-
۱۰۱
جهة عدم وجود الفرق بين ذات الولد وغيرها، فالنسبة بينهما بعد الانقلاب عموم وخصوص من وجه(1).
وفيه: ما ذكرناه سابقاً من أنّ النسبة من أوّل الأمر كانت عموماً وخصوصاً مطلقاً.
سادساً: ما ذكره أيضاً السيّد المحقّق الحكيم (قدس سره) من أنّا لو سلّمنا انقلاب النسبة وأيضاً سلّمنا أنّ النسبة تنقلب إلى عموم وخصوص مطلقٍ، ولكن نقول: هذا الخاصّ المطلق لم يكن صالحاً لتخصيص العامّ في المقام وإن كان الخاصّ في سائر الموارد يكون مقدّماً على العامّ(2).
توضيح ذلك: أنّه بعد التخصيص بالإجماع تكون الأخبار المورثة دالّة على إرثها من الجميع إذا كانت ذات ولد، والإجماع دالّ على حرمانها إذا كانت غير ذات ولد، فأيّ مورد يبقى للأدلّة النافية؟
ويرد عليه: أنّ مدلول الأخبار النافية إنّما هو بالنسبة إلى خصوص العقار، وهذا المدلول غير موجود في كلّ واحد من الإجماع والأخبار المورثة، فهذا الإشكال من السيّد الحكيم عجيب جدّاً.
فتبيّن من مجموع ذلك أنّ طريق انقلاب النسبة لإثبات التفصيل بين ذات الولد وغيرها، غير تامّ أيضاً كبطلان الطريق الأوّل، وبناءً
1. رسالة في حرمان الزوجة من بعض الإرث؛ مجلة فقه أهل البيت (عليهم السلام)، العدد 43: 200 .
2. رسالة في حرمان الزوجة من بعض الإرث؛ مجلة فقه أهل البيت (عليهم السلام)، العدد 43: 201 .
-
۱۰۲
على ذلك لا وجه للتفصيل، وما ذهب إليه جمعٌ من القدماء من عدم التفصيل حقيقٌ بالاعتماد.
وبالنتيجة فقول المشهور من حرمان الزوجة مطلقاً سواء كانت ذات ولد أم لم تكن، قوى جدّاً ومطابق للتحقيق وموافق للأدلّة الموجودة والروايات المعتبرة ولا بأس هنا بذكر مؤيّد لهذا القول، وهو: أنّ بعض الروايات يدلّ على أنّ الحسن بن علي (عليهماالسلام) أوصى إلى أخيه الحسين بن علي (عليهماالسلام) بأن يدفنه مع رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) فقد ذكر المجلسي...(1) وأن تدفنني مع رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) فإنّي أحقّ به وببيته ممّن أدخل بيته بغير إذنه ولا كتاب جاءهم من بعده قال اللّه فيما أنزله على نبيّه (صلى الله عليه وآله) في كتابه: «يَـأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ النَّبِىِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ»(2) فواللّه ما أذن لهم في الدخول عليه في حياته بغير إذنه ولا جاءهم الإذن في ذلك من بعد وفاته ونحن مأذونون في التصرّف فيما ورثناه من بعده.
وأيضاً روى سليمان بن خالد عن أبي عبداللّه (عليه السلام) قال: إنّ الحسين بن علي (عليهماالسلام)أراد أن يدفن الحسن بن علي (عليهماالسلام) مع رسول اللّه (صلى الله عليه وآله)وجمع جمعاً فقال رجل سمع الحسن بن علي (عليهماالسلام) يقول: قولوا للحسين أن لا يهرق فيّ دماً لولا ذلك ما انتهى الحسين (عليه السلام) حتّى
1. بحارالأنوار 44: 151.
2. سورة الأحزاب: 53 .
-
۱۰۳
يدفنه مع رسول اللّه (صلى الله عليه وآله)(1).
وهاتان الروايتان تشعران أو تدلاّن على عدم ارث الزوجة من العقار وعدم حقّ لعائشة في بيت النبيّ (صلى الله عليه وآله) وإلاّ فما كان لهذه الوصيّة مجال ولما كان لازماً لعائشة أن تركب البغل وتجيء إلى المسجد لتمنع من الدفن بل مجرّد أن تعلن عدم رضايتها للدفن كان كافياً في ذلك وبعبارة اُخرى مع وضوح بطلان ما ذكره العامة من أنّ الانبياء لا يورّثون وإنّما ما تركوه صدقة ومجعولية الحديث الّذي نقلوه في هذا الأمر، إنّ هذه الوصيّة تدلّ على عدم إرث زوجات النبيّ عنه (صلى الله عليه وآله) ولم تكن البيوت ملكاً لاحديهنّ في زمان حياته (صلى الله عليه وآله) فإنّه لم يملك زوجاته بيوت سكناهنّ بل أسكنهنّ فيها فحسب وما نقل من عائشة عندما جيء بجنازة الإمام الحسن (عليه السلام) من قولها: نحوّا ولدكم عن بيتي ولا تدخلوا بيتي من لا اُحبّ، ليس بصحيح. اللهمّ إلاّ أن يراد من البيت، بيت السكنى ونقول بأنّ مدفن النبيّ (صلى الله عليه وآله) هو بيت سكنى عائشة ولكن لم يقبله المحقّقون في التاريخ وصرّحوا بأنّ مدفن النبيّ (صلى الله عليه وآله) إنّما هو بيت فاطمة عليهاالسلام .
نعم، قد ورد في بعض الروايات أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) حينما قال لعلي (عليه السلام) يا علي بيتي قبري، فقالت عائشة واعترضته: يا رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) فأين
1. بحارالأنوار 44: 155.
-
۱۰۴
أسكن؟ فأجاب النبيّ (صلى الله عليه وآله): أسكني أنت بيتاً من البيوت وهي بيتي ليس لك فيه من الحقّ إلاّ ما لغيرك فقرّي في بيتك ولا تبرّجي تبرّج الجاهلية الاُولى ولا تقاتلي مولاك ووليّك ظالمة شاقّة وإنّك لفاعلة ... (1).
فيستفاد من هذه الرواية أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) جعل حقّ السكنى لزوجاته بعد موته سيّما مع الالتفات إلى هذا الحكم من عدم جواز الخروج عن بيوتهنّ وقد صرّح في هذا الكلام خطاباً لعائشة بأنّ لك من الحقّ ما لغيرك، فالمراد من الحقّ هو حقّ السكنى لا الملكيّة والتملّك فتدبّر.
وكيف كان: فالاستدلال بهذه القضيّة في المقام غير تامّ، وإنّما تكون على حدّ التأييد فقط، فتأمّل.
وبعد إثبات قول المشهور نشير إلى بعض الإشكالات الواردة في المقام:
الإشكال الأوّل: الإشكال الثبوتي في المقام
ثمّ إنّ بعض أهل النظر من المعاصرين من المخالفين لمذهب المشهور قد أورد إشكالاً ثبوتيّاً في المقام واعتقد بلزوم صرف الروايات عن ظاهرها إلى معنى آخر، إمّا بحملها على ما ذهب إليه
1. بحارالأنوار 22: 494 .
-
۱۰۵
السيّد المرتضى(1) من الحرمان من عين الرباع خاصّة لا من قيمتها ولا الحرمان من سائر الأشياء، أو حملها على ما يطبّقه عليه إمام العصر عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف؛ وذلك بتأييد ما ورد في ضمن هذه الروايات من أنّهم قالوا: إذا ولّيناهم ضربناهم بالسوط.
وتوضيح كلامه في ضمن ستِّ نقاط:
الاُولى: أنّ الروايات الواردة في الحرمان صادرة جميعاً عن الامامين الباقر والصادق (عليهماالسلام) باستثناء رواية واحدة ذكرها ابن سنان عن الإمام الرضا (عليه السلام)، ولا عين ولا أثر لهذا الحكم في الروايات الواردة عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) ومن بعده إلى زمانهما، كما أنّه لا أثر له فيما بعدهما.
الثانية: إنّ مسائل الميراث قد صدرت فيها روايات وأحكام كثيرة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) لشدّة ابتلاء المسلمين بها، مع أنّ القرآن الكريم قد تعرّض لمسألة الإرث، بل أسّسها الإسلام على نظام عادل صحيح قد خالف فيه ما كان رائجاً في الجاهليّة من عدم توريث الزوجات والنساء ولا حتّى اُولوا الأرحام، بل كان الإرث للأقوياء من عصبة الرجل، فجاء الإسلام بنظام عادل جمع فيه حقّ القرابة والسبب والولاء فجعل للوالدين والأقربين نصيباً وجعل
1. الانتصار: 30 .
-
۱۰۶
اُولي الأرحام بعضهم أولى ببعض ومنع من التوريث على أساس التبنّي أو العصبة.
الثالثة: في بداية الأمر قد وقع الانحراف في هذا النظام المهمّ وطلعت مسألة التعصيب والعول وهما من المسائل التي قد اعترض عليها أمير المؤمنين (عليه السلام) وأهل البيت وأتباعهم فكانوا من المنادين لإبطال التعصيب والعول في الإرث واستنكروه شديداً وصدر عنهم روايات متعدّدة كثيرة في إبطال ذلك، كما أنّ مقتضى التدقيق في الآيات الشريفة إبطالهما أيضاً، فهنالك سؤال يطرح نفسه وهو أنّه مع هذا الاهتمام الشديد في أحكام الإرث والدقّة في بيانها من ناحية القرآن الكريم ومع وجود الابتلاء الشديد بمسألة الإرث، كيف لا يذكر الحرمان في كلمات النبيّ (صلى الله عليه وآله) وكلمات أمير المؤمنين (عليه السلام)، مع أنّ الحرمان في مسألة العول والتعصيب كان أقلّ بمراتب من الحرمان في ما نحن فيه.
الرابعة: أنّ هذه المسألة ليست من حقوق اللّه أو الإمام (عليه السلام) كما في الخمس في أرباح المكاسب، ليُقال بأنّه قد أخّر بيانها إرفاقاً من قبل الأئمّة (عليهم السلام) بالاُمّة، بل هي من حقوق الناس والورثة الآخرين فإنّ الزوجة إذا كانت لا ترث من الأراضي شيئاً كانت للآخرين من الورثة لا محالة، فكيف يفرّط بحقوقهم طيلة تلك المدّة وفي حكومة النبيّ (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) العادلة فلا يبيّن حكم اللّه وفي الواقع
-
۱۰۷
تعطى حقوق سائر الورثة للزوجة إلى عهد الصادقين (عليهماالسلام).
الخامسة: إنّ الوضع لم يتغيّر حتّى في زمان الصادقين (عليهماالسلام)، مع أنّ المسألة لمتكن سياسيّة ليكون فيها موجب للتقيّة.
السادسة: إنّ التعبير الواقع في ألسنة هذه الروايات والتعليل الوارد فيها بأنّ ذلك من أجل أن لا تُدخل المرأة أحداً على الورثة فيفسد عليهم مواريثهم، مع أنّه قد لا يكون معها وارث آخر أصلاً فضلاً عن التعابير الاُخرى من قبيل كونها غير ثابتة فلا يكون لها إلاّ ما لا يكون ثابتاً، أو ما ورد في بعضها من منعها عن إرث السلاح والدوابّ.
فهذه النقاط والخصوصيّات توجب الاستبعاد القوي في أن يكون المقصود من هذه الروايات ما هو ظاهرها الأوّلي من حرمان الزوجة من إرث العقار والأرضين والدور والقرى والضياع والبساتين كلّية إلاّ قيمة الأنقاض والخشب والشجر فيها، بل إمّا أن يكون المقصود ما ذكره السيّد المرتضى من حرمان الزوجة من عين الرباع دون قيمتها، أو يكون النظر فيها إلى حكم خاصّ سيطبّقه الإمام المعصوم (عليه السلام) بعد ظهوره، وقد يشعر به ما ورد في بعض الروايات من أنّه إذا ولّينا ضربناهم بالسوط فإن أخذوا به وإلاّ ضربناهم بالسيف، ثمّ قال: قد يطمئن الإنسان بملاحظة مجموعة الجهات أنّ المراد من هذه الروايات ليس ظاهرها الأوّلي حرمان الزوجة من العقار.
-
۱۰۸
ثمّ استدرك في آخر هذا الإيراد وقال:
نعم، حرمانها من عين العقار والبناء في الجملة وفي أرض الدار فحسب بنحو يحفظ فيه حقّ سائر الورثة كي لا يفسد عليهم إرثهم وفي خصوص ما إذا لم تكن ذات ولد، لعلّه أمرٌ مسلّم من قبل الطائفة، إلاّ أنّ ذلك أيضاً بنحو لا ينافي استحقاقها من القيمة، كما أنّه لا ينافي النكات التي أشرنا إليها لانحفاظ سهمها من الربع والثمن من جميع التركة وصحّة إعطائها من العين أيضاً(1).
انتهى كلامه مع ترتيب قليل منّا.
ولا يخفى أنّ هذا البيان وإن كان ناشئاً عن الدقّة وفي الواقع دقّة عميقة في استنباط الأحكام المبتنية على ظواهر الروايات وينبّه الفقيه بأنّ اللاّزم عليه ملاحظة النكات المؤثّرة في فهم المراد من الروايات وعدم تسريعه للحمل على الظاهر الأوّلي.
وبعبارة اُخرى: يرجع هذا الطريق إلى ما ذكره جمعٌ من الاُصوليّين من لزوم الفحص عن وجود القرينة الصارفة عن ظاهر العبارة ولكن مع ذلك لنا ملاحظات ستِّ على هذا الإيراد.
الملاحظة الاُولى: إنّ النكات المذكورة ليست إلاّ مجرّد استبعاد كما صرّح به نفسه، وهذا لا يصلح لرفع اليد عن الظاهر فإنّه متوقّف
1. ميراث الزوجة من العقار، مجلّة فقه أهل البيت (عليهم السلام)، العدد 45: 32. 36 .
-
۱۰۹
على الاستحالة الثبوتيّة وإثباتها ومع عدمها لا وجه للتصرّف في الإثبات كما هو واضح.
الملاحظة الثانية: وجود التهافت في الصدر والذيل فإنّ النكات المذكورة تقتضي عدم حرمانها حتّى من عين الرباع، فما ذكرتم من عدم وجود هذا الحكم في زمن النبيّ وأمير المؤمنين إلى زمان الصادقين (عليهم السلام)، وأيضاً ما ذكرتم من أنّه حقّ الناس لا حقّ اللّه وأيضاً سائر النكات تقتضي عدم حرمانها أصلاً. وبالجملة الاستدراك في الذيل ينافي النكات المذكورة، والعجب أنّه كيف يصرّح بأنّه لا ينافي؟!
الملاحظة الثالثة: إنّه قد ذكر بأنّ الروايات الواردة إنّما هي من الصادقين (عليهماالسلام)، وقد ذكر ذلك أيضاً السيّد المحقّق البروجردي (قدس سره)، وما ذكره بأنّ مسائل الميراث قد صدرت فيها روايات وأحكام كثيرة عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، فتلاحظ فيه:
أوّلاً: إنّ الروايات الواردة عن الصادقين (عليهماالسلام) في مسألة الإرث كانت أكثر بمراتب من الروايات الواردة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) حتّى في الموارد التي كانت مورداً للابتلاء كما ورد في أنّ الكافر لا يرث المسلم ولو كان ذمّياً، فقد ذكر صاحب الوسائل في هذا الباب أربعاً وعشرين حديثاً وتكون تسعة عشر منها من الصادقين واثنتان منها من النبيّ (صلى الله عليه وآله) وواحدة منها من أمير المؤمنين (عليه السلام)، مع أنّ مسألة إرث
-
۱۱۰
الكافر من المسلم كانت شايعة في ذلك الزمان أيضاً.
وأيضاً بعد المراجعة إلى موسوعة مسند الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) نجد في الجزء 20 ما يقارب 121 حديثاً وفي الجزء 21 ما يقارب 35 حديثاً، وفي الجزء 22 ما يقارب 25 حديثاً، وفي الجزء 25 ما يقارب 144 حديثاً، والمجموع منه (عليه السلام) ما يعادل 320 حديثاً، مع أنّ المذكور في كتاب الإرث من وسائل الشيعة ما يقرب إلى 700 حديث ليس في بينها أكثر من 50 حديثاً لأمير المؤمنين (عليه السلام)والباقي من الصادقين (عليهماالسلام).
وسرّ ذلك ما ذكره أهل التاريخ من منع تدوين الحديث بعد النبيّ (صلى الله عليه وآله) إلى زمان يقرب إلى مائتي سنة.
ثانياً: نحن نرى أنّ أكثر خصوصيّات الحجّ والصلاة والصوم قد نقلت عن الصادقين (عليهماالسلام)، فهل يجوز التشكيك فيها، مع أنّ كثيراً منها كان مورداً لابتلاء الناس سيّما في مسائل الحجّ.
الملاحظة الرابعة: ما ذكره في آخر كلامه كما أنّه ذكره في الإيراد الثاني الذي سيأتي من عدم انحفاظ سهام الزوجة من الربع والثمن في فرض الحرمان، وانحفاظه في فرض عدم الحرمان، وتوضيح ذلك: أنّا لو قلنا بحرمان الزوجة من العقار لصار سهم الزوجة منها أقلّ من الربع أو الُثمن، ولو قلنا بعدم حرمانها لكان سهماً مساوياً للربع من جميع ما تركه الزوج أو الثمن.