-
۹۱
العبارة بعنوان الرواية غير تامّ؛ فإنّ محمّد بن أحمد بن يحيى قال النجاشي في حقّه: كان ثقة في الحديث إلاّ أنّ أصحابنا قالوا كان يروي عن بعض الضعفاء ويعتمد المراسيل ولا يبالي عمّن أخذ(1).
القرائن الدالّة على أنّها فتواه ورأيه
1 ـ إنّ هذه المقطوعة كانت بمرأى ومنظر من الشيخ المفيد والسيّد المرتضى وابن إدريس والمحقّق في النافع وكاشف الرموز، فالسؤال أنّهم لِمَ لم يعتمدوا عليها ولم يستندوا إليها ؟
فهل من الممكن أن يكون عندهم بعنوان الرواية ومع ذلك لم يتعرّضوا لها؟
وبعبارة اُخرى: إذا كانت المقطوعة رواية عندهم فلا أقلّ كان اللاّزم أن يذكروها ويصرّحوا بعدم الاعتماد عليها أو لزوم الإعراض عنها، مع أنّا نرى عدم تعرّضهم لهذه المقطوعة، فهذا يقوّي كونها فتوى له ولا أقلّ من الشكّ في كونها رواية.
2 ـ إنّ الروايات النافية المطلقة كانت بصدد بيان جميع الخصوصيّات وندّعي أنّها لم تكن في حدّ الإطلاق فحسب، بل هي أقوى من الإطلاق وتكون بمنزلة المصرّحة بعدم الفرق بين ذات الولد وغيرها، فإنّ السائل حينما كان يسأل عنهم (عليهم السلام): ما لهنّ من
1. رجال النجاشي: 348، رقم 939 .
-
۹۲
الميراث وكان الإمام بصدد بيان جميع الخصوصيّات ولم يتفوّه بالفرق بين ذات الولد وغيرها، يظهر أنّ الفرق غير صحيح جدّاً.
وبعبارة اُخرى الروايات تدلّ على عدم الفرق من جهة الإطلاق المقامي وهو أقوى من الإطلاق اللفظي، فتدبّر.
فكيف يتصوّر أنّ الإمام (عليه السلام) يذكر حكم الطوب والخشب والقصب ولكن لم يذكر الفرق بين ذات الولد وغيرها.
3 ـ إنّ الرواية الخامسة من الروايات السبعة عشر (صحيحة الفضلاء الخمسة) التي راويها ابن أبي عمير عن ابن اُذينة صريحة في عدم الفرق بين وجود الولد وعدمه، فإنّ الإمام يصرّح فيها بأنّها تعطى ربعها أو ثمنها، والربع في فَرض عدم وجود الولد للميّت والثمن في فرض وجوده.
ولا يخفى أنّ التفصيل في المقام فيما إذا كانت المرأة ذات ولد من الميّت ووجود الفرق بينه وبين وجود الولد للميّت واضح، فيمكن أن يكون للميّت ولد من زوجة اُخرى صارت مطلّقة ولكن بعد التزويج بامرأة اُخرى لم يكن له منها ولد، ومع وجود الفرق بينهما في نفس الأمر لكن الظاهر اتّحادهما في الرواية بمعنى وجود الولد للميّت من هذه المرأة المتوفّى عنها زوجها، فتدبّر جدّاً.
وبالنتيجة: كيف يمكن لابن اُذينة أنّه نقل عن الفضلاء الخمسة من أحدهما (عليهماالسلام) كلاماً دالاًّ على عدم الفرق بين ذات الولد وغيرها، ثمّ
-
۹۳
يذكر ثانياً وجود الفرق بينهما، وهل هذا كاشف عن كون الثاني ليس رواية بل هي فتواه ورأيه.
4 ـ يستفاد من كلمات الرواة في هذه الروايات أنّ عدم الفرق بين ذات الولد وغيرها كان أمراً مسلّماً عندهم، كما أنّه يستفاد من بعض الروايات أنّ حرمان الزوجة من العقار كان مفروضاً واضحاً عندهم، فما ذكره ابن أبي يعفور من أنّ الرجل يكون في ذلك بمنزلة المرأة فلا يرث من ذلك يعني من العقار شيئاً.
5 ـ ما مرّ منّا من أنّه بعد التتبّع في ما ذكره ابن اُذينة نرى أنّه في كثير من الموارد يذكر عن الإمام (عليه السلام) مع الواسطة حتّى في بعض الموارد يذكر عن الإمام (عليه السلام) بالوسائط المتعدّدة، فهذا يوجب ظنّاً قويّاً لنا في أنّ المقطوعة ليست كلاماً من الإمام، وأيضاً لم تكن منقولة عن أحد من أصحابه (عليه السلام).
فبالنتيجة: القرائن الدالّة على كونها رأيه وفتواه قويّة جدّاً، ونحن لا نحتاج إلى هذه القرائن، بل يكفي عدم إثبات كونها كلاماً من المعصوم (عليه السلام) فلا يمكن الاعتماد عليها.
المطلب الثاني: وجود الإشكالات فيها من حيث الدلالة مع فرض كونها كلاماً من الإمام (عليه السلام):
1. في ص 69 .
-
۹۴
الأوّل: إذا بنينا على كونها كلاماً من الإمام (عليه السلام) وجعلناها شاهداً على الجمع بين الروايات النافية والروايات العامّة المثبتة فيلزم من ذلك إخراج مورد بعض الروايات منها، وهذا قبيحٌ جدّاً.
توضيح ذلك: أنّ عبيد بن زرارة والفضل أبي العبّاس قالا: قلنا لأبي عبداللّه (عليه السلام): ما تقول في رجل تزوّج امرأة ثمّ مات عنها وقد فرض لها الصداق؟ قال: لها نصف الصداق وترثه من كلّ شيء .
ففي هذه الرواية من جهة أنّه صرّح (عليه السلام) بنصف الصداق، نفهم عدم وجود ولد للميّت، فلو حملنا هذه الرواية ـ بقرينة مقطوعة ابن اُذينة ـ على ما إذا لم يكن لها ولد لَلَزم إخراج مورد الرواية، وهذا قبيح.
وهذا الإشكال متين لا يمكن دفعه.
الثاني: أنّ حمل الروايات النافية على ما إذا لم يكن لها ولد، حمل على الفرد النادر فإنّ الغالب وجود الولد لها منه.
وقد اُجيب عنه بوجوه:
أوّلاً: بأنّه ليس نادراً، بل كثيراً ما لا يكون للزوجة ولد من زوجها المتوفّى.
وفساده واضح ولعلّه من سهو قلمه الشريف.
ثانياً: إنّ هذا الحكم حيث إنّه على خلاف القاعدة والأصل
-
۹۵
والروايات الدالّة عليه بحكم التعليل الوارد فيها تناسب مع غير ذات الولد(1).
وهذا الجواب لا يرتبط بالإشكال أصلاً، مضافاً إلى أنّ الحكمة لو لم تكن أنسب مع كونها ذات ولد لما كان ظاهراً في غير ذات الولد، بل من هذه الجهة عامّ، وقد صرّح صاحب مفتاح الكرامة بأنّ نسبة الحكمة إليهما سواء وإن كان بالنسبة إلى غير ذات الولد أقوى(2).
ثالثاً: ورد التفصيل في الروايات بين قيمة البناء وعين التربة.
وهذا الجواب أيضاً غير مرتبط بالإشكال كما هو واضح.
رابعاً: عدم مركوزيّة العمل به في ذات الولد حتّى من قبل أصحاب الأئمّة (عليهم السلام)، بمعنى أنّ ارتكاز أصحاب الأئمّة (عليهم السلام) عدم حرمان الزوجة إذا كان لها ولد.
وفيه: كيف يعتمد على هذا الارتكاز، وكيف يدّعيه مع أنّ الأصحاب نقلوا هذه الروايات المستفيضة غير المفصّلة بين ذات الولد وغيرها.
ثمّ قال: فلا يلزم من اختصاصه بخصوص الزوجة غير ذات الولد تخصيص عمومات أو مطلقات واضحة عامّة البلوى بموارد نادرة ليكون مستهجناً أو غير محتمل، بل على العكس من ذلك باعتبار
1. ميراث الزوجة من العقار، مجلّة فقه أهل البيت (عليهم السلام)، العدد 46: 28 .
2. مفتاح الكرامة 8: 191 . ط. القديمة
-
۹۶
غموض أصل مفاد هذه الروايات وكونه على خلاف الأصل والقاعدة وظواهر القرآن والأحاديث والشهرة وعمل المتشرّعة.
أقول: لا شكّ في وضوح الإطلاق في الأخبار والروايات النافية وادّعاء الغموض فيها غير صحيح جدّاً، كما أنّ مخالفة الأصل والقاعدة غير واضحة جدّاً، فأيّ أصل أو قاعدة يدلّ على إرثها من جميع التركة!!! وأمّا ظواهر القرآن فقد مرّ الجواب عنها، كما أنّ النسبة إلى الشهرة قد مرّ بطلانها، وكذلك عمل المتشرّعة.
وبالنتيجة هذه الوجوه للجواب عن الإشكال لا يمكن الاتّكال عليها، وعليه فالجواب الصحيح أن يقال: إنّ المستهجن هو تخصيصات متعدّدة متكثّرة، وأمّا التخصيص إذا كان واحداً ولكن الأفراد التي تخرج عن دائرة العامّ كانت كثيرة لم يكن مستهجناً، فإذا قال: اعتق رقبة، ثمّ قال: لا تعتق الرقبة الكافرة، فيصحّ التقييد ولو كان أفراد المؤمن بين الرقبات قليلاً.
الثالث: إنّ ما ذكره ابن اُذينة إنّما هو بالنسبة إلى الرباع، فإنّه قال: في النساء إذا كان لهنّ ولد اُعطين من الرباع، والاعتماد عليه موجب لعدم حرمان الزوجة عن الرباع وحرمانها عن سائر الأراضي، وهذا ممّا لم يقل به أحد.
وقد اُجيب عنه: بأنّ الرباع هي القدر المتيقّن من الحكم
-
۹۷
بحرمان الزوجة من إرث الأرض بحيث لا يحتمل فقهيّاً ولا عرفاً ـ وبحسب لسان الروايات ومناسبة التعليل الوارد فيها ـ اختصاص الحرمان بغير الرباع من الأراضي فتكون الصحيحة دالّة على عدم حرمان الزوجة من إرث سائر الأراضي غير الرباع بطريق أولى(1).
وهذا الجواب متين جدّاً، ونضيف إليه أنّ هذا الإشكال يصحّ على القول المشهور، وأمّا بناءً على ما ذهب إليه المفيد فلا يرد كما هو واضح.
الدليل الثاني للتفصيل: انقلاب النسبة
وقد يستدلّ للتفصيل مع قطع النظر عن مقطوعة ابن اُذينة، عن طريق انقلاب النسبة في المقام.
وتوضيح ذلك: أنّ النسبة بين الطائفة الاُولى والطائفة الثانية هي العموم من وجه، بمعنى أنّ الروايات الدالّة على حرمان الزوجة من العقار مباينة مع الروايات الدالّة المصرّحة بإرثها من كلّ شيء، ولكن من جهة وجود الإجماع على حرمان غير ذات الولد، تخصّص الثانية وبعد التخصيص تنقلب النسبة بين الاُولى والثانية إلى العموم والخصوص المطلق، بمعنى أنّ الثانية أخصّ مطلقاً من الاُولى فتخصّص الاُولى بها والنتيجة هي الحرمان في غير ذات الولد وعدم
1. ميراث الزوجة من العقار، مجلّة فقه أهل البيت (عليهم السلام)، العدد 46: 29.
-
۹۸
الحرمان في ذات الولد:
قال السيّد محمّد آل بحر العلوم:
ربما يتوهّم في المقام، بل قد توهّمه بعض المعاصرين، تخصيص المطلقات بغير ذات الولد مع قطع النظر عن مقطوعة ابن اُذينة بدعوى اقتضاء الترتيب في علاج الأخبار المتعارضة وذلك بتقريب أنّ الأخبار الآمرة بإرثها مطلقاً من كلّ شيء مخصّصة ـ أوّلاً ـ بالإجماع على حرمان غير ذات الولد، الخارجة به عن عمومها، وبعده تنقلب النسبة وتكون بينها وبين المطلقات النافية للإرث نسبة العامّ والخاصّ المطلق فتخصّص تلك المطلقات بها، وهو المنتج للتفصيل بعد الحمل عليه(1).
وفيه:
أوّلاً: الظاهر أنّ النسبة بين الاُولى والثانية مع قطع النظر عن الإجماع، تكون عموماً وخصوصاً مطلقاً؛ بمعنى أنّ الاُولى خاصّ والثانية عامّ، وليست النسبة تبايناً أو من وجه حتّى تنقلب بعد جريان الإجماع.
ولا ينقضي تعجّبي كيف غفل القوم عن هذا المطلب ولم يتفطّنوا في الجواب إلى هذه الجهة. ويؤيّد ذلك أنّ الشيخ الطوسي (رحمه الله) في
1. بُلغة الفقيه 3: 99.
-
۹۹
الاستبصار(1) في مقام التوجيه بالنسبة إلى الطائفة الثانية ذكر وجهين:
الأوّل: الحمل على التقيّة.
الثاني: التخصيص بالطائفة الاُولى.
وهذا لا يصحّ إلاّ إذا قلنا بأنّ النسبة بينهما من قبيل العموم والخصوص مطلقاً.
ثانياً: التحقيق بطلان انقلاب النسبة كبرويّاً، واللاّزم ملاحظة ظهور كلّ دليل مع دليلٍ آخر، بحيث لو كان الدليل الأوّل عامّاً ثمّ جاء المخصّص الأوّل والمخصّص الثاني لوجب ملاحظة كلّ مخصّص مع العامّ، مع قطع النظر عن التخصيص.
وبعبارة اُخرى: العامّ بعد التخصيص يكون ظهوره في العموم باقياً، وهذا الظهور هو الملاك في النسبة.
نعم، ذهب بعض كصاحب البلغة إلى قبول الكبرى وعدم انطباقها في المقام، فقالوا: إنّ انقلاب النسبة أمرٌ صحيح في المخصّص المتّصل ولكن لا يجري في المنفصل، وما نحن فيه يكون المخصّص هو الإجماع وهو ليس بمتّصل كما هو واضح(2).
ثالثاً: ما ذكره البلغة وتبعه الشيخ محمّد تقي البروجردي في
1. الاستبصار 4: 155 .
2. بلغة الفقيه 3: 101 .
-
۱۰۰
النخبة(1) من عدم وجود إجماع على حرمان غير ذات الولد. نعم، هذا هو المتيقّن في المقام بناءً على الحرمان، ولكن بين كون شيء متيقّناً وبين دلالة الدليل وإقامة الدليل عليه فرقٌ واضح.
ونلاحظ فيه أنّ في انقلاب النسبة لا يلزم وجود الدليل الثالث، بل اللاّزم وجود شيء ثالث موجب للتصرّف في الدليل الأوّل والثاني، فلا فرق بين الإجماع على هذا المقدار من الحرمان وبين كونه قدراً متيقّناً.
رابعاً: ما ذكره السيّد المحقّق الحكيم (قدس سره) من أنّ الإجماع مدركي لا يكون حجّة(2).
وفيه: مرّ منّا مراراً أنّ كون الإجماع مدركيّاً لا يضرّ بحجّيته.
خامساً: ما ذكره السيّد المحقّق الحكيم (قدس سره) أيضاً من أنّه بعد تسليم الكبرى لا تنقلب النسبة في المقام إلى العموم والخصوص المطلق، بل تنقلب إلى عموم وخصوص من وجه؛ وذلك أنّ الأخبار المورثة تصير بعد التخصيص بالإجماع عامّاً من جهة عدم وجود الفرق بين العقار وغيرها، وخاصّةً من جهة اختصاص الحرمان بغير ذات الولد، كما أنّ الأخبار النافية الدالّة على الحرمان خاصّ من جهة الحرمان عن خصوص العقار وعامّ من
1. نخبة الأفكار: 16 .
2. رسالة في حرمان الزوجة من بعض الإرث؛ مجلة فقه أهل البيت (عليهم السلام)، العدد 43: 199 .