pic
pic
  • ۱۱

    الصدق المزبور على الاستقبال بجميع أجزاء البدن يكذّبها الوجدان فيما لم يذكر فيه متعلّق الأمر بالاستقبال جميع البدن بل اقتصر على قوله استقبل».(1)

    والظاهر أنّ الطواف كالاستقبال، فإنّ امتثال قوله تعالى: (وَلْيَطَّوَّفُوا) يكفي فيه صدق الطواف العرفي، ولا يعتبر فيه أن يكون جميع أجزاء الطائف داخلاً في المطاف بحيث لو كان رأسه أو يده مثلاً خارجاً عن حدّ المطاف لكان مخلاًّ بطوافه، ومن الواضح عدم ثبوت حقيقة شرعية لهذا المفهوم، كما أنّه ليس من الموضوعات التي تصرّف فيها الشارع المقدّس، كما أنّ الشارع ليس عنده كيفيّة خاصّة من جهة أصل العمل فيه وإن أضاف إليه بعض الشرائط كالطهارة والبدو من الحجر الأسود والختم به.

    نعم، لا ثمرة لهذا البحث بعد الذهاب إلى التوسعة والقول بأنّ ما علا الكعبة محكوم بحكم البيت يجوز الطواف حوله، إذ عليه تكون أجزاء الطائف داخلةً على الدوام، لا معنى لخروج بعضها.


    1. جواهر الكلام 7: 329.

  • ۱۲

    حكم البناء في مكّة مرتفعاً عن البيت

    الخامس: ورد النهي في الروايات عن البناء في مكّة مرتفعاً عن الكعبة.

    منها: ما ذكره محمّد بن يعقوب عن محمّد بن يحيى العطّار عن محمّد بن الحسين عن علي بن الحكم عن صفوان، عن العلاء عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث قال: «نهى (عليه السلام) أن يرفع الإنسان بمكّة بناءً فوق الكعبة».(1)

    والرواية معتبرة من جهة السند، فإنّ المراد من محمّد بن الحسين هو محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب على ما استظهره السيّد الخوئي،(2) وهو ثقة جليل، وعلي بن حكم أيضاً ثقة، وصفوان وإن كان مشتركاً بين صفوان بن مهران وصفوان بن يحيى إلاّ أنّ كليهما ثقة، والمراد من العلاء هو علاء بن رزين وهو ثقة جليل القدر.

    ومنها: ما ذكره المفيد في المقنعة قال: «نهى (عليه السلام) أن يرفع


    1. وسائل الشيعة، باب كراهة رفع البناء بمكّة فوق الكعبة، باب 17.

    2. معجم رجال الحديث 15: 290.

  • ۱۳

    الإنسان بمكّة بناءً فوق الكعبة».(1)

    وبعد الاختلاف في أنّه هل هو محمول على الحرمة أو دالّ على الكراهة كما يستفاد من عنوان الباب الموجود في الوسائل، يوجد سؤال آخر وهو: هل النهي في هذا النصّ شامل لجميع الأبنية الواقعة في مكّة حتّى المسجد الحرام بمعنى أنّ الشارع نهى أن يرفع بناء فوق الكعبة لشرافتها، فلايجوز البناء حتّى داخل المسجد بحيث يصير مرتفعاً عنها أو أنّ النهي مختصّ بالأبنية التي يصطنعها الناس لأنفسهم، ومن ثمّ فتكون الروايات منصرفة عن نفس المسجد؟

    الظاهر عدم الانصراف; لعدم وجه له، والإنصاف ظهور الكلام في الإطلاق سيما بالنسبة إلى كون لفظ البناء نكرة في سياق النفي أو النهي، ويؤيّده قرينة مناسبة الحكم والموضوع، فإنّ شرافة الكعبة وعظمتها يجب أن تحفظ بالنسبة إلى كلّ شيء حتّى بلحاظ البناء الموجود داخل المسجد.

    فبناءً على الإطلاق يمكن أن يقال بعدم صحّة الطواف من


    1. المقنعة: 444.

  • ۱۴

    الطابق الأوّل الموجود فعلاً، فإنّه ـ بعد التحقيق والسؤال ـ ظهر في زماننا هذا كونه مرتفعاً عن البيت بمقدار سبعة وعشرين سانتيمتراً.

    والدليل على ذلك أنّ الشارع إذا نهى عن البناء نفهم بالملازمة العرفية عدم صحّة الطواف منه أو نفهم عدم جواز كون الإنسان أيضاً مرتفعاً عن الكعبة.

    هذا، والإنصاف أنّ هذه الروايات لا تشمل صورة ما إذا كان نفس الإنسان مرتفعاً عن البيت حال الطواف، فإنّ موردها الأبنية الثابتة لا المتحركة، فلا تشمل الإنسان نفسه في دورانه حوله مرتفعاً عنه.

    كما أنّ شرافة البيت ـ والتي هي الحكمة الأصلية لهذا الحكم ـ لا تشمل ما يتعلّق بهذا البيت من الأبنية الموجودة في المسجد ممّا هو من شؤونه.

    الطواف من الطابق الأعلى من البيت

    السادس: وهو المهمّ في المقام وحاصله: أنّه قد اشتهر في ألسنة الفقهاء، بل صار أمراً مجمعاً عليه بينهم، بل

  • ۱۵

    بين المسلمين كما صرّح به كاشف اللثام; أنّ القبلة تمتدّ محاذية للكعبة علواً وسفلاً من عنان السماء إلى تخوم الأرض، وأنّه لا عبرة بالبناء الموجود المحسوس، والظاهر أنّ أوّل من صرّح به هو الشهيد الثاني في المسالك ثمّ تبعه صاحب المدارك، وتبعهما جميع من تأخّر عنهما إلى زماننا هذا، إلى أن صار أمراً مسلَّماً عند الجميع.(1)

    لكنّ السؤال يكمن في أنّ الطواف هل هو ملحق بالاستقبال، بحيث يكون الفضاء الموجود فوق البيت أو تحت الأرض ملحقاً به، فيجوز الطواف حوله أم لا؟ وبعبارة اُخرى هل أنّ الطواف حول الفضاء طواف حول البيت أم لا؟ ومن ثمّ لا يكون ملحقاً، بل ذاك الحكم مختصّ بالاستقبال؟


    1. المسالك 1: 152; المدارك 3: 121; الحبل المتين ص190; ذخيرة المعاد 2: 215; الحدائق الناضرة 4: 377; كشف الغطاء 1: 217; غنائم الأيّام 2: 367؛ جواهر الكلام 7: 320; مصباح الفقيه 2: 90; المستمسك 5: 174.

  • ۱۶

    الظاهر أنّ المستفاد من الروايات عدم اختصاصه بالاستقبال، فإنّ بعضها يدلّ بالإطلاق على جواز الطواف حول الفضاء أيضاً، فقد روى الصدوق ـ إرسالاً ـ قال الصادق (عليه السلام): «أساس البيت من الأرض السابعة السفلى إلى الأرض السابعة العليا».

    وهذه الرواية وإن كانت مرسلة إلاّ أنّ هذا النوع من الإرسال غير مضرّ كما حقّق في محلّه.

    كما أنّ الدلالة واضحة، فإنّ قوله: «أساس البيت» لا يختصّ بالاستقبال، بل يشمل الطواف أيضاً، ولا قرينة في الرواية على اختصاصه بالاستقبال. نعم، لا يدلّ على كون الفوق ملحقاً بالبيت، وإنّما يدلّ على أنّ ما تحت البيت من الأرض السفلى إلى الأرض العليا من البيت، إلاّ أن يقال: إنّ كلمة الأرض لا يراد بها الأرض في قبال السماء، بل يراد من الأرض السفلى والعليا الامتداد من جهة الفوق والتحت، ومعه فيكون التعبير كناية عن هذا الأمر.

    وقد ورد في بعض الروايات الواردة في ذيل الآية الشريفة: (أَللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَات وَمِنَ الاَْرْضِ

  • ۱۷

    مِثْلَهُنَّ)(1)، أنّ المراد من الأرض العليا هي الأرض السابعة فوق السماء السادسة، فقد روى العياشي بإسناده عن الحسين بن خالد عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: «بسط كفّه ثمّ وضع اليمنى عليها فقال: هذه الأرض الدُّنيا والسماء الدُّنيا عليها قبّة، والأرض الثانية فوق السماء الدُّنيا، والسماء الثانية فوقها قبّة، والأرض الثالثة فوق السماء الثانية، والسماء الثالثة فوقها قبّة، حتّى ذكر الرابعة والخامسة والسادسة، فقال: والأرض السابعة فوق السماء السادسة، والسماء السابعة فوقها قبّة، وعرش الرحمن فوق السماء السابعة، وهو قول الله: (الّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَات وَمِنْ الاَْرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ)(2).

    فهذه الرواية صريحة في الامتداد والتوسعة من جهة الفوق والتحت معاً.

    وكيف كان، فلاشكّ في أنّ هذا التعبير إنّما هو كناية عن الامتداد.


    1. سورة الطلاق 65: 12.

    2. تفسير القمّي: 2 / 328 ـ 329.

  • ۱۸

    وفي بعض الروايات الواردة في القبلة إشارة إلى الفوق أيضاً كما في خبر عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: «سأله رجل قال: صلّيت فوق جبل أبي قبيس العصر فهل يجزي ذلك والقبلة تحتي؟ قال: نعم، إنّها قبلة من موضعها إلى السماء».(1)

    وبعد انضمام هذه الرواية إلى المرسلة ـ مع قطع النظر عن الرواية المذكورة عن العياشي ـ نفهم أنّ البيت ممتدّ من الجانبين ولا يختصّ بالبناء الموجود هذا.

    بل يمكن أن نضيف بأنّ التوسعة من جانب التحت فقط دون الفوق، ووجود الفرق بينهما من هذه الجهة بعيد جدّاً وغريب حقّاً، ولا يكون الخبر قرينة على كون المراد من المرسلة القبلة والاستقبال فقط; لعدم جريان التقييد في المثبتين.

    إن قلت: إنّ أدلّة الطواف ظاهرة في وجوب كون الطواف محاذياً لنفس البيت، فإنّ قوله تعالى: (وَلْيَطَّوَّفُوا


    1. الوسائل، 4 / 339، الباب 18، أبواب القبلة ح1.

  • ۱۹

    بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ)(1) ظاهر في لزوم كون الطواف بنفس البيت لا بفضائها، والعودة إلى اللغة سيما بالنسبة إلى التعبير بكلمة الحول في بعض الروايات تؤيّد ذلك، فقوله «طاف بالمكان» يعني أنّه جعل المكان في وسطه لا فوقه ولا تحته.

    قلت: نعم، وإن كان الظاهر كذلك، إلاّ أنّ الرواية حاكمة ومفسِّرة الأمر الذي يوجب التوسعة، كما أنّ الأدلّة الواردة في الاستقبال ظاهرة في لزوم كون الصلاة محاذية لنفس البيت، ولا أقل لمن كان في المسجد، والرواية توجب التوسعة في ذلك، ومن البعيد جدّاً وجود الفرق بين الاستقبال والطواف مع كون التكليف فيهما إلى البيت.

    إن قلت: يستفاد من بعض الآيات الشريفة أنّ الواجب على المصلّي أن يجعل وجهه شطر المسجد الحرام، كقوله تعالى: (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ)(2)، ومعنى ذلك أنّه لا مدخلية لنفس البيت،

    1. الحج: 29.

    2. البقرة: 144.

  • ۲۰

    مع أنّ التكليف في الطواف لا يكون إلى المسجد بل بالبيت، لقوله تعالى: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ)(1)، وقوله تعالى: (وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ)(2)، ومن الواضح أنّ المراد من البيت في الآية الكعبة لا المسجد.

    قلت: مضافاً إلى أنّ هذا التعبير إنّما جاء في قبال بيت المقدس ولزوم الانصراف عنه والتوجّه إلى المسجد الحرام، لاشكّ في أنّه من كان داخلاً في المسجد يجب عليه أن يتوجّه إلى البيت، ولايجوز أن يصلّي إلى المسجد، وعنوان المسجد الحرام في الآيات الشريفة إشارة إلى البيت، ولا مدخلية لنفس المسجد.

    نعم، ذهب الكثير أو الأكثر بل حكي عن مجمع البيان نسبته إلى أصحابنا(3) وادّعى الشيخ في الخلاف الإجماع عليه،(4) وهو أنّ الكعبة قبلة لمن كان في المسجد، والمسجد


    1. الحج: 29.

    2. البقرة: 125.

    3. مجمع البيان: 1 / 384.

    4. کتاب الخلاف للشيخ الطوسي: 1 / 295، مسألة 41.

۷,۲۷۶ الزيارة