-
۱۲۱
الماليّة متقوّماً بماليّة البناء والإحياء، فيمكن تصوّر وجود ماليّة للأرض مع قطع النظر عن ماليّة البناء، ولا ينافي هذا مع وجود حقّ الاختصاص، كما أنّه لا ملازمة بين ثبوت الملكيّة لنفس الأرض وبين كون ماليّتها موجودة مع قطع النظر عن ماليّة البناء.
والحاصل: أنّ ماليّة الأرض غير مرتبطة بمسألة حقّ الاختصاص للأرض والملكيّة لها، كما أنّ وجود حقّ الاختصاص لا دليل له على كون ماليّة الأرض مندكّة في ماليّة البناء، وهذا واضح جدّاً.
هذا كلّه مضافاً إلى أنّه لو قلنا بكون المالك له حقّ اختصاص لقلنا بأنّه لا فرق من هذه الجهة بين الزوجة وسائر الورثة، مع أنّ الروايات تنادي بأعلى صوتها بإرث الورثة من نفس العقار، فتدبّر.
وأمّا ما ذكره في آخر هذه العبارة من أنّ الروايات اكتفت في مقام تحديد سهم الزوجة من ماليّة الأرض بذكر قيمة البناء وما على الأرض، فخلاف الظاهر جدّاً، ونحن ندّعي عدم تعرّض في الروايات بالنسبة إلى قيمة الأرض فضلاً عن جعلها في ضمن قيمة البناء، ولا يقال هذا إنّما يكون بحسب الواقع الخارجي ولا يحتاج إلى التعرّض، لأنّا نقول مضافاً إلى عدم كونه في الخارج هكذا، لو كان كذلك لكان اللاّزم على الإمام التنبّه إليه من جهة أنّه في مقام بيان السهام والنصيب.
3 ـ التعبير بإعطائها من قيمة البناء والطوب والخشب ونحو ذلك
-
۱۲۲
يمكن أن يكون المقصود منه عرفاً التفكيك بين العين والماليّة وأنّ الزوجة لا ترث من الأصل أي العين وترث من الفرع أي الماليّة والقيمة، والمراد من الأصل والفرع في الروايات أيضاً هكذا.
وهذا المطلب عجيب جدّاً، والمستفاد بوضوح من الروايات أنّ المراد من الأصل هو الأرض ومن الفرع هو البناء والطوب، وقد مرّ منّا مراراً أنّ التفكيك بين العين والماليّة ليس أمراً عرفيّاً واضحاً، بل هو تعبّدي يحتاج إلى البيان بخلاف التفكيك بين الأصل والفرع، فهذا واضح عند العرف، فالأصل هو الأرض والفرع هو البناء وما اُحدث فيها.
وأعجب من ذلك ما ذكره في سطر آخر من حمل ما ورد في رواية الأحول أي: يعني من البناء الدور. على كون قيمة الدور مشتملة على قيمة الأرض وماليّتها.
ويا للعجب كيف صرّح قريباً من أنّ الأرض المجرّدة الخالية من البناء، لم تكن ذات قيمة وهنا يصرّح بأنّ قيمة الأرض داخلة في قيمة البناء.
وكيف كان، من أيّ تعبير في رواية الأحول يستفاد اندكاك قيمة الأرض في قيمة الدور والبناء؟!!
وعليه فما ذكره السيّد البروجردي (رحمه الله) من أنّ رواية الأحول مبعدة لكلام السيّد المرتضى حيث قابل فيها بين عدم الإرث من العقار،
-
۱۲۳
وبين الإرث من قيمة البناء والشجر ونحو ذلك، فلو كانت ترث من القيمة مطلقاً لما كان للتقابل معنى . تامّ جدّاً، مطابق للظاهر العرفي منها، وتفسير البناء بالدور بما هي دور لا تدلّ على اشتمالها على قيمة الأرض.
4 ـ التعبير بالإعطاء ربعها أو ثمنها دالّ على كون الإمام (عليه السلام) في هذه الروايات في مقام التقسيم والإفراز لحقوق الورثة، وظاهر في أنّ حقّها من التركة ـ الربع أو الثمن ـ لا يعطى من عين الأرض والعقار، بل يعطى لها من سائر التركة، ومثل هذا بيان عرفي فإنّه إذا قال الأب لأبنائه مثلاً هذا البيت لكم إلاّ أنّ فلاناً لا تعطوه الغرفة الفلانيّة فإنّه لا يعني حرمانها من أصل الاستحقاق بل يعطى حقّها من سائر الغرف.
ويرد عليه:
أوّلاً: كيف يكون التعبير بالإعطاء ظاهراً في عدم إعطائها من العين وكونه في مقام التقسيم والإفراز لا يكون دليلاً وقرينة على ذلك. ؟
ثانياً: وجود الفرق بين المثال والممثل؛ ففي مثال الأب قد صرّح الأب بكون البيت جميعه لأبنائه لكن في مقام الإعطاء يحدّد أحد
1. تقريرات ثلاثة: 107.
-
۱۲۴
أبنائه، ولكن في المقام لا تصريح بكون الزوجة متساوية مع سائر الورثة حتّى يُقال إنّ التعبير بإعطائها قرينة على عدم الإعطاء من العين فقط.
5 ـ الظاهر من التعليل الوارد بشأن هذا الحكم في جملة من الروايات كصحيح محمّد بن مسلم: لا ترث النساء من عقار الدور شيئاً ولكن يقوّم البناء والطوب وتعطى ثمنها أو ربعها، قال: وإنّما ذلك لئلاّ يتزوّجن فيفسدن على أهل المواريث مواريثهم، فإنّ علّة الإفساد على سائر الورثة إنّما تنشأ من إرثها من العين دون الماليّة، ولهذا جعل هذا التعليل في أكثر الروايات المعلّلة تعليلاً لإرثها من قيمة البناء أيضاً، كما أنّ ظاهر التعليل انحفاظ نسبة المواريث لهم ولها بلحاظ أصل السهام لا تغيّرها.
ويرد عليه:
أوّلاً: لا يستفاد من التعليل أنّ علّة الإفساد ناشئة من إرث العين فقط، بل التعليل صادق بالنسبة إلى مجموع العين والقيمة، مضافاً إلى عدم كونه علّة بل تكون حكمة، ومضافاً إلى وجود العلّة الاُخرى كعدم كونها نسباً ترث به.
ثانياً: ظاهر الروايات أنّ المعلّل إنّما هو خصوص الحرمان عن العقار ولو كان ظاهر بعض الروايات عبارة عن قيمة البناء، لكان اللاّزم صرفها عن ظاهرها وإرجاعها إلى الحرمان عن العقار. وكيف
-
۱۲۵
كان لا معنى للتعليل بالنسبة إلى الإرث من نفس قيمة البناء.
ثالثاً: قد مرّ مراراً أنّ القول بكون ظاهر التعليل، انحفاظ نسبة المواريث لهم ولها بلحاظ أصل النسبة؛ ليس بصحيح ولا دخل للتعليل في ذلك، وهذا واضح.
6 ـ إنّه ذكر بعنوان الحاصل للمطالب أنّ مجرّد سكوت الروايات عن التصريح بإعطائها من قيمة الأرض لا ينبغي أن يجعل دليلاً على حرمانها من الأرض عيناً وقيمةً، بل بالقرائن المذكورة الأربعة، وهي:
أ ـ ظهور الاستثناء في الاتّصال.
ب ـ ظهور التأكيد في بعض الروايات بعدم الإعطاء من تربة الأرض، في النظر إلى العين دون الماليّة.
ج ـ ظهور التعبير بإعطائها من قيمة البناء، في إعطاء قيمة البناء والدور بما هي دور قائمة وباقية على الأرض وهي التي هي قيمة الأرض في تلك الأيّام.
د ـ ظهور التعليل في إرادة حفظ عين العقار لهم لا أكثر.
ثمّ استنتج أنّ هذه القرائن إن لم توجب ظهور الروايات المفصّلة في أنّ المراد حفظ عين الدور والعقار لسائر الورثة لا حرمان الزوجة من أصل حقّها من الماليّة... فلا أقلّ من أنّها مجملة ومحتملة لهذا المعنى قويّاً بحيث لا يكون فيها ظهور في أكثر من حرمان الزوجة من عين
-
۱۲۶
العقار لا أكثر، فتبقى القيمة والماليّة للدور والمساكن والعقارات بما فيها منفعة نفس الأرض باقية تحت إطلاق أدلّة التوريث.
ونلاحظ فيه:
أوّلاً: نحن لا نقبل سكوت الروايات عن إعطاء قيمة الأرض، بل ندّعي أنّها ظاهرة في الحرمان عيناً وقيمة كما مرّ.
ثانياً: هذه النتيجة قابلة للأخذ إذا اكتفينا على عقار الدور فقط كما ذهب إليه المفيد، وأمّا بناءً على مذهب المشهور من عدم الفرق بين الدور والبساتين والمزارع فلا يصحّ الأخذ بها؛ لأنّه في عقار الدور يمكن تصوير اندكاك قيمة الأرض في قيمة البناء، ولكن في أرض الزراعة لا يمكن، بل الزراعة حينما كانت قائمة لها قيمة خاصّة بالنسبة إلى الزرع وبعد الحصاد تزيد قيمتها، ومع ذلك قيمة الأرض عند العرف محفوظة في نفسها سواء كان الزرع قائماً أم لا.
ثالثاً: قد مرّ بطلان جميع القرائن الأربعة خصوصاً القرينة الاُولى وأنّ كلمة إلاّ ليست للاستثناء، بل بمعنى غير.
7 ـ ثمّ إنّه استدرك قائلاً: نعم، الروايات التي اقتصرت على ذكر أنّ المرأة لا ترث من العقار أو الأرض شيئاً من دون تفصيل واستثناء لقيمة البناء ونحوه ـ كما في صحيح زرارة ومحمّد بن مسلم ـ
-
۱۲۷
ظاهرة إطلاق لفظ الشيء فيها نفى الإرث من الماليّة أيضاً(1).
إلاّ أنّه من المطمأنّ به أنّ هذه الرواية تقطيع لنفس الروايات المفصّلة ـ وليست حديثاً مستقلاًّ لوحدة الرواة فيها عن المعصوم ـ بل لو استظهرنا من روايات التفصيل أنّ المقصود حرمانها من إرث العين دون الماليّة كانت بنفسها قرينة على إرادة نفس المعنى من عدم الإرث من الأرض شيئاً، خصوصاً ما كان ظاهراً في عدم الإرث حتّى من البناء كما في رواية عبدالملك عن أحدهما (عليهماالسلام) قال: ليس للنساء من الدور والعقار شيء(2) . فإنّه لا إشكال في إرثهنّ من قيمة بناء الدور، فيكون المقصود عدم الإرث من أعيانها، بل إنّ هذا الظهور لا يمكن أن يقاوم ظهور الكتاب الكريم في حفظ نسبة الربع والثمن للزوجة ـ بل تحمل بقرينة أقوائيّة الظهور ـ على إرادة عدم الإرث شيئاً من عين التربة والعقار فيثبت بالنتيجة مذهب السيّد المرتضى، هذا بقطع النظر عن صحيح ابن اُذينة وإلاّ كانت الزوجة ذات الولد ترث من العين أيضاً.
ويرد عليه:
1. «النساء لا يرثن من الأرض ولا من العقار شيئاً»؛ الاستبصار 4: 152 ح572 3، تهذيب الأحكام 9: 298 ح26، وسائل الشيعة 26: 207 ح4.
2. الكافي 7: 129 ح9، الاستبصار 4: 152 ح7، تهذيب الأحكام 9: 299، وسائل الشيعة 26: 209 ح10 .
-
۱۲۸
أوّلاً: لا فرق في المقام بين التقطيع وعدمه؛ فإنّ لفظة «شيئاً» قرينة واضحة على الحرمان عن العين والقيمة سواء كانت الرواية مقطّعة أم لا.
ثانياً: لو سلّمنا أنّ الروايات المفصّلة ظاهرة في الحرمان عن العين فقط، لكن كيف تكون قرينة على التصرّف في رواية زرارة ومحمّد بن مسلم، بل الأمر بالعكس فإنّ ظهور كلمة شيئاً في الحرمان المطلق عن العين والقيمة أقوى من ظهور روايات التفصيل لو قلنا بظهورها في الحرمان عن خصوص العين.
كلام المحقّق الشعراني
ثمّ إنّ المحقّق الشعراني (قدس سره) قد رجّح كلام السيّد المرتضى في بعض الموارد وقال:
أكثر الأراضي خصوصاً في العراق وما والاها كانت من المفتوحة عنوةً وكان ملك الناس إيّاها تبعاً لملك الآثار والحقوق، وعدم الإرث هنا، عدم الإرث من العين، ولا ينافي ثبوت القيمة بدليل آخر.
ثمّ قال: وهذا (فتوى المشهور في الحرمان عن العين والقيمة) مسلّم في الأراضي المفتوحة عنوةً. وأمّا غيرها فقول السيّد أرجح وأولى لأنّه موافق لظاهر القرآن لأنّ مفاد الآية عموم إرث الزوجة
-
۱۲۹
من جميع التركة عيناً ويخصّص بمقتضى الروايات، وما شكّ في تخصيصه يبقى على العموم ولا تدلّ الروايات على محروميّتها من قيمة الأراضي إلاّ بسكوت الإمام عن ذكر قيمة الأرض مع ذكره (عليه السلام) قيمة الآلات. وهذا غير كاف في التخصيص فلعلّه لم يذكر قيمة الأرض؛ لأنّ أكثر الأراضي خصوصاً ما كان بيد الشيعة في الكوفة ونواحيها من المفتوحة عنوة وكان ملكهم لها حقّ اختصاص بسبب تملّك الآلات، وقيمة الأراضي كانت قيمة حقّ التصرّف في الأرض لقبالته من السلطان سنين معيّنة أو غير معيّنة، وكان تصرّفهم في الأرض نظير تصرّف المستأجرين لملك المنفعة، فكما أنّه إذا مات المستأجر وكان لمنفعته وتصرّفه في مورد الإجارة قيمة ورثت منها الزوجة، كذلك حقّ الاختصاص في الأراضي المفتوحة عنوة. وسكوته (عليه السلام) عن ذكر قيمة هذا الحقّ لا يدلّ على عدم إرثها؛ لأنّه (عليه السلام)ذكر ما ذكر تمثيلاً ليقاس عليه الباقي(1).
ونلاحظ فيه:
أوّلاً: الظاهر من كلامه (قدس سره) أنّ الصادقين (عليهماالسلام) كانا يقصدان أرض العراق وما والاها في مسألة الحرمان، مع أنّه لو كان
1. الوافي 13: 779 .
-
۱۳۰
كذلك لما كان فرق بين الزوجة وسائر الورثة فإنّ الأراضي المفتوحة عنوة غير قابله للتملّك، بل الملكيّة متعلّقة بحقّ الاختصاص والبناء والاُمور الحادثة فيها، وعليه فلا فرق بين الزوجة وسائر الورثة، مع أنّ من المسلّم والمستفاد القطعي من الأدلّة إرث سائر الورثة من العقار.
ثانياً: لم يظهر لنا وجه هذا الكلام أنّه (قدس سره) لماذا قال كلام المشهور في المفتوحة عنوة مسلّم، وفي غيرها كلام السيّد أرجح، مع أنّ كلاًّ منهما (المشهور والسيّد) لم يفرّقا بين المفتوحة عنوةً وغيرها، ولا يصحّ الفرق في المقام من هذه الجهة.
ثالثاً: أنّ دلالة الروايات على الحرمان من العين والقيمة ليست بالسكوت، بل بشيء هو كالصريح فإنّ التعبير بكلمة شيئاً كأنّه صريح في الحرمان من العين والقيمة معاً.
فظهر بذلك عدم تماميّة ما ذهب إليه الشعراني، مضافاً إلى أنّ التعبير الكلّي العامّ كتربة دار أو أرض أو التعبير الجامع كالأرض والعقارات وأيضاً التعبير بالقرى والضياع كلّها تدلّ على أنّ مقصودهم عليه السلام) ليس الأرض المفتوحة عنوة، بل كلامهم على نحو القضيّة الحقيقيّة بالنسبة إلى جميع الأراضي والعقار.
هذا تمام الكلام في المسألة ولها تنبيهات نذكرها في مجال آخر إن شاء اللّه، وقد وقع الفراغ من تسويد هذه الأوراق في شهر رمضان المبارك من سنة 1430 من الهجرة النبويّة على مهاجرها آلاف