pic
pic
  • ۶۱

    وقالت اُمّ سلمة لعائشة حينما أرادت الخروج إلى البصرة: سكن اللّه‏ عقيراك فلا تصحريها، أي أسكنك اللّه‏ بيتك وعقارك وسترك فيه فلا تبرزيه(1).

    عقار البيت: متاعه ونضده الذي لا يبتذل إلاّ في الأعياد والحقوق الكبار، وقيل عقار المتاع، خياره وشبيه هذا جاء في الصحاح وقال: العقار الأرض والضياع والنخل(2).

    وقد ذكر بعض الفقهاء: أنّ الأصل في استعمال العقر والعقار استعمالهما في كلّ شيء له أصل كالدار، وقد استعمل في خصوص الدار وفي العقر الذي يكون معتمداً للقرية... ثمّ قال: فلو لم يكن ظاهراً في خصوص الأراضي المشغولة... ليس ظاهراً في مطلق الأراضي(3).

    وقد ذكر الراغب في مفرداته: أنّ العقر يُقال على كلّ شيء له أصل، فالعقر بمنزلة الفرع فلا يقال في الأرض الخالية عقر ولكن يُقال عقر الدار، عقر الحوض، عقر الروضة، عقر البستان(4).

    والحاصل: أنّه بعد أن تأمّل في معنى كلمة العقر قد استفاد من اللغة


    1. لسان العرب 4: 597 .

    2. الصحاح 2: 754 .

    3. رسالة في ارث الزوجة المطبوعة في كتاب صيانة الابانة: 189 .

    4. مفردات غريب القرآن: 341.

  • ۶۲

    أنّ هذه الكلمة منحصرة بالأرض المشغولة وفي النتيجة أفتى بالحرمان عن خصوص عقار الدور فقط.

    ونلاحظ فيه:

    أوّلاً: قد مرّ أنّ لفظ العقار إذا استعمل بنحو مطلق من دون إضافة إلى البيت، يستعمل في مطلق الأرض. نعم، إذا اُضيف إلى البيت يدلّ على المتاع، وبالنتيجة يوجد الفرق بين الاستعمال على نحو الإطلاق والاستعمال على نحو الإضافة إلى خصوص الدور أو البيت، وأمّا إذا اُضيفَ إلى الأرض أو إلى الرجل كما في بعض الروايات فيدلّ على المعنى المطلق.

    ثانياً: الظاهر سوء الفهم من عبارة الراغب وغيرها وليس مرادهم من أنّ العقار يستعمل في كلّ شيء له أصل، أنّه إذا لم يكن في البين أصلٌ وفرع لم يصحّ استعمال لفظ العقار، بل المراد أنّ إطلاق العقار على الفرع إنّما هو باعتبار الأصل فيُقال للبناء والدار والزرع والنخل، عقار باعتبار الأصل وهو الأرض. وبعبارة اُخرى: لفظ العقار عامّ شامل للأرض الخالية والأرض المشغولة، ولكن في الثاني قد يطلق على الفرع: عقار باعتبار الأصل، فتدبّر.

    ويؤيّد ذلك ما ذكره الهروي في الغريبين: العقار الأصل، ولم يذكر الأرض بل قال: هو الأصل ويقال لفلان عقار أي أصل مال، وفسّر حديث من باع داراً أو عقاراً بأنّه من باع داراً أو أصل مال.

  • ۶۳

    وبالنتيجة لا يجب في استعمال هذه الكلمة أن يكون الفرع موجوداً في الأصل، فلا فرق في الاستعمال بين وجود الفرع وعدمه.

    الرباع: جمع ربع بمعنى المنزل والوطن كما في العين(1)، وقال الأصمعي: الربع الدار بعينها(2)، وقال الفيّومي في مصباح المنير: الربع محلّة القوم(3).

    ولا يبعد أن يُقال: إنّ كلمة الرباع إذا اُضيفت إلى الأرض بأن يقال رباع الأرض، تدلّ على مطلق الأرض لا خصوص المنزل والدار، وبعبارة اُخرى الإضافة بيانيّة.

    الضياع: جمع ضيعة بمعنى العقار والأرض المغلّة، قال الفيّومي: الضيعة العقار.

    القرى: جمع قرية، المصر الجامع، أو كلّ مكان اتّصلت به الأبنية واتّحد قراراً وتقع على المدن.

    قال ابن الأثير في النهاية: القرية من المساكن والأبنية الضياع(4).

    فتحصّل: أنّ هذه الألفاظ الأربعة تعود إلى معنى واحد، فالعقار والرباع والضياع والقرى تستعمل في مطلق الأرض وليس بينها تفاوت من حيث المعنى.


    1. العين 2: 133 .

    2. حكى عنه في تهذيب اللغة 2: 369 .

    3. مصباح المنير: 216 .

    4. النهاية في غريب الحديث 4: 56 .

  • ۶۴

    تقسيم الروايات إلى طائفتين

    الطائفة الاُولى: ما دلّ على حرمان الزوجة عن خصوص أرض الدور، وهي ثلاث روايات:

    1 ـ الحديث 2: ترث المرأة الطوب ولا ترث من الرباع، وقد ذكرنا أنّ لفظ الرباع من دون إضافة إلى الأرض يستعمل في خصوص الدور.

    2 ـ الحديث 7: لا ترث النساء من عقار الدور.

    3 ـ الحديث 11: إنّ النساء لا يرثن من رباع الأرض. هذا إذا لم تكن الإضافة بيانيّة وإلاّ يدخل الحديث في الطائفة الثانية.

    الطائفة الثانية: ما دلّ على حرمان الزوجة من مطلق العقار من دون فرق بين عقار الدور وسائر العقارات:

    1 ـ الحديث 1 و 12: لا ترث من القرى والدور، فإنّ العطف من قبيل عطف الخاصّ على العامّ، وقد مرّ أنّ المراد من القرية هي الضيعة التي هي الأرض، فكأنّما قال: لا ترث من الأرض والدور.

    2 ـ الحديث 3 و 4: لا ترث المرأة من الأرض والعقارات، والجمع في العقار يستفاد منه التأكيد على العموم ولا يصحّ أن يتوهّم أنّ الألف واللاّم في الأرض جاء للعهد والشاهد على ذلك أيضاً هو الجمع في العقار.

  • ۶۵

    وأمّا ما تقدّم من السيّد المحقّق البروجردي (قدس سره) من احتمال أن يُراد بها خصوص أرض المساكن بقرينة ذكر القيمة لأشياء مخصوصة بأرض المساكن والدور، فغير تامّ جدّاً؛ لأنّ الموضوع للآلات في غير أرض الدار منتف، وفي أرض الدار لا يمكن للشارع بيان آخر في ما ترث الزوجة منها وفي ما لا ترث، وفي نظير هذه الموارد التي لا يمكن للشارع لها طريق آخر، لا يصحّ أن نجعلها قرينة على شيء، وقد مرّ أنّ جعل العبارة السابقة قرينة على العبارة الآتية مناف للفصاحة والبلاغة.

    3 ـ الحديث 5 و 15: لا ترث ممّا ترك زوجها من تربة دار أو أرض، وكلمة أوليست للترديد بل هي للتنويع والتعميم.

    4 ـ الحديث 6: لا ترث من عقار الأرض شيئاً.

    5 ـ الحديث 8: سألته عن النساء هل يرثن من الأرض شيئاً؟ فقال: لا. فقد جاء فيه لفظ الأرض على نحو الإطلاق.

    6 ـ الحديث 10: لا ترث من الدور والعقار.

    7 ـ الحديث 13: لا ترث من الدور والضياع.

    8 ـ الحديث 14، 16، 17: لا ترث من العقار.

    فتبيّن من ذلك أنّ ثلاثة من الروايات تدلّ على خصوص عقار


    1. تقريرات ثلاثة: 107 .

  • ۶۶

    الدور وثلاث عشر منها تدلّ على الحرمان عن جميع الأراضي، وحينئذٍ فالبحث يقع في فروض ثلاثة:

    الفرض الأوّل: أن نقول بتعدّد الروايات ولم يكن بين بعضها مع البعض الآخر اتّحاد، فهل يمكن أن يقال بجريان قاعدة حمل المطلق على المقيّد بمعنى أن نحمل الطائفة الثانية التي دلّت على الحرمان عن جميع الأراضي، على خصوص الحرمان عن الدار ؟

    قد يُقال: إنّ الطائفة الاُولى التي تدلّ على الخصوص، فقد تدلّ بالمفهوم على عدم الحرمان عن بقيّة الأراضي فإنّ قوله (عليه السلام)؛ لا ترث المرأة من الرباع، يدلّ على إرثها من غير الرباع، وبهذا المفهوم نقيّد الروايات في الطائفة الثانية.

    ونلاحظ فيه أنّ هذا المفهوم من قبيل مفهوم اللقب ولا يقول به أحد، إلاّ إذا كان المتكلّم في مقام بيان المفهوم ولم يثبت ذلك، فإنّ الغالب في الأسئلة في هذه الروايات هو السؤال عن الدار المسكونة، وقد أجاب الإمام (عليه السلام) بالنسبة إلى مورد السؤال بأنّها لا ترث من الرباع وترث من قيمة البناء والخشب، فلا يحرز أنّه في مقام إفادة المفهوم، كيف وقد صرّح بعض بأنّ ذكر الخشب والقصب في الرواية الثالثة قرينة على أنّ المراد بالعنوان العام فيه أي الأرض والعقارات، هو خصوص عقار الدور كما صرّح بذلك السيّد البروجردي(1) وهو


    1. تقريرات ثلاثة: 122 .

  • ۶۷

    وإن اختار فتوى المشهور في هذه الرسالة ولكن قد نقل عنه أنّه قد عدل عن ذلك في أواخر حياته وأفتى بخلافه(1)، وكيف كان إذا احتملنا قرينيّة الموجود فلا يمكن لنا إحراز كونه في مقام بيان المفهوم.

    إن قلت: يمكن حمل الطائفة الثانية على الخصوص من طريق حمل المطلق على المقيّد وقد ثبت في محلّه أنّ حمل المطلق على المقيّد لا يتوقّف على ثبوت المفهوم، فنقول: لو فرضنا عدم المفهوم ولكن مع ذلك يجب حمل المطلق على المقيّد وحمل الأرض في الروايات على الرباع.

    قلت: إنّ حمل المطلق على المقيّد يصحّ فيما إذا كان بينهما تناف عند العرف، ومع عدم وجود التنافي لا يصحّ الحمل، وفي المقام لا تنافي بين قوله: إنّ المرأة لا ترث من الرباع، وقوله (عليه السلام): إنّ المرأة لا ترث من الأرض والعقارات. كما أنّه لا تنافي بين قول القائل لا تضرب زيداً، وبين قوله لا تضرب أحداً. نعم، إذا كان بينهما تناف فيجب


    1. لايخفى عليك وجود الاختلاف بين رسالة في ارث الزوجة المطبوعة في كتاب صيانة الإبانة. الذي قسم منه من تقريرات بحث السيّد البروجردي والقسم الآخر من إفاضات المؤلّف المعظّم. دام ظلّه. حسب تصريحه لي وكتاب تقريرات ثلاثة والمستفاد من الأوّل أنّ‏السيّد (قدس سرّه) كان من الأوّل مخالفاً للمشهور، مع أنّ المستفاد من الثاني موافقته لهم، وقد ذكر بعض تلامذته في شرحه على المهذّب ما هذا نصّه: «وكان سيّدنا الاستاذ العلاّمة البروجردي (قدس سرّه) مائلاً إلى قول المفيد بدعوى أنّه مقتضى الجمع بين النصوص بعد ارجاع بعضها إلى بعض لاجل اتحاد الراوي لكن يظهر منه في بعض محاضراته المطبوعة انّه عدل أخيراً عن هذا الرأي إلى قول الأكثر». شرح المهذب 1: 350.

  • ۶۸

    الحمل من دون فرق بين المتوافقين والمتخالفين كما حقّقناه في مباحثنا الاُصوليّة، فراجع.

    الفرض الثاني: أن نقول باتّحاد الروايات ورجوع بعضها إلى بعض آخر (فإنّ أحاديث 4، 5، 6، 7، 13، 15 ترجع إلى حديث واحد، كما أنّ حديث 8 و 11 أيضاً يرجعان إلى واحد وكذلك حديث 1، 12) ونلتزم بتغاير العناوين وعدم الوحدة بين المعاني.

    وبعبارة اُخرى: نلتزم بالاضطراب بين التعابير الأربعة أي العقار والقرى والضياع والأرض.

    والمراد من الاضطراب أنّ بعضاً منها يدلّ على معنى خاصّ وهو خصوص أرض الدور، والبعض الآخر يدلّ على جميع الأراضي والعقارات، أو يُقال إنّ قسماً منها يدلّ على خصوص الأرض المشغولة سواء كانت دوراً أم غيرها، والقسم الآخر يدلّ على الأعمّ من الأرض المشغولة وغيرها.

    ولا ريب أنّه في هذا الفرض لابدّ من الأخذ بالقدر المتيقّن منها، ولكن الكلام في العنوان المتيقّن فما هو القدر المتيقّن في المقام؟

    قد يُقال: بأنّ القدر المتيقّن هو أرض الدور، وبالنتيجة المستفاد من الروايات عدم إرث الزوجة من الأرض المسكونة.

    ويؤيّد ذلك:

    أوّلاً: ذكر الخشب والقصب والبناء والطوب في كثير من

  • ۶۹

    الروايات، والمستفاد من هذه العناوين عدم تعرّض الإمام (عليه السلام)بالنسبة إلى أرض الزرع وأرض البستان، وأيضاً عدم تعرّضه للأرض الخالية.

    ثانياً: ذكر العلّة أو الحكمة في الروايات، فالمستفاد من الحكمة ـ وهي عدم جواز مزاحمة الآخر لأهل المواريث ـ إنّ الممنوع هي أرض الدور فإنّ المزاحمة فيها تتحقّق لا في الأرض الخالية.

    ولكن مع ذلك كلّه نقول: لولا وجود روايات 14، 16، 17 لقلنا بذلك في هذا الفرض.

    وبعبارة اُخرى: بناءً على الاتّحاد بين الروايات والتغاير بين التعابير نلتزم بأخذ القدر المتيقّن، ولكن هذا الأخذ صحيح إذا لم نتوجّه إلى هذه الروايات الثلاث، وأمّا مع التنبّه إليها فلا يبقى للقدر المتيقّن مجال؛ وذلك لعدم عود هذه الثلاثة إلى بقيّة الروايات ولم يكن واحد منها متّحداً مع سائر الروايات حتّى يقال بالقدر المتيقّن، فقال الإمام (عليه السلام) في الرواية 14: علّة المرأة أنّها لا ترث من العقار شيئاً. فهذا التعبير عامّ ولا يختصّ بأرض الدور.

    وهكذا في الرواية 16: سمعته يقول: لا يرثن النساء من العقار شيئاً. وفي هذه الرواية وإن جاء التعبير بالبناء ولكن ليس هذا قرينة على أنّ المراد من العقار هو أرض الدور وذلك لوجود التعبير بالنخل والشجر أيضاً وهما لا يناسبان أرض الدور، فتدبّر جدّاً.

  • ۷۰

    وهكذا جاء في الرواية 17: النساء ليس لهنّ من عقار الرجل. وهذا التعبير أيضاً عامّ.

    هذا أوّلاً.

    وثانياً: إنّ الاستدلال للقدر المتيقّن بالحكمة الواردة في الروايات، غير تامّ جدّاً لإمكان تحقّق المزاحمة في أرض الزرع والشجر أيضاً، ولا يختصّ ذلك بأرض الدور فقط.

    هذا مضافاً إلى عدم انحصار الحكمة بذلك في الروايات، بل قد ذكر فيها عنوان أنّها ليس لها نسب ترث به، كما جاء في الحديث 3: لأنّ المرأة ليس لها نسب ترث به وإنّما هي دخيل عليهم.

    كما أنّه جاء فيها عنوان أنّها لا ترث لأنّها في معرض التغيير والتبديل، وما كان قابلاً للتبديل فالمناسب الإرث عمّا يكون قابلاً للتبديل وهو غير الأرض كما جاء في الحديث 14: لأنّ العقار لا يمكن تغييره وقلبه، والزوجة قد يجوز أن ينقطع ما بينها وبينه من العصمة ويجوز تغييرها وتبديلها وليس الولد والوالد كذلك؛ لأنّه لا يمكن التفصّي منهما، والزوجة يمكن الاستبدال بها، فما يجوز أن يجيء ويذهب كان ميراثه فيما يجوز تبديله وتغييره.

    وقد ذكرنا سابقاً أنّ الشيخ في الاستبصار قد ذكرها متّصلة بالرواية الثالثة عشر، فراجع.

۱۷,۵۵۲ الزيارة