pic
pic
  • ۳۰۲

    صفحه 302

    وبعبارة أدقّ: كان العرف الموجود في زمن المعصوم (عليه السلام) قائماً على أساس أمر إثباتيّ ; وهو تقديم قول الزوج، ولكنّ الأمر العدمي كيف يمكنه أن يكون شاهداً على قول المرأة؟

    وممّا تقدّم يتّضح أنّ هذه المسألة لا تختصّ بالوليّ الفقيه المتصدّي للحكومة، بل مؤثّرة في اجتهاد كلّ مجتهد وإن كان ابتلاء الوليّ المتصدّي بهذه المسألة أكثر بكثير من ابتلاء المجتهد غير المتصدّي.

    ج) الزمان والمكان، والبدعة

    ارتباط تأثير الزمان والمكان، ومسألة البدعة والتشريع

    في مسألة البدعة والتشريع ـ رغم وجود اختلاف في أنّه هل هناك فرق بين هاتين الكلمتين، كما ذهب إليه المحقّق النائيني (قدس سره) (1)، أو لا يوجد فرق بينهما، كما هوالمشهور(2) ـ مبنيّان مهمّان بين فقهاء العظام، لا دخل لمسألة تأثير الزمان والمكان في كلّ منهما:

    المبنى الأوّل: أنّ البدعة والتشريع بمعنى إدخال ما ليس من الدِّين في الدِّين، كما ذكرنا سابقاً(3)، ومسألة الزمان والمكان لا ترتبط بهذا المبنى إطلاقاً; سواء من جهة تغيّر الموضوعات والمتعلّقات وقيودهما، أو من جهة اختلاف الاستنباط وفهم الأدلّة الواردة لبيان الأحكام، أو من جهة تحصيل ملاكات وعلل الأحكام; لأنّه:

    في الفرض الأوّل: وهو تأثير الزمان والمكان في تغيير الموضوع، أو المتعلّق


    (1) كتاب الصلاة للآملي 2: 318.
    (2) جواهر الكلام 13: 144، مصباح الفقيه، الصلاة: 626 سطر 4، المستند في شرح العروة الوثقى (موسوعة الإمام الخوئي) 17: 34.
    (3) في ص 264.
  • ۳۰۳

    صفحه 303

    أو أحد قيودهما، فمن الواضح: أنّ هذه التغيّرات لا ترتبط بالشارع المقدّس، بل إنّ الشارع بما هو شارع لا يتمكّن من التصرّف في عناوين الموضوعات.

    وفي الفرض الثاني: وهو: أنّ الفقيه سيكون لديه فهماً أدقّ للأدلّة الشرعيّة بفعل تطوّر العلوم البشريّة، والتأمّل والتدقيق في الأدلّة الشرعيّة، ومعلوم أنّ الفقيه لايطرح فتواه بعنوان أنّها رأيه الشخصي، بل بعنوان ما فهمه من الدليل، وكونه مراداً للشارع من خلال ما يستنبطه من المباني والمبادئ الفقهيّة والاُصوليّة الدقيقة.

    وعليه: لا يصحّ القول في هذه الصورة بأنّه أدخل في الدِّين ما ليس من الدِّين، بل ما كان في الدِّين بصورة مبهمة، قام الفقيه بالكشف عنه وبيانه.

    وفي الفرض الثالث: فقد ذكرنا سابقاً(1) أنّ في بعض الأدلّة لم تذكر علّة وملاك الحكم بصورة صريحة، ولكنّ الفقيه بإمكانه العثور على العلّة والملاك من خلال بحثه، وتحقيقه، وتدبّره في الأدلّة، والفروعات الفقهيّة، وبهذا يستطيع بيان حكم المسائل الجديدة.

    ومن الواضح: أنّ الفقيه في هذه الصورة يفتي على أساس ذلك الملاك الموجود في الشريعة، لا أنّه يدخل في الدِّين ما ليس فيه.

    المبنى الثاني: أن تكون البدعة والتشريع بمعنى أن يعلم الإنسان بأنّ المفهوم الفلاني ليس من الدِّين، ومع ذلك يجعله في الدِّين، وعلى هذا أيضاً يتّضح مبنى الفروض الثلاثة المذكورة آنفاً، فلا يكون أيٌّ منها مصداقاً لهذا المبنى.

    د) الزمان والمكان، والمعارضة مع دعوى الإطلاق، أو إجماع فقهاء السلف

    من الاُمور المانعة من حركة الاجتهاد، وعدم فاعليّته في حلّ مشكلات


    (1) في ص274 ـ 275.

    صفحه 304

    المجتمع، هو: أنّ الفقهاء يتحرّكون في دراساتهم الفقهيّة من موقع التسليم المحض، والانقياد الكامل لما كان عليه فقهاء السلف من المباني الاجتهاديّة، مثلاً إذا ادّعى الفقهاء الأقدمون الإطلاق بالنسبة إلى أحد الأدلّة، أو أجمعوا على مسألة معيّنة، فالفقهاء المتأخِّرون لا يجدون في أنفسهم الميل إلى مخالفتهم، وهذه الحالة تمنعهم من استنباط فتوى جديدة، وفهم جديد من الأدلّة الشرعيّة.

    إذا قبلنا أنّ الشارع المقدّس قد بيّن أحكامه وتعاليمه إلى الناس في إطار عبارات وألفاظ تقوم على أساس المرتكزات العقلائيّة، وذكرها طبقاً لتلك المرتكزات; فإنّ الكثير من الفروعات الفقهيّة سوف ترتدي ثوباً جديداً على مستوى الحكم.

    مثلاً في الآية الشريفة: {أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} (1) نرى أنّ ارتكاز العقلاء يقوم على أساس أنّ بيع المكره لغو، وأساساً لا يرونه بيعاً، فيمكننا أن ندّعي حينئذ أنّ الآية الشريفة غير شاملة لهذا النوع من البيع، ومن الخطأ أن نتصوّر أنّ الآية الشريفة شاملة بإطلاقها بيع المكره، ونتصوّر بأنّ هذا البيع يقع صحيحاً، وبذلك تتعارض هذه الآية مع الروايات الدالّة على عدم صحّة بيع المكره.

    وهكذا ما ورد في الرواية الشريفة عن عبدالله بن مسكان، عن الإمام الصادق (عليه السلام) في رجل قطع رأس الميّت، قال: عليه الدية; لأنّ حرمته ميّتاً كحرمته وهو حيّ(2).

    فقد استفاد البعض(3) من التعليل الوارد في الرواية الإطلاق والعموم، بحيث


    (1) سورة البقرة 2: 275.
    (2) تهذيب الأحكام 10 : 273 ح1072، الاستبصار 4: 297 ح1120، الفقيه 4: 117 ح406، وعنها وسائل الشيعة 29: 327، كتاب الديات، أبواب ديات الأعضاء ب24 ح6.
    (3) المكاسب المحرّمة، لآذري القمّي 1: 161ـ 162 و 167، الفقه ومسائل طبّية، لمحمّد آصف المحسني: 1 : 155ـ 158، دراست موسّعة حول المسائل المستحدثة، للشيخ علي آزاد القزويني: 17 ـ 18 و 51.
  • ۳۰۵

    صفحه 305

    يستوعب في شموله القبور المندرسة والعظام الرميمة، فلا يمكن الاستفادة منها فيالطبّ والعلوم البشريّة، وإذا كان تشريح جسد الميّت لغرض أهمّ من الاحترام والحرمة، من قبيل توقّف حفظ الإنسان الحيّ عليه، أجروا قواعد باب التزاحم في هذه المسألة; لأنّ الرواية مطلقة في مورد احترام الميّت، في حين أنّ هذا النوع من الإطلاقات على خلاف المرتكزات العقلائيّة، ففي موارد يكون فيها حفظ بدن الحيّ متوقّفاً على تشريح جسد الميّت، لا يقبل العقلاء بإطلاق دليل الاحترام،فلا تصل المسألة إلى باب التزاحم حينئذ.

    النتيجة

    في قليل من التأمّل في أحكام الشريعة يمكن القول بأنّ الأحكام الشرعيّة تنقسم في اللحاظ الأوّل إلى قسمين: ثابتة، ومتغيِّرة. وبعض علماء أهل السنّة ذكروا في هذا المجال أنّ الدِّين الإسلامي يقوم على نوعين من الأحكام:

    1 ـ أحكام ثابتة لا يرد فيها الاختلاف، ولا تتغيّر بتغيّر الزمان والمكان، ولاتخضع لبحث الباحثين واجتهاد المجتهدين; لأنّها ثابتة من قبل الله ـ تعالى ـ يقيناً، فلا إبهام ولا غموض في معانيها.

    2 ـ أحكام اجتهاديّة نظريّة تتعلّق بالمصالح المتغيّرة بتغيّر الظروف والأحوال، وترتبط بفهم الفقيه واستنباطه، فهي متغيِّرة بتغيّر الأفهام والعقول، ولا تصل إلى مرتبة اليقين، بل لا تتعدّى الظنّ والاحتمال(1).

    العلاّمة الطباطبائي (قدس سره) يقول في هذا المجال:

    هناك سلسلة من القوانين تتغيّر بمرور الزمان، وتطوّر الحضارة، وهي القوانين المتعلِّقة بالأوضاع والأحوال الخاصّة، ولكن هناك سلسلة أُخرى من القوانين


    (1) بيان للمسلمين، عبد المجيد سليم.
  • ۳۰۶

    صفحه 306

    تتعلّق بأصل الإنسانيّة، وتعتبر من المشتركات بين جميع أفراد البشر، فهي ثابتة لاتتغيّر في جميع الأدوار والظروف، والمحيط الاجتماعي(1).

    ويقول (قدس سره) في مكان آخر:

    إنّ المقرّرات المتغيّرة من اختيارات الحاكم هي في ظلّ المقرّرات الثابتة، والأحكام الإلهيّة الواردة في متن الشريعة هي ثابتة وخالدة، ولا يحقّ حتّى لوليّ الأمر تغييرها حسب المصلحة(2).

    ومن هنا يمكننا أن نصل إلى القول بأنّ في الشريعة الإسلاميّة أحكام ثابتة وغير قابلة للتغيير إطلاقاً; من قبيل كون نجاسة الدم بعنوانه حكماً كلّياً لايقبل التغيير، فلا يمكننا تحت أيّ ظروف، وفي أيّ زمان إخراجه من دائرة النجاسة، ولكن نفس هذا الحكم الثابت، له فروعات تتغيّر بتغيّر الزمان، واختلاف الظروف والأحوال; من قبيل بيعه وشرائه، أو في مسألة الزكاة، حيث إنّ وجوب الزكاة هو حكم كلّي وأصل ثابت في الشريعة، ولكن خصوصيّاته وشرائطه قابلة للتغيير. وكذلك مسألة البيع.

    وهذا المطلب في باب العبادات غير قابل للتفكيك غالباً، أي أنّ هناك أحكام كلّية في باب العبادات، مثل وجوب الصلاة، وكذلك جزئيّاتها وخصوصيّاتها غير قابلة للتغيير، فهي ثابتة في جميع الأزمنة والأمكنة.

    وبالطبع هناك بعض العبادات قابلة للتغيير بمرور الزمان، مثلاً الواردمن الشارع المقدّس في باب السعي بين الصفا والمروة أصل لزوم السعي بين الصفا والمروة، ووجوب الشروع من الصفا، ولكن من أيّ موضع الصفا تكون البداية؟ وإلى أيّ موضع من المروة يكون الاختتام؟ هل أنّ جبل الصفا في زمن


    (1) مجلّة مكتب إسلام، العدد 6، السنة الثانية.
    (2) مجلّة مكتب إسلام، العدد 9، السنة الثانية.

    صفحه 307

    رسول الله (صلى الله عليه وآله) كانت له درجات؟ وعندما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يسعى ماشياً هل كان يرتقي الدرجة الرابعة؟

    واليوم حيث زالت تلك الدرجات فكيف يكون العمل؟ هل يكون كما تصوّر بعض الفقهاء من وجوب الابتداء من الصفا، على أن يكون عقب قدمه متّصلاً بالصفا. وعند وصوله إلى المروة أن تلمس أصابع قدمه ذلك المكان، أو أنّ ذلك الأصل الكلّي ـ يعني لزوم السعي من الصفا إلى المروة ـ غير قابل للتغيير في مختلف الظروف والأزمنة، ولكن من أيّ أقسام الصفا تكون البداية، وكيف تكون؟ فذلك يعود إلى العرف، وليس للشريعة دخل في ذلك.

    * * *

  • ۳۰۸
  • ۳۱۰

    صفحه 310

    بسم الله الرحمن الرحيم

    تمهيد

    إنّ من ضروريّات علم الفقه في العصر الحاضر ، دراسة المناهج الاجتهاديّة والاستنباطيّة للفقهاء والمحقّقين في هذا المضمار ، ومن اللازم في دائرة الفقه الاجتهادي الشيعي الاهتمام بكيفيّة استنباط المجتهدين ، فرغم أنّ منابع الاجتهاد محدودة بالكتاب والسنّة والإجماع والعقل ، وجميع الفقهاء يعتمدون في دراساتهم الفقهيّة على هذه الاُمور الأربعة بعناوينها منابع الاجتهاد ومصادر الأحكام ، إلاّ أنّه من الواضح لدى أهل العلم وأرباب المعرفة أنّ لكلّ واحد من الفقهاء منهج اجتهاديّ خاصّ في سلوكه الفقهي والعلمي ، بحيث أدّى هذا الأمر أحياناً إلىأن تقع مسألة فقهيّة ضروريّة محلّ خلاف بينهم .

    فهناك بعض الموارد التي ذهب إليها الشهيد (قدس سره) في فتواه، ويراها صاحب الجواهر أنّها على خلاف الضرورة الفقهيّة ، وليس هذا إلاّ أنّ الأصل المهمّ والأساس ـ أي الضرورة الفقهيّة ، وتفسيرها وتبيينها ـ مختلف فيه في نظر الفقهاء وأرباب النظر . وعليه: فمن اللازم التحقيق حول منهج الاستنباط .

    ونحن في هذه المقالة المختصرة التي كتبناها بمناسبة إقامة مؤتمر الفاضلَين

۱۰۵,۷۷۶ الزيارة