pic
pic
  • ۸۱

    أنّهم في الموارد الاُخرى إذا كان في أذهانهم شيء من توهّم المخالفة للقرآن ذكروه وطلبوا الجواب من الإمام (عليه السلام)، فراجع الروايات.

    وعليه فلا يصحّ أن يُقال بترجيح موثّقة ابن أبي يعفور على سائر الروايات الدالّة على الحرمان من جهة أنّها موافقة للقرآن الكريم، هذا أوّلاً.

    وثانياً: إنّ المراد من المخالفة ولزوم ترك المخالف للقرآن هي المخالفة الكلّيّة ولا تشمل المخالفة بالعموم والخصوص كما هو واضح.

    وثالثاً: إنّ رواية عبد الرحمن وإن صرّح الشيخ بأنّها صحيحة ولكن الظاهر أنّها ضعيفة لا يمكن الاعتماد عليها، وبناءً على ذلك نقول بتساقط المرجّحين ونذهب إلى أنّ موثّقة ابن أبي يعفور وبعض ما دلّ على عدم الحرمان لا يقاومانِ الروايات المتواترة الدالّة على الحرمان كما هو واضح جدّاً.

    الطائفة الثالثة: وهي منحصرة بمقطوعة عمر بن اُذينة وهي ما ذكره الشيخ الطوسي بإسناده عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن ابن اُذينة في النساء، إذا كان لهنّ ولد اُعطين من الرباع(1).


    1. الاستبصار 4: 155 ح 582 13، وسائل الشيعة 26: 213، الباب 7 ح2، كتاب الفرائض، أبواب ميراث الأزواج.

  • ۸۲

    والمستفاد من هذه الرواية أمران:

    الأوّل: أنّها شاهدة للجمع بين الطائفة الاُولى والثانية؛ بمعنى أن نحمل الاُولى على ما إذا لم يكن للزوجة ولد من الزوج، والثانية على ما إذا كان لها ولد.

    الثاني: لو فرضنا عدم صلاحيّة تعارض الثانية مع الاُولى وقلنا بلزوم حملها على التقيّة أو الإعراض أو شيء آخر، فهذه الثالثة قرينة على تقييد الاُولى بما إذا لم يكن لها ولد.

    والظاهر أنّ فتوى كثير من المتأخّرين وجمع من المتقدّمين، بالتفصيل بين ذات الولد وغيرها مستندة إلى هذه المقطوعة وإن كان للقول بالتفصيل طرقٌ اُخرى نذكرها إن شاء اللّه‏ تعالى.

    والكلام حول هذه الطائفة في مطلبين:

    المطلب الأوّل: هل هذه رواية صادرة عن المعصوم (عليه السلام) أم لا، بل يحتمل أنّها من فتاوى ابن اُذينة من جهة أنّها مقطوعة غير مسندة إلى الإمام (عليه السلام) وقد ثبت في محلّه كبرويّاً عدم اعتبار المقطوعة كالمضمرة والمرسلة.

    والظاهر أنّ التعبير بالمقطوعة في كلمات الفقهاء هو الأعمّ ممّا إذا لم يذكر اسم الإمام لا صراحة ولا إشارة، وممّا إذا ذكر اسمه الشريف إشارة. نعم، قد خصّ أهل الدراية هذا الاصطلاح

  • ۸۳

    بالمعنى الأوّل(1).

    وكيف كان، فقد اختلفوا في أنّ المقطوعة هل تجبر بالشهرة ـ بناءً على أنّ الشهرة جابرة لضعف السند أم لا، كما أنّ الأحاديث المرسلة والضعيفة تجبران بعمل المشهور أم لا، بل الفرق موجود بين المقطوعة وغيرها؟

    فقد صرّح المحقّق السبزواري في كفايته(2) وتبعه صاحب الجواهر(3) بأنّ عمل المشهور لا يكون جابراً لضعف المقطوعة من جهة أنّ الجبران إنّما هو فيما إذا كان الكلام منقولاً عن الإمام (عليه السلام)، وأمّا فيما إذا لم يكن منقولاً فلا معنى ولا موضوع للجبران.

    وبعبارة اُخرى: عمل المشهور إذا كان مستنداً إلى الرواية الضعيفة يكون جابراً لضعفها، وفي المقطوعة من جهة أنّه لم يحرز أنّها كلام الإمام (عليه السلام) أو كلام غيره فلا يحرز استناد المشهور، بل لا موضوع ولا معنى لاستناد المشهور.

    نعم، ذهب بعض المحقّقين كالشعراني إلى عدم الفرق في المقام، فقال: وليس وجه الفرق ظاهراً عندي بل كلاهما (المقطوعة والمضمرة) يجبران بالشهرة إن قيل بالانجبار، ولا فرق بينهما


    1. راجع مقباس الهداية 1: 330 و 331 .

    2. كفاية الفقه 2: 515 .

    3. جواهر الكلام 39: 211 .

  • ۸۴

    وبين سائر الضعاف؛ لأنّ مناط جبر الشهرة قوّة الظنّ بكون الحديث أو مضمونه صادراً من المعصوم، وهذا حاصل في المقطوعة أيضاً(1)، انتهى كلامه.

    وقد تبعه بعض الفقهاء وقال: لا فرق بين المقطوع والمرسل إذا حصل الاطمئنان بصدور المتن أو المضمون من المعصوم وعمل المشهور وفتوى الأصحاب وتخريجه في الكتب المعدّة يوجب الاطمئنان بالصدور(2).

    وفيه: أنّ حصول العلم أو الاطمينان متوقّف على استناد المشهور إلى الرواية بما أنّها كلام المعصوم (عليه السلام)، وموضوع الاستناد في المقام منتفٍ جدّاً فتدبّر.

    هذا، مضافاً إلى أنّا قد أثبتنا في بيان الأقوال أنّ القول بالتفصيل ليس مشهوراً عند القدماء لو لم يكن القول بالإطلاق مشهوراً، وقد صرّح السيّد بحر العلوم في بلغة الفقيه بأنّ القولين متكافئان(3).

    وبعد ذلك نقول: قد صرّح جمع بكونها رواية عن المعصوم وذلك من جهة القرائن الموجودة؛ ذهب إليه صاحب مفتاح الكرامة(4)


    1. الوافي 13: 787 .

    2. رسالة في ارث الزوجة المطبوعة في كتاب صيانة الإبانة: 197 .

    3. بلغة الفقيه 3: 97 .

    4. مفتاح الكرامة 8: 191.

  • ۸۵

    والشعراني وبعض المعاصرين، ولكن صرّح الكثير منهم بأنّها غير محرزة الرواية ويحتمل أن تكون من فتاوى ابن اُذينة:

    قال الأردبيلي (قدس سره):

    بل ظاهرها أنّه فتواه حيث ما أسند إلى أحد ولا بظاهر ولا بمضمر، بل هو قال من عند نفسه كما يقول الإنسان فتواه وليست هي مثل سائر المقطوعات والمرسلات حتّى يقال الظاهر أنّ نقل مثله إنّما يكون عن الإمام (عليه السلام)(1).

    وقال السبزواري (قدس سره):

    بل الظاهر أنّه كلام ابن اُذينة وفتواه وليس شأنه شأن سائر المرسلات والمقطوعات والمضمرات التي يقال فيها: إنّ الظاهر أنّ نقل مثلها إنّما هو عن الإمام(2).

    وقال الشهيد الثاني (قدس سره):

    وأمّا رواية ابن اُذينة فهي مقطوعة لأنّه لم يسند القول إلى الإمام فسقط الاحتجاج بها رأساً(3).

    وذكر الشيخ محمّد تقي البروجردي (قدس سره):

    لاحتمال كونها رأياً من الراوي(4).


    1. مجمع الفائدة والبرهان 11: 444.

    2. كفاية الفقه 2: 86.

    3. رسائل الشهيد الثاني 1: 469.

    4. نخبة الأفكار: 13 و 14.

  • ۸۶

    وتبعه المحقّق الأراكي (قدس سره)(1).

    واللاّزم ملاحظة قرائن الطرفين:

    القرائن الدالّة على أنّها رواية

    1 ـ تكرّره في الجوامع العظام الثلاثة الفقيه والاستبصار والتهذيب التي ما سيقت إلاّ للرواية عن المعصوم (عليه السلام).

    وفيه:

    أوّلاً: قد مرّ منّا أنّ الشيخ وإن ذكرها في الاستبصار ولكن كلامه مشعر بعدم ارتضائه كما صرّح به العلاّمة في المختلف(2).

    ثانياً: مجرّد كون الكلام رواية عن الصدوق والشيخ لا يدلّ ولا يوجب أن يكون كذلك عند الجميع، فربّما حصل لهما اجتهاداً أنّها رواية وهذا لا يجب اتّباعه.

    ثالثاً: قد يوجد بعض الفتاوى في هذه الكتب الثلاثة فإنّ كثيراً ما يوجد فيها المقطوعات التي لم يعتمد عليها الفقهاء فلابدّ من حملها على كونها من قبيل فتاوى الرواة، وإليك بعض النماذج:

    أ ـ في مسألة نجاسة الغسالة، وقد ذكرت رواية عن ابن سنان دالّة على نجاستها.


    1. رسالتان في الإرث ونفقة الزوجة: 207 و 208 .

    2. المختلف 9: 56 .

  • ۸۷

    وقال المحقّق الخوئي: والرواية مقطوعة لا يُعتمد عليها وإنّما هو كلام من أبي بصير(1).

    فهذا الكلام يحمل على أنّه من فتاوى أبي بصير.

    ب ـ في مسألة كفّارة الادهان أنّها شاة إذا كان عن علم وعمد، قال المحقّق الخوئي: لكن الذي يهوّن الخطب أنّ مدلول الرواية لم يكن منقولاً عن الإمام (عليه السلام)، بل الظاهر أنّ ذلك فتوى لمعاوية بن عمّار... فتكون الرواية مقطوعة، ودعوى الجزم بأنّ معاوية بن عمّار لا يفتي إلاّ بما سمع من الإمام ولا يخبر إلاّ عنه عهدتها على مدّعيها(2).

    ج ـ قد ذكر المحقّق الإمام الخميني (رضوان اللّه‏ عليه) رواية عن رفاعة وقال:

    إنّها مقطوعة غير منسوبة إلى المعصوم (عليه السلام) ولعلّه فتواه(3).

    رابعاً: لو بنينا على هذه المقطوعة لكان اللاّزم قبول سائر المقطوعات أيضاً لوجودها أيضاً في الكتب الحديثيّة، مع أنّ دأب القوم ليس كذلك وقد صرّحوا في كثير من الموارد بعدم اعتبار المقطوعة، كما أنّهم صرّحوا بأنّ مجرّد الظنّ بكونها موصولة إلى


    1. التنقيح 2: 375.

    2. موسوعة الإمام الخوئي 28: 461.

    3. كتاب الطهارة 2: 190.

  • ۸۸

    الإمام (عليه السلام) غير كاف في الاعتماد عليها؛ فقد صرّح ابن أبي عقيل بأنّ مقطوعة هشام بن سالم (كلّ ما كان في الإنسان اثنان ففيه الدية وفي أحدهما نصف الدية) غير مُعتمد عليه(1).

    وصرّح أيضاً الشيخ في الاستبصار بأنّ الرواية الواردة في المصلّي وهو يصلّي وفي قبلته نار؛ بأنّ هذه رواية شاذّة مقطوعة الإسناد(2).

    وصرّح صاحب الحدائق بأنّ ما ذكره عمر بن يزيد وقال: الرمل في وادي المحسّر قدر مأة ذراع، مقطوعة غير قابلة للاعتماد(3).

    فالسؤال المهمّ أنّ الفقهاء قد صرّحوا بعدم اعتبار سائر المقطوعات، فكيف ذهب بعضهم إلى جواز العمل بهذه المقطوعة؟!

    2 ـ كون الراوي عن ابن اُذينة، هو ابن أبي عمير، وهذا يكشف عن أنّها رواية.

    قال في مفتاح الكرامة: مضافاً إلى أنّ راويها ابن أبي عمير الذي علم حاله في التحفّظ والتحرّز فلعلّها كانت مسندة إلى معصوم عن ثقة ولمّا ذهبت كتبه نسي الثقة والمعصوم فوقف بها على ابن اُذينة وإلاّ فما كان ابن أبي عمير ليروي مذهب ابن اُذينة ومثله يعقوب بن يزيد الثقة، وكذا محمّد بن أحمد الثقة الجليل، بل ولا


    1. حياة ابن أبي عقيل وفقهه: 541 .

    2. الاستبصار 1: 396.

    3. الحدائق 17: 5.

  • ۸۹

    كان الشيخ والصدوق الذي لا يروي إلاّ ما هو عنده حجّة بينه وبين ربّه عزّ وجلّ(1).

    وقال المحقّق الشعراني: وبالجملة فعمر بن اُذينة من أضبط الناس على ما يعرف من تتبّع رواياته وكان له كتاب الفرائض وما في كتابه منقول كثيراً عن جماعة من أصحاب الصادقين (عليهماالسلام) ولم يكن يكتفي بالسماع من واحد منهم، واحتمال كون الحكم استنباطاً من رأي ابن اُذينة بعيد في الغاية ومدفوع بشهرة العمل بها وليس ابن اُذينة ممّن نقل عنه قول اجتهاداً كالفضل ويونس وجعفر وسماعة، ولابدّ أن يكون علماؤنا عارفين بقرائن في كتابه تدلّ على كونه منقولاً عن الإمام (عليه السلام)(2).

    وفيه:

    أوّلاً: إنّا تتبّعنا أكثر الموارد التي نقل ابن أبي عمير عن ابن اُذينة، فقد ورد هكذا:

    ـ ابن أبي عمير عن ابن اُذينة عن زرارة.

    ـ ابن أبي عمير عن ابن اُذينة عن محمّد بن مسلم.

    ـ ابن أبي عمير عن ابن اُذينة عن محمّد بن حكيم عن ميمون.

    ـ ابن أبي عمير عن ابن اُذينة عن أبي عبد اللّه‏ (عليه السلام).


    1. مفتاح الكرامة 8: 191.

    2. الوافي 13: 787.

  • ۹۰

    ـ ابن أبي عمير عن ابن اُذينة عن الأحول.

    ـ ابن أبي عمير عن ابن اُذينة عن بريد العجلي.

    ـ ابن أبي عمير عن ابن اُذينة عن عبداللّه‏ بن سليمان عن حمران بن أعين.

    ـ ابن أبي عمير عن ابن اُذينة عن بريد بن معاوية عن أبي جعفر (عليه السلام) .

    ـ ابن أبي عمير عن ابن اُذينة عن أبي اُسامة.

    ـ ابن أبي عمير عن ابن اُذينة عن محمّد بن مسلم، زرارة، معمّر بن يحيى وإسماعيل الجعفي.

    ـ ابن أبي عمير عن ابن اُذينة عن زرارة وبكير ابني أعين.

    ـ ابن أبي عمير عن ابن اُذينة عن بعض أصحابه عن أحدهما.

    وأنت ترى أنّه في جميع الموارد يذكر من نقله ابن اُذينة عنه حتّى فيما إذا كان متعدّداً يصرّح بأسمائهم، فكيف نسى في هذا المورد؟! وحتّى إذا كان الإمام مردّداً يعبّر عنه بأحدهما ولا يصرّح باسمه الشريف، فكيف في هذا المورد لم يذكر الراوي والمروي عنه؟!

    هذا، ويستفاد من التتبّع أنّ ابن اُذينة قليلاً ما يذكر عن الإمام (عليه السلام)بدون واسطة، بل في أكثر الموارد يذكر مع الواسطة.

    وبذلك يظهر أنّ ما ذكره في ذيل كلامه من اعتماد الأجلاّء على هذه

۱۷,۵۵۱ الزيارة