pic
pic
  • ۱

    نخبة الأنظار في حرمان الزوجة من الأراضي والعقار

    تأليف: الأستاذ المحقّق آية الله الشيخ محمّد جواد الفاضل اللنکراني

  • ۵

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمدللّه‏ الذي أذهب الليل مظلماً بقدرته، وجاء بالنهار مبصراً برحمته وأرسل رسوله محمّداً هادياً لأُمّته واُصلّي واُسلّم عليه وعلى عترته.

    أمّا بعد فإنّ الفقه من أعظم العلوم شأناً وأوسعها نطاقاً في حياة البشر، فإنّا لم نجد موضوعاً لا يتعلّق به حكم من الأحكام الشرعية التكليفية أو الوضعية، فللفقيه حقّ عظيم في إرشاد الاُمّة الإسلاميّة إلى وظائفهم الإلهيّة ولم يصل أحد إلى هذه المنزلة إلاّ إذا خالف الهوى واتّبع أمر مولاه، فإذا كان هكذا، أحبّه اللّه‏ وإذا أحبّه فقّهه في الدين ويستطيع أن ينظر بنور اللّه‏ في الأحكام الإلهيّة التي أوحى بها إلى سيّد المرسلين وكان ممّن اجتهد في هذا الميدان، المجتهد البارع الاُستاذ المعظّم لدروس الخارج في الحوزة العلميّة بقم، الشيخ محمّد جواد الفاضل اللنكراني دامت افاضاته فقد جدّ كمال الجدّ حتّى بلغ بحمد اللّه‏ مرتبة الإجتهاد والإستنباط في شباب عمره

  • ۶

    بحيث صار مجلس درسه مورداً لتوجّه الفضلاء ووقعت كتبه محلاًّ للبحث بين العلماء وهذا الكتاب حصيلة لمجموعة من أبحاثه في شهر رمضان سنة 1430ه . ق في موضوع إرث الزوجة من العقار والأبنية ألقاها لعدّة من الفضلاء وهذا الموضوع من المباحث الهامّة في هذا العصر فإنّه من المسائل الغامضة من حيث الدليل والاستدلال وكثرة الروايات الواردة فيه وتعدّد العناوين المذكورة فيها من جانب ومن المباحث التي تكون نتيجتها مهمّة للثقافيين من جانب آخر وهذا الكتاب تحقيق جامع استدلالي قد روعي فيه ضوابط الاجتهاد عن دقّة عميقة جدّاً ونحن نهضنا بنشره في مركز فقه الأئمّة الأطهار (عليهم السلام) الذي هو من جهود المرجع الأعلى آية اللّه‏ العظمى الشيخ محمّد الفاضل اللنكراني (قدس سره) إجابة لدعوة جمع من الأعزّاء الكرام وتعميماً لفائدته للفضلاء العظام، وفي الختام نشكر من سماحة حجّة الإسلام والمسلمين الشيخ جعفر الطبسي وحجّة الإسلام السيّد جواد حسينيخواه دامت إفاضاتهما حيث بذلا جهدهما لمراجعة مصادر الكتاب ونسئل اللّه‏ تعالى أن يوفّقنا لمرضاته إنّه قريب مجيب.

    مركز فقه الأئمّة الأطهار (عليهم السلام)
    محمدرضا الفاضل الكاشاني

  • ۷

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد للّه‏ ربّ العالمين والصّلاة والسّلام على سيّدنا ونبيّنا إبي القاسم محمّد وعلى آله الطيّبين الطاهرين المعصومين ولعنة اللّه‏ على أعدائهم أجمعين.

    أمّا بعد فلا شكّ بين المسلمين جميعاً في أنّ الزوج يرث من جميع ما تركته المرأة، ولكن الخلاف وقع في أنّ الزوجة هل ترث من جميع ما تركه الزوج أم لا، بل كانت محرومة من بعض الأشياء؟

    ذهب العامّة إلى أنّه لا فرق بينهما من هذه الجهة؛ فكما يرث الزوج من جميع ما تركته زوجته، فكذلك ترث الزوجة من جميع ما تركه الزوج، فلا فرق بينهما في الإرث من هذه الجهة.

    ولكن الإماميّة وفقهائهم ذهبوا إلى أنّه لا شكّ في أصل وجود الحرمان للزوجة بالنسبة إلى شيء ممّا تركه الزوج، ولا خلاف بينهم في هذا المعنى. وإنّما النزاع في موردين:

  • ۸

    الأوّل: فيما تحرم الزوجة منه.

    الثاني: فيمن تحرم من الزوجات.


    خلفيّة البحث

    وقبل الورود في البحث لا بأس بالإشارة إلى خلفيّة البحث، فنقول: إنّ البحث حول إرث الزوجة كان من قديم الأيّام متداولاً بين علماء الإماميّة، كما أنّه يعدّ من المسائل المهمّة التي قد وقعت الشيعة مورداً للطعن من المخالفين، وربما اتّهموهم بأنّهم قد خالفوا القرآن وعمومه وخرجوا عن إجماع الاُمّة، ففي زمن الشيخ المفيد (قدس سره) قد أرسل إليه وكيله في صاغان(1) شبهات وأسئلة من قِبل أبي العبّاس وهو الفقيه الحنفي المعاصر المقيم في نيسابور وقد ذكر فيها سؤالاً حول هذا الموضوع وصرّح بأنّ القول بحرمان الزوجة من بعض ما تركه الزوج مخالف لعموم القرآن حيث قال اللّه‏ تبارك وتعالى: «وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ»<،(2) فهذه الآية عامّة تدلّ على أنّ الزوجة ترث من جميع ما تركه الزوج، وصرّح أيضاً بأنّ هذه الفتوى موجبة للخروج عن


    1. صاغانُ بالغين المعجمة، وآخره نون: قرية بمرو وقد تسمّى جاغان كوه، عن السمعاني، والصغانيان: بلاد بماوراء النهر، وقد تشبه النسبة فيهما وتُذكر في موضعها. معجم البلدان 3: 441 .

    2. سورة النساء: 12.

  • ۹

    إجماع الاُمّة.

    وقد أجاب الشيخ المفيد بأنّه لا إشكال في مخالفة العموم وتخصيصه بالخبر المتواتر، وهذا متّفقٌ عليه بين العامّة والخاصّة، وفيما نحن فيه تكون الروايات فوق حدّ التواتر، ثمّ اعترض عليهم بأنّكم تخصّصون الكتاب بالخبر الواحد الشاذّ وأيضاً أنتم ترفعون اليد عن عموم القرآن بالخبر المرسل أو بالقياس!.

    وأيضاً أجابهم بجواب نقضي وهو أنّ قوله تعالى: «لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ»(1) عامّ، مع أنّكم خصّصتموها بحديثٍ مجعول وهو «إنّا نحن معاشر الأنبياء لا نورّث ما تركناه صدقة»(2)، وبعد هذا التخصيص منعتم الصدِّيقة الطاهرة سلام اللّه‏ عليها من حقّها، أليس هذا مخالفة للكتاب وتخصيصاً للعموم بمخصّص غير صحيح؟!

    وبهذا الحديث المجعول قد خصّصتموا نفس هذه الآية «وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ»(3).

    وقال: أيّها الشيخ قد خصّصت وأئمّتك من قبلك عموم هذه الآية بل رفعتم حكمها في أزواج النبيّ (صلى الله عليه و‏آله) وحرمتموهنّ من استحقاق


    1. سورة النساء: 7 .

    2. الموطأ 2: 993 / 27، صحيح مسلم 3: 1379 / 51، سنن أبي داود 3: 139 / 2963.

    3. سورة النساء: 12.

  • ۱۰

    بركات ميراثه جملةً وحرّمتموهنّ شيئاً منها بخبر واحد ينقضه القرآن.

    وقال أيضاً في جوابه: من أين زعمت أنّ الشيعة قد خالفت الاُمّة في منعها النساء من ملك الرباع على وجه الميراث من أزواجهنّ وكافّة آل محمّد (صلى الله عليه و‏آله) يروون ذلك عن رسول اللّه‏ ويعملون به وراثةً لسنّته فيه، فأيّ إجماع تخرج منه العترة وشيعتهم لولا عنادك وعصبيّتك. انتهى كلامه(1).

    وسيأتي الكلام حول هذه الآية الشريفة من حيث العموم والإطلاق إن شاء اللّه‏ تعالى.

    وبعد مراجعة الروايات التي هي الأساس الوحيد في هذا البحث يتّضح لنا أنّ الأئمّة المعصومين (صلوات اللّه‏ عليهم أجمعين) قد أكّدوا على هذا الرأي ولم يتنازلوا عن هذه الحقيقة، وحينما اعترضوا عليهم بأنّ الناس لم يقبلوا هذا الحكم أجابوا: «بأنّا إذا ولّيناهم ضربناهم بالسوط فإن انتهوا وإلاّ ضربناهم عليه بالسيف»(2).

    وهذا التعبير كناية عن شدّة اهتمامهم ولزوم إجراء هذا الحكم في المجتمع الإسلامي، وإنّما صلاحهم ونفعهم في هذا ومع عدمه ربما كان


    1. المسائل الصاغانيّة: 97 .

    2. الكافي 7: 129، كتاب المواريث، باب أنّ النساء لا يرثن من العقار شيئاً، ح8 .

۱۷,۵۴۴ الزيارة