-
۱۱
مورداً للخلاف والنزاع وموجباً لمفاسد مهمّة. انتهى ما أردنا ذكره في المقدّمة، وحينئذٍ نشرع البحث:
النزاع الأوّل: فيما تحرم الزوجة منه
أمّا المورد الأوّل فقد وقع الخلاف فيما تُحرم منه، والأقوال فيه متعدّدة، والظاهر أنّه لا شكّ في أصل وجود الحرمان بمعنى أنّه لم يقل أحدٌ من علمائنا بما يقوله العامّة إلاّ ابن الجنيد بناءً على ما نقل عنه العلاّمة في المختلف(1) عن كتابه المختصر الأحمدي في الفقه المحمّدي، وتبعه قاضي نعمان المصري في دعائم الإسلام(2).
قال الشهيد: المشهور بين علمائنا حرمان الزوجة عن شيء من ميراث الزوج في الجملة، وقال الشهيد في النكت: فإنّ أهل البيت أجمعوا على حرمانها من شيء ما ولم يخالف في هذا علماؤنا الإماميّة إلاّ ابن الجنيد وقد سبقه الإجماع وتأخّر عنه(3).
ومع غضّ النظر عن قول الشهيد تكون الأقوال ثلاثة على المشهور وأربعة بناءً على ما فهمه الشهيد الثاني في رسائله، فاللاّزم ذكرها:
1. المختلف 9: 53 .
2. دعائم الإسلام، كتاب الفرائض 2، الفصل 8: 392.
3. غاية المراد 3: 583.
-
۱۲
القول الأوّل ـ وهو المشهور بينهم: حرمانها عيناً وقيمةً من جميع الأراضي سواء كانت أرض رباع أم بستان أم ضياع، وسواء كانت بياضاً أم مشغولة ببناء أو زرع، وأيضاً حرمانها من عين الآلات والأبنية لا من قيمتها، ذهب إليه جمعٌ من المتقدّمين كالشيخ في النهاية(1) والمبسوط(2) وابن البرّاج(3) وأبو الصلاح التقي(4) وابن حمزة(5)، والمحقق الحلّي في الشرائع(6)، والعلاّمة في القواعد(7) والإرشاد(8)، وولده فخر المحقّقين في الإيضاح(9) والشهيد في غاية المراد(10) والفاضل المقداد في التنقيح الرائع(11).
وقد ذهب الشهيد الثاني في رسائله(12) إلى الفرق بين قول الشيخ ومن تبعه من المتقدّمين، وبين قول العلاّمة ومَن تبعه من المتأخّرين.
1. النهاية: 642.
2. المبسوط 4: 126.
3. المهذّب 2: 140.
4. الكافي في الفقه: 374.
5. الوسيلة: 391.
6. شرائع الاسلام 4: 29 .
7. قواعد الأحكام 3: 376 .
8. ارشاد الأذهان 2: 125 .
9. الإيضاح 4: 240.
10. غاية المراد 3: 587.
11. التنقيح الرائع 4: 192.
12. رسائل الشهيد الثاني 1: 466 .
-
۱۳
وتوضيح ذلك: أنّ المتأخّرين قد صرّحوا بأنّ النخل والشجر في حكم الآلات والأبنية فتعطى قيمتهما، ولكن الشيخ ومن تبعه لم يذكرهما بل المستفاد من عبارات الشيخ وابن البرّاج وأبي الصلاح وابن حمزة أنّ المرأة ترث عين النخل والشجر.
قال الشيخ في النهاية: المرأة لا ترث من زوجها من الأرضين والقرى والرباع من الدور والمنازل، بل يقوّم الطوب والخشب وغير ذلك من الآلات وتعطى حصّتها منه ولا تعطى من نفس الأرض شيئاً(1). وقد ذكر نظير هذه العبارة في المبسوط(2) وتبعه ابن البرّاج(3).
فهذه العبارة لا تدلّ على إرثها من قيمة النخل والشجر، وقوله: غير ذلك من الآلات، لا يشملها فإنّ الآلة غير صادقة على النخل والشجر.
وأيضاً عبارة أبي الصلاح الحلبي في الكافي، فإنّه قال: ولا ترث الزوجة من رقاب الرباع والأرض شيئاً وترث من قيمة آلات الرباع من خشب وآجر كسائر الإرث(4).
1. النهاية: 642.
2. المبسوط في فقه الإماميّة 4: 126 .
3. المهذّب 2: 141 .
4. الكافي في الفقه: 374 .
-
۱۴
فقد صرّح فيها بآلات الرباع وفسّرها بالخشب والآجر فلم يذكر النخل والشجر.
والمستفاد من عبارة ابن حمزة في الوسيلة ذلك ، فراجع(1).
فبالنتيجة لا يستفاد من هذه الكلمات أنّ النخل والشجر في حكم آلات الأبنية، بل المستفاد منها إرثها من عينها، فيتحقّق الفرق بين قول القدماء والمتأخّرين من هذه الجهة فإنّ المتأخّرين عطفوا النخل والشجر إلى الآلات، ولأجل ذلك قد صرّح الشهيد الثاني بالفرق بين قول المتقدّمين والمتأخّرين(2)، مضافاً إلى أنّ لفظ الآلة لغةً وعرفاً لا يشمل النخل والشجر.
نعم، ذهب السيّد المحقّق الحكيم (قدس سره) إلى أنّ لفظ الآلة لغةً شامل لهما، واستشهد بما ذكره في القاموس(3) من أنّ الآل الخشب والشخص وعمد الخيمة والشخص سواء الإنسان وغيره(4).
ونلاحظ فيه أنّنا لسنا بصدد تفسير لفظ الآلة حتّى نرجع إلى اللغة. وبعبارة اُخرى الرجوع إلى اللّغة إنّما يكون إذا كنّا بصدد تبيين لفظ الآلة الواردة في الروايات، مع أنّنا بصدد تفسيرها في كلمات
1. الوسيلة: 391 .
2. رسائل الشهيد الثاني 1: 461 .
3. القاموس المحيط 3: 331 .
4. رسالة في حرمان الزوجة من بعض الارث، مجلة فقه اهل البيت (عليهم السلام)، العدد 43: 185 .
-
۱۵
القوم، والظاهر أنّهم لم يريدوا منها النخل والشجر.
ومع ذلك كلّه فلا يمكن لنا أيضاً قبول ما قاله الشهيد الثاني؛ وذلك من جهة أنّ مستند القدماء والمتأخّرين في القول الأوّل مشترك وبعد الرجوع إليه يتّضح أنّ النخل والشجر في حكم سائر الآلات، ففي صحيح الأحول عن أبي عبداللّه (عليه السلام) قال: سمعته يقول: لا يرثنّ النساء من العقار شيئاً ولهنّ قيمة البناء والشجر والنخل(1).
فهذه الرواية صريحة في اشتراك الحكم بين النخل والشجر والآلات.
وبالجملة: لا نوافق الشهيد الثاني في ذلك وليس القول الأوّل منحلاًّ إلى قولين، وهذا القول هو المشهور بين المتقدِّمين والمتأخّرين.
نعم، الشهيد الثاني قد اختار هذا القول في رسائله وذهب إلى إرثها من عين الشجر والنخل، وقال: إنّ هذا القول أمتن الأقوال دليلاً وأظهرها من جهة الرواية(2).
فهذا هو القول الثاني في المسألة وهو مختار الشهيد الثاني.
القول الثالث: حرمانها من الرباع وهي الدور والمساكن دون البساتين والضياع، وتُعطى قيمة الآلات والأبنية من الدور؛ ذهب إليه جمعٌ من القدماء كالشيخ المفيد وابن إدريس والمحقّق في النافع، مع
1. من لا يحضره الفقيه 4: 348؛ وسائل الشيعة 26: 211، باب 6، ح 32851.
2. رسائل الشهيد الثاني 1: 465 .
-
۱۶
أنّه في الشرائع من القائلين بالقول الأوّل، والفاضل الآبي في كشف الرموز، وإليك بعض عباراتهم:
قال المفيد (رحمه الله): ولا ترث الزوجة شيئاً ممّا يخلفه الزوج من الرباع وتُعطى قيمة الخشب والطوب والبناء والآلات، وهذا هو منصوص عليه عن نبيّ الهدى عليه وآله السلام وعن الأئمّة من عترته (عليهم السلام). والرباع هي الدور والمساكن دون البساتين والضياع(1).
وقال ابن إدريس: والإجماع على أنّها لا ترث من نفس تربة الرباع والمنازل شيئاً سواء كان لها من الزوج ولد أو لم يكن، وهو ظاهر قول شيخنا المفيد في مقنعته والسيّد المرتضى في الانتصار(2).
ولا يخفى أنّ ما ذكره في ذيل كلامه من أنّ السيّد المرتضى موافق للمفيد غير تامّ كما سيأتي ذلك، وقد التبس الأمر على صاحب الجواهر فزعم أنّه موافق للمفيد.
وقال العلاّمة في المختلف: وقول السيّد المرتضى حسن ثمّ قول شيخنا المفيد جيّد... وبعد هذا كلّه فالفتوى على ما قاله الشيخ(3).
القول الرابع: حرمانها من عين الرباع خاصّة لا من قيمتها،
1. المقنعة: 687.
2. السرائر 3: 259.
3. مختلف الشيعة 9: 35 .
-
۱۷
فالحرمان إنّما هو في دائرة الرباع خاصّة ولا يشمل البساتين والضياع وفي الرباع أيضاً محرومة من عينها لا من قيمتها. ذهب إليه السيّد المرتضى فإنّه قال:
ممّا انفردت به الإماميّة أنّ الزوجة لا ترث من رباع المتوفّى شيئاً، بل تعطى بقيمة حقّها من البناء والآلات دون قيمة العراص، ثمّ قال في آخر كلامه: وأنّ الرباع وإن لم تسلّم إلى الزوجات فقيمتها محسوبة لها(1).
والظاهر أنّ ابن إدريس لم يلتفت إلى ذيل كلامه وإنّما توجّه إلى صدر كلامه، وهو ظاهر في مذهب المفيد.
والظاهر أنّه لم يوافق عليه أحدٌ من الأصحاب كما صرّح به السيّد الحكيم(2). والعجب من بعض الاعاظم من المعاصرين حيث إنّه صرّح بموافقة الصدوق وأبي الصلاح الحلبي مع السيّد(3)، وهذا غير تامّ؛ فإنّ الصدوق في الفقيه(4) بعد أن تعرّض للروايات، ذكر رواية ابن أبي يعفور الدالّة على إرثها من جميع ما تركه الزوج، وقال في ذيل الرواية:
1. جوابات المسائل الموصليّات في ضمن رسائله 1: 259، والانتصار: 585.
2. رسالة في حرمان الزوجة من بعض الإرث، مجلة فقه أهل البيت (عليهم السلام)، العدد 43: 185 .
3. ميراث الزوجة من العقار، مجلة فقه أهل البيت (عليهم السلام)، العدد 45: 14 ، السيّد محمود الهاشمي.
4. من لا يحضره الفقيه 4: 252.
-
۱۸
هذا إذا كان لها ولد، أمّا إذا لم يكن لها ولد فلا ترث من الاُصول إلاّ قيمتها.
ثمّ أيّد ذلك بمقطوعة ابن اُذينة الدالّة على أنّ النساء إذا كان لهنّ ولد اُعطين من الرباع.
والظاهر من هذه العبارة بل صريحها إرثها من جميع قيمة الاُصول، والمراد منها الأراضي لا الآلات والتأييد بالمقطوعة، إنّما هو بالنسبة إلى التفصيل لا إلى خصوص الرباع، فتدبّر.
وقال أبو الصلاح الحلبي:
ولا ترث الزوجة من رقاب الرباع والأرضين شيئاً وترث من قيمة آلات الرباع من خشب وآجر كسائر الإرث(1).
وهذه العبارة صريحة في حرمانها من الرباع وجميع الأراضي عيناً وقيمةً، ولكن ترث من قيمة آلات الرباع كالخشب والآجر، وقد سبق أنّه من القائلين بالقول الأوّل.
النتيجة في النزاع الأوّل
إنّ حرمان الزوجة من جميع الأراضي وإن لم يكن إجماعيّاً لمخالفة جمع من القدماء كالمفيد وابن إدريس والمحقّق وكاشف الرموز والسيّد، ولا ريب في أنّ هذا القول هو المشهور بين المتقدّمين، كما أنّه
1. الكافي في الفقه: 341.
-
۱۹
المشهور بين المتأخّرين أيضاً.
إن قلت: إنّ الشيخ في الخلاف قد ادّعى الإجماع على ذلك.
قلت: الظاهر أنّ هذا الإجماع في قبال الخلاف مع العامّة وبالنسبة إلى أصل الخلاف.
إن قلت: إنّ ابن الجنيد الإسكافي(1) وقاضي نعمان المصري(2) قد خالفا أصل الحرمان وذهبا إلى عدم حرمانها من تركة الزوج لا من العقار ولا من شيء آخر حتّى إنّ القاضي قد ادّعى إجماع الاُمّة والأئمّة على ذلك فليس أصل الحرمان إجماعيّاً، ويؤيّد ذلك اُمور أربعة:
الأوّل: خلوّ جملة من كتب أصحابنا المتقدّمين كالمقنع والهداية والمراسم والإيجاز والتبيان ومجمع البيان وجوامع الجامع والفرائض النصيريّة مع وقوع التصريح في جميعها بكون إرث الزوجة ربع التركة أو ثمنها.
الثاني: قد استظهر صاحب الجواهر، عدم تعرّض علي بن بابويه وابن أبي عقيل لذلك أيضاً وإلاّ في صورة التعرّض لنقل إلينا ولكان شايعاً واضحاً عند الجميع لاعتنائهم بأقوالهما.
الثالث: خلوّ الفقه الرضوي الذي هو الأصل والأساس عند عليّ
1. حكى عنه في مختلف الشيعة 9: 53 .
2. دعائم الإسلام 2: 396 .
-
۲۰
بن بابويه وكان معتمده، لعلّه يؤيّد ذلك.
الرابع: الظاهر أنّ مذهب الراوي إنّما يفهم من الرواية التي نقلها، وعلى هذا يمكن أن يُقال إنّ مذهب جميع رواة الصحيح الذي هو مستند ابن الجنيد ـ وهو ما ذكره ابن أبي يعفور وأبان وفضل بن عبد الملك، من أنّ الزوجة ترث من جميع ما تركه الزوج ـ موافق لمذهب ابن الجنيد.
ولأجل هذه الاُمور الأربعة قد تأمّل صاحب الجواهر (رحمه الله) في سبق الإجماع ولحوقه.
قلت: الجواب هو ما ذكره صاحب الجواهر (رحمه الله) فإنّه عدل عن ما ذكره وقال بعد ذكر كلام دعائم الإسلام:
وهو كما ترى من غرائب الكلام، بل هو كلامٌ بعيد عن الفقه والفقهاء والرواة والروايات وإنّما نقلناه ليقضي العجب منه وإلاّ فهو لا يقدح في دعوى سبق الإجماع ابن الجنيد ولحوقه المستفاد ذلك من تسالم النصوص عليه التي هي فوق رتبة التواتر والفتاوى التي لا ينافيها عدم تعرّض بعض الكتب للمسألة ولعلّه لوضوحه وظهوره، بل العامّة تعرف ذلك من الإماميّة. ومن هنا اتّجه حمل الصحيح على التقيّة(1). انتهى كلامه.
وما ذكره متين جدّاً، وعليه لا يصحّ أن يقال بموافقة فقيه من
1. جواهر الكلام 39: 207. 210.