pic
pic
  • ۳۵۲

    صفحه 352

    اعتباريّة ، بل هي حقيقة خارجة عن محلّ الكلام ، وقد يتحقّق الحقّ بدون السلطنة، كانتقال حقّ التحجير، ونسبة القذف إلى الصغير ; فإنّه لا شبهة في عدماعتبار السلطنة لهم لدى العقلاء ، كما لا شبهة في اعتبار الحقّ لهم .

    اللّهمَّ إلاّ أن يقال بالفرق بين السلطنة وإعمالها ، فالعقلاء يعتبرون سلطنة للصغير، ولكن إعمالها بيد الوليّ، أو مشروطة بالبلوغ ، ويؤيّده قوله ـ تعالى ـ : (وَ مَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَـنًا) (1) ، وواضح أنّ الوليّ شاملٌ للصغير أيضاً ، وجعل الشارع سلطنة لوليّ الصغير أيضاً ، ولكن إعمالها مشروطة بالبلوغ . وكذلك بالنسبة بين الحقّ والملك عموم من وجه ، فالسبق إلى مكان يكون من مصاديق الحقّ، ولا يكون من مصاديق الملك ، وكذلك حقّ التحجير .

    وثانياً : أنّ التشكيك في الملكيّة بالقوّة والضعف أمر غير معقول ، فهي بما أنّها أمر مسبّبي اعتباريّ، إمّا أن توجد، وإمّا أن لا توجد ، فلا معنى لوجود الضعيف للملكيّة، كما لا معنى لوجود القويّ لها .

    وبعبارة اُخرى : الملكيّة أمرٌ إضافيّ يتحقّق بوجود طرفي الإضافة، وتنعدم بانعدام أحد الطرفين ، والقول بإمكان الشدّة والضعف في طرفي الإضافة، وبالمآل في نفس الإضافة لا ينبغي أن يُصغى إليه . نعم ، يمكن التفاوت بالسعة والضيق، كما هو ظاهر عبارة الايرواني، ولعلّه مراد النائيني أيضاً .

    2 ـ التعبير الثاني في الحقّ هو ما ذكره المحقّق الخراساني في حاشيته على المكاسب، أنّه قال : إنّ الحقّ بنفسه ليس سلطنة ، وإنّما كانت السلطنة من آثاره ، كما أنّها من آثار الملك، وإنّما هو اعتبار خاصّ له آثار مخصوصة، منها: السلطنة على الفسخ، كما في حقّ الخيار، أو التملّك بالعوض ، كما في حقّ الشفعة، أو بلا عوض، كما


    (1) سورة الإسراء 17 : 33 .
  • ۳۵۳

    صفحه 353

    في حقّ التحجير(1) .

    ويردّ عليه أوّلاً : أنّ هذا التعريف مجمل جدّاً ; فإنّ البحث والكلام في ماهيّة هذا الاعتبار الخاصّ .

    وثانياً : الإشكال الأوّل في القول الأوّل وارد عليه أيضاً ; فإنّ الحقّ موجود في بعض الموارد من دون وجود سلطنة حتّى بعنوان الأثر .

    3 ـ قد يقال : بأنّ الحقّ نفس الملك(2) ، ولذا يُعبّر عن حقّ الخيار بملك الفسخ .

    وفيه أوّلاً : أنّ الملك ملزوم للسلطنة المطلقة ، مع أنّ الحقّ سلطنة خاصّة على تصرّف خاصّ(3) .

    وثانياً : التأييد عليل جدّاً ; لأنّ القراءة الصحيحة هي الملك بضمّ الميم لا بكسره .

    4 ـ التعبير الرابع: ما ذكره السيّد الخوئي (قدس سره) من أنّه لا فرق بين الحقّ والحكم ; فإنّه قال : فالصحيح أن يقال : إنّ الحقّ لا ينافي الحكم ، بل هو حكم شرعيّ اختياره بيد من له الحقّ .

    إلى أن قال : وممّا يشهد ما ذكرناه من أنّ الحقّ هو الحكم بعينه ، لاترى فرقاً بين الجواز الحكمي غير القابل للإسقاط في جواز قتل الكافر تكليفاً، وبين الجواز الحقّي في جواز قتل الجاني قصاصاً ، وهكذا لا فرق في جواز رجوع الواهب وضعاً، وجواز رجوع من له الخيار في البيع ، مع أنّ الأوّل حكميّ، والثاني حقّي .

    والمستفاد من مجموع كلماته (قدس سره) في مصباح الفقاهة : أنّ الحقّ نفس الحكم ويرجع إليه ، ولا فرق بينه وبين الحكم إلاّ في أنّ الحقّ قابل للإسقاط دون الحكم ،


    (1) حاشية المكاسب: 4.
    (2) حاشية المكاسب للسيّد اليزدي 1: 388.
    (3) حاشية المكاسب للاصفهاني 1: 42.

    صفحه 354

    والفرق بينه وبين الملك: أنّ الثاني يتعلّق بالأعيان والمنافع، بخلاف الحقّ; فإنّه لايتعلّق إلاّ بالأفعال ، كما أنّ الأحكام تتعلّق بالأفعال فقط ، ولذا يقال : موضوع الفقه هو فعل المكلّف ، فالحقّ الشرعي هو الحكم الشرعي ، والحقّ العرفي هو الحكم العرفي(1) .

    كلامه (قدس سره) وإن كان أقرب إلى الصواب من التعابير السابقة، إلاّ أنّه يرد عليه أيضاً :

    أوّلاً : أنّ كلامه بناءً على ما ذكره المقرّر لا يخلو عن تشويش واضطراب ; فإنّه في بعض العبارات يقول : إنّ الحقّ نفس الحكم ، وفي بعض آخر يقول : إنّه منتزع من الحكم . وكم من فرق بين هذا التعبير، وبين التعبير الأوّل ، وسيأتي أنّ التعبير الثاني هو المطابق للتحقيق دون الأوّل .

    وثانياً : أنّه (قدس سره) ممّن انتقض على نفسه; بأنّ حقّ المارّة ليس قابلاً للإسقاط ، فيبقى في هذا المورد سؤال ، ما الفرق بين الحقّ والحكم ، فهل حقّ المارّة حقّ، أو حكم ؟

    وثالثاً : أنّ ظاهر كلامه عدم إمكان افتراق الحقّ عن الحكم، والحكم عن الحقّ، مع أنّ الحكم يتحقّق في بعض الموارد من دون اعتبار حقّ ، كوجوب الصلاة وغيرها ، وإطلاق الحقّ على العبادة ـ كقوله (عليه السلام) : حقّ الله على العباد أن يعبدوه(2) ـ يكون بمعنى المفعول، كالملك بمعنى المملوك . وأمّا بمعنى الفاعل فليس إلاّ الإيجاب .

    ورابعاً : أنّ وحدة التعبير في جواز رجوع الواهب، وجواز رجوع من له الخيار ، لايستلزم وحدة الماهيّة ; فإنّ لسان التعبير في الحكم التكليفي والوضعي واحد غالباً ، مع وجود الفرق الحقيقي الأساسي بينهما بعد الاشتراك في كونهما من


    (1) اُنظر مصباح الفقاهة 2: 50 ـ 54.
    (2) المسند لابن حنبل 3 : 180 ح8091 ، عوالي اللئالي 1 : 445 ح167.

    صفحه 355

    الاُمور الاعتباريّة، على أنّ قوله: «لا فرق بينهما، إلاّ في أنّ الحقّ قابل للإسقاط» محلّ السؤال ، وهو: أنّه من أين يجيء القابليّة في الحقّ دون الحكم ؟ وهذا كاشف عن اختلاف أساسيّ بين الحقّ والحكم .

    والتحقيق أن يقال : إنّ الحقّ وإن كان اعتباره ممكناً وقابلاً لأن يكون منشأ انتزاع الحكم أيضاً ، إلاّ أنّه في كثير، بل جميع الحقوق الشرعيّة والعقلائيّة يكون أمراً انتزاعيّاً قد ينتزع من الأحكام الشرعيّة التكليفيّة أو الوضعيّة ، وقد ينتزع من الأحكام العقلائيّة ويسمّى حقّاً عقلائيّاً ، مثلاً من وجوب إطاعة الأب وحرمة مخالفته ينتزع حقّ الاُبوّة ، ومن جواز التصرّف في الأرض ينتزع حقّ التحجير ، ومن عدم جواز مزاحمة شخص لشخص آخر ينتزع حقّ السبقة .

    فمن سبق إلى مكان لايجوز للغير أن يزاحمه ، والانتفاع من المكان حقّ للسابق ، وينتزع أيضاً من كثير من المباحات حقّ الانتفاع بها ، ومن وجوب تمكين الزوجة للزوج ينتزع حقّ الزوج ، ومن وجوب نفقة الزوجة عليه ينتزع حقّ الزوجة ، وهكذا . فالحقّ أمر انتزاعيّ، ويؤيّد هذا أنّه ما من فعل إلاّ وله حكم في الشرع أو العرف من حرمة أو إباحة بالمعنى الأعمّ ، ومن هذه الأحكام ينتزع الحقّ في بعض مواردها، وهو اصطلاح عامّ في الشرع والعرف .

    إن قلت : ما هو الموجب لهذا الاصطلاح الانتزاعي، وما هي الفائدة من الانتزاع ، فهل بدونه نقص، أم لا ؟

    قلت : إنّهم لمّا رأوا أنّ في بعض موارد الحكم يوجد نفع يرجع إلى شخص أو أشخاص ، عبّروا عن هذا بـ «الحقّ» ، فالتعبير به، أو انتزاعه من الحكم لأجل الإشارة إلى وجود نفع خاصّ يرجع إلى من له الحقّ .

  • ۳۵۶
  • ۳۵۸
  • ۳۶۰

    صفحه 360

    إنّ الذي سيعرض في مجموع النكات القادمة، هو من أهمّ المطالب المطروحة في مبحث عدم تحريف القرآن . الذي يعتبر من المباحث المهمّة والرئيسة في علوم القرآن ، وينبغي على محقّقي ومفسِّري وباحثي هذا الكتاب الشريف أن ينقّحوا هذا البحث من جميع الجهات ويشرحوا أبعاده المختلفة .

    ويمكن القول أنّه حصلت تحريفات فاحشة حقّاً لدى إسناد نظريّة التحريف إلى الفرق والمذاهب الإسلاميّة، بحيث إنّ المذهب الذي بُنيت أُسس اعتقاده على عدم التحريف بات يُعرف بأنّه معتقد بالتحريف .

    وفي هذه النكات ـ بالإضافة إلى دراسة الجوانب المختلفة لهذا البحث ـ سنُثبت ونُبرهن على أنّ مذهب الإماميّة ليس ممّن يعتقد بالتحريف فقط، بل لايمكنه القول بذلك أيضاً ، وبعبارة اُخرى: أنّ قبول التحريف سيهدم أساس عقيدة الإماميّة .

    ووسط هذا التجمّع العظيم المؤلَّف من العلماء والشخصيّات العلميّة والمذهبيّة البارزة(1) ، هلمّ نُصدر بياناً عالميّاً لكافّة المذاهب والمجموعات والملل والنحل والأديان نُعلن فيه : إنّ القرآن منذ عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى الآن بقي مصوناً ومحفوظاً من التحريف ، وليس باستطاعة أحد أن يحرّف القرآن إلى يوم القيامة .

    فلا يُكتفى بطرح هذه المسألة بصورة القضيّة الخارجيّة، ونقول بأنّ القرآن لم يُحرّف إلى الآن ، وإنّما مدّعانا هو على نحو القضيّة الحقيقيّة; أي أنّ سنّة الله ـ تبارك وتعالى ـ الثابتة بشأن هذا الكتاب هو عدم إمكان التحريف فيه ، وليس باستطاعة أيّ شخص أو مجموعة التعرّض لهذه الآيات الإلهيّة ، وهذا الكتاب المقدّس هو المعجزة الخالدة بإعلانه التحدّي بجزم لكلّ زمان ومكان أبقى ساحته المقدّسة مصانة ومحفوظة من وصمة التحريف .

    ونحن من خلال هذه النكات لسنا بصدد التبيين التفصيلي والموسّع لجميع


    (1) قد عرضت هذه المقالة لأوّل مرّة على مؤتمر علميّ عام 1367ش. و «التجمّع العظيم» إلى ذلك.

    صفحه 361

    المطالب المتعلّقة بهذا البحث ; لأنّ مثل هذا الأمر لا يكفيه كتاب واحد فقط ، وإنّما يحتاج إلى عدّة مجلّدات .

    إنّ الذي نحن بصدده هو مطالعة ومراجعة إجماليّة لبعض المطالب المهمّة لكي يتسنّى تنقيح وتبيين ركن من أبعاد هذا البحث المهمّ ، ونشير إلى نكات هامّة :

    النكتة الاُولى : تحقيق لفظ «التحريف»

    هذا اللفظ هو مصدر من باب «التفعيل» ومشتقّ من «حَرْف» ، وكلمة «حَرْف» في اللغة بمعنى : طرف الشيء وشفيره وحدُّه وجانبه ، وبناءً عليه فالتحريف يعني حرف الشيء وتغيير في أطرافه وجوانبه . يقول الله ـ تعالى ـ في القرآن : (وَ مِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْف) (1); أي أنّهم يعبدونه على طرف واحد وعلى جانب واحد ، وهذه كناية عن أنّهم غير مستقرّين في دينهم، وأنّهم في اضطراب ، كالذي يكون حينما تقع الحرب على طرف من العسكر يراقب نهاية المعركة إذا ما انتصر الجيش يأتي ويأخذ الغنيمة وإلاّ فيفرّ(2) .

    هذا اللفظ من ناحية اللغة يدلّ على مطلق التبديل والتغيير ، ويمكن القول بأنّ لفظ التحريف له ظهور في التحريف اللفظي ، ولكن في القرآن الكريم وبسبب وجود القرينة له ظهور ثانويّ في التحريف المعنوي ; وذلك حينما يذمّ علماء اليهود ويقول : (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ) (3); يعني يغيّرون قول الحقّ في التوراة عن مواضعه ومعانيه ومقاصده الإلهيّة، ويحملون قول الحقّ على معانيه الظاهرة .

    ووجود لفظ «عن مواضعه» في الآية الشريفة يعتبر قرينة واضحة على أنّ


    (1) سورة الحج 22 : 11 .
    (2) الكشاف 3 : 146.
    (3) سورة النساء 4 : 46 .

۱۰۵,۷۸۵ الزيارة