-
۳۴۱
صفحه 341
وجود الـمَحْرم ـ : لو لم يحصل ظنّ السلامة إلاّ بالمـَحْرم اعتبر وجوده، ويتوقّف وجوب الحجّ عليها على سفره معها.
ثمّ أضاف: وكذا لو كانت ممّن يشقّ عليها مخاطبة الأجانب، وإركابهم إيّاها، مع عدم اقتدارها على الركوب بنفسها على احتمال قويّ ذكره بعض الأصحاب(1) .
ومن ذلك يعلم عدم استطاعة أكثر النسوان الشابّة، سيّما من الأشراف والمخدّرات من البلاد البعيدة، مع تلك القوافل التي فيها أصناف الناس بدون مَحْرم، أو قريب ثقة، أو مؤمن متديّن ثقة(2) .
ومن هنا يعلم جيّداً أنّ منهج النراقي في الاجتهاد يدور حول محور السهولة في الشريعة، حيث يتجنّب الكثير من الاحتياطات الموجبة للمشقّة والضيق .
ينبغي للفقيه في الوقت الذي يلتزم فيه بالتعبّد، والالتزام الكاملين في الاستفادة من المنابع الدينيّة ، يلتزم كذلك بالاُصول الأساسيّة للاستنباط، والتي منها التسامح والسهولة في الشريعة ، وبالطبع نحن لا نهدف إلى نفي الحكم الشرعي كلّما كان صعباً ، كلاّ; لأنّ لدينا بعض الأحكام التي تستلزم بطبعها المشقّة ، ولكنّنا نقول بأنّه في صورة كون العمل غير مرتبط بأصل الدِّين ، بل من الأعمال الفرديّة والشخصيّة ، يجب البناء على السهولة واليُسر كما في قوله ـ تعالى ـ : {يُرِيدُ اللهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ} (3) .
والجدير بالذكر: أنّ النراقي قد ذهب إلى رجحان الاحتياط في الكثير من المسائل(4) . وعليه: فينبغي للفقيه من جهة أن يتحرّك في دائرة الفتوى، بحيث
(1) مدارك الأحكام 7 : 90 .
(2) مستند الشيعة 11 : 90.
(3) سورة البقرة 2 : 185 .
(4) مثل مستند الشيعة 16 : 36 ، 94 ، 97 ، 178 ، 313 ، 346.
صفحه 342
لاتوجب فتاواه العسر والحرج للناس ، بل تكون مبتنية على أساس التسهيل ، ومن جهة اُخرى: أن يأخذ بنظر الاعتبار أصل رجحان الاحتياط ، ويدفع المؤمنين باتّجاه العمل به في الموارد التي لا يوجب الاحتياط العسر والحرج .
9 ـ مراجعة أقوال الفقهاء، وتأثير ذلك في الاستنباط
إنّ العناية بأقوال الفقهاء، وخاصّة الأركان والأساطين، وبالأخصّ المتقدِّمين منهم ، تعتبر من الاُمور المهمّة والمؤثِّرة بشكل أساسيّ في مسارّ الاستنباط للفقيه ، فكلّما تتبّعنا وبحثنا في كتب أولئك الفقهاء، كالعلاّمة، والشيخ، والشهيدين، والمحقّق الأوّل، والثاني، وكذلك النراقي (قدس سرهم) يتجلّى هذا المعنى أكثر ، وهو أنّه لابدّ من الاهتمام والعناية الفائقة بأقوال وآراء الفقهاء ، والأمر المهمّ هنا دراسة مختصرة حول آثار الفقهاء الماضين :
أ ـ العناية بآراء الفقهاء العظام ، يعين الفقيه أكثر من سبيل الوصول إلى الواقع ، وبالطبع فنحن لا ندّعي أنّ كلّ قول مشهور، أو مطابق للإجماع يتطابق مع الواقع حتماً ، بل المراد أنّ الفقيه في صدد تحصيل الحكم الإلهي الواقعي ; فإنّ ملاحظة أقوال الفقهاء المعروفين بإمكانها توجيه الفقيه غالباً باتّجاه الواقع ، ونكرّر القول بأنّنا هنا لسنا في صدد إثبات حجّية، أو عدم حجّية الفتوى المشهورة بين الفقهاء ; لأنّ هذا البحث يجب أن يبحث بشكل مستقلّ .
ولكنّنا في صدد القول بأنّ منهج الفقيه في عمليّة الاستنباط إذا كان مقروناً بالاهتمام بذكر أقوال العلماء، وخاصّة المتقدِّمين منهم ; فإنّه سيكون لذلك تأثير كبير في إيصال الفقيه إلى الواقع، أو الاقتراب منه أكثر .
ب ـ يجب التأمّل والتدقيق في المنهج الاستنباطي لكلّ فقيه، وأنّ الفقيه الفلاني
-
۳۴۳
صفحه 343
يهتمّ بأيّ من نظريّات الفقهاء .
وهل يأخذ بنظر الاعتبار الأقوال الشاذّة ، أم لا ؟ وهل يهتمّ بآراء الفقهاء الذين يتمسّكون بظواهر الأخبار في عمليّة الاستدلال ، أو بآراء الفقهاء الذين يستخدمون القواعد الاُصوليّة أكثر في عمليّة الاستنباط ؟
إنّ ما يمكن التوصّل إليه من دراسة فقه النراقي هو أنّه لم يكن يُعير اهتماماً في المسائل الفقهيّة للأقوال الشاذّة .
ج ـ إنّ التوجّه إلى أقوال الآخرين له تأثير هامّ في انتخابه للفتوى ، بحيث لايجعله ذلك متفرّداً بالفتوى، ويصدّه عن القول الشاذّ .
د ـ من الموارد التي تستحقّ مراجعة فتاوى الأساطين والكبار والعناية بها ، باب السنن والمستحبّات ، وذلك من باب أنّ مقولة التسامح في أدلّة السنن ـ مضافاً إلى كونها تفضي على الدليل الضعيف ـ مشروعيّة العمل به من باب الاستحباب ; فإنّ مجرّد فتوى الأجلّة بإمكانها إثبات الاستحباب لعمل معيّن(1) .
ومع مراجعة لكتاب «المستند» للنراقي (قدس سره) يتّضح لنا أنّ النراقي كان يعطي أهمّية بالغة للفقهاء المعاصرين له والمتقدِّمين ، وهذا الأمر له تأثير كبير في صحّة وإتقان عمليّة الاستنباط .
10 ـ آراء العامّة، وتأثيرها في الاستنباط
لم يلتفت النراقي في كتاب «المستند» إطلاقاً إلى آراء ونظريّات علماء أهل السنّة ، رغم أنّه قصد من أوّل الأمر دراسة آراء علماء الشيعة في المستند ، ولكن من الواضح أنّه لا يُقيم وزناً إطلاقاً لآراء العامّة ، بل أنّه لا يأتي بها بعنوان المؤيّد أيضاً ، كما أنّه بالنسبة إلى الروايات ، إذا كانت هناك رواية بطريق أهل السنّة ، فلا يراها
(1) مستند الشيعة 11 : 164. -
۳۴۴
صفحه 344
حجّة بأيّ وجه ، فقد كتب يقول :
مع أنّ روايتي جامع الأخبار، ورواية المجمع عن طريق العامّة لا حجّية فيها أصلاً(1) .
ومن الضروري الالتفات إلى هذا الأمر ، وهو: أنّه لا شكّ في كون الاطّلاع والتعرّف على فتاوى العامّة مؤثِّراً جدّاً في الفقه والاستنباط الفقهي ، وخاصّة فيموارد ما إذا أردنا معرفة أنّ هذه الرواية صادرة عن تقيّة، أو لا ؟ أو فيما لو أردنا معرفة أنّ هذا المطلب هل هو مورد إجماع المسلمين، أم لا ؟ وكذلك فيما لو أردنا معرفة أنّ هذا الحكم هل هو من ضروريّات الدِّين ، أم لا ؟ بل إنّ الاطّلاع على آراء العامّة يؤثّر حتّى في فهم بعض الروايات ; من قبيل ما ورد في مسألة الجهر بالبسملة، حيث روى سليم بن قيس، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال : وألزمت الناس الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم(2) .
يقول آية الله البروجردي (قدس سره) : والظاهر اختصاصها بحال الصلاة، إلاّ أنّه بملاحظة ما ذكرنا يظهر اختصاصها بالصلوات الجهريّة التي كان بناؤهم على الأسرار فيها(3) ، وهذا الموقف من الإمام (عليه السلام) هو في مقابل ذلك البناء للعامّة .
أمّا المرحوم النراقي(4)، فلم يلتفت إلى هذه الجهة للرواية المذكورة آنفاً ، بل ناقش في إطلاقها الظاهري من جهتين :
إحداهما: من طريق التقييد والتخصيص بالروايات الاُخر ، حيث يستنتج استحباب الجهر بالبسملة في الصلوات الإخفاتيّة .
(1) مستند الشيعة 14 : 136.
(2) الكافي 8 : 58 ح21 ، وعنه وسائل الشيعة 1 : 458 ، كتاب الطهارة ، أبواب الوضوء ب38 ح3.
(3) نهاية التقرير 2 : 208 .
(4) مستند الشيعة 5 : 173. -
۳۴۵
صفحه 345
وثانيتهما : ترك العمل بها لمخالفتها للشهرتين العظيمتين.
وفي الوقت نفسه يمكن القول بأنّ التوجّه أكثر من اللازم إلى فقه العامّة بإمكانه أن يخرج الفقيه من دائرة الضوابط المتينة في الفقه الشيعي ، ويقرّبه أكثر إلى فقه أولئك .
وعلى هذا الأساس نجد أنّ النراقي لم يلتفت في استنباطاته الفقهيّة في المستند إلى فقه العامّة إطلاقاً ، وهذا الأمر يدلّ على أنّ الاستدلال والوصول إلى الأحكام الواقعيّة لايحتاج إلى هذا الأمر في نظر النراقي ، ومع الأسف فإنّ فقه بعض المعاصرين يتواءم مع فقه العامّة، إلى درجة أنّ قسماً مهمّاً من فتاويهم وفقههم مأخوذ من فقه العامّة .
ومن هنا ينبغي القول بأنّ تأسيس الفقه المقارن إذا كان بقصد تقارب الأفكار والآراء الفقهيّة ، فهو خطأ فاحش ، وإذا كان بقصد التعرّف على المباني الفقهيّة والأدلّة الاستنباطيّة لكلّ واحد من المذاهب، ودراستها لبيان أيّها الأقوى والأسدى في مقام الاستدلال ، فهذا الأمر مطلوب جدّاً ولازم .
* * *
- ۳۴۶
-
۳۴۸
صفحه 348
-
۳۴۹
صفحه 349
بسم الله الرحمن الرحيم
والبحث فيه يقع في اُمور :
الأوّل : في معنى الحقّ بحسب اللغة . فاعلم أنّه يستفاد من عبارة كثير من أهل اللغة أنّه بمعنى الثبوت والشيء الثابت .
قال في الصحاح : الحقّ: خلاف الباطل ، وهو واحد الحقوق ، حقّ الشيء يحقّ بالكسر ; أي وَجَبَ(1) .
وقال الزمخشري في أساس البلاغة : حَقَّ اللهُ الأَمْرَ حقّاً: أثبته وأوجَبَهُ(2) .
وقال الخليل في كتابه العين : حقّ الشيء يحقّ حقّاً; أي وجب وجوباً(3) .
وقد ذكر الراغب في مفرداته وجوهاً أربعة للحقّ، فقال : يقال لموجد الشيء بحسب ما تقتضيه الحكمة، ولهذا قيل في الله تعالى: هو الحقّ ، وقد يقال للموجد بحسب مقتضى الحكمة ، ولهذا يقال: فعل الله ـ تعالى كلّه حقّ. وقد يطلق على
(1) الصحاح 2 : 1112 و 1113.
(2) أساس البلاغة : 135.
(3) العين : 201. -
۳۵۰
صفحه 350
الاعتقاد للشيء المطابق لما عليه ذلك الشيء في نفسه، وقد يطلق للفعل والقول الواقع بحسب ما يجب وبقدر ما يجب، وفي الوقت الذي يجب(1) .
ولكنّ الظاهر أنّ هذه الموارد كلّها من قبيل المصداق لمفهوم الحقّ ، فالله ـ تبارك وتعالى ـ بما أنّه ثابت أكمل الثبوت، فهو حقّ كمال الحقيقية . نعم، يمكنأن يقال : إنّ الحقّ ليس بمعنى صرف الثبوت، بل الثبوت الوجوبي واللزومي يسمّى حقّاً وإن كان اللزوم بالمعنى اللغوي يرجع إلى الثبوت، ولكنّ التأمّل يقتضي كون اللزوم أيضاً هو الثبوت الخاصّ، لا الثبوت المطلق .
وأمّا ما جاء في بعض الاستعمالات; من أنّ التحقّق يكون فصلاً بمعنى المفعول، فيكون بمعنى الجدير، ممكن أن يرجع الجدير إلى الثبوت أيضاً ، فمعنى «أنت جدير» هو: أنّ هذا الشيء ثابت لك فقط، وليس بثابت بغيرك، وأنت صالح لثبوت الشيء لك، على أنّه ليس بمعنى المفعول حتّى يلزم أن يقال بأنّه في معنى الجدير ، فإنّ «حقيق» يكون مِن حقُقَ بضمّ العين ، كما أنّ الفقير من فقر ، فليس بمعنى المفعول، فتدبّر .
الثاني : في معنى الحقّ بحسب اصطلاح الفقهاء، والفرق بينه ، وبين الملك والحكم والسلطنة ، وقد ذكر في تعريفه تعابير مختلفة كما يلي :
1 ـ ذهب جمع من المحقّقين إلى أنّ الحقّ مرتبة ضعيفة من السلطنة أو الملك ، فقال السيّد اليزدي : الحقّ نوع من السلطنة على شيء متعلّق بعين، كحقّ التحجير، وحقّ الرهانة، وحقّ الغرماء في تركة الميّت، أو غيرها، كحقّ الخيار المتعلّق بالعقد، أو على شخص، كحقّ القصاص، وحقّ الحضانة، وحقّ القسم ونحو ذلك، فهو مرتبة ضعيفة من الملك، بل نوع منه(2) انتهى .
(1) مفردات ألفاظ القرآن: 246.
(2) حاشية المكاسب للسيد الطباطبائي 1 : 280 .
صفحه 351
وقال المحقّق الايرواني : إنّ الفرق بين الحقّ والملك بعموم الاستيلاء والسلطان وخصوصه ، فالملك يكون بدخول الشيء تحت ا لسلطان بتمام شؤونه وكافّة حيثيّاته ، والحقّ يكون بدخوله تحت السلطان ببعض جهاته وحيثيّاته ، فالشخص مسلّط على اَمَتِه; بأن يبيع، ويهب، وينكح إلى آخر التصرّفات السائغة ، فيقال حينئذ: إنّ الأَمَةَ ملكه . وأيضاً مسلّط على زوجته في خصوص المباضعة، فيقال: إنّ الزوجة متعلّق حقّه(1) انتهى .
والمستفاد من صريح عبارته أنّ الحقّ مرتبة ضعيفة من السلطنة .
والمحقّق النائيني (قدس سره) ـ بعد أن ذكر معنى الأعمّ للحقّ الذي يشمل الملك والحكم والعين ، وبالجملة كلّ ما وضعه الشارع ـ قال : الحقّ بالمعنى الأخصّ عبارة عن إضافة ضعيفة حاصلة لذي الحقّ، وأقواها إضافةً مالكيّة العين، وأوسطها إضافةً مالكيّة المنفعة ، وبتعبير آخر: الحقّ سلطنة ضعيفة على المال»(2) انتهى .
وكلامه (قدس سره) ليس خالياً عن التشويش والتنافي ، كما أشار إليه السيّد الإمام (قدس سره) (3) ، فإنّه قال في صدر كلامه : إنّ الحقّ هي السلطنة الضعيفة، بينما أنّه عبّر في ذيل كلامه أنّه اعتبار خاصّ الذي أثره السلطنة . ولعلّ التشويش متوجّه إلى المقرّر . وكيف كان يستفاد من مجموع هذه العبارات: أنّ الحقّ مرتبة ضعيفة من السلطنة .
ويرد على هذا البيان أوّلاً : الظاهر أنّ النسبة بين الحقّ والسلطنة عموم من وجه; فإنّه قد تحقّق السلطنة بدون الحقّ، كسلطنة الناس على نفوسهم ، والعقلاءلا يعتبرون كون الإنسان ذو حقّ على نفسه، إلاّ أن يقال: إنّ هذه السلطنة ليست
(1) حاشية المكاسب للإيرواني 2 : 22.
(2) منية الطالب 1 : 106 .
(3) كتاب البيع 1: 45.