pic
pic
  • ۱۱۱

    القربة في العبادات، ويتمّ بذلک حجيّة الحكم بالنسبة إلى الجميع. هذا، وطبيعة المتعلّق أيضآ تلحظ على نحو لا بشرط، لا على نحو بشرط لا أو بشرط شيء، فلم يلحظ فيه كلّ فردٍ فردمن العقود إلّا أنّه تصدق عليها بالتطبيق لا بالمفهوم.

    يقول الإمام الخميني (قدس سرّه) في جواهر الأصول :

    إنّ الخطابات العامّة لا تنحلّ كلّ منها إلى خطابات بعدد نفوس المكلّفين، بحيث يكون لكلّ منهم خطاب يخصّه، بل يكون الخطاب العمومي خطابآ واحدآ يخاطب به العموم، وبهذا يفترق عن الخطاب الخصوصي في كثير من الموارد. وعليه يتصوّر المقنّن القانون الكلّي، ويصدّق بفائدته لهم، فيريد التقنين والجعل، فيوجّه الخطاب إليهم بالعنوان، فمتعلّق الحكم، الكلّي وموضوعه العنوان؛ ففي قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)[1] لم يلحظ حال كلّ واحدٍ واحدٍ منهم بنحو العموم لينحلّ إلى خطابات عديدة، بل خطاب واحد متعلّق بالعموم. وكذا جعلت النجاسة على عنوان البول لا على أفراد البول، فكلّما تحقّق العنوان يتعلّق به الحكم.[2]

    الإشكالية التاسعة: إنّ هذه النظرية يلزم منها أنّ الخطاب الكلّي ينطبق على المكلّفين مطلقآ، ولوكان عاجزآ عن الإتيان بالمكلّف‌به فالتكليف يكون ثابتآ وفعليآ في حقّه وإن كان معذورآ لعجزه، بينما أنّ البعث والتحريک لايمكن بالنسبة إليه فهو قبيح قطعآ؛ فإنّ حقيقة التكليف هو البعث والزجر، المتحقّقان من داعٍ، والداعي من البعث ليس إلّا الإنبعاث والإنزجار، مع أنّهما يستحيلان من المكلّف العاجز فكيف تتعلّق الإرادة الفعلية به؟ وعليه فلا بدّ من تقييد التكليف بالقدرة حتّى يخرج منه العاجز لعجزه.


    1 ـ نفس السورة: 1.

    2 ـ جواهر الأصول :3 318.

  • ۱۱۲

    والجواب: هو أنّ البعث والزجر ليس إلّا في الخطاب الشخصي، وهذا بخلاف الخطاب القانوني فلم يترتّب عليه الإشكال المذكور؛ فإنّه (قدس سرّه) يصرّح بذلک في الجواهر ويقول: إنّ الإرادة التشريعية ليست إرادة إتيان المكلّف وإنبعاثه نحو العمل، وإلّا يلزم في الإرادة الأزلية عدم إنفكاكها عنه وعدم إمكان العصيان، بل هي عبارة عن إرادة التقنين والجعل على نحو العموم، وفي مثله يراعى المصلحة العقلائية، ومعلوم: أنّه لا تتوقّف صحّته عندهم على صحّة الإنبعاث من كلّ أحد، كما يظهر بالتأمّل في القوانين العرفية،[1] وغاية ذلک هو الإنبعاث والإنزجار بحسب النوع في مقام الإمتثال.

    الإشكالية العاشرة: إنّ لازم عدم الإنحلال هو التفصيل في الأحكام الكلّية القانونية بين العمومات والمطلقات؛ لأنّه لا إشكال في إنحلال الخطابات التي صدرت بنحو العموم الأفرادي إلى أحكام عديدة بعدد الأفراد كما إعترف نفسه به ولا وجه لهذا التفصيل؛ لوضوح أنّ الأحكام لا تختلف بسبب كون الدالّ عليها مطلقآ أو عامآ، فلا فرق بين المطلق والعام الأفرادي من حيث الإنحلال. نعم الفرق بينهما إنّه في العام الأفرادي يكون ذلک بالدلالة المطابقية، وفي المطلق بالدلالة الالتزامية.[2]

    والجواب: أنّه لا يخفى الفرق بين الموضوع (الذي وضع عليه الحكم ويتوجّه إليه الخطاب) والمتعلّق (ما تعلّق به الحكم) فما أفاده المستشكل صحيح بالنسبة إلى متعلّقات الأحكام؛ فإنّ الإنحلال في المطلق إنّما صدر بالنسبة إليها. ومن ثمّ يختلف قوله تعالى (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ)[3] عن قول القائل: «أحل الله كلّ البيع» فتدلّ ألفاظ العموم على تكثير البيوع؛ ومن الواضح، أنّ البيع من متعلّقات الأحكام، لا


    1 ـ المصدر :3 322.

    2 ـ أنوار الأصول :1 475.

    3 ـ سورة البقرة: 275.

  • ۱۱۳

    من موضوعات الخطاب التي هي مورد البحث في الخطاب القانوني، أي المكلّف الذي تنطبق عليه (أحلّ الله البيع)، فلا دلالة في المتعلّق على التكثير بلحاظ كلّ من يجب عليه الوفاء بالعقد.

    فتحصّل أنّ المدّعى هو عمومية الموضوع في الخطاب القانوني، سواء كان الدالّ عليه العموم أو الإطلاق فلا ترتكز النظرية على المتعلّق وإن كان المتعلّق في الخطاب أيضآ، أمرآ كليآ غير مشير إلى الأفراد كما تقدّم توضيحه.

    الإشكالية الحادية عشر: قد أفاد (قدس سرّه) في بحث الترتّب أنّ المحال هو طلب الجمع بين الضدّين لا الأمر بالضدّين، وفيه: إذا كان الأمران المتعلّقان بالضدّين مطلقين ولم يكن أحدهما مشروطآ بترک الآخر كان لازمه طلب الجمع، كما إذا قال المولى لعبده: (أنقذ هذا و أنقذ هذا) لأنّ المفروض أنّ لكلّ واحد منهما بعثآ يخصّه، والجمع بين البعثين في آن واحد محال.[1]

    والجواب أنّه لايستلزم الجمع بين الطلبين بمحال؛ فإنّ الأمر لا يتعلّق إلّا بنفس الطبائع المختلفة، من غير نظر إلى الخصوصيات والحالات الطارئة. وعليه إنّ الأمر بالشيء لا يقتضي عدم الأمر بضدّه في التكاليف القانونية.

    يقول الإمام الخميني (قدس سرّه) في التهذيب :

    إنّ البحث في الأحكام القانونية والتكليف فيها لم يتعلّق بالفرد المردّد ولا بالجمع حتّى يستلزم التكليف بالمحال، والمفروض أنّ كلّ واحد من الأمرين تامّ في الباعثية، وليس ناظرآ إلى حال إجتماعه مع الآخر؛ فإنّ التزاحم وعلاجه متأخّران عن رتبة الجعل والفعلية. فحينئذٍ، كلّ واحد يقتضي تحقّق متعلّقه وإيجاده في الخارج، إلّا أن يظهر من العبد عذر في ترک إمتثاله، فإذا صرف قدرته في واحد منهما فقد حقّق دعوته بالإمتثال وترک دعوة الآخر عن عذر، وأمّا إذا لم


    1 ـ أنوار الأصول :1 478.

  • ۱۱۴

    يصرف قدرته في شيء منهما فقد ترک دعوة كلّ واحد بلا عذر، فيستحقّ عقابين. وترتّب على ذلک: أنّه لو ترک و إشتغل بفعل محرّم لاستحقّ ثلاث عقوبات؛ لملاک العصيان في كلّ واحد. وأمّا إذا كان أحدهما أهمّ، فإن إشتغل بإتيان الأهمّ فهو معذور في ترک المهمّ؛ لعدم القدرة عليه مع إشتغاله بضدّه بحكم العقل، وإن إشتغل بالمهم فقد أتى بالمأمور به الفعلي، لكن لا يكون معذورآ في ترک الأهمّ، فيثاب بإتيان المهمّ ويعاقب بترک الأهمّ.

    وبالجملة: أنّ العقل يحكم بصرف القدرة في إمتثال الأهمّ؛ كي يكون معذورآ في ترک المهم، ولو عكس لإستحقّ عقوبة على الأهمّ؛ لأنّه تركه بلا عذر، ولكنّه يثاب على المهم لإتيانه، ولو تركهما لإستحقّ عقوبتين، ولو إشتغل بمحرّم لإستحقّ ثلاثة عقوبات.[1]


    المطلب الثاني: إيرادات الأستاذ حفظه الله على هذه النظرية

    قد ظهر مما تقدّم عدم ورود الإشكاليات المذكورة بشأن هذه النظرية ولكن ناقشها أستاذنا المعظّم حفظه الله بوجوه نتعرّض لها وفق ما يبدو لنا :

    الإشكالية الأولى: إنّ تصوير هذا المقال وإن كان ممكنآ ثبوتآ إلّا أنّه (قدس سرّه) لم يبرهن على صدور الخطابات الشرعية بنحو القانون بإقامة دليل سديد له في مقام الإثبات؛ فإنّ العرف يحكم بالإنحلال ويفهم من الخطابات العامة تعدّدها بعدد أفراد الموضوع، بل تُلحظ اليوم في مجلس التقنين الحالات والعوارض الطارئة على الأفراد في مقام الإنشاء ولو إجمالا؛ ولكن لم يعتمد السيّد الإمام (قدس سرّه) في إستحالة ذلک الأمر العرفي والعقلائيدليل وبرهان تطمئنّ به النفس، مع أنّ صرف توفّر الفرق بين الخطاب القانوني والشخصي لايدلّ على أنّ الأحكام الشرعية


    1 ـ تهذيب الأصول :1 444.

  • ۱۱۵

    تكون بشكل القضايا القانونية؛ أللهمّ إلّا أنّها تصلح لأن تجعل في إطار القضايا القانونية ولكنّه لا توجد هاهنا قرينة قوية على ذلک المدّعي.

    نعم، يمكن أن يقال إنّ المشهور ذهبوا إلى أنّ عدم تعدّد الإنشاء يكون بحسب الأفراد، وهذا إعتراف ضمني منهم بعدم الإنحلال في الخطابات الشرعية. إلّا أنّ هذا القول يدفعه التسليم بأنّ هناک إنشاء واحد إلّا أنّ هذا الخطاب الواحد يكون حجّةً علي جميع المكلّفين. وتوضيح ذلک هو أنّه قد وقع الخلط هاهنا بين الإنحلال في الحجية من جهةٍ، والإنحلال في الإنشاء والخطاب من جهة أخرى، والمشهور يعتقدون بالإنحلال في مقام حجية الخطاب ومدلوله لا في مقام الإنشاء فيكون الخطاب حجةً على الجميع، وعليه إنّ الحكم القانوني لا يتباين الإنحلال كما لا يتباين عدمه؛ وعليه إذا كان في فعل كلّ مكلّف ملاک مستقلّ تعلّق به غرض المولى يكون الثابت في حقّه حكمآ على إستقلاله وإن كان إنشاء هذه الأحكام كلّها بخطاب واحد؛ فلا يتوجّه الخطاب إلى العاجز لكي يكشف الخطاب عن جعل الحكم له أيضآ؛ إذ القدرة تعتبر من قيود موضوع التكليف فيقبح تكليف غير القادر على متعلّقه.

    هذا، ولا يقاس الإنشاء المتقوّم بالإيقاع، بالإخبار المتقوّم بالحكاية؛ فإنّه لا تنحلّ الجمل الخبرية بنظر العرف إلى أخبارات متعدّدة حتّى يلزم أن يُحكم على المخبر بأنّ النار باردة أنّه قد كذب بعدد ما في الخارج من أفراد النار؛ فإنّ الكذب يعتبر من صفات القول فيقام باللسان، وعليه لا يقصد من هذه القضية الطبيعية الّا الإخبار عن قضية كلية واحدة، ولا يقال إنّه كلام متعدّد لإنحلال مدلوله؛ ولو فرض فيه الإنحلال قهرآ فلا ملازمة بينه وبين تعدّد الكذب أيضآ؛ فانّ الموصوف بالكذب هو الدالّ ولو بحسب مدلوله، وهذا بخلاف الإرادة التشريعية؛ فإنّ المقنّن عندما يخاطب عموم الناس يريد بتلک الإرادة فعل شيء أو تركه من جميع

  • ۱۱۶

    الآحاد بحيث لا يغني فعل الآخرين عن فعله، وهو قرينة على أنّ خطابه وإن كان واحدآ ولكنّه ينحلّ مدلوله عرفآ فيتعدّد الإمتثال والعصيان.

    الإشكالية الثانية: إنّ طائفة من الآيات تدلّ بظاهرها على إشتراط التكليف بالقدرة، وعلى نفي تكليفه تعالى بما فوق وسع المكلّف، وهو يعمّ الحرج وغير المقدور، فتؤكّد على نظرية المشهور من إنحلال الأحكام؛ كآية (وَلاَ نُكَلِّفُ نَفْسآ إِلاَّ وُسْعَهَا)[1] وآية (لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسآ إِلاَّ وُسْعَها)[2] حيث إنّه يفترض فيها الأفراد بعينه؛ فإنّ الله تعالى أشار فيهما إلى أصل التكليف وإستنده إلى نفسه فلا يرتبط بمرحلة الثواب أو العقاب، وعليه تدلّ الآيتين على أنّ هناک قانونآ كلّيآ وهو: أنّه لايجعل التكليف العاجز إطلاقآ، فيشترط الحكم بالقدرة، وبالتالي ينحلّ ذلک الحكم إلى فرد فرد من العباد؛ فإنّ الظاهر منها كون المولى في مقام المولوية لا الإرشادية، وأنّ المولى في مقام جعل الأحكام لا يكلّف نفسآ إلّا قدر وسعها فتقيّد الأحكام الشرعية بالقدرة. وكآية (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)[3] وعليها يصير العسر أو الحرج شخصيآ كما إعترف به المشهور فينسجم مع نظرية الإنحلال وإشتراط الحكم بالقدرة. ويقرب منها ما ورد في بعض الأحاديث كمعتبرة حمزة بن الطيّار عن أبي عبد الله (عليه السلام) ففيها: «وكلّ شيء أمر الناس به فهم يسعون له، وكلّ شيء لا يسعون له فهو موضوع عنهم».[4}

    الإشكالية الثالثة: إنّ الظاهر من لفظة «نَفْسآ» في آية (وَلاَ نُكَلِّفُ نَفْسآ إِلاَّ وُسْعَهَا)[5] وآية (لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسآ إِلاَّ وُسْعَهَا)[6] هو أنّ المولى يلحظ النفوس


    1 ـ سورة المؤمنون: 62.

    2 ـ سورة البقرة: 286.

    3 ـ نفس السورة: 185.

    4 ـ الكافي : 165.

    5 ـ سورة المؤمنون: 62.

    6 ـ سورة البقرة: 185.

  • ۱۱۷

    وأحوالهم حين الجعل، فيستلزم منه إنحلال الخطاب والتكليف؛ بل يستفاد من ظهور قوله تعالى (عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ...)[1] أيضآ أنّه تعالى يلحظ مقام الإمتثال عند جعل الأحكام؛ إذ إنّ معنى الآية هو: أنّهم كانوا لما حرم عليهم الجماع في شهر رمضان بعد النوم خالفوا في ذلک، فذكرهم الله بالنعمة في الرخصة التي نسخت تلک الفريضة. والسبب لإحلال ما ذكر، هو قلّة الصبر عنهنّ وصعوبة الإجتناب عنهنّ لبعض، كما لا يخفى.

    وكذلک يظهر من قوله تعالى في وجوب الثبات في القتال: (الاْنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفآ...)[2] تقدّمُ العلم بحالهم وحال ما كلّفهم؛ لأنّه إنّما يحسن من المكلّف أن يأمر بما يعلم حسنه وأنّ المكلّف يتمكّن من فعله على الوجه الذي كلّفه وإلّا لقبُح التكليف أصلا. وعليه تدلّ الآية على أنّ كل فرد من المسلمين في مقابل إثنين من المحاربين، لا أكثر منهما؛ ويؤيده موثّقة مسعدة بن صدقة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: «إنّ الله عزّ وجلّ فرض على المؤمن إلى أن قال ثمّ حوّلهم عن حالهم رحمةً منه لهم، فصار الرجل منهم عليه أن يقاتل رجلين من المشركين تخفيفآ من الله عزّ وجلّ فنسخ الرجلان العشرة».[3]

    وعليه ما أفاده الإمام (قدس سرّه) من نظرية الخطابات القانونية لا يوافق ما ورد في هذه الطائفة من الآيات القرآنية؛ فإنّ الملحوظ في الخطابات الشرعية هو لحاظ نفوس المكلّفين وأحوالهم في الإمتثال بنحو إنحلالي، ويستلزم منه عدم تكليف للعاجز لا أنّه يعذّر عقلا.

    الإشكالية الرابعة: إنّ الإمام الخميني (قدس سرّه) قد فصّل بين الموضوع والمتعلّق، حيث يعتقد في الثاني بالفرق بين العموم والإطلاق فتدلّ ألفاظ العموم على


    1 ـ نفس السورة: 187.

    2 ـ سورة الأنفال: 66.

    3 ـ وسائل الشيعة :15 84.

  • ۱۱۸

    التكثير وتتعلّق على كلّ فرد فرد من الحكم بينما لا يستفاد الإنحلال من الإطلاق؛ فإنّه يدلّ على نفس الطبيعة من دون ملاحظة شيء آخر في الحكم.[1] ولكنّه (قدس سرّه) لم يعتقد بهذا الفرق في موضوع الخطاب ولم يفصّل بينهما كذلک؛ بل ذهب إلى عدم الإنحلال فيهما، مع أنّه لا وجه لهذا الفرق بينهما إذا كان المولى في مقام جعل الحكم، حتّى يقال بالتفصيل في ما فهم من إستعمال أداة العموم بين الموضوع والمتعلّق؛ فإنّه ليس هنا شاهد في الموضوعات لكي ترفع اليد عن ظهور أدوات العموم في إستغراق الأفراد والقول بعدم لحاظ الأفراد فيها.

    هذا من جهة، ومن جهة أخرى، إنّه (قدس سرّه) يعترف بإنحلال المتعلّق في النواهي، فيصير الخطاب في «لا تشرب الخمر» منحلّاً بعدد الأفراد بخلاف (أَقِيمُوا الصَّلاَةَ)[2]

    يقول الإمام الخميني (قدس سرّه) في التهذيب :

    فالأولى أن يتشبّث في جانب النهي بذيل فهم العرف المتّبع في تلک المقامات في كلتا المرحلتين؛ أي مرحلة أنّ الطبيعي ينعدم بعدم جميع الأفراد، ومرحلة أنّ النهي إذا تعلّق بالطبيعة ينحلّ إلى النواهي، من غير أن تستعمل الطبيعة في الأفراد، ومن غير فرق بين كون النهي زجرآ أو طلب ترک.[3]

    وعليه لا تكون هذه النظرية جامعةً؛ فإنّها تنسجم مع الخطابات الإيجابية دون السلبية؛ فإنّ القول بكون الخطابات قانونيةً تتوقّف على القول بأنّ الأحكام تتعلّق بالطبيعة، وأما لو قلنا إنّ الحكم لا يتعلّق بالطبيعة فلا يمكن أن يقال بكون الخطابات قانونيةً. وبكلمة أخرى، إنّه لو قلنا إنّ الأحكام متعلّقة بالأفراد فحينئذ لا يمكن أن نقول بأنّ الخطابات قانونية.


    1 ـ جواهر الأصول :3 308.

    2 ـ نفس السورة: 43.

    3 ـ تهذيب الأصول :2 15.

  • ۱۱۹

    الإشكالية الخامسة: إنّه لا ملازمة بين إرادة البعث أو الزجر في التشريع وبين عدم وضع الأحكام بصياغة القانون، بل يجوز التفكيک بينهما بأن نعتقد أنّ الإرادة التشريعية ليست إلّا بنحو القانون ومع ذلک نذهب إلى إنحلال الخطاب ولحاظ الأفراد وحالاتهم في إنشاء الحكم وتظهر ثمرته في عدم ورود الإيرادات التي أوردها السيّد الإمام (قدس سرّه) على نظرية المشهور حيث لم نفسّر التكليف بالبعث كما ذهب إليه الإمام مع عدم الإلتزام بنظرية الخطابات القانونية على ما فسّرها.

    وأما ما ذهب إليه المشهور من جريان الإحتياط وعدم إجراء البراءة عند الشکّ في القدرة ففيه: أنّه قد يتّفق عدم التطابق بين آراء الفقهاء في أبواب الفقه ومبانيهم الأصولية فليس ذلک أمرآ جديدآ، ولايكشف ذلک عن عدم إشتراط التكليف بالقدرة؛ بل يمكن أن يقال إنّ الشرائط التي ترجع إلى مقام الإمتثال بحيث إنّ جعلها قد صدر من المولى، لا تجري فيها البراءة، بل المرجع هو الإحتياط؛ مع أنّه قد يفهم عرفآ ثبوت الملاک للقادر والعاجز عبر تناسب الحكم والموضوع، فلايحتاج إلى نفس الخطاب؛ أضف إليه أنّ القدرة المشروطة في الخطاب هو حصولها من حين وصوله إلى حين الإمتثال، وأنّ جريان البراءة فيها مشروط بالفحص عن القدرة؛ فإنّ كلّ شرط لا يعلم وجوده وعدمه إلّا بالفحص يجب الفحص عنه. وعليه لايصحّ أن يعمل العبد عملا يعجزه عن إتيان التكاليف كما إذا أغمي عليه فلايمكنه الصلاة والصوم؛ فإنّ الإشتغال اليقيني يقتضي البراءة اليقينية، والقطع بالفراغ يحصل بإجراء الإحتياط في المقام. فالبحث في التعجيز يشبه البحث في المقدّمات المفوّته وعليه كما لا يجوز إتلاف الماء قبل وقت الصلاة للتوضؤ في الوقت فكذلک لا يجوز تعجيز الإنسان نفسه لتفويت غرض المولى الذي يحكم العقل بعدم جوازه.

    وبكلمة أخرى، إنّ الشکّ في التكليف إذا ينتهي إلى مقام الشارع وحدوث

  • ۱۲۰

    جعله فلا شبهة في جريان البراءة فيه. وأما إذا كان للشک طرفان: من جهة يرتبط بالشارع ومن جهة يتّصل بالعبد كما نحن فيه فلا يصحّ جريان البراءة فيه؛ وذلک كما إذا قال المولى إن كنت قادرآ فيكون جعل التكليف عليک فعليآ وإن كنت عاجزآ يكون هذا العجز مانعآ من فعلية الجعل فيجري فيه أصل عدم المانع وهو العجز؛ فإنّ المفروض عدم سبق الشک في القدرة لوجودها في الحالة السابقة ومع الشکّ فيها يجري إستصحاب القدرة أو إستصحاب عدم العجز وتكون نتيجته مطابقآ لما ذهب إليه المشهور من ثبوت التكليف على ذمة المكلّف في هذه الحالة.

    هذا، ولا يتمّ القياس بين الأحكام التكليفية والوضعية؛ فإنّه لا تقبح عرفآ نجاسة الخمر الذي لايوجد في محلّ الإبتلاء، بينما لا يحسن الخطاب المنجّز بالنسبة إلى ما لا إبتلاء به ولو بأيّ عنوان من العناوين، فيكون النهي عن إجتنابه أمرآ لغوآ قبيحآ بحسب العرف؛ فإنّ الفعل والترک الإختياريين لزم أن يكونا مورد الإبتلاء حتّى يمكن إستنادهما إلى الفاعل أو التارک.

    فتحصّل أنّ شرط حسن الخطاب أو تنجيزه هو كون متعلّقه مورد الإبتلاء، فلو كان بعض أطراف العلم الإجمالي خارجآ عن محلّ الإبتلاء ولا يبتلي بتركه المكلّف عادةً، لا علم بالخطاب المنجّز فكان التكليف بالنسبة إليه منتفيآ، ولَتجري البراءة في الطرف الآخر الذي يشکّ في حدوثه، بلا معارض.

    كما أنّ قياس القدرة على متعلّق التكليف، بالعالم بالتكليف مع الفارق؛ إذ لا يمكن أخذ العلم بحكم في موضوع ذلک الحكم فيكون للموضوع إطلاق بالإضافة إلى العالم والجاهل، بمعنى الإطلاق الذاتي لا محالة، وشمول خطاب الحكم للجاهل به لا بعنوان الجاهل، بل بعنوان البالغ العاقل لا بأس به، فيكون وصول هذا الخطاب بنفسه أو بوجه آخر موجبآ للعلم به فيتنجّز، بخلاف شموله للعاجز الذي لايمكنه تحقيق المتعلّق في الخارج إطلاقآ؛ فإنّ إعتبار التكليف في

۲۷,۷۶۸ الزيارة