-
۵۱
الثانية: محمّد بن سنان مختلفٌ فيه، وقيل في حقّه: إنّه غال، وقد نقل عن صفوان أنّ ابن سنان قد همَّ أن يطير غير مرّة فقصصناه حتّى ثبت معنا، وربما هذا يدلّ على اضطراب كان وزال.
وفي رجال الكشّي عن أحمد بن محمّد بن عيسى قال: كنّا عند صفوان بن يحيى فذكر محمّد بن سنان فقال: إنّ محمّد بن سنان كان من الطيّارة فقصصناه(1).
وقد ضعّفه النجاشي وقال: ضعيف جدّاً لا يعوّل عليه ولا يلتفت إلى ما تفرّد به(2).
وضعّفه ابن الغضائري وذكر أنّه من أهل الغلوّ والجهل(3).
وقال الشيخ الطوسي: له كتب وقد طعن عليه وضعّف(4).
وروى الكشّي عن حمدويه أنّه قال: لا استحلّ أن أروي أحاديث محمّد بن سنان لأنّه قال قبل موته: كلّما اُحدّثكم به لم يكن لي سماعاً ولا رواية إنّما وجدته(5).
وقد روى الكشّي عن الفضل بن شاذان: أنّ من الكذّابين
1. اختيار معرفة الرجال 2: 795 .
2. رجال النجاشي: 328 .
3. رجال ابن غضائري: 99.
4. الفهرست: 219 .
5. اختيار معرفة الرجال 2: 687 .
-
۵۲
المشهورين محمّد بن سنان(1).
وقال الشيخ المفيد في رسالته العدديّة: مطعونٌ فيه لا تختلف العصابة في تهمته وضعفه(2).
وفي قِبال ذلك فقد عدّه في الإرشاد(3) من أهل الورع والعلم والفقه ومن خاصّة الإمام (عليه السلام) وثقاته، وله توثيق عامّ ومن رجال كامل الزيارات(4) وتفسير علي بن إبراهيم القمّي ووثّقه صاحب الوسائل(5) وابن طاووس(6).
والظاهر أنّ توثيق صاحب الوسائل لا يقبل لأن يعارض مع تضعيف النجاشي والشيخ، كما أنّ التوثيق العامّ كاف إذا لم يكن معارضاً بالجرح الخاصّ، وعليه لا يمكن أن يعتمد عليه.
ثمّ إنّه قد ذكر الشيخ الطوسي في الاستبصار هذا الحديث من تتمّة الحديث السابق ولم يذكره مستقلاًّ فقد جاء في الاستبصار: عنه (حسن بن محمّد بن سماعة) عن محمّد بن حمران، عن محمّد بن مسلم، وزرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام): أنّ النساء لا يرثن من الدور ولا من
1. اختيار معرفة الرجال 2: 805 .
2. جوابات اهل الموصول: 20 .
3. الإرشاد 2: 248 .
4. كامل الزيارات: الباب 1، في ثواب زيارة رسول اللّه صلىاللهعليهوآله ح3 .
5. وسائل الشيعة الاسلامية 20: 329 رقم 1049 .
6. التحرير الطاووسي: 508، رقم 372 .
-
۵۳
الضياع شيئاً إلاّ أن يكون أحدث بناء فيرثن ذلك البناء.
وكتب الرضا (عليه السلام) إلى محمّد بن سنان فيما كتب من جواب مسائله: علّة المرأة أن لا ترث من العقار شيئاً... (1).
وعليه فالراوي عن محمّد بن سنان هو حسن بن محمّد بن سماعة عن طريقه إليه، مع أنّ الحديث على ما أورده في الوسائل، يكون الراوي هو الشيخ الطوسي، وليس في المشيخة طريق إلى محمّد بن سنان فراجع، ولكن مع ذلك فقد ذكر في التهذيب على نحو الاستقلال، والظاهر هو التعدّد وإن كان الراوي عنه ليس الشيخ الطوسي، بل هو حسن بن محمّد بن سماعة، فتدبّر.
الثالثة: أنّ في طريق الصدوق إلى محمّد بن سنان بعضاً من الضعفاء كعلي بن عبّاس(2).
وقال السيّد المحقّق البروجردي: وهذه الرواية تنادي بأعلى صوتها أنّها ليست بهذه الألفاظ من الإمام (عليه السلام) كما يعرف ذلك من كان له أدنى بصيرة في ألفاظ الأحاديث المنقولة عنهم (عليهم السلام) (3).
أقول: لا يبعد هذا الكلام بالنسبة إلى التعليل الذي ذكره، وأمّا
1. الاستبصار 4: 153 .
2. قال النجاشي: رمى بالغلو وغمز عليه ضعيف جدّاً . رجال النجاشي: 255 .
3. تقريرات ثلاثة: 111.
-
۵۴
المعلّل فالظاهر أنّه من الإمام (عليه السلام) والرواية ظاهرة في الحرمان عن جميع الأراضي.
15 ـ محمّد بن الحسن بإسناده، عن علي بن الحسن بن فضّال، عن أحمد بن الحسن، عن أبيه، عن عبد اللّه بن المغيرة، عن موسى بن بكر الواسطي، قال: قلت لزرارة: إنّ بكيراً حدّثني عن أبي جعفر (عليه السلام): إنّ النساء لا ترث امرأة ممّا ترك زوجها من ترثة دار ولا أرض، إلاّ أن يقوّم البناء والجذوع والخشب فتُعطى نصيبها من قيمة البناء، فأمّا التربة فلا تُعطى شيئاً من الأرض ولا تربة دار، قال زرارة: هذا لا شكّ فيه(1).
والرواية معتبرة من باب أنّ سند الشيخ إلى عليّ بن الحسن الفضّال معتبر من باب تبديل السند. نعم، بالنسبة إلى موسى بن بكر إشكال حيث لم يوثّق في كتب الرجال. والظاهر أنّها متّحدة مع الرواية الخامسة.
16 ـ محمّد بن علي بن الحسين بإسناده عن الحسن بن محبوب، عن الأحول، عن أبي عبداللّه (عليه السلام) قال: سمعته يقول: لا يرثن النساء من العقار شيئاً، ولهنّ قيمة البناء والشجر والنخل ـ يعني من البناء الدور وإنّما عنى من النساء الزوجة(2).
1. الاستبصار 4: 154 ح580 11، تهذيب الأحكام 9: 301 ح (1077) 37 .
2. من لا يحضره الفقيه 4: 348 ح 5750 .
-
۵۵
والرواية غير معتبرة لأنّ طريق الصدوق إلى حسن بن محبوب ضعيف من جهة وجود محمّد بن موسى بن المتوكّل فإنّه لم يرد فيه توثيق. هذا مضافاً إلى أنّ أحول لقب جمعٍ من أصحاب الصادق (عليه السلام) والموثّق من بينهم واحد منهم وهو محمّد بن علي بن النعمان المكنّى بأبي جعفر والملقّب بـ «مؤمن الطاق» والباقون: بكر بن عيسى وحبيب الخثعمي والحسين بن عبد الملك الذين هم من المجاهيل والمهملين، هذا مضافاً إلى أنّ السيّد البروجردي على حسب الطبقات التي اخترعها وابتكرها في الرجال قد أورد اشكالاً في السند وقال: إنّ حسن بن محبوب من الطبقة السادسة، والأحول من الطبقة الرابعة، وعليه يحتمل الإرسال في السند، ولكن هذا لا يضرّ من جهة انجبار الضعف بعمل الأصحاب.
وكيف كان فلا ريب في أنّ المراد من العقار جميع الأراضي خصوصاً مع كون المراد من البناء الدور، فتدبّر.
17 ـ محمّد بن الحسن الصفّار في بصائر الدرجات، عن محمّد بن الحسين، عن جعفر بن بشير (عن الحسين بن أبي مخلّد، والظاهر أنّ هذا العنوان محرّف والمراد حسين بن أبي العلاء الخفّاف عن أبي مخلّد السرّاج)، عن عبد الملك قال: دعا أبو جعفر (عليه السلام) بكتاب عليّ (عليه السلام)فجاء به جعفر مثل فخذ الرجل مطويّاً، فإذا فيه: إنّ النساء ليس لهنّ
-
۵۶
من عقار الرجل (إذا توفّى عنهن) شيء، فقال أبو جعفر (عليه السلام): هذا واللّه خطّ عليّ (عليه السلام)بيده وإملاء رسول اللّه (صلى الله عليه وآله)(1).
وعبدالملك مشترك بين الثقة وغيره، وعليه فالرواية ضعيفة ولكن منجبرة بعمل الأصحاب، أو يقال باتّحاد هذه الرواية مع السابعة، والمراد عبد الملك بن أعين وهو ثقة.
والنقطة المهمّة في هذه الرواية أنّ المستفاد من ظاهرها أنّ الراوي قد رأى كتاب عليّ (عليه السلام) والإمام الباقر (عليه السلام) قد حلف على أنّ هذا خطّ عليّ (عليه السلام) وإملاء الرسول (صلىاللهعليهوآله).
أيّها القارئ والمتأمّل في هذا الحديث انظر كيف أصبحت الظروف في زمن الإمام (عليه السلام)، وإلى أيّ حدّ وصلت حتّى احتاج الإمام (عليه السلام)ـ الذي هو من أبرز مصاديق العدول وموثّق عند الجميع ـ إلى الحلف والقسم وإلى إرائة مصحف أمير المؤمنين (عليه السلام) وإلى إثبات أنّ ما يقوله ليس بكلامه فقط، بل هو المستفاد من النبيّ (صلى الله عليه وآله). وأنا عندما قرأت الحديث زاد تأسّفى وانتابني الحزن، والأسف يغمر صدري، لما رأيت من وقع الظلم عليهم (عليهم السلام) من قِبل المعاندين إلى حدّ كان يوجد الشكّ عند بعض الأصحاب، ولأجل هذا اضطرّ الإمام إلى أن يكشف مصحف عليّ بن أبي طالب (عليه السلام).
1. بصائر الدرجات: 185، وسائل الشيعة 26: 212، الباب 6 من أبواب ميراث الأزواج، ح 11 .
-
۵۷
18 ـ محمّد بن الحسن، بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن فضالة، عن أبان، عن الفضل بن عبد الملك وابن أبي يعفور، عن أبي عبداللّه (عليه السلام)، قال: سألته عن الرجل، هل يرث من دار امرأته أو أرضها من التربة شيئاً؟ أو يكون في ذلك بمنزلة المرأة فلا يرث من ذلك شيئاً؟ فقال: يرثها وترثه من كلّ شيء ترك وتركت(1).
والرواية صحيحة ولكنّها تدلّ على إرث الزوجة من جميع ما تركه الزوج. ويمكن أن يُقال بأنّها مخصّصة بما دلّ على عدم إرثها من العقار، أو يكون محمولاً على التقيّة كما حمله الشيخ عليها، أو يكون محمولاً على ما إذا كان للمرأة ولد كما ذكره الصدوق والشيخ وغيرهما. وقال صاحب الوسائل(2): يمكن حمله على رضا الوارث إعطاء العين فيما عدا الأرض وبإعطاء العين أو القيمة من الأرض.
19 ـ محمّد بن الحسن، بإسناده عن محمّد بن أحمد بن عمران الأشعري، عن يعقوب بن زيد، عن ابن أبي عمير، عن ابن اُذينة في النساء إذا كان لهنّ ولد أعطين من الرباع(3). ورواه الصدوق بإسناده عن محمّد بن أبي عمير(4)، والرواية مقطوعة وسيأتي الكلام حولها إن شاء اللّه تعالى.
1. الاستبصار 4: 154 .
2. وسائل الشيعة 26: 213.
3. الاستبصار 4: 155 ح 582 13، تهذيب الأحكام 9: 301 ح (1076) 36 .
4. من لا يحضره الفقيه 4: 349 ح5754 .
-
۵۸
هذه الروايات المذكورة في الوسائل من ميراث الأزواج، وقد استدلّ أيضاً ببعض الروايات التي ذكرت في مباحث المهور من النكاح.
20 ـ محمّد بن يعقوب، عن الحسين بن محمّد، عن المعلّى بن محمّد، عن الوشّاء، عن أبان بن عثمان، عن عبيد بن زرارة وفضل بن عبد الملك أبو العبّاس البقباق، قالا: قلنا لأبي عبداللّه (عليه السلام): ما تقول في رجل تزوّج امرأة ثمّ مات عنها وقد فرض الصداق؟ قال: لها نصف الصداق وترثه من كلّ شيء وإن ماتت فهو كذلك(1).
والرواية بهذا السند صحيحة، والحديث له طريق آخر وهو صحيح أيضاً وهو ما رواه الشيخ بإسناده عن علي بن إسماعيل، عن فضالة بن أيّوب، عن أبان بن عثمان، عن عبيد بن زرارة والفضل أبي العبّاس، عن أبي عبداللّه (عليه السلام) .(2)
ونظير هذه الرواية هي الرواية الحادية عشرة والثانية عشرة من هذا الباب والراوي عن الإمام (عليه السلام) هو عبيد بن زرارة، والظاهر اتّحادها مع الرواية العاشرة وقد صرّح فيها بأنّها ترثه.
والظاهر أنّ الإمام (عليه السلام) كان في مقام بيان الفرق بين الصداق والإرث، فبالنسبة إلى الأوّل لها نصف الصداق، وأمّا بالنسبة إلى
1. وسائل الشيعة 21: 329، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب 58، ح9.
2. الاستبصار 3: 342 ح 1221 10 .
-
۵۹
الثاني فلها الإرث من كلّ شيء.
والروايات الدالّة على حرمانها من عقار الدور أو من مطلق العقار منقسمة إلى الصحاح والموثّقة والضعاف، والظاهر أنّها قد بلغت إلى حدّ التواتر، بل فوق التواتر، وقد صرّح بذلك بعض من الفقهاء المتقدّمين، والروايات الضعيفة منجبرة بعمل الأصحاب، وعليه فلا شكّ في صدور هذه الروايات عن الأئمّة المعصومين (عليهم السلام).
في اتّحاد بعض الروايات مع بعضها الآخر
هل الروايات متعدّدة بمعنى أنّ كلاًّ منها مستقلٌّ عن الآخر أو يرجع بعضها إلى بعض، وقد ذكرنا حين نقلها ثبوت الاتّحاد بينها، فمثلاً ستّة من هذه الروايات وهي رقم 4، 5، 6، 7، 13، 15 متّحدة وليست متعدّدة، وقد سبق أنّ الملاك في الاتّحاد هو الاتّحاد في المضمون والمروي عنه، والتعدّد في الراوي لا يكون موجباً لتعدّد الرواية؛ فمثلاً حديث الغدير وإن كان متواتراً ولكن يكون خبراً لا أخباراً متعدّدة، مع أنّ الراوي فيه تجاوز عن المئات، ولا يذهب عليك أنّ الخبر مع كونه متواتراً ولكن يكون خبراً لا أخبارً، فتدبّر.
وأيضاً الحديث 1 و 12 وأيضاً الحديث 8 و 11، ولا يبعد اتّحاد 7 و 9، كما لا يبعد وحدة 10 و 17 من حيث إنّ الراوي فيهما هو عبد الملك.
-
۶۰
وسيأتي ثمرة الفرق بين الاتّحاد وعدمه فانتظر.
العناوين الموجودة في الروايات
فبعد الإحصاء يوجد فيها أحد عشر عنواناً:
1 ـ الحرمان من القرى والدور: الحديث 1 و 12.
2 ـ الحرمان من الرباع: الحديث 2.
3 ـ الحرمان من الأرض والعقارات: الحديث 3 و 4.
4 ـ الحرمان من تربة دار أو أرض: الحديث 5 و 15.
5 ـ الحرمان من عقار الأرض: الحديث 6.
6 ـ الحرمان من عقار الدور: الحديث 7.
7 ـ الحرمان من الأرض: الحديث 8 .
8 ـ الحرمان من الدور والعقار: الحديث 10 .
9 ـ الحرمان من رباع الأرض: الحديث 11.
10 ـ الحرمان من الدور والضياع: الحديث 13.
11 ـ الحرمان من العقار: الحديث 14، 16، 17.
توضيح الألفاظ المذكورة في الروايات
العقار: قال ابن منظور في لسان العرب: العقر والعقار المنزل والضيعة، يقال ما له دار ولا عقار. وخصّ بعضهم العقار بالنخل...