-
۲۱
الفقهاء الإماميّة مع ابن الجنيد والقاضي نعمان، فأصل الحرمان لا ريب فيه وهو إجماعي من دون ترديد. نعم، قد مرّ أنّ الحرمان من جميع الأراضي ليس إجماعيّاً بل هو المشهور بين القدماء.
النزاع الثاني: فيمن تحرم من الزوجات
المورد الثاني: النزاع والخلاف في الزوجة الممنوعة وفي من تحرم من الزوجات، فهل الزوجة الممنوعة مطلقة من غير فرق بين ذات الولد وغيره، أم لا بل الممنوعة مختصّة بغير ذات الولد، وأمّا ذات الولد فترث من جميع ما تركه الزوج.
قال الشهيد في رسائله:
وقد اختلف الأصحاب فيه؛ فذهب المفيد(1) والمرتضى(2) والشيخ في الاستبصار(3) وأبو الصلاح(4) وابن إدريس(5) والمحقّق في النافع(6) وتلميذه الشارح(7)، إلى أنّ هذا المنع عامّ في كلّ
1. المقنعة: 687.
2. الانتصار: 585.
3. الاستبصار 4: 154.
4. الكافي في الفقه: 374.
5. السرائر 3: 259.
6. المختصر النافع: 264.
7. كشف الرموز 2: 464.
-
۲۲
زوجة سواء كان لها ولد من الميّت أم لا. وقد ادّعى ابن إدريس(1) وصاحب الرياض(2) وأيضاً النراقي(3) الإجماع على ذلك.
وذهب الصدوق(4) والشيخ في النهاية(5) وابن البرّاج(6) وابن حمزة(7) والمحقّق في الشرايع(8) وابن عمّه يحيى في الجامع(9) والعلاّمة(10) والشهيد(11) وباقي المتأخّرين إلى أنّ ذلك مخصوص بغير ذات الولد منه(12).
التحقيق حول رأي الشيخ في المقام
قد مرّ أنّ الشيخ الطوسي قد صرّح في النهاية والمبسوط بوجود الفرق بين ذات الولد وغيرها، ولكنّه عدل عن ذلك في الاستبصار،
1. السرائر 3: 259 .
2. رياض المسائل 12: 589.
3. مستند الشيعة 19: 359.
4. الفقيه 4: 252.
5. النهاية: 642.
6. المهذّب 2: 140.
7. الوسيلة: 391.
8. شرائع الإسلام 4: 28 و 29 .
9. الجامع للشرائع: 508 و 509 .
10. مختلف الشيعة 9: 52.
11. الدروس الشرعيّة 2: 358.
12. رسائل الشهيد الثاني 1: 467 و 468 .
-
۲۳
وقد صرّح بذلك ابن إدريس في سرائره وقال:
فأمّا إذا كان لها منه ولد اُعطيت سهمها من نفس جميع ذلك على قول بعض أصحابنا وهو اختيار محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه تمسّكاً برواية شاذّة وخبر الواحد لا يوجب علماً ولا عملاً، وإلى هذا القول ذهب شيخنا أبو جعفر (رحمه الله)في نهايته إلاّ أنّه رجع عنه في استبصاره وهو الذي يقوى عندي(1).
وفي الاستبصار بعد أن ذكر الأحاديث التي دلّت على حرمان الزوجة عن جميع الأراضي قال: فأمّا رواية ابن أبي يعفور فلا تنافي الأخبار الأوّلة من وجهين: أحدهما أن نحمله على التقيّة؛ لأنّ جميع من خالفنا يخالف في هذه المسألة وليس يوافقنا عليها أحد من العامّة، وما يجري هذا المجرى يجوز التقيّة فيه. والوجه الآخر أنّ لهنّ ميراثهن من كلّ شيء ترك ما عدا تربة الأرض من القرايا والأرضين والرباع والمنازل، فنخصّ الخبر بالأخبار المتقدّمة.
ثمّ قال: وكان أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه (رحمه الله) يتأوّل هذا الخبر(2) ويقول: ليس لهنّ شيء مع عدم الأولاد من هذه الأشياء المذكورة، فإذا كان هناك ولد يرثن من كلّ شيء.
1. السرائر 3: 259.
2. من لا يحضره الفقيه 4: 349 .
-
۲۴
ثمّ قال: إنّ الشيخ الصدوق استدلّ على هذا التوجيه بما رواه محمّد بن أحمد بن يحيى عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير عن ابن اُذينة في النساء إذا كان لهنّ ولد اُعطين من الرباع(1). انتهى كلامه.
والظاهر أنّ ما فهمه ابن إدريس من كلامه تامّ، ويؤيّد ذلك أنّ العلاّمة في المختلف بعد نقل عبارة الشيخ قال: وهذا القول من الشيخ في الاستبصار يشعر بأنّه لا يرتضيه وإلاّ لكان يقول في رحبة المتأوّل: ثلاثة أوجه ثمّ يسند الثالث إلى ابن بابويه، لكنّه لمّا جمع بوجهين ثمّ قال: وكان ابن بابويه يجمع بكذا، فهذا يدلّ على أنّه غير قائل به(2).
وسيأتي أنّ صاحب الرياض قد فهم من كلامه ما فهمه ابن إدريس والعلاّمة.
اعتراض بعض المعاصرين على كلام ابن ادريس والمناقشة فيه
ثمّ إنّ بعض أهل النظر من المعاصرين قد اعترض على ابن إدريس وقال:
إنّ ما ذكره من رجوع الشيخ في الاستبصار عمّا ذكره في
1. الاستبصار 4: 155.
2. مختلف الشيعة 9: 56 .
-
۲۵
النهاية غير تامّ، فإنّ عبارته في الاستبصار لا دلالة فيها على ذلك... بل تعبيره بأنّ الصدوق كان يتأوّل الخبر الدالّ على إرث الزوجة من كلّ ما تركه الزوج بحمله على ذات ولد، قد يشعر بأنّه بهذا التأويل يرتفع التعارض والتنافي.
وفيه: أنّه إذا كان تأويل الصدوق مرضيّاً عنده فلماذا قد فكّك بين التوجيهين وبين ما ذكره الصدوق.
وبعبارة اُخرى: بناءً على ذلك لما كان وجهاً للتفكيك، مع أنّ الظاهر من كلامه أنّه قد ذكر التوجيه الذي ذهب إليه الصدوق بعنوان إحدى طرق التخلّص عن التنافي لا بعنوان أنّ ذلك مختاره، بل يمكن أن يُقال: الظاهر أنّه قد اعتمد على التوجيه الأوّل وهو الحمل على التقيّة. فالحقّ ما ذكره ابن إدريس وأيّده العلاّمة من عدم ارتضاء الشيخ لما ذهب إليه الصدوق.
والعجب أنّ المعترض عقّب كلامه بقوله: وممّا يشهد على ذلك أنّ الشيخ بنفسه ذكر هذا التأويل واختاره في التهذيب، وأيضاً... أنّ المدار والمعيار لاقتناص فتاوى الشيخ الأعظم إنّما هو كتاباه النهاية والمبسوط، كما أنّ تهذيبه الذي هو شرح لمقنعة المفيد هو الكتاب الحديثي الأهمّ والمعتمد لديه، فكيف لا ينظر إلى ما أفتى به في هذه الكتب المعتمدة والتي قد صرّح فيها بالتفصيل بين
-
۲۶
ذات الولد وغير ذات الولد، ثمّ يتشبّث بعبارة الاستبصار الذي ألّفه للجمع بين الأخبار ورفع التعارض بينها لا للإفتاء(1).
ويرد عليه:
أوّلاً: أنّ الاستبصار متأخّر عن التهذيب ولا يكون المتقدّم مؤيّداً للمتأخّر.
ثانياً: أنّ ما ذكره من عدم كون المدار للاقتناص للفتوى على المراجعة إلى الاستبصار، بل المدار للفتوى هو الرجوع إلى النهاية والمبسوط، غير مطابق لما ذكره الشيخ نفسه في مقدّمة الاستبصار حيث قال:
أبتدأ في كلّ باب بإيراد ما اعتمده من الفتوى والأحاديث فيه، ثمّ أعقب بما يخالفها من الأخبار وأبين وجه الجمع بينها(2).
فهذا الكلام صريح في أنّ الشيخ في استبصاره الذي هو متأخّر عن جميع كتبه، يذكر ابتداءً مذهبه ومعتمده في الفتوى وينقل الأخبار التي اعتمد عليها في الفتوى، ثمّ يذكر ثانياً الأخبار المتعارضة.
لا يقال: إنّ التعبير بـ «ما اعتمده من الفتوى» شيء وكون المصنّف بصدد الفتوى شيئاً آخر.
1. ميراث الزوجة من العقار، مجلّة فقه أهل البيت (عليهم السلام)، العدد 45: 17، السيّد محمود الهاشمي.
2. الاستبصار 1: 3 .
-
۲۷
لأنّا نقول: إنّ هذا التفكيك مكابرة جدّاً خصوصاً التعبير بأنّ الأخبار المتعارضة يذكرها ثانياً، فما هو الوجه لذكرها، أليس ذلك إلاّ لتثبيت الفتوى؟
فظهر من جميع ذلك أنّ مذهب الشيخ في الاستبصار عدم الفرق في الحرمان بين ذات الولد وغيرها.
ولعلّ ما ذكره في الخلاف يستظهر منه الإجماع على ذلك أيضاً، قال في الخلاف: لا ترث المرأة من الرباع والدور والأرضين شيئاً، بل يقوّم الطوب والخشب فتعطى حقّها منه وخالف جميع الفقهاء في ذلك.(1) انتهى كلامه، وهذا ظاهر في عدم التفصيل.
وما مرّ منّا آنفاً من أنّ الإجماع هو الإجماع على أصل الحرمان في قبال العامّة، مجرّد احتمال لا يساعده الظاهر، بل صاحب الرياض قد استظهر منه الإجماع على ذلك، فتدبّر.
كلام صاحب الرياض
ثمّ إنّه قد صرّح بأنّ عدم الفرق مطابق لقول كثير من المتقدّمين وقال: واعلم أنّ مقتضى إطلاق العبارة وغيرها من عبائر الجماعة ممّا اُطلق فيه الزوجة عدم الفرق فيها بين كونها ذات ولد من زوجها أم لا، وفاقاً لكثير من أصحابنا كالكليني والمرتضى
1. الخلاف 4: 116، مسألة 131.
-
۲۸
والشيخ في الاستبصار والحلبي وابن زهرة ظاهراً والحلّي وجماعة من المتأخّرين صريحاً وفي السرائر وعن الخلاف الإجماع عليه وهو الحجّة(1).
ثمّ إنّه أيّد ذلك باُمور أربعة، فقال: هذا مضافاً إلى إطلاق الأخبار السابقة بل عمومها الثابت من صيغة الجمع في جملة منها وترك الاستفصال في اُخرى وعموم التعليل ووجه الحكمة في ثالثة(2).
النتيجة في النزاع الثاني
إنّ المستفاد من إطلاق كلام المفيد في المقنعة والسيّد المرتضى في الانتصار والشيخ الطوسي في الاستبصار وأبو الصلاح الحلبي في الكافي وتصريح ابن إدريس في السرائر والمحقّق في المختصر النافع، عدم الفرق في الزوجة الممنوعة بين ذات الولد وغيرها. والمخالف لهم من المتقدّمين هو الشيخ الصدوق في الفقيه وابن حمزة في الوسيلة والمحقّق في الشرائع وابن عمّه يحيى في الجامع، ومن المتأخّرين أكثرهم.
وقد مرّ أنّه لا يصحّ أن نجعل الشيخ الطوسي من الموافقين للتفصيل، كما أنّ المحقّق أيضاً له قولان في المسألة، فعلى هذا يصحّ أن
1. رياض المسائل 14: 385 .
2. رياض المسائل 14: 386 .
-
۲۹
يقال: إنّ المشهور بين القدماء عدم التفصيل في الزوجة الممنوعة، فما ذكره بعض الفقهاء(1) من أنّ الأشهر بل المشهور بين الفقهاء اختصاص الحكم بغير ذات الولد، قريب جدّاً، غريب واقعاً لأنّ التتبّع في كلمات القوم يدلّ بوضوح على أنّ المشهور لا يفرّقون في الزوجة الممنوعة.
إن قلت: التحقيق يقتضي أن لا يستفاد الإطلاق ونفي هذا التفصيل من عبارات الشيخ المفيد والسيّد حيث لم يفصّلوا بين الشقّين أيضاً؛ لقوّة احتمال أنّهم غير ناظرين فيها إلاّ إلى أصل المسألة وليس نظرهم إلى تفاصيل المسألة المختَلف فيها، فهي ساكتة عن التفصيل وليست دالّة على عدم ارتضائهم له، وهذا نظير جملة من كتب القدماء التي لم تذكر أصل المسألة في إرث الزوجة كالهداية والمقنع والمراسم وفقه القرآن للراوندي وغيرها، فإنّ سكوتها عن ذلك قد لا يدلّ على نفيهم لأصل حرمان الزوجة. وقد صرّح بهذا بعض أهل النظر من المعاصرين(2).
قلت: كيف لا يقتضي، مع أنّهم في مقام الإفتاء والفتوى سيّما أنّ فتوى الصدوق كان بأيديهم ومع ذلك لم يلتفتوا إليه، فهذا يكشف عن
1. صيانة الابانة: 196.
2. ميراث الزوجة من العقار، مجلّة فقه أهل البيت (عليهم السلام)، العدد 45: 18، السيّد محمود الهاشمي.
-
۳۰
عدم ارتضائهم لهذا التفصيل.
هذا مضافاً إلى أنّ تنظير كلماتهم بكلمات مثل الصدوق في المقنع والهداية في غاية البُعد، فتدبّر.
فالحقّ أنّ عدم التفصيل هو المشهور بين القدماء، بل لا يبعد وجود الإجماع فيه لقلّة المخالف بينهم ومدّعى الإجماع فيه متعدّد كالشيخ في الخلاف(1) وصاحب الرياض(2) والنراقي(3) وصاحب الجواهر(4).
وعليه يظهر الضعف في ما ذكره بعض أهل النظر من المعاصرين فإنّه قال:
والذي تحصّل من مراجعة كلمات الأصحاب أنّ المقدار الممكن دعوى الإجماع فيه إنّما هو أصل حرمان الزوجة غير ذات الولد من أعيان الرباع لا من قيمتها، فإنّ المسألة لو كانت إجماعيّة فكيف يحمل السيّد والصدوق والحلبي الروايات على أنّ المراد منها حرمان الزوجة من عين الرباع لا من قيمتها، فإنّ المسألة إذا كانت إجماعيّة وقطعيّة لم يكن وجه لمثل هذا الحمل ولا لغيره
1. الخلاف 4: 117 .
2. رياض المسائل 14: 386 .
3. مستند الشيعة 19: 379 .
4. جواهر الكلام 39: 207 .