-
۱
الطواف بالکعبة المشرّفة
من الطابق الأوّل
تأليف: الأستاذ الشيخ محمّد جواد الفاضل اللّنکراني -
۵
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على نبيّنا محمد و آله الطاهرين.
وقع الخلاف في عصرنا هذا في صحّة الطواف من الطابق الأوّل وعدمها، كما اختلفت وجهات النظر في جواز الطواف تحت الأرض بحذاء الكعبة فيما إذا بنيت أبنية تحت أرض المسجد.
وبناءً على الجواز، هل يكون الترخّص منحصراً بما إذا لم يقدر على الطواف في صحن المسجد، كما إذا كان الزحام كثيراً أو لم يكن قادراً على المشي في الصحن لعدم التمكّن والاحتياج إلى الإطافة بالآلات الموجودة أو لوجود المانع
-
۶
العرضي عن ذلك، أم لا يكون منحصراً بذلك، بمعنى أن الطائف يتخيّر ـ بدواً ـ بين الطواف فيه والطواف في الطابق الأول؟
والتحقيق حول هذا البحث يقع ضمن محاور:
علاقة البحث بفكرة حدّ الطواف
الأوّل: من الواضح دخول من ذهب إلى عدم وجود حدّ للمطاف في هذا النزاع، لكن هل يدخل فيه من ذهب إلى وجود حدّ له كالمشهور أم لا؟
الظاهر دخولهم في محلّ البحث، وذلك بأن يفرض فيما إذا بنى في نفس الحدّ الطابق الأوّل والثاني حال كونهما مرتفعين عن البيت أو مساويين، إلاّ أنّ المشكلة أنّه لا واقع لهذا الفرض في زماننا هذا.
علاقة البحث بمسألة الزيادة على البناء
الثاني: وقع الخلاف في جواز الإضافة ـ من جهة الارتفاع ـ على البيت الشريف، وذلك بعد المفروغية عن أنّه
-
۷
لا يجوز التنقيص أو التخريب فيه، فبناءً على جواز الإضافة، إذا تحقّقت الإضافة ـ مثلاً ـ إلى حدّ يصير ضعف الموجود الآن أو أكثر فلاشكّ في جواز الطواف حوله، وإن علا، لكنّه ـ بناءً على الجواز وعدم تحقّق الإضافة ـ وقع النزاع في جواز الطواف بالنسبة إلى محلّ يكون أعلى من البيت، وأمّا إذا ذهبنا إلى عدم جواز الإضافة إلى البيت، فالظاهر عدم الخلاف في عدم الجواز بالنسبة إلى ما يكون فوق الكعبة.
والظاهر جواز الإضافة، فإنّه مضافاً إلى الأصل ـ فإنّ البيت كسائر الأمكنة والأبنية، فكما تجوز الإضافة مثلاً إلى نفس المسجد كذلك تجوز إلى نفس البيت، ولاينبغي توهّم أنّه من الاُمور التوقيفيّة كالأحكام التعبّدية ـ يدلّ عليه بعض الروايات، منها:
ما ذكره جماعة عن أحمد بن محمّد عن سعيد بن جناح عن عدّة من أصحابنا عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: «كانت الكعبة على عهد إبراهيم (عليه السلام) تسعة أذرع، وكان لها بابان، فبناها عبدالله بن زبير فرفعها ثمانية عشر ذراعاً،
-
۸
فهدمها الحجّاج وبناها سبعة وعشرين ذراعاً».(1)
وتقريب الاستدلال بها أن يقال: إنّ عدم ردع الإمام (عليه السلام) يدلّ على جواز الإضافة من جهة الارتفاع إلى البيت.
إلاّ أنّ الرواية غير معتبرة من جهة اشتمالها على أحمد بن محمّد، وهو مشترك بين جماعة، وسعيد بن جناح فإنّه وإن كان مورداً لتوثيق النجاشي وموجوداً في أسناد كامل الزيارات إلاّ أنّه لم يعلم الراوي عنه، ومعه لايصحّ الاستناد إلى الرواية المذكورة.
جريان البحث في الطواف الواجب والمندوب
الثالث: الظاهر عدم اختصاص النزاع بالطواف الواجب، بل يجري في الطواف المندوب أيضاً، كما أنّه على القول بوجود حدّ للمطاف، وهو ما بين البيت والمقام، لاشكّ في لزوم مراعاته في الطواف المندوب.
ويدلّ عليه إطلاق ما دلّ على الحدّ وأنّ الطائف خارج
1. وسائل الشيعة، الباب 11، باب وجوب بناء الكعبة إن انهدمت، ح7، 13: 213، وأيضاً ح8 .
-
۹
هذا الحدّ ليس بطائف، والانصراف إلى الواجب لا وجه له أصلاً، كما أنّه لا دليل على تقييد الإطلاق في المقام.
نعم، دلَّ الدليل على عدم اعتبار الطهارة في الطواف المندوب، ويدلّ عليه الروايات المعتبرة(2)، خلافاً لأبي الصلاح(2) فإنّه ذهب إلى وجوبها فيه أيضاً لإطلاق بعض النصوص، وأيضاً دلّ الدليل على جواز قطع الطواف المندوب عمداً على قول جمع، كما دلّ على كراهة الزيادة على السبع في الطواف المندوب.
لزوم دخول جميع أجزاءالبدن في الطواف وعدمه
الرابع: هل يجب دخول جميع أجزاء بدن الطائف في المطاف، وهل يكفي دخول معظم أجزائه بحيث يصدق عرفاً أنّه يطوف أم لا؟
الظاهر كفاية الصدق العرفي في ذلك، والعرف يحكم بأنّه
1. صحيح ابن مسلم: «سألت أحدهما (عليهما السلام) عن رجل طاف طواف الفريضة وهو على غير طهر؟ قال: يتوضّأ ويعيد طوافه، وإن كان تطوّعاً توضّأ وصلّى ركعتين»، الوسائل، كتاب الحج، الباب 38 من أبواب الطواف، ح3.
2. الکافي في الفقه: 195.
-
۱۰
إذا كان معظم أجزائه داخلاً في المطاف، يصحّ طوافه وإن كان رأسه مثلاً أعلى من البيت، ولا دليل على لزوم كون جميع الأجزاء داخلة فيه، وقد صرّح صاحب الجواهر في مسألة الاستقبال بأنّه يكفي صدق الاستقبال وإن خرج بعض أجزاء البدن عن جهة الكعبة، ولا يلزم في صدقه كون جميع أجزاء البدن داخلاً في جهة القبلة، وهذا معناه أنّ المولى إذا أمر بالاستقبال كفى في الامتثال تحقّق هذا العنوان عرفاً وصدقه في الخارج كذلك.
قال صاحب الجواهر: «وكيفيّة استقبال القبلة أمر عرفي لا مدخلية للشرع فيه، والظاهر تحقّق الصدق وإن خرج بعض أجزاء البدن التي لا مدخلية لها في صدق كون الشخص مستقبلاً وحالته استقبالاً من غير فرق في ذلك بين القريب والبعيد، لكن في القواعد: أنّه لو خرج بعض بدنه عن جهة الكعبة بطلت صلاته، بل قيل: إنّه كذلك، في نهاية الاحكام والتحرير والتذكرة والذكرى والبيان والموجز وكشف الالتباس وجامع المقاصد وفوائد القواعد، والتحقيق عدم اشتراط ما يزيد على صدق الاستقبال، ودعوى توقّف