pic
pic
  • ۳۱

    من المحامل(1).

    والعجب أنّه كيف جعل الحمل منافياً للإجماع؟ فنحن نرى في كثير من موارد الإجماع، مخالفة بعض الفقهاء مع المجمعين ومع ذلك نقول: بأنّ مخالفة هؤلاء لا يكون مضرّاً بالإجماع.

    دراسة الروايات

    إلى هنا اتّضح للقارى دراسة الأقوال في المسألة، واللاّزم صرف الكلام إلى ذكر الروايات المتعدّدة في المقام، وقبل التعرّض لها نذكر اُموراً خمسة:

    الأوّل: أنّ أكثر الروايات الواردة نقلها المشايخ الثلاثة في كتبهم الأربعة، وهذا يوجب الوثوق والاطمينان بصدور هذه الروايات عن الأئمّة الأطهار (عليهم السلام).

    الثاني: أنّ كثيراً منها من الصحاح، وهي أيضاً بمقدار التواتر. نعم، بعض منها موثّق والقسم الثالث منها ضعيف.

    الثالث: يمكن بعد التأمّل، أن يحصل الوثوق باتّحاد بعض منها مع بعض آخر، ونتيجة ذلك أن نجعل بعضاً منها مفسّراً ومؤيّداً لما هي متّحدة معه.


    1. ميراث الزوجة من العقار، مجلّد فقه أهل البيت (عليهم السلام)، العدد 45: 18 .

  • ۳۲

    الرابع: قد يوجد في كلمات بعض أهل النظر من المعاصرين(1) تقسيم الروايات الواردة إلى طوائف، فقال: وهي بحسب اختلاف دلالتها يمكن تقسيمها إلى عدّة طوائف:

    الطائفة الاُولى: ما ظاهره حرمان الزوجة من إرث العقار والأراضي مطلقاً من دون تعرّض لكيفيّة إرثها من البناء.

    الطائفة الثانية: ما ظاهره حرمان الزوجة من إرث العقار والضياع وإرثها من نفس البناء.

    الطائفة الثالثة: ما دلّ على التفصيل في إرث الزوجة، فلا ترث من الدور والعقار والأراضي ولكن ترث من قيمة البناء والآلات. انتهى كلامه.

    وسيأتي بعد ذكر الروايات أنّ هذا التقسيم ليس صناعيّاً ولا يترتّب عليه أثرٌ صحيح جدّاً، وإن استفاد منه أمراً في مختاره وهو مردود على ما سيأتي إن شاء اللّه‏.

    ثمّ إنّ بعض الفقهاء قد ذكر تقسيماً آخر في المقام وهو أنّ الروايات في المقام على قسمين:

    الأوّل: ما لا يستفاد منه العموم، إمّا لأنّه خاصّ، أو لأنّه ساكت عن حكم غير أراضي الدور أو مجمل.


    1. راجع مجلّة فقه أهل البيت (عليهم السلام)، العدد 45: 19.

  • ۳۳

    الثاني: ما يمكن استفادة العموم منه مع قطع النظر عن غيره، ولكن لاحتمال اتّحاده مع غيره، ممّا لا يستفاد منه ذلك إن لم نقل باستفادة خلافه يسقط الاستدلال به(1).

    وهذا التقسيم أحسن من التقسيم السابق وسيظهر لك وجهه.

    الخامس: إنّ التعابير الواردة في الروايات متعدّدة جدّاً، واللاّزم البحث حولها، كما أنّ التقسيم الثاني كان لأجل هذا.

    وهذه الروايات قد ذكرها صاحب الوسائل في باب أنّ الزوجة إذا لم يكن لها منه ولد لا ترث من العقار والدور والسلاح والدوابّ شيئاً ولها من قيمة ما عدا الأرض من الجذوع والأبواب والنقض والقصب والخشب والطوب والبناء والشجر والنخل، وأنّ البنات يرثن من كلّ شيء.

    ونلاحظ فيه أنّ الروايات المذكورة في هذا الباب لا يستفاد منها التفصيل في الزوجة الممنوعة بين ذات ولد وغيرها، فتدبّر.

    ثمّ اعلم أنّ الروايات المرتبطة بحرمان الزوجة أو عدم حرمانها على طوائف ثلاث:

    الطائفة الاُولى: وهي كثيرة، تدلّ على حرمان الزوجة من خصوص عقار الدور والرباع أو من جميع الأراضي كأرض البستان والزرع وغيرهما.


    1. رسالة في ارث الزوجة المطبوعة في كتاب صيانة الإبانة: 178.

  • ۳۴

    الطائفة الثانية: وهي روايات قليلة تدلّ على عدم حرمانها وأنّها ترث من جميع ما تركه الزوج، كما أنّ الزوج يرث من جميع ما تركته الزوجة.

    الطائفة الثالثة: وهي منحصرة بواحدة تدلّ على حرمان الزوجة غير ذات الولد، وأمّا ذات الولد فتعطى من الرباع.

    أمّا الطائفة الاُولى:

    1 ـ وهو ما ذكره الكليني بطرق ثلاثة:

    ألف: محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن علي بن رئاب، عن زرارة؛

    ب : وعن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن علي ابن رئاب، عن زرارة؛

    ج : وعن حميد بن زياد، عن ابن سماعة، عن ابن محبوب، عن علي بن رئاب، عن زرارة؛

    عن أبي جعفر (عليه السلام): إنّ المرأة لا ترث ممّا ترك زوجها من القرى والدور والسلاح والدواب شيئاً وترث من المال والفرش والثياب ومتاع البيت ممّا ترك وتقوّم النقض والأبواب والجذوع والقصب فتعطى حقّها منه(1).

    والطرق الثلاثة المذكورة عن طريق الكليني موثّقة فإنّ محمّد بن


    1. الكافي 7: 127، ح2.

  • ۳۵

    يحيى موثّق على ما صرّح به النجاشي(1) فإنّه قال في حقّه: شيخ أصحابنا في زمانه ثقة عين كثير الحديث، وأيضاً حميد بن زياد وثّقه النجاشي(2)، كما أنّ ما ذكره الشيخ الطوسي(3) بسند آخر صحيح أيضاً. نعم، ما ذكر بسند رواه طربال بن رجاء مجهول، ولا يذهب عليك أنّ التعدّد في الطريق لا يوجب التعدّد في الرواية.

    وفي هذه الرواية إشكال من جهة الدلالة على الحرمان من السلاح والدوابّ مع أنّه لم يفت أحدٌ من الفقهاء بحرمان الزوجة منها. وقد أجاب الأعاظم عن هذا الإشكال.

    الجواب الأوّل: ما ذكره الشهيد الثاني في رسائله فإنّه قال: وأمّا ما تضمّنه الخبر من السلاح والدوابّ فلا يسقط عدم القول به بالاحتجاج بالخبر أصلاً، بل يُردّ ما ذكر من حيث إجماع الأصحاب على ترك العمل به لا من حيث إنّه مروي، ويعمل بالباقي، ومثله كثير خصوصاً في روايات الحبوة(4).

    الجواب الثاني: ما ذكره فخر المحقّقين فقد أجاب عن هذا الإشكال وحمل السلاح على ما يحبى به الولد منه كالسيف ـ فإنّها


    1. رجال النجاشي: 353، الرقم 946 .

    2. رجال النجاشي: 132، الرقم 339.

    3. استبصار 4: 153 .

    4. رسائل الشهيد الثاني 1: 452 .

    5. إيضاح الفوائد 4: 241.

  • ۳۶

    لا ترث منه شيئاً ـ والدوابّ على ما أوصى به منها أو وقفه أو عمل به ما يمنع من الإرث.

    وأنت ترى أنّ الجواب الأوّل أحسن من هذا الجواب.

    ثمّ اعلم أنّ القرية لغةً مستعملة في الضياع والعقار.

    قال ابن الأثير في النهاية: القرية من المساكن والأبنية والضياع(1).

    وقال ابن منظور في لسان العرب: القرية من المساكن والأبنية والضياع وقد تُطلق على المدن(2).

    فالرواية شاملة للحرمان من الدور والضياع وغيرهما.

    ولا يخفى أنّ الرواية ظاهرة في الحرمان من القرى والدور عيناً وقيمةً، كما أنّ الإرث من المال والفرش والثياب ومتاع البيت ظاهر في العين والقيمة، والشاهد على ذلك قوله (عليه السلام): (وتقوّم النقض والأبواب والجذوع والقصب)(3)، فتدبّر.

    2 ـ محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد (وعن محمّد بن يحيى العطّار، عن أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري) عن عليّ بن الحكم، عن علاء، عن محمّد بن مسلم، قال:


    1. النهاية في غريب الحديث 4: 56 .

    2. لسان العرب 15: 177 .

    3. وسائل الشيعة 26: 206 .

  • ۳۷

    قال أبو عبد اللّه‏ (عليه السلام): ترث المرأة من الطوب ولا ترث من الرباع شيئاً، قال: قلت: كيف ترث من الفرع ولا ترث من الرباع (الأصل) شيئاً؟ فقال: ليس لها منه نسب ترث به وإنّما هي دخيل عليهم فترث من الفرع ولا ترث من الأصل ولا يدخل عليهم داخل بسببها(1).

    وهذه الرواية معتبرة وقد أثبتنا في محلّه اعتبار سهل بن زياد والاعتماد على رواياته، نعم علي بن الحكم لم يرد فيه مدحٌ ولا ذمّ ولكن عمل المشهور يجبرها، ولا يبعد أن يكون المراد من الرباع مطلق الأرض والعقار لا خصوص المنزل والدار كما يؤيّد ذلك التعبير بالأصل في النقل الآخر.

    كما أنّها أيضاً ظاهرة في الحرمان من العين والقيمة والتعليل يناسب ذلك أيضاً سيّما التعليل بأنّه ليس لها نسب ترث به.

    3 ـ محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن عليّ بن الحكم، عن أبان الأحمر، قال: لا أعلمه إلاّ عن مُيَسرٍ بَيّاع الزُطّي عن أبي عبداللّه‏ (عليه السلام) قال: سألته عن النساء ما لهنّ من


    1. الكافي 7: 129، ح5 .

    2. والظاهر أنّ المراد أنّه لا أنقله.

    3. في تاج العروس 19: 322: الزط جيلٌ من الناس كما في الصحاح... واختلف فيهم فقيل هم السبابِجَة: قومٌ من السند بالبصرة.... ونقل الأزهري عن الليث أنّهم جيلٌ من الهند إليهم تُنسب الثياب الزطيّة.

  • ۳۸

    الميراث؟ قال: لهنّ قيمة الطوب والبناء والخشب والقصب، فأمّا الأرض والعقارات فلا ميراث لهنّ فيه، قال: قلت: فالبنات؟ قال: البنات لهنّ نصيبهنّ منه، قال قلت: كيف صار ذا ولهذه الثمن ولهذه الربع مسمّى؟ قال: لأنّ المرأة ليس لها نسب ترث به، وإنّما هي دخيل عليهم، إنّما صار هذا كذا لئلاّ تتزوّج المرأة فيجيء زوجها أو ولدها من قوم آخرين فيزاحم قوماً آخرين في عقارهم(1).

    وفيه أنّ ميسّر لم يرد فيه توثيق، فالرواية غير معتبرة سنداً وإن كانت موثوقة صدوراً أو مجبورة بشهرة العمل بها، وهذا يكفي في الحجّية، وتدلّ على الحرمان من جميع الأراضي سواء كان منزلاً أم ضيعة سيّما بملاحظة الجمع في العقار، فتدبّر.

    وقال السيّد المحقّق البروجردي (قدس سره) : وهذه الرواية كما تحتمل أن يُراد بها مطلق الأرض، كذلك تحتمل أن يُراد بها خصوص أرض المساكن بقرينة ذكر القيمة لأشياء مخصوصة بأرض المساكن والدور(2).

    ولا يخفى ما فيه؛ لأنّ ذكر القيمة بالنسبة إلى الأشياء المخصوصة إنّما ذكر في صدر الرواية والحال أنّ الضابط في الحرمان جاء في ذيل الرواية. نعم، إذا قلنا بأنّ الألف واللاّم في الأرض يكون للعهد فيصحّ


    1. الكافي 7: 130، ح11 .

    2. تقريرات ثلاثة: 115.

  • ۳۹

    ما ذكره واحتمله، ولكن هذا بعيد جدّاً وسيأتي.

    ثمّ إنّ هذه الرواية أيضاً ظاهرة، بل كالصريح في الحرمان من العين والعقار، فلو كان المراد خصوص الحرمان عن العين لما كان وجه للتفكيك والفرق بين الطوب والبناء والخشب والقصب وبين الأرض والعقارات.

    4 ـ محمّد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن محمّد بن حمران، عن زرارة، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: النساء لا يرثن من الأرض ولا من العقار شيئاً(1).

    والرواية صحيحة وهي صريحة في الحرمان من الأرض والعقار، ولا يتوهّم أنّ الأرض هي الأرض المعهودة وهي الدار، وأمّا العقار فهو عطف تفسيري لها، فتدلّ الرواية على الحرمان عن الدور فقط، فإنّ هذا التوهّم لا مجال له أصلاً وليس بين الإمام (عليه السلام) والمخاطب شيء معهود.

    والمراد بالنساء فيها هي الزوجات وذلك بقرينة بعض الروايات الآتية.

    والظاهر أنّ هذه الرواية أيضاً دالّة على الحرمان من العين والقيمة سيّما من جهة وقوع النكرة في سياق النفي.


    1. الكافي 7: 127 ح 1.

  • ۴۰

    5 ـ محمّد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن اُذينة، عن زرارة وبكير وفضيل وبريد ومحمّد بن مسلم عن أبي جعفر وأبي عبداللّه‏ (عليهماالسلام)، ومنهم من رواه عن أحدهما (عليهماالسلام): إنّ المرأة لا ترث من تركة زوجها من تربة دار أو أرض إلاّ أن يقوّم الطوب والخشب قيمة فتُعطى ربعها أو ثُمنها .(1)

    وهذه الرواية المعروفة بصحيحة الفضلاء الخمسة ليست روايات متعدّدة، بل غايتها أنّها حديثان أحدهما عن الباقر (عليه السلام)، والثاني عن الصادق (عليه السلام)، وقد مرّ أنّ تعدّد الراوي لا يوجب تعدّد الرواية. فالمروي عنه إذا كان واحداً والمضمون أيضاً كان مشتركاً يكون الحديث متّحداً والتعدّد في الراوي في هذا الفرض، لا يوجب التعدّد في الرواية.

    وقال صاحب الوسائل في ذيل الحديث: لا تصريح فيه بأنّ الولد منها، فيحمل على وجود ولد للميّت من غيرها(2).

    أقول: لا وجه لهذا الحمل ولا تعرّض في الرواية بالنسبة إلى الولد إلاّ بقرينة ثمنها، وكيف كان لا وجه لحمل الرواية والحرمان الموجود فيها على صورة وجود ولد للميّت.

    وبعبارة اُخرى: التعبير بالثمن قرينة على وجود الولد، ولكن هذا


    1. الكافي 7: 128، ح 3 .

    2. وسائل الشيعة 26: 208 .

۱۷,۵۴۴ الزيارة