pic
pic
  • ۷۱

    (ولا يحلّ مال امرئٍ مسلم إلّا بطيب نفسه)(1) وكيف تم الحصول على هذا المال وهذا الحق؟

    بينّ الإشكال بعنوان قد يقال: إنّ من يؤلّف كتاباً أويخترع شيئاً أويصنع دواءً لم يكن ذلك نتيجة لجهوده الشخصية بل يكون المؤلّف قد اعتمد على كتب الآخرين وتحقيقات السابقين وكذا في مسألة صنع الدواء فإن هذا الشخص لم يكن مستقلاً في العمل لوحده بل كان له شركاء على طول الزمن وما دام لم يكن مستقلاً في العمل فلماذا نقرّ له بحقّ بعنوان حقّ التأليف أوحقّ الملكية الفكرية؟

    والجواب عن الإشكال:

    أوّل جواب عن هذا الإشكال ولم أجده في أي كتاب هوأن هذا الإشكال أخصّ من المدّعى إذ أنّ هناك موارد لا يكون العمل ثمرةً لجهود السابقين وذلك كما في الأفلام السينمائية حيث يقوم الشخص بصناعة فيلم له موضوع جديد وهدف خاصّ ولا يمكن القول بأن هذا الفيلم من صنع الآخرين. والإشكال إنّما يختصّ بما إذا كان كلّ عملٍ مكمّلاً


    1. وسائل الشيعة 29: 10، أبواب القصاص في النفس، باب1 ح3، كنز العمال 1: 92ح399، عوالي اللئالي 1: 222.

  • ۷۲

    لسابقه كما في مثال حفر البئر حيث يحفر الأول بمقدار خمسة أمتار ثم يأتي الآخر ليحفر خمسة أمتار أخرى وهكذ الثالث والرابع ويأتي الخامس ليستخرج الماء بضربة قدوم واحدة فإن هنا يكون عمل كل واحدٍ من السابقين جزءاً للعلة للوصول إلى هذه النتيجة، أمّا نحن فنتصوّر عملاً ل يكون عمل السابقين فيه جزء العلة فإنّ الفيلم الأول مثلاً لم يُصنَع قبله فيلم آخر وله طريقة خاصة وفنّ خاص وأسلوب خاص وسيناريوخاص ولا يمكننا القول بأنّ هذا الفيلم عملٌ للآخرين بل صانعه له الإستقلالية في صنعه.

    الجواب الثاني: إنّ كلامنا في الحقوق والحقوق إمّا أن يبيّنها الشارع وينصّ عليها كما في حقّ الحضانة وحقّ الولاية وإمّا أن لا يبيّنها الشارع بل يبيّنها العقلاء فيكون منش الحقوق إمّا جعل العقلاء أوجعل الشارع ولا يعتبر في باب الجعل والاعتبار هذه الأمور إذ لواعتبرناها لزم أن لا يكون أحد مالك المال في أيّ زمن لأن المال كان ملكاً لشخص ما في زمان سابق وقد بذل جهده في حفظه ثمّ باعه لشخص آخر فلوقلنا لولم يحفظ المالك الأول هذا المال لم يستطع الثاني أن يحفظه فيكون لمئات الأشخاص الذين تنقل هذ المال بأيديهم الحقّ في هذا المال، ليس كذلك الأمر في الأمور الاعتبارية إذ يعتبرون في باب الملكية والحقّ أنّ هذا الحقّ

  • ۷۳

    من اختصاص أيّ شخص الآن فإن الاعتبار العقلاني قد اختصّ بهذا الشخص الأخير وإن كان الآخرون السابقون لهم المدخلية في وصول هذ المال بالنتيجة إلى هذا الأخير كما في ابتكار دواء لمعالجة داءٍ ومرض حيث لولم تكن الأدوية السابقة لم يتوصل هذا المبتكر إلى صنع دوائه جديد. وكذا الحال في مسألة حفر البئر الواحدة من قبل عدة أشخاص فيما لوأعرض الآخرون عن الحفر وجاء هذا الأخير ليستخرج الماء بضربتين بالقدوم فإن العقلاء يعتبرونه مالكاً لهذا الماء بالحيازة.

    فالجواب الثاني هوأن هذه الأمور اعتبارية وجعليّة أي: بجعل الجاعل فقد يكون الجاعل هوالشارع وقد يكون هوالعقلاء حيث إنّهم لا يضعون الأمور والاعتبارات السابقة نصب أعينهم ول يلتفتون إليها بل ينظرون إلى صانع هذا العمل الآن. نظير ذلك في باب القتل حيث لوإشترك عشرة في قتل أحدهم حيث كان أحدهم مراقباً يترصد الأطراف والآخر الباب على المقتول لئلا يتمكّن من الفرار والثالث قتله فقد اشترك الثلاثة في عملية القتل إل أنّ القصاص لا يجري في حقّ الجميع بأن تقلع عينا المراقب المترصّد ويحكم على الذي أغلق الباب على المقتول بالحبس المؤبد ويجري القصاص على القاتل بقتله. فلا يكون هذ المورد ملاكاً لجميع الموارد بل يجب الاستناد إلى القتل في هذا

  • ۷۴

    الباب فإن العرف نظرة إلى القاتل. فالأول راقب والثاني أغلق الباب والثالث قام بالقتل فالمقوّم في باب القتل في استناد فعل القتل إلى الشخص أمّا في الحقوق فلا داعي إلى الاستناد بل هي تابعة إلى اعتبار العقلاء فلوبحث عشرة أشخاص عن كنزٍ م، ثم عثر عليه أحدهم كان الكنز له بحكم العقلاء وإن كان الآخرون أيضاً لهم التأثير في العمل بحسب الواقع لكن العقلاء يرون واجد الكنز هوالمالك له وهوصاحب الحق لأنّه الذي توصل إليه هناك أجوبة أخرى إلّا أنّ في ذكر هذين الجوابين كفاية.

    تنبيهات مسألة حقّ التأليف:

    بعد بيان الأدلة لا بد لنا من تقديم أمورٍ بعنوان التنبيهات تكملة للبحث:

    التنبيه الأول: كون حقّ التأليف حقّاً مالياً:

    لوسلّمن أنّ حقّ التأليف حقّ عقلائي لكن هل هومن الحقوق المالية أولا؟ والحقوق المالية م يُدفع بإزائها العوض ويقبل النقل والانتقال كما يقبل الإسقاط فإن حقّ الولاية مثلاً غير قابل للإسقاط بأن يقول

  • ۷۵

    الوالد للولد: أسقطت حقّ ولايتي عنك وكذا حقّ الحضانة. أما الحق المالي فإنه قابل للإسقاط كما هوقابل للنقل والانتقال حتى الانتقال القهري كما لومات الشخص وانتقل حقه إلى الورثة حتى إنّ الموصي يمكنه بأنّ حقّه في تأليف الكتاب فليكن للمؤسسة الفلانية بعد موته ولا يبعد جريان مسألة الوقف في حقّ التأليف لواعتبرناه حقاً مالياً بأن يقول الموصي: وقفت حقّي في التأليف لتصرف عوائده في المكان الفلاني ولا يشترط في باب الوقف أن تكون العين خارجية وفيما نحن فيه عندن عين معنوية وكذا لونشره الآخر بدون إذن مالكه فقد كان عليه الضمان. وقد يسأل البعض عما لووُضِعت لأقراص السي دي رموز وأقفال وشيفرات وفتحها الآخر؟ ربّما يقال بعدم جواز شراء هذه الأقراص وبيعها نعم لا بأس بالنظر إليها فيما لووضعها أحدهم في جهاز حاسوبه إذ لوقلنا بأنها حقّ مالي كان التصرف فيها مشكلاً والنظر والمشاهدة ليس تصرفاً هذا نظير جدران بيوت الناس فإنها حقّ مالي لصاحبها فلونظر أحدهم إلى تلك الجدران لم يصدق التصرف. وفيما نحن فيه قد يقال بأن حقّ التأليف حقّ عقلائي وغير مالي نظير حقّ الحضانة وحق الولاية غير

  • ۷۶

    قابل للنقل والانتقال والبيع نعم يكون عدم مراعاته معصية فلولم يلتزم ولدٌ بحق والده في الولاية عليه لم يفتِ فقيه بالضمان عليه وكذا فإن المرأة لها حقّ حضانة الابن إلى السنتين والبنت إلى السن السابعة فلوحرمها الأب من حقّ الحضانة في هذه الفترة وأخذ إبنه أوإبنته من المرأة فقد كان الرجل عاصياً وليس عليه ضمان.

    كلام بعض أهل السنة في المقام:

    ذهب بعضهم إلى هذا الرأي. منهم صاحب كتاب الفروق وهوالقرافي من علماء العامة وهومن المالكية حيث تبنّى هذا الرأي وهذا نصّ عبارته: (إعلم أنه يروى عن رسول الله(صلي الله عليه وآله) أنه قال: (من مات عن حقّ فلورثته)) وهذا اللفظ ليس على عمومه بل من الحقوق ما ينتقل إلى الوارث ومنها ما لا ينتقل، وم كان متعلقاً بنفس المورث وعقله وشهواته لا ينتقل إلى الوارث بل الضابط لما ينتقل إليه ما كان متعلقاً بالمال إن الورثة يرثون المال فيرثون ما يتعلق به تبعاً له ول يرثون عقله، وما لا يورث لا يرثون ما لا يتعلق به ومناصبه وولايته واجتهاداته ول ينتقل شيء من ذلك للوارث لأنه لم يرث مستنده وأصله وحاصل رأي

  • ۷۷

    القرافي إن هنّا ضابطة وهي أن المال وما يتعلق بالمال قابل للتوريث وله قيمة المال ويجري فيه الإرث وغيره. وما ليس بالمال لم يُورث كعقل المورث وفكره وذهنه حيث تفنى هذه الأشياء وتنعدم بموته وكذا ثمراتها ومحاصيلها. ثم يصل القرافي إلى أنّ حقّ التأليف ليس حقاً مالياً بل هوحقّ غير مالي لا يقبل التوريث. ويستدلّ على ذلك على أساس ديني ويرى أن الاستدلالات التي يقوم بها الفقيه فإن الدين منشأ للطاعة فيكون لهذه الاجتهادات عنوان الطاعة فتكون حقيقته طاعة لكن غير متقومة بالمال. وعلى هذا حقّ التأليف حقّ عقلائي لكنه ليس حقاً مالياً وليس قابلاً للنقل والانتقال ولا يجوز أخذ المال بإزائه. فهل هذا الكلام صحيح أولا؟

    إشكالات القرافي على مسألة حقّ التأليف:

    يتألف كلام القرافي من ادّعائين رئيسيين أي يرتكز على محورين أساسيين

    الأول: أن ما يقبل المعاملة ودفع العوض في مقابله هوالمال وما يتعلق بالمال أما ما ل مالية له وما لم يتعلق بالمال فلا يصدق عنوان المال على ما يترتب على هذا الشيء فل يقبل المعاوضة والنقل والانتقال.

  • ۷۸

    والاشكال حسب رأي القرافي أنّ هذه الحقوق (حقّ التأليف وأمثاله) إنما هي متفرعة على قوة هذا الشخص العقلية وقدرته الفكرية وهذه القدرة العقلية لا تتصف بعنوان المالية ويقبل التوريث ومن مات لا يورث عقله وذهنه وفكره ولا ينتقل إلى غيره فإذا كان عقله غير قابل للتوريث فإن ما يتفرع عليه أي من منتوجاته الفكرية واجتهاداته ونظرياته أيضاً لا يكون قابلاً للمعاوضة ومن هن استنتج القرافي أن حقّ التأليف حقّ عقلائي غير مالي فلا يقبل النقل والانتقال ول التوريث كسائر الحقوق غير المالية.

    المحور الثاني: من كلام القرافي أن الاجتهادات الفقهية آراء ونظريات يتوصل إليها المجتهد نتيجة بذل جهود مضاعفة والاجتهاد أعظم من حقّ التأليف وأي ابتكار أواختراع آخر وهذه الاجتهادات الفقهية تكون في أمور الدين والدين عبارة عن مجموعة طاعات إلهية ول يجوز أخذ المال في مقابل الطاعات ومن هنا لا تكون هذه الاجتهادات قابلة للتقييم للمال ولا يمكن تقييم المسألة الفقهية التي اجتهدها الفقيه بمبلغ ومقدار من المال فلا يمكن للفقيه أن يدعي بأن هذا رأيه الذي توصل إليه بعد خمسين سنة من الجهد وإنه يبيعه بمبلغ معين أويهبه لشخص أويعاوضه. كلّ ذلك لا يجوز.

  • ۷۹

    الإشكالات على كلام القرافي:

    قال القرافي: (ما كان أصله مالاً أومتعلقاً بالمال وهوذو قيمة مالي ويجري فيه الإرث) وذلك نظير الدار حيث إن أصلها مالي فتكون منفعته أيضاً مالي فكما يورث أصلها فكذلك يورث منافعها أما فيما نحن فيه فإن هذه الآراء والنظريات والأفكار والاختراعات ناشئة ومسببّة من قوّة عقل الشخص ولا مالية للقوة العقلية فلا مالية أيضاً لهذه الآراء.

    الإشكال الأول: إناّ لا نسلّم الملازمة بين الأصل والفرع بل لا بد من معرفة ملاك المالية ومعياره أولاً فهل ملاك مالية الشيء هوأن يرغب العقلاء إلى ذلك الشيء أوأن (المال م يبذل بإزائه المال) هوالملاك؟ فإن هذا الملاك يمكن أن تحققه في مورد ما في الفرع دون الأصل وقد يمكن وجوده في الأصل من الفرع. فلا بد من وجود الملاك للمالية ولا ملازمة في قولك (ما كان أصله مالاً ففرعه مال وما لم يكن أصله مالاً ففرعه ليس بمال). أمّا لوالتزمنا في باب المالية باعتبار العرف بأن يقال : (المال ما يبذل بإزائه المال) أو(المال ما يرغب به العقلاء) لزم الدور إذ لوقلنا بأن المال ما يعتبر العرف ماليته فإن العرف قد يعتبر المالية لشيء اليوم

  • ۸۰

    ولا يعتبرها له غداً فتكون المالية أمراً اعتبارياً وعليه قد يحكم العرف بعدم اعتبار المالية لعقل الإنسان وعلمه وشخصيته المعنوية لكنه في الوقت نفسه يعتبر المالية لمنتوج هذا العقل العلم.

    تعريف المال:

    ورد تعريفان للمال في فقه الإمامية:(المال ما يبذل بإزائه المال) و(المال ما يرغب به العقلاء) امّا في فقه السنّة فقد ورد عند الشافعية (أن المال ما كان ينتفع به وهوإما أعيان أومنافع) وقد أضاف بعضهم الحقوق أي ما كان وسيلةً للانتفاع فهومال. وجاء في بعض عباراتهم:(لا يقع اسم المال إلا على ماله قيمة). وورد في كتاب الأشباه والنظائر للسيوطي الشافعي المذهب (إن المال ما لا يتركه الناس) فيستفاد من بعض العبارات السابقة إن العرف له الدور والمدخلية في مالية الأشياء.

    يقول الحنابلة:(إن المال ما فيه مصلحة مباحة لغير حاجة أوضرورة) أي ماله منفعة مباحة في الموارد العادية كالأرض وإلا بل وغير ذلك وصرحوا بعدم اشتراط العينية في المالية بل الملاك هوكون الشيء ذا منفعة وإن لم يكن عيناً خارجياً. فهم جعلوا قيمة الشيء ملاكاً لماليته والعرف هوالذي يعين القيمة.

۱۵,۸۴۷ الزيارة