-
۶۱
إلى حكم الشارع فتتّم المسألة، وهكذ الأدلة الأخرى كهذا الدليل العقلي إلّا أنها تفيد حكماً تكليفياً (وجوب المراعاة) ولا تثبت حكماً وضعياً كالضمان.
دليل أهل السنة على حقّ التأليف:
من الجدير بالذكر أنّ أهل السنة والجماعة إنّما يلتزمون بحق التأليف عن طريق قاعدة المصالح المرسلة التي تعني عندهم كلّ حكم يطابق غرض الشارع وهدفه من تشريع الاحكام من غير أن يقوم عليه دليل خاص أوعام من الآيات والروايات أمّا فقهاء الإمامية فيرفضون هذ المبنى لعدم حجية المصالح المرسلة عندهم.
تنبيهات مسألة حقّ التأليف:
بينّا اُطُر البحث صناعياً حيث ذكرنا الأدلّة القائمة على اعتبار حقّ التأليف وبحثناه بجزئياتها وتفاصيلها وبقي هنا أمور ونقاط نذكرها تحت عنوان التنبيهات:
-
۶۲
التنبيه الأول: لوالتزمنا بحق التأليف من خلال أدلته وضوابطه فلا كلام فيه كما نلتزم به وعليه فمن بذل جهده وألّف كتاباً ثبت له الحق فيه ومن اخترع شيئاً ثبت له الحق ولا يجوز للآخرين نشره أوتكثيره، أما لولم يعترف الفقيه ببحث التأليف وأنكر وجوده فإن هن بحثين:
الأول: هل يمكن تصحيح المسألة بالاشتراط بأن يعترف صاحب الكتاب بعدم ثبوت حقّ له في الكتاب الذي ألّفه إلّا أنه يبيع كتابه للآخر ويشترط عليه عدم نشره وتكثيره أويشترط عليه دفع مال زائد فيما لوأراد تكثيره؟ ذهب بعض الأعاظم ممن لا يلتزم ببحث التأليف، إلى أنّه مع هذا الاشتراط من الطرفين لا بد من الوفاء به من باب (المؤمنون عند شروطهم)(1)
إلّا أن إشكالنا على هذا الكلام هوأن المراد بـ (المؤمنون عند شروطهم) عند شروطهم الشرعية، وعليه فإن شُكَّ في أصل ثبوت هذا الحق للبائع وعدم ثبوته كان الشك في مشروعيته هذا الاشتراط، والمستفاد من كلماتهم أنه لوأراد البائع أنّ يشترط هذ الشرط كان ذلك منافياً مع
1. الوسائل 21: 276، كتاب النكاح، أبواب المهور، ب20، ح4.
-
۶۳
(الناس مسلّطون على أموالهم)(1) فمن اشترى هذا الكتاب واستنسخ منه مئة نسخة ووزّعها على الآخرين شملته قاعدة (الناس مسلّطون على أموالهم) لأن الكتاب يُعَدُّ ماله... فلواشترط البائع شرطاً زائداً كان مخالفاً للكتاب والسنة، فالذي نراه هوأنّ من يُنكر ثبوت حقّ التأليف ليس له أن يقول: أنّ هذا الحق غير ثابت إلّا أنه لا مانع من اشتراط الطرفين ذلك، فإن هذا نظير أن يقول الشخص: (ليس هذا الشيء ملكاً لي ولا حقّ لي فيه ولوأردتَ أن تفعل به شيئاً أُبيح لك ذلك بشرط أن تعطيني مالاً في مقابله) فإن هذا الشرط غير صحيح.
البحث الثاني: عن طريق القانون والضوابط بأن نقول: هناك ترديد في وجود الحق فيما نحن فيه من نظر العقلاء إلّا أنهم لووضعوا قانوناً بأن من ألفّ كتاباً لا يحق للآخرين نشره وتكثيره، ولوأراد أن يأذن في ذلك بإزاء مبلغ من المال جاز له ذلك فإن رجع هذ القانون إلى الاشتراط السابق من الطرفين لزمه الإشكال السابق فإن هذا الاشتراط منهما إنما يتمّ فيما لوثبت الحق أول، نعم لا بأس بأن ينص القانون على أنّ مَن طبع كتاباً من غير إذن صاحبه ومؤلفه كان مخالفاً للقانون ويتوجب عليه
1. عوالي اللئالي 1: 222، ح99.
-
۶۴
دفع غرامة مالية نظير قوانين السير التي تحكم بوجوب دفع الغرامة فيما لوعبرت الشارع من هذ المكان، وهذا غير مسألة حقّ التأليف فإن حقّ التأليف حقّ أومالٌ يراد وقوع المعاملة عليه أوإثبات توريثه فيما بعد.
فلوبحثنا من ناحية قانونية فإن المسألة تعتبر جريمة ومخالفة للقانون وهي غير مسألة الضمان العقلائي مثلاً لونصّ القانون على أنّ من طبع كتاب غيره يجب عليه دفع مليون تومان إلى صاحب الكتاب وإن كان حقّ التأليف والطبع لهذا الكتاب عشرة آلاف تومان عند الآخرين، فهذا يعتبر جريمة ولا ينطبق عليها عنوان الضمان العقلائي، هذا مضافاً إلى أنّ القانون يمكنه تحديد حقّ الطبع والتأليف في مدّة زمنية معيّنة كعشر أوعشرين سنة كما هوالحال في قوانين بعض دول العالم اليوم، فلوطُبع كتاب مفاتيح الجنان مثلاً من قبل صاحبه فهل يستمر حقّ التأليف مع الوراثة إلى يوم القيامة؟ يقولون: كل، بل له زمن محدود، أما لوقلنا بأنّ هذا مالٌ والمال يُورَّث من مالكه إلى ورثته ومن ورثته إلى الورثة اللاحقين وهكذا يمكن انتقاله إلى عشرة أجيال لاحقة، فهل تطبيق هذ الكلام على حقّ التأليف؟ من جهة القوانين العالمية فإن حقّ التأليف محدود زمني، وعلى هذا فإن أثبتنا أنّ حقّ التأليف مال بدليل سيرة العقلاء أثبتنا عدم محدوديته بزمان معيّن وإن أثبتنا حقّ التأليف بالدليل
-
۶۵
العقلي بمعنى أنّ عدم الالتزام به يوجب اختلال النظام الاجتماعي أويؤدّي إلى الظلم استنتجنا وجوب مراعاة حقّ التأليف ما لم يؤدّ إلى الظلم فمن ألف كتاباً وثبت له حقّ التأليف لعشر سنوات أوعشرين سنة فلوطبعوا كتابه ونشروه بعد ذلك ثانية لم يتحقق الظلم لصاحبه ولم ينجرّ إلى اختلال النظام الاجتماعي وعليه يمكن تحديد حقّ التأليف بهذا الزمن المعين.
هل يمكن إثبات حقّ التأليف عن طريق ولاية الفقيه المطلقة؟
قلنا إنّ الضمان لا يثبت بالقانون لأن الضمان مورده المال والحق، فكما أنّ مالية الشيء ل تثبت بالاشتراط من قبل الطرفين فكذلك القانون لا يثبت كون الشيء مالاً نعم يمكن للقانون تعيين الغرامة المالية.
تتمة بحث (حقّ التأليف) من وجهة نظر الآخرين:
قلنا بأن المنكرين لحقوق الطبع والتأليف والاختراع وأمثالها لا يعتقدون بوجودها كالإمام الخميني(رض) وكان هناك طريق واحد لإثبات وجوب مراعاة هذا الحقّ وذلك عن طريق القانون، وقد ناقشناه مفصّلاً:
-
۶۶
لزوم مراعاة حقّ التأليف عن طريق (ولاية الفقيه):
والبحث الآخر هوأنّه هل يمكن إثبات إلزامية هذا الحق عن طريق ولاية الفقيه أولا؟
بمعنى أن الفقيه الجامع للشرائط الذي له صلاحية الولاية والحكومة فيما لورأى مصلحة المجتمع الإسلامي في مراعاة هذه الحقوق هل له أن يفتي بوجوب مراعاتها. هذا لولم نقل بمحدوديّة صلاحيات الوليّ الفقيه وحصرها في أموال الغائبين والصغار فإنّه لا يمكنه الإفتاء في هذه المسألة على هذا المبنى، أمّا لوقلنا باتّساع رقعة صلاحيّات الولي الفقيه بحيث يمكنه إعمال ولايته في كلّ ما فيه مصلحة الدين أومصلحة المجتمع الإسلامي -أمكنه فيما نحن فيه أيضاً الحكم بوجوب مراعاة هذه الحقوق، فمثلاً من المسائل المطروحة هنا مسألة النساء اللاتي غاب أزواجهنّ أولم يعيشوا معهنّ كم لوعقد الرجل على امرأةٍ مدّة عشر سنوات لكنه يمتنع أن يعيش معها ويحرمها من النفقة ولا يرضى بأن يطلّقه، ففي مثل هذه الحالة نقول: (الحاكم وليّ الممتنع) وكذا لوكان في عيش المرأة مع الرجل عسرٌ وحرج وقلنا بأن من صلاحيات الفقيه أن يُجبِر الزوج على الطلاق فإن لم يطلّق الزوج طلّقها الفقيه -هذا لكنّنا بيّنا في بحث قاعدة لا حرج أنّه لوجرت قاعدة لا حرج جاز للزوجة من
-
۶۷
غير الرجوع إلى الحاكم الشرعي أن تطالب زوجها بالطلاق فإنْ لم يطلّقها طلّقتْ هي نفسها بحسب القاعدة الأولية إذ لوتحقّق الحرج جرت قاعدة لا حرج وأخرجتْ خيار الطلاق المنحصر بالزوج من يد الزوج هذا ولكنّ المتداول والدارج الآن هوأنّ حاكم الشرع فيما لوامتنع الزوج وتعيّن أنّ المورد من موارد العسر والحرج إنّما يحكم بطلاق الزوجة وهي تعتدّ عدّة الرجعية بعد الطلاق ولها أن تتزوّج من رجل آخر بعد إنقضاء عدّته، وهذا الجزء من العمل من صلاحيات الفقيه ليَجعلَ ذلك قانوناً ونحن نعتقد أنّ القوانين في الجمهورية الإسلامية الّتي يسنّها مجلس الشورى وشورى الفقهاء لازمة الاتّباع ولا يجوز مخالفتها. فما يقرره شورى الفقهاء يجب الالتزام به لأن هذه الشورى إنّما يعيّنها وليّ الفقيه نفسه فيكون حجة واجبة الاتّباع وهذا غير القانون الذي تقرّ به إدارة من الإدارات الحكومية. ففي ما نحن فيه لوسنّ قانون باسم (لزوم مراعاة حقّ التأليف وأقرّ به شورى الفقهاء وجبت مراعاته.
الإشكال على الاستدلال بولاية الفقيه:
يمكن القول بعدم مدخلية هذا الاستدلال بمبحثنا فما نحن فيه هوالبحث في أنّ المؤلّف هل يتعلّق به الحق أولا؟ وهل يمكنه بيع حقّه أولا؟
-
۶۸
فلودخلت المسألة في صلاحيات وليّ الفقيه يجب تعيين المبلغ الواجب إعطاؤه لهذا المؤلف بنصّ القانون وكذا تعيين الأجل وتحديد المدّة التي يجب إعطاء المال له وهل يُعطى لورثته شيء بعد موته؟ كلّ هذه الأمور يجب أن ينصّ عليها القانون. وبتعبير آخر فإن الإشكال الذي أوردناه على الاستدلال بالعقد لإثبات حقّ التأليف هونفسه يرد على الاستدلال بطريق ولاية الفقيه بمعنى أنّ الوليّ الفقيه ليس له جعل الحقّ لهذا المؤلّف ولا يمكنه التصرّف في الموضوع الخارجي ول يمكنه جعل ما ليس بحقٍ حقاً وما ليس بمالٍ مالاً أي لا يستطيع أن يجعل الحقيّة والمالية لما ليس بحقّ وما ليس بمالٍ إذ انّ للولي الفقيه أن يُصدر أمراً على نحوالإلزام الشرعي أويجعل قانوناً في النظام الذي يُدار على طبق نظره كأن يقول مثلاً: من ألّف كتاباً وأراد الآخر نشره وتكثيره وجب عليه أن يتعاقد مع المؤلّف على أن يعطيه مبلغاً من المال لإرضائه. إلّا أنّ فيما نحن فيه كان أوّل كلامنا حول وجود هذا الحق والمال أوعدمه وقد قلنا بأنّ قوام الماليّة عند العقلاء ليس بأن توجد في الخارج عينٌ بل يقرّون بماليّة الحقوق الفكرية والابتكارية وإن لم تكن لها عينية خارجية ومتى صحّحنا ماليتها جاز بيعها وصحّ توريثها بعد موت أصحابها ويضمن تالفه أوغاصبها.
-
۶۹
أمّا من ل يعترف بهذا المبنى وينكر ثبوت الحقّ والمالية كالمرحوم الإمام(رحمة الله) مع عظمته في ميادين الفقه والسياسة وهومبتكر نظرية ولاية الفقيه بدائرتها الواسعة فإنّه يقول: (لم يثبت لدينا حقّ هنا أبداً) وعليه نقول: فإنْ أَمَرَ الوليّ الفقيه بوجوب التعاقد مع المؤلّف في نشر كتابه وقام الآخر بنشره بدون إذن صاحبه فقد فعل فعلاً محرّماً حيث خالف أمر الفقيه لا من جهة إتلاف حقّ الآخرين. وتختلف ثمرة هذا العمل في الفقه وقد يكون له أثر أسوأ من أثر إتلاف الحقّ الشخصي وذلك لأنّ الإنسان قد يضيّع حقّ شخص واحد ويتلفه فإنّه يكون مسؤولاً عنه بإزاء هذ الشخص وقد يخالف الإنسان أوامر الوليّ الفقيه فإنّه يواجه الفقيه في ذلك وشتّان م بين المخالفتين: ومن هنا فلوأتلف الإنسان حقّ المؤلّف وضيّعه لم يكن مديناً له بهذ الحقّ فلا يبقى عليه دينٌ بعد موت المؤلّف بحيث يؤخذ من أصل تركتهِ اللّهم إلّا أن ينصّ القانون على ذلك أويصرّح به الولي الفقيه.
إشكال:
هناك إشكال في بحث حقّ التأليف يمكن بيانه من خلال: قد يقال: وقد يتوهّم بعض من ينكر حقّ التأليف بأن هذا المؤلّف الذّي ألّف هذا
-
۷۰
الكتاب إنما تتلمذ على أستاذه وأخذ من كتابه وهكذا أستاذه أخذ ممّن قبله من أساتذته وكتبهم وعليه لم يكن هذا الكتاب ثمرةً لجهود هذا المؤلّف الشخصية ولا يمكننا القول بأنّ هذا الكتاب لشخصه وله حقّ ثابت فيه. وهذا نظير من حفر بئراً ولم يصل إلى الماء فتركها وجاء الثاني والثالث والرابع حتّى الشخص العاشر كلّ منهم حفر تلك البئر ولم يصلوا إلى المياه ثم جاء الآخر وتوصّل إلى الماء بضربة واحدة بقدومه فإنّ هنا لا يمكن القول بأنّ الماء المستخرج لهذا الشخص الأخير فقط بل هولجميع من اشتركوا في حفر هذه البئر. وكذا الحال بالنسبة إلى من اكتشف دواءً فصار من مبتكراته الشخصية وقد اعتمد على نماذج من أدوية الآخرين واستفاد من تجاربهم حتّى حصل على تركيبة جديدة من الدواء فإنّه لا يمكن القول بأن هذا الدواء من مختصّات هذا الشخص إذ لم يتوصّل هولوحده إلى هذا الدواء بل اعتمد على تجارب السابقين وعلومهم وكتبهم في ذلك. وهكذا في أمثال هذه الأمور من حقّ التأليف وحقّ الاختراع وحقّ الابتكار فإنّ العقلاء يعتقدون بالحقية والمالية