pic
pic
  • ۸۱

    امّ المالكية فقد عرفوا المال بما يغاير تعريف الحنابلة والشافعية وبما يكون شبيهاً بالملك ـ(في فقهنا الأمامية تكون النسبة بين المال والملك عموماً من وجه) وهم عرفو المال (بأنه ما يقع عليه الملك ويستند به المالك) أي أن المال يقع متعلقاً للملكية ويختص المالك به وحاصل ما عند المالكية أن المال إنما يتحقق باعتبار الملكية فلا مالية فيما لولم تعتبر الملكية فالمال عنده مجرد اعتبار عرفي أواعتبار شرعي لأن الملكية أمر اعتباري فالمالية كذلك.

    فعندما يقول القرافي:(ما كان أصله مالاً ففرعه مال) فالأصل قابل للمعاوضة والتوريث فالفرع كذلك. قلنا له:ما المراد بالمال في كلامكم؟ لوكان المراد بل المال ما له منفعة فلا منفعة لهذا العقل وهذه الشخصية العلمية بل تكون المنفعة في منتوج هذ العقل حيث إن الدواء الذي اخترعه هذا الشخص بعقله هوالمشتمل على المنفعة والفائدة للآخرين وهوالمال فلا مالية لأصله وهوغير قابل للتقييم أمّا منتوجه فله القيمة وأمّا لوكان ملاك المالية عندكم هواعتبار العرف فإن العرف لا يعتبر المالية لهذ الأصل بينما يعتبرها للفرع فقط فلا ملازمة بين ما كان أصله مالاً وبين فرعه في المالية أوعدم المالية.

  • ۸۲

    إشكال اجتماع الحق والمال في الشيء الواحد:

    لا بدّ هن من الالتفات إلى نقطة هامة وهي أننا قلنا في بدايات بحث حقّ التأليف بأنّ السيرة العقلائية تجري في الموضوع نفسه أي أن العقلاء يحكمون بأن هذا مال والإشكال الذي يتردد في أذهان بعض أولي الفضل والعلم هو أنّ من ألف كتاباً ثم أراد التخلّي عن حقه في التأليف فلوقلنا إن حقّ التأليف مالٌ ولم نعتبر العينية في مالية الشيء ولا شك بان العرف والعقلاء يرونه مالاً فمن صنع فيلماً أوألّف كتاباً أواخترع شيئاً حكم العقلاء بماليّته فهومال وهوحقّ مع أنه لا يمكن للشيء الواحد أن يكون حقاً ومالاً فلوأقررنا بأن له حقاً جاز للحق أن يكون مالياً لكن الحق نفسه ليس بمال. والمسلّم في باب الحقّ أن الحق إذا تعلق بالمال كان قابلاً للبيع والشراء ووقوعه عوضاً أومعوّضاً نظير هذه الحقوق التي تُعرف في هذه الأيام بحقّ الامتياز حيث يستحق شخصٌ ما أن يأخذ سلفة من البنوك بقيمة ملايين تومان فهل يمكنه أن يتنازل عن هذه السلفة لصالح شخص آخر في مقابل مقدار من المال. فإنّ هذا الشخص كان له الحق لكن هذا الحق لم يكن مالاً لكنّه لّما كان هذا الحق متعلقاً بالمال جاز له ذلك. وما أريد قوله هوأنّ الدليل على حقّ

  • ۸۳

    التأليف حكم العقلاء بأنه مال فلوقلنا بأنه حق مع أنّا نعلم أنّ الحقّ ليس عين المال فمن له مئة حق لا يقال: إن له مئة مال.

    الجواب عن الإشكال:

    إن السيرة العقلائية لا تثبت أن هذا الحق مالٌ لأن من ألف كتاباً ثبت له الحق وجاز له إسقاطه. والفرق بين الحق والحكم الشرعي أن الحق قابل للإسقاط بينما الحكم الشرعي غير قابل للإسقاط أمّا نفس هذا الحق فليس بمال ولا يمكن وقوع المعاوضة عليه بل يتعلق بالمال بمعنى أن المؤلف يمكنه أن يطبع من هذا الكتاب ألف نسخة ويترك هذا الحقّ لهم.

    نتيجة البحث: إنّ القرافي سعى ليثبت وجود الحقّ هنا وينفي الحقوق المالية. وما استدل به إنم يبتني على ثبوت الملازمة بين الأصل والفرع مع أنّنا أثبتنا عدم الملازمة فقد يكون الأصل مالاً ولا يكون الفرع مالاً كما لوكان الشيء أثرياً له قيمة وهومال أمّ صورته الحاصلة في ذهن الإنسان تابعة له ولا مالية لها. وهكذا البناء مالٌ وصورته الذهنية ليس بمال.

    الإشكال الثاني على القرافي: أنه لم يوقف في تصوير محل النزاع على الشكل الصحيح فإن محل النزاع في باب حق التأليف أوالحقوق المعنوية

  • ۸۴

    هوأن الشخص قد توصّل إلى نظرية ما بقدرته العلمية أوشخصيته المعنوية ولا كلام فيما لوكانت نظريته معه والبحث إنما هوفيما لوسجّل نظريتّه أومنتوجه الفكري في كتاب مستقل فهل يتعلّق له بهذا الكتاب حق عقلائي يسمّى بحثّ التأليف أوحق الاختصاص أولا؟ وهذا نظير بحث حقّ الخيار في المكاسب فيم لوتعاقد المتبايعان فجعل البائع مثلاً لنفسه الخيار فإن هذا الخيار يتصف بحيثيتين إحداهما أن البائع هوالعاقد (صفة قائمة بالعاقد نفسه) لأن البائع هوالذي اختار لنفسه هذا الخيار. والحيثية الأخرى أن هذا الحق متعلق بالعقل أي أثر العقل بمعنى أن أثر العقد موجود وإن زال إنشاء العقد. فقد وقع الخلاف في باب حق الخيار في ما لوجعل البائع لنفسه الخيار فهل يورث هذا الحق بعد موت البائع أولا؟

    يقول الفقهاء: إن قلنا بأن حق الخيار صفة قائمة بنفس العقد لم يورَّث هذا الحق إذ بموت العاقد تفنى صفته القائمة به ولا يبقى ما يمكن توريثه. وإن قلنا بأن حق الخيار وصف لنفس العقد كما هوصفة للقاعد حيث وقع العقد وحق الخيار وصفٌ بحيث نقول: هذا عقد خياري وعليه فلومات البائع انتقل هذا العقد إلى ورثته وبالتالي انتقل حق الخيار أيضاً إلى ورثته. وفيما نحن فيه أيضاً تارةً نقول: إنّ هذه النظرية إنتاج فكري

  • ۸۵

    للشخص قد وصل إليها بقوته الذهنية فتكون نظريته متقومة به ومن هنا يقال في باب الاجتهاد والتقليد في بحث التقليد من الميت (إن المجتهد بعد موته لا رأي له) إذ كان رأيه متقوماً به زال بزواله وموته فلا يجوز تقليده. وتارةً نبحث في هذه النظرية على أساس أن العقلاء يرتبون عليها أثراً مادياً وحينئذٍ لا بد من الاجتناب عن البحث حول آثار المسألة الأخروية كمسألة ثواب العلم والتعليم الأخروي بل لا بد من التركيز على البحث في أن من ألف كتاباً وأقرّ العقلاء على أثره المادّي كما في مسألة قرص السي دي حيث يعتبره العقلاء حقاً مادياً ومن هنا لوفك أحدهم شيفرته ورموزه وجعله بمتناول أيدي الآخرين فإن مشاهدته لا تكون محرمة إذ لا يصدق على المشاهدة عنوان التصرف المالي ومن هنا كان بيعه وشراؤه ونشره وكل ما دخل في الآثار المالية كان مورد النزاع والبحث.

    فإشكالن على القرافي هوأنكم نسيتم مورد البحث والنزاع إذ ليس البحث في باب حق التأليف حول نظرية الشخص وهي متصلة بشخصية صاحبها العلمية والعقلية بأن تختلف في أنه هل له حقٌ يتعلق بنظريته أولا؟ بل الكلام إنّما هوفيما أبرز نظريته في الخارج على شكل كتاب

  • ۸۶

    ألّفه أونموذج دواء صنعه فأن العقلاء يقرون له بآثار مادية ويأتي البحث في أن هذه الآثار المادية العقلائية هل يجب مراعاتها أولا؟ ولا يمكن لأحد إنكار اعتبار العقلاء الآثار المادية له لأنهم وضعوا عشرات المواثيق والقوانين حول هذه الحقوق المعنوية والملكيات الفكرية. وهذا أمر مسلم. وعليه فهل يجب مراعاتها؟ وهل تورث أولا؟ والحاصل أن كلام القرافي لا صحة له.

    إشكال آخر على حق التأليف:

    من الإشكالات العامة التي قد تورد على مسألة حق التأليف هوأنكم تمسكتم بسيرة العقلاء في الموضوع وقلتم بأن العقلاء يرون وجود الحق أو المال وأن سيرة العقلاء في الموضوعات لا تحتاج إلى ترخيص الشارع وإذنه سلمنا ذلك لكن لوردع الشارع عن هذه السيرة وخالفها فلابد من التسليم ومتابعة الشارع. فقد يقال بأن الشارع المقدس ردع عن حق التأليف بثلاث طرق فلوصححنا إحداها كفى ذلك في إنكار حق التأليف والمنع منه.

    وهذه الطرق الثلاث:

  • ۸۷

    الأولى: إن هناك أدلة تدل على حرمة كتمان العلم ففي بعض الروايات (من كتم علماً يعلمه جاء يوم القيامة ملجماً بلجام من نار)(1) والموصول في قوله(من كتم) له الإطلاق بمعنى أن الذي يعلم الفقه يجب أن يبيّنه، والذي يعلم الدواء يجب أن يبيّنه، وهكذا يشمل جميع العلوم. كيفية الاستدلال أن للرواية إطلاقاً أي يحرم كتمان أيّ علم.فإذا حرم الكتمان وجب الإظهار والإبراز فإذا وجب الإظهار لم يجز أخذ المال على إظهاره ويكون نظير أخذ الأجرة على الواجبات أولا اقل من وجوب الإظهار سواء أعطي بإزائه المال أولم يعط. ونحن لم نذكر الدليل الثاني للقرافي على نحوالاستقلال وهنا نذكره وقد قال فيه: إن الاجتهادات الدينية راجعة إلى الدين والدين كله طاعات إلهية ولا يجوز أخذ المال في مقابل الطاعات.

    والجواب عنه:

    إنا تارةً نقول بحرمة أخذ المال من باب أخذ الأخرى على الواجبات وهي محرمة وتارةً نقول بأن الرواية المطلقة تقول: أظهر علمك سواء


    1. كنز العمال 10: 217، ح29146، 29147، 29148، 29149، 29150.

  • ۸۸

    أعطيت مالاً أم لا.فإذا وجب إظهار العلم وإبرازه أثبتنا من طريقين حرمة أخذ المال الأول عن طريق حرمة أخذ الأجرة على الواجبات كما لوألف أحدهم كتاباً وجعله في متناول يدك بمقابل عشرة ملايين تومان.والثاني عن طريق إطلاق وجوب إظهار العلم سواء دفعوا لك المال أم لم يدفعو بغض النظر عن جواز أخذ الأجرة على الواجبات أوعدمه فإن الرواية تأمرك بأنك إذ اكتشفت دواءً وجب عليك أن تجعله في متناول أيدي الناس سواء دفعوا لك المال بإزائه أم لا.

    الجواب عن الطريقة الأولى لمنع الشارع من حق التأليف: وهنا عدّة أجوبة إلّا أنّها قابلٌ للمناقشة.

    الجواب الأول: إنّ الرواية مرتبطة بباب الشهادات حيث أعلم بأنّ لشخص حقاً على الآخر فلو كتمتُ علمي ولم أشهد ضاع حقّه وظُلِمَ. هذا إذا وجدنا قرينة على اختصاص هذه الروايات بباب الشهادات وإلّا فإنّ (من كتم علماً يعلمه) له الإطلاق مضافاً إلى رواية (زكاة العلم نشره)(1).


    1. مشكاة الأنوار في غرر الأخبار: 243، ح40 وفيه: (عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال إن لكل شيء زكاة وزكاة العلم أن تعلّمه أهله).

  • ۸۹

    الجواب الثاني: هو الأساس بأن نقول: يحرم كتمان العلم ويجب إظهاره إلّا أنّ إظهار العلم شيء ووجوب مراعاة حقّ التأليف شيء آخر. يجب إظهار العلم تارةً عن طريق منبر الخطابة وتارةً عن طريق تدوين كتاب وفي أيّامنا هذه لو أظهر علمه من خلال كتابه رتّب العقلاء عليه آثاراً كنشره وطبعه ممّا يترتب عليه أرباح طائلة فإنّ العقلاء يعتبرون هنا حقاً تعليقياً أو ماليّة تعليقية ويرون أنّه لو ترتّب على هذا التأليف آثار مالية وجبت مراعاتها أمّا لو لم يترتب على طبع الكتاب من قبل المؤلّف أو غيره أثر مالي فل وجود حينئذ لحقّ التأليف.

    وبتعبير آخر إنّ حقّ التأليف وإن أُطلق عليه عنوان -الحق المعنوي- الحق الفكري أو الملكية الفكرية إلّا أن هذا الإطلاق في حدود وجود الأثر المالي ومن هنا أعبّر بالحقّ التأليفي. فإذا كان الأمر كذلك فإنّ العقلاء يعلمون بأنّ الشارع أوجب على هذا الشخص إبراز علمه فأبرزه الكاتب في ضمن مؤلِّفه وعلى شكل كتاب إلّا أنّهم لا يرون المساواة بين المؤلِّف وبين الآخرين في طبع آلاف النُسَخ منه لجني الأرباح. فحرمة كتمان العلم هنا شيء ووجوب مراعاة حقوق هذا التأليف المالية شيء آخر. هذا نظير من يقول: كتمان العلم حرام فيجب عليك إعطائي قلماً ويجب على الآخر إعطائي دواةً وحبراً وعلى الثالث أن يعطيني

  • ۹۰

    قرطاساً. ليس الأمر كذلك بل يحرم عليّ الكتمان ويجوز للآخر أن يبيع لي القلم والقرطاس. فالجواب الأهمّ هو أنّنا نفرّق بين حرمة الكتمان ووجوب مراعاة هذه الحقوق ولا يجوز الخلط بينهما.

    وهناك جواب آخر وهو أن نقول: من كتم علماً -إنّما ورد في مقابل الظالمين أي يحرم كتمان الحق ويجب إثبات الحق المتعلّق بالمجتمع كله.

    فالحاصل هو أنّ الجواب الثاني هو الأساس وعليه لم يردع الشارع من حق التأليف.

    الجواب الآخر الذي يمكن أن نجيب به على الطريقة الأولى لمنع الشارع من حق التأليف أنن قلنا في الأصول بأنّ الأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن ضدّه وكذلك النهي عن الشيء ل يقتضي الأمر بضدّه. وفيما نحن فيه ملازمة قطعية بين حرمة الكتمان ووجوب الإظهار مضافاً إلى أنّ الروايات الدالة على حرمة الكتمان تدلّ عباراتها على وجوب الإظهار ونشر العلم وكذا رواية (زكاة العلم نشره) صريحة في هذا المعنى. فإذا حرم الكتمان ووجب الإظهار والإبلاغ للناس لم يجزْ أخذ المال عليه لأن التعليم من الواجبات وأخذ المال على الواجبات غير جائز بوجه من الوجوه فتارة نعبّر بأخذ الأجرة على الواجبات وتارةً نعبّر بأخذ حقّ التأليف على الواجب فإنّ كلّ هذه الأمور تدخل ضمن تلك القاعدة

۱۵,۸۴۸ الزيارة