pic
pic
  • ۷۱

    مقتضى الحِكَم الثلاثة

    وهنا بحث وهو أنّه هل المستفاد من الحِكَم الثلاثة أنّ الزوجة لا ترث من أرض الدور فقط أم لا؟

    يمكن أن يقال إنّه إذا كنّا نحن ومسألة المزاحمة فقط لقلنا بأنّه لا يبعد اختصاصها بأرض الدور، ولكن مقتضى الحكمة الثانية والثالثة عدم الإرث من جميع الأراضي.

    الفرق بين العلّة والحكمة

    الظاهر أنّ التعبير بالعلّة والحكمة في الروايات لا يدلّ على وجود الاختلاف بينهما من جهة علم الحديث، وقد يعبّر كثيراً عن الحكمة بالعلّة وبالعكس، ولكن بينهما فرق في اصطلاح الفقهاء والاُصوليّين.

    وبيان الفرق الحقيقي الدقيق بينهما أيضاً ليس بسهل ولكن نحن نذكر ما يمكن أن يشير إلى الفوارق الموجودة بينهما:

    الفرق الأوّل

    إنّ العلّة يدور الحكم عليها وجوداً وعدماً؛ بمعنى أنّه مع وجود العلّة يكون الحكم موجوداً ومع عدمها يكون الحكم منتفياً بخلاف الحكمة فإنّ الحكم يدور عليها وجوداً ولكن لا يدور عليها عدماً.

    وبعبارة اُخرى: تكون العلّة مطّردة بخلاف الحكمة.

  • ۷۲

    فإنّ الإسكار إذا قلنا بأنّه علّة لحرمة الخمر يكون وجوده موجباً لوجود الحكم، وعدمه موجباً لعدم الحكم، بخلاف النهي عن الفحشاء في الصلاة فهو مع عدمه لا يكون موجباً لانتفاء الوجوب في الصلاة. وأيضاً اختلاط المياه في العدّة في باب الطلاق من مصاديق الحكمة، بمعنى أنّه مع عدمه لا يكون لزوم العدّة منتفياً.

    الفرق الثاني

    إنّ العلّة عنوان دائمي ولا أقلّ غالبي بخلاف الحكمة فلا يعتبر فيها أن تكون عنواناً غالبيّاً فإنّ الشارع قد اعتمد عليها ولو بالفرد النادر منها؛ فمثلاً في حرمة الزنا قد اعتمد الشارع على مسألة اختلاط المياه، وهذه وإن كانت قليلة وفرضنا واحداً بين المأة ولكن الشارع قد اهتمّ بها.

    الفرق الثالث

    إنّ العلّة واحدة غالباً والحكمة متعدّدة غالباً، فقد ذكر لحرمة الزنا حكماً متعدّدة، كما أنّه ذكر لوجوب الصلاة والصيام حكماً عديدة.

    ومع الالتفات إلى هذه الفروق(1) يصحّ أن يُقال إنّ المزاحمة في


    1. وقد ذكرنا بعض هذه الفوارق في رسالتنا حول التلقيح الصناعي فراجع، ولعلّ المراجع يجد الاختلاف بينها وبين ما ذكرناه في المقام فليتدبّر.

  • ۷۳

    المقام من قبيل الحكمة وليست علّة لحرمان الزوجة عن العقار(1)، وعليه فلو فرضنا عدم تزويج المرأة المتوفّى عنها زوجها ثانياً أو تزويجها ولكن وعدت بعدم إتيان الزوج إلى الدار لما كان الحكم بالحرمان منتفياً.

    وبناءً عليه لا يرد ما أورده المحقّق الأردبيلي من أنّ هذه الحكمة إنّما تقتضي الحرمان من عين تلك الاُمور لا قيمتها(2).

    فإنّ الحكمة ليست قابلةً للاستدلال والنقض من جهة أنّها ليست دخيلة في الحكم وليست جزءاً من موضوع الحكم.

    الفرض الثالث: أن يُقال باتّحاد الروايات وعدم وجود الاضطراب بين التعابير بمعنى أنّ الأرض والعقار والضياع والقرى كلّها ترجع إلى معنى واحد وقد أثبتنا واخترنا ذلك.

    فالنتيجة في هذا الفرض واضحة وهي أنّ الإمام (عليه السلام) كأنّه قال: لا ترث الزوجة من جميع الأراضي، فتدبّر.

    والنتيجة إلى هنا أنّ روايات الطائفة الاُولى وهي السبعة عشر دالّة على حرمان الزوجة من جميع الأراضي.


    1. قد صرّح بذلك كثير من الأعاظم كالشهيد الثاني في رسائله 1: 482 حيث قال: المطلب الخامس في بيان الحكمة في هذا الحرمان، وأيضاً السيّد المحقّق البروجردي في تقريرات ثلاثة، فراجع.

    2. مجمع الفائدة والبرهان 11: 450.

  • ۷۴

    الطائفة الثانية: ما يكون ظاهرها عدم حرمان الزوجة مطلقاً، وتدلّ على أنّها ترث من كلّ شيء تركه الزوج، وهي:

    1 ـ محمّد بن الحسن، بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن فضالة، عن أبان، عن الفضل بن عبد الملك وابن أبي يعفور، عن أبي عبداللّه‏ (عليه السلام)، قال: سألته عن الرجل هل يرث من دار امرأته أو أرضها من التربة شيئاً؟ أو يكون في ذلك بمنزلة المرأة فلا يرث من ذلك شيئاً؟ فقال: يرثها وترثه من كلّ شيء ترك وتركت(1).

    ورواه الصدوق بإسناده عن أبان.

    والرواية موثّقة؛ لأنّ سند الشيخ إلى حسين بن سعيد صحيح على ما ذكره الأردبيلي في جامع الرواة. وأمّا فضالة فالمراد منه فضالة بن أيّوب الأزدي، قال النجاشي: عربي صميم سكن الأهواز روى عن موسى بن جعفر (عليهماالسلام) وكان ثقة في حديثه مستقيماً في دينه(2)، ووثّقه أيضاً الشيخ الطوسي(3). وأبان مشترك بين أبان بن تغلب وأبان بن عثمان وهما ثقتان، كما أنّ فضل بن عبد الملك وابن أبي يعفور كليهما من الثقات.


    1. الاستبصار 4: 154 ح581 12، وسائل الشيعة 26: 212، الباب 7، باب أنّ الزوج يرث من كلّ ما تركت زوجته وكذا جميع الورّاث، ح1.

    2. رجال النجاشي: 310 .

    3. رجال الطوسي: 342 .

  • ۷۵

    ودلالتها على إرثها من جميع ما تركه الزوج واضحة.

    2 ـ بالاسناد عن أبان بن عثمان، عن عبيد بن زرارة والفضل أبي العبّاس قالا: قلنا لأبي عبداللّه‏ (عليه السلام): ما تقول في رجل تزوّج امرأة ثمّ مات عنها وقد فرض لها الصداق؟ قال: لها نصف الصداق وترثه من كلّ شيء وإن ماتت فهو كذلك(1).

    وقد ذكر الشيخ الطوسي في استبصاره توجيهين للرواية الاُولى:

    الأوّل: الحمل على التقيّة.

    والثاني: تخصيصها بسائر الروايات الدالّة على الحرمان. والجمع مهما أمكن أولى من الطرح(2).

    ولا يخفى أنّ التوجيه الثاني غير صحيح جدّاً؛ فإنّ السؤال الموجود في الرواية يكون عن دائرة الحرمان، والجواب ظاهر في عدم الحرمان أصلاً، فمع وجود هذا السؤال كيف يمكن التخصيص في الجواب؟

    اللَّهُمَّ إلاّ أن يُقال: إنّ الملاك هو الجواب وخصوصيّات السؤال لا دخل لها في ظهور الجواب في العموميّة، فإنّ كلام الإمام (عليه السلام) دالّ على إرثها من جميع ما تركه الزوج.

    وقد ذكر الشيخ طريقاً ثالثاً وهو حمل موثّقة ابن أبي يعفور على ما


    1. الكافي 6: 119 ح7، الاستبصار 3: 342 ح 1221 10، وسائل الشيعة 21: 329 ح9 من أبواب المهور.

    2. الاستبصار 4: 155 .

  • ۷۶

    إذا كان لها ولد من الزوج، والروايات الدالّة على الحرمان تحمل على ما إذا لم يكن لها ولد منه وذلك بقرينة مقطوعة ابن أبي اُذينة، وسيأتي البحث حولها إن شاء اللّه‏ تعالى.

    وبالجملة: موثّقة ابن أبي يعفور أو ما دلّ على عدم الحرمان يحمل على التقيّة كما ذهب إليها جمعٌ كثير من الأعاظم، قال الشهيد في رسائله: ورواية ابن أبي يعفور الدالّة على عموم الإرث ظاهرة في التقيّة لأنّها موافقة لمذاهب جميع من خالفنا(1).

    ومع عدم الحمل على التقيّة نقول إنّها لا يقاوم الروايات المتواترة الدالّة على الحرمان.

    وقد يُقال: إنّ رواية ابن أبي يعفور تعارض الروايات الدالّة على الحرمان، وفي فرض التعارض نرى وجود مرجّح في كلّ منهما؛ فإنّ الاُولى موافقة لظاهر القرآن الكريم: «وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ»(2) ، والثانية مخالفة للعامّة، وفي هذا المورد وقع الاختلاف بين الاُصوليّين فذكر بعضهم تقديم المرجّح المضموني على المرجّح الجهتي وعليه تقدّم الاُولى، وذهب بعضٌ آخر إلى عكس ذلك وعليه تقدّم الثانية أي ما دلّ على الحرمان، وقد ذكر بعض كالمحقّق الخراساني(3) بأنّه


    1. رسائل الشهيد الثاني 1: 468 و 469 .

    2. سورة النساء: 12.

    3. كفاية الاصول: 453 .

  • ۷۷

    لا ترتيب بين المرجّحات.

    والتحقيق تقديم المرجّح المضموني على المرجّح الجهتي وذلك للرواية الواردة في المقام وهي:

    ما ذكره الراوندي في رسالته التي ألّفها في أحوال أحاديث أصحابنا وإثبات صحّتها، عن محمّد، وعلي ابني علي بن عبد الصمد، عن أبيهما، عن أبي البركات علي بن الحسين، عن أبي جعفر ابن بابويه، عن أبيه، عن سعد بن عبداللّه‏، عن أيّوب بن نوح، عن محمّد بن أبي عمير، عن عبد الرحمن بن أبي عبداللّه‏، قال: قال الصادق (عليه السلام): إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما على كتاب اللّه‏ فما وافق كتاب اللّه‏ فخذوه وما خالف كتاب اللّه‏ فردّوه فإن لم تجدوهما في كتاب اللّه‏ فاعرضوهما على أخبار العامّة فما وافق أخبارهم فذروه وما خالف أخبارهم فخذوه(1).

    وقد اختاره المحقّق الخوئي والمحقّق الوالد استناداً إلى هذه الرواية.

    ثمّ إنّه قد احتمل أنّ هذه الرواية من باب قاعدة الالزام فتكون في


    1. وسائل الشيعة 27: 118 ح29، باب وجوه الجمع بين الأحاديث المختلفة وكيفيّة العمل بها.

    2. مصباح الاصول 3: 419 .

    3. في موارد كثيرة، منها: تفصيل الشريعة، كتاب الطهارة 4: 331 .

  • ۷۸

    مورد تكون الزوجة من الفرقة الإماميّة والميّت من المخالفين وبناء على جريان القاعدة ترث الزوجة من جميع ما تركه الزوج، ثمّ قال إنّ هذا الحمل خلاف الإطلاق، وفيه: إنّ هذا الاحتمال بعيد جدّاً، فإنّ المفروض عند السائل أنّ المرأة محرومة من العقار وهو يسأل عن الرجل هل هو مثل المرأة أم لا؟ فلا يرتبط سؤاله بمسئلة الالزام.

    كلام حول الآية الشريفة 12 من سورة النساء

    والظاهر من كلمات من تعرّض لهذه الآية الشريفة أنّ الإطلاق أو العموم فيها مسلّم، بمعنى أنّ الآية ظاهرة في أنّ إرث الزوجة ربعاً أو ثمناً إنّما هو من جميع ما تركه الزوج.

    قال الفاضل الجواد: ومقتضى العموم أنّ لها الربع أو الثمن من جميع ما تركه الزوج(1).

    وقال بعض الفقهاء: إنّ الموصول موضوع لإيجاد الإشارة، وبهذا امتازت ما الموصولة عن الموصوفة؛ لأنّ معنى ما الموصولة ما يعبّر عنه بالفارسيّة (آن چيزى) بخلاف الموصوفة فإذا كان في البين شيء معهود رجعت الإشارة إليه وإلاّ فالموصول يشمل جميع ما يمكن أن يشار إليه؛ لأنّ القول باختصاص الإشارة ببعض دون بعض ترجيحٌ بلا مرجّح، فعلى هذا يكون مفاد الآية


    1. مسالك الافهام 4: 175.

  • ۷۹

    الكريمة عموم إرث الزوجة من أعيان التركة(1).

    ولا يخفى ما فيه من أنّه اجتهاد محض في اللغة وهو غير صحيح جدّاً.

    ونقول: إنّ في دلالة الآية على العموم تأمّلاً جدّاً، ووجهه .

    أوّلاً: أنّ كلمة ما الموصولة ليست من ألفاظ العموم، واستفادة الشمول من لفظ ـ تركتم ـ متوقّفة على الإطلاق وهو مشروط بكون المتكلّم في مقام البيان من هذه الجهة.

    ثانياً: أنّ الظاهر أنّ اللّه‏ تبارك وتعالى ليس في مقام البيان بالنسبة إلى ما ترك، بل في مقام بيان مقدار السهام من الربع والثمن ولكن لايعيّن ولا يبيّن أنّ السهم هل هو من جميع ما تركه الزوج أو من بعض ما تركه الزوج، كما أنّ قوله تعالى: «فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ»(2) إنّما هو في مقام بيان موارد الجواز للنكاح ولا يدلّ على عموم (ما طاب لكم) حتّى يقال بأنّ قوله تعالى: «مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ» مخصّص للعموم.

    وكذلك قوله تعالى: «يُوصِيكُمُ اللّه‏ُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ»(1) ليس في مقام بيان ما تركه الميّت، بل إنّما هو في مقام


    1. رسالة في ارث الزوجة المطبوعة في كتاب صيانة الابانة: 168 و 169 .

    2. سورة النساء: 3 .

    3. سورة النساء: 11 .

  • ۸۰

    وجود الفرق بين الذكر والاُنثى في الورثة.

    وبالجملة: في دلالة الآية الشريفة على إرثها من جميع ما تركه الزوج تأمّل جدّاً، والآية من هذه الجهة مجملة، واللّه‏ أعلم.

    وعليه فلا يصغى إلى ما تخيّله بعض من عدم اعتناء فقهاء الشيعة في استنباطاتهم الفقهيّة إلى القرآن الكريم، كيف وهم من أدق الباحثين في القرآن الكريم سيّما في آيات الأحكام ولا يناسب أن نعترض على صاحب الجواهر وأمثاله بأنّهم تركوا القرآن واعتمدوا على الروايات المخالفة. وليست هذه النسبة إلاّ وفي الواقع اعتراضاً على الأئمّة الأطهار (عليهم السلام) حيث إنّهم صرّحوا بحرمان الزوجة من العقار، كما أنّهم صرّحوا باختصاص الحبوة بالولد الأكبر، وفقهاء الشيعة تبعهم بما أنّ كلامهم حجّة على حسب كلام الرسول الأعظم الوارد في حديث الثقلين(1) والذي مفاده أنّ العترة الطاهرة هم المرجع الديني والعلمي في جنب القرآن الكريم.

    وبالجملة: إمّا أن لا يكون للآية إطلاق كما اخترناه، وإمّا أن يكون له إطلاق، وكلامهم مخصّص أو مقيّد له.

    ويؤيّد الأوّل أنّه ما اعترض عليهم أحدٌ من أصحابهم (عليهم السلام)، ولم يناقشوهم بأنّ كلامهم في حرمان الزوجة مخالف للقرآن العزيز، مع


    1. وسائل الشيعة 27: 34؛ بحارالأنوار 2: 100 .

۱۷,۵۵۰ الزيارة