر العقل يجب على الشارع أن يحفظ هذا الكتاب من ظلمة التحريف .

    وهذا الدليل العقلي قابل للخدشة; من ناحية أنّ العقل يحكم على نحو القضيّة التعليقيّة بأنّ القرآن إذا ما أُريد له هداية جميع الناس في كافّة شؤون الحياة إلى يوم القيامة، يجب أن يكون مصاناً من التحريف ، لكن هذا المقدار لا ثمرة فيه في محلّ النزاع ; لأنّ ما هو داخل في محلّ النزاع ، هو حدوث وعدم حدوث التحريف، والعقل لا يستطيع أن يتدخّل في هذا المجال بصورة مستقلّة .

    وأمّا بناء العقلاء والسيرة العقلائيّة :

    من أجل إثبات عدم تحريف القرآن ، كتب بعض العلماء ما يلي :

    إنّ تحريف كلام أيّ كاتب، وتغيير موضوعات أيّ كتاب، هو سلوك غير طبيعيّ، وظاهرةٌ منكرةٌ وغير اعتيادية ، لذا جرت سيرة العقلاء على عدم الاهتمام بالتحريف ، وبناءً عليه فإنّ صيانة القرآن من التحريف أمرٌ طبيعيّ ، ومقتضى الأصل والقاعدة الأوّلية(1) .

    وهذا الدليل هو تامّ بالنسبة إلى كتاب لا توجد أغراض ودواع مختلفة لتحريفه ، لكن كتاباً مثل القرآن غير مشمول بهذا الدليل ; لأنّ الدواعي لتحريفه من قبل الكفّار والملحدين كانت كثيرة .


    (1) گفتار آسان در نفى تحريف قرآن: 12.
  • ۳۸۷

    صفحه 387

    النكتة الثانية عشر : أوضح الآيات دلالةً على عدم التحريف

    ادّعى جمع من المحقّقين أنّ قوله ـ تعالى ـ : (وَ إِنَّهُ لَكِتَـبٌ عَزِيزٌ * لاَّ يَأْتِيهِ الْبَـطِـلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيم حَمِيد) (1) من أصرح الآيات التي تدلّ على إثبات عدم التحريف في الكتاب العزيز . حتّى ادّعى البعض أنّ المفسّرين مجمعين على أنّ هذه الآية هي أكثر الآيات صراحة(2) .

    وبهذه الآية الشريفة يمكن الاستدلال على عدم التحريف من عدّة طرق :

    الطريق الأوّل : أنّ الله وصف الكتاب الشريف بالعزّة ، وواضحٌ أنّ العزّة من الناحية اللغويّة تتحقّق حينما تكون محفوظة من التغيير والضياع(3) .

    الطريق الثاني : وردت في هذه الآية الشريفة نفي الطبيعة ونوعيّة الباطل ، وحسب القاعدة ففي مثل هذا المورد لها مفادٌ عامٌّ ، وبعبارة اُخرى: إنّ الآية الشريفة تنفي جميع أنواع وأصناف وأقسام الباطل عن هذا الكتاب الشريف ، وفي اللغة «الباطل» بمعنى الشيء الفاسد والضائع ، ومن البديهي أنّ التحريف هو من المصاديق البارزة والواضحة للباطل (4).

    الطريق الثالث : في هذه الآية علّل الله ـ سبحانه وتعالى ـ الحكم بكون هذا الكتاب نزل من موجود جانب حكيم وحميد ، إذن لم يبلغه ولم يدخله الباطل . وهذا التعليل هو نفسه له دلالة واضحة على أنّ التحريف لا يتناسب مع كتاب نزل من لدن حكيم (5).

    قال المرحوم الحاج نوري : إنّ الحذف والتغيير والتبديل وإن كان باطلاً، لكن ليس المراد من الآية ذلك; لأنّ ظاهرها أنّه لا يجوز أن يحصل فيه ما يستلزم بطلانه


    (1) سورة فصّلت 41 : 41 ـ 42 .
    (2) صيانة القرآن من التحريف : 49 ـ 50 .
    (3) البيان في تفسير القرآن : 210 .
    (4، 5) مدخل التفسير: 221 ـ 222.
  • ۳۸۸

    صفحه 388

    من تناقض في أحكامه، وكذب في إخباراته وقصصه (1).

    وردّاً على هذا المطلب قال البعض :

    إرادة خصوص التناقض والكذب من لفظ الباطل لا تتناسب مع وصف الكتاب بالعزّة . وبعبارة اُخرى: يقتضي هذا الوصف إبعاد جميع أقسام الباطل عن هذا الكتاب(2).

    ولا يخفى أنّ هذا الجواب يحتاج إلى توضيح وتكميل، وهو: أنّ ظاهر الآية الشريفة هي أنّ الكتاب عزيزٌ بشكل مطلق، والعزّة المطلقة تقتضي أن لا يكون المراد خصوص الكذب والتناقض ; لأنّ الكتاب إذا كان مصاناً من هذه الجهة يكون عزّته محدودة بهذه الجهة .

    ثمّ إنّ أهمّ إشكال ورد على الاستدلال بالآية الشريفة أنّ هذا الاستدلال يتعارض مع التفسير الذي بيّنه الأكابر من العامّة والخاصّة في تفسير الآية . وبعبارة اُخرى: ليس أحد من المفسّرين أبدى احتمال الدلالة على عدم التحريف خلال تفسير الآية الشريفة ، فمثلاً الشيخ الطوسي في كتاب التبيان أبدى خمسة احتمالات في تفسير الآية :

    الأوّل: أنّه لا تعلّق به الشبهة من طريق المشاكلة، ولا الحقيقة من جهة المناقضة; وهو الحقّ المخلص والذي لا يليق به الدنس.

    الثاني: قال قتادة والسدِّي: معناه لا يقدر الشيطان أن ينقص منه حقّاً، ولا يزيد فيه باطلاً.

    الثالث: أنّ معناه لا يأتي بشيء يوجب بطلانه ممّا وجد قبله ولا معه، ولا ممّا


    (1) فصل الخطاب: 338.
    (2) البيان في تفسير القرآن: 210.
  • ۳۸۹

    صفحه 389

    يوجد بعده. وقال الضحّاك: لا يأتيه كتاب من بين يديه يبطله ولا من خلفه; أي ولا حديث من بعده يكذبه.

    الرابع: قال ابن عبّاس: معناه لا يأتيه الباطل من أوّل تنزيله ولا من آخره.

    الخامس: أنّ معناه لا يأتيه الباطل في إخباره عمّا تقدّم، ولا من خلفه، ولا عمّا تأخّر(1).

    ويقول السيّد الرضيّ : ومن أحسن ما قيل في تفسير ذلك: أنّه لا يشبه كلاماً تقدّمه، ولا يشبهه كلاماً تأخّر عنه، ولا يتّصل بما قبله، ولا يتّصل به ما بعده، فهو الكلام القائم بنفسه ، البائن من جنسه، العالي على كلّ كلام قُرن إليه وقيس به(2).

    الجواب :

    أوّلاً : أنّ بعضاً من هذه التفاسير ـ مثل ما ذُكر عن قتادة والسدّي ـ له تناسبٌ مع تفسير الآية بالتحريف .

    وثانياً : على فرض أنّ أيّ أحد من المفسّرين لم يفسّر الآية بمسألة التحريف ، ولكن قد ثبت في محلّه(3) أنّ أحد اُصول التفسير هو ظواهر الكتاب الشريف، وظاهر الآية الشريفة دالّة على هذا المطلب . وأمّا قول المفسّرين فليس دليلاً على اعتباره واعتماده في تفسير الكتاب ، إلاّ أن يكون قولهم مسنداً ببيان المعصوم (عليه السلام) .

    وثالثاً : أنّ الروايات(4) التي بيّنت بعض المطالب في تفسير هذه الآية للباطل لم تكن في مقام الحصر ، بل هي في مقام بيان ذكر المصداق (5).

    النكتة الثالثة عشر : استلزام التحريف لعدم حجّية ظواهر الكتاب

    هل القول بالتحريف يستلزم سقوط ظواهر الكتاب من الحجّية، وعدم جواز


    (1) التبيان في تفسير القرآن 9 : 129 ـ 130.
    (2) حقائق التأويل في متشابه التنزيل: 102.
    (3 ـ 5) مدخل التفسير: 170 ـ 185، 222 و 225.

    صفحه 390

    الاستدلال به ؟ هذا السؤال صحيح على فرض دعوى العلم الإجمالي بالتحريف من قبل مدّعي التحريف .

    قال البعض : في مثل هذا الفرض بالنسبة لكلّ آية يحتمل التحريف فيها، يمكن التمسّك بالأصل العقلائي المهمّ; وهو عدم القرينة، والاستدلال بظاهر الآية الشريفة .

    وبعبارة اُخرى: من أجل حجّية الكتاب المحرّف لا نحتاج إلى إمضاء وتقرير المعصومين(عليهم السلام) ، بل عن طريق هذا الأصل العقلائي يمكن الاستدلال بظواهره .

    وهذا البيان يكون صحيحاً في حالة أنّ العقلاء يجوّزون التمسّك بهذا الأصل في موارد احتمال وجود القرينة المتّصلة ، في حين حسب التحقيق أنّ العقلاء يُجيزون التمسّك بهذا الأصل في الموارد التي يحتمل المخاطب وجود قرينة منفصلة عن كلام المتكلّم . لكن في موارد احتمال القرينة المتّصلة لا يمكن الاستناد بهذا الأصل ، وفي مسألة التحريف، أنّ ما يمكن احتماله بعد العلم الإجمالي هو وجود قرينة متّصلة حذفت على أثر التحريف .

    وبناءً عليه، ففي حالة افتراض العلم الإجمالي بالتحريف ، ليس لدينا أيّ طريق للتمسّك بظواهر الكتاب الشريف سوى تقرير وإمضاء المعصومين(عليهم السلام) . وهذا لايلائم حديث الثقلين .

    النكتة الرابعة عشر : دلالة حديث الثقلين على عدم التحريف

    أهمّ حديث يدلّ على عدم تحريف القرآن هو حديث الثقلين، الذي هو من الاحاديث المتواترة ، أروده ما يقارب 33 شخصاً من كبار أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، كأمير المؤمنين (عليه السلام) ، وأبي ذرّ، وعبدالله بن العبّاس، وعبدالله بن عمر، وحذيفة،

۱۰۵,۸۵۱ الزيارة