-
۴۱
أخرى قالوا له: إنّك خالفت سيرتنا وطريقتنا ولا يقولون له: نقضت عهدنا ولا وجود لنقص العهد هن، فإنّ العهد التزام قلبي بين الطرفين أوأطراف متعددة فقد يتم التوافق العملي على أمرٍ بين ألف إنسان من غير وجود عهد منهم وذلك كم لوتوافق مجموعة على أن يكون وقت الدرس في ساعة معينة من غير وجود للعهد وهنا لوتأخر أحدهم عن ذلك الموعد لا يقال إنه نقض العهد، وفي اعتقادنا لا يصدق العهد على تباني العقلاء.
السيرة العقلائية عهداً:
يعتمد بعض أساتذة الجامعة على الاستدلال بأن السيرة العقلائية عهد عرفي والعرف يراه عهداً (وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ) أي العهد العرفي، وعليه يكون الشارع قد أمضى على السير المستحدثة إلى يوم القيامة إلّا أننا لا نراها عهداً كما أنها ليست عهداً عند العرف وإن أطلق بعضهم عليها اسم العهد مسامحة ومجازاً.
أقرّ بعضهم بأن السيرة العقلائية عهد عرفي إلّا أنه أنكر أن تكون من العهود العرفية التي أمضى عليها الشارع لتشملها آية (وَالْمُوفُونَ
-
۴۲
بِعَهْدِهِمْ)(1) إذ ليس كل عهدٍ مورداً للآية وهكذا (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(2) حيث تشمل العقود العرفية التي أمضى عليها الشارع.
وعليه فإن صدق الحق والعهد والعقد على حقّ التأليف من وجهة نظر الشارع هوأول الكلام.
إذن لاحظتم أننا بحثنا في الآيات القرآنية ولم نجد فيها ما يدلّ على حجية السير المستحدثة ولم كان لهذا البحث أهمية كبيرة كان لا بد من متابعة هذا البحث فنقول: إن قيل بحجية السير المستحدثة ترتب عليها أحكام كثيرة وإن قيل بعدم حجيتها ترتبت أحكام أخرى على هذا القول.
1. البقرة 177.
2. المائدة: 1.
-
۴۳
تتمة الإشكال على الاستدلال بالقرآن الكريم على حجية السير المستحدثة:
كان البحث حول الاستدلال بالقرآن الكريم على حجية السير المستحدثة وكانت الآية: (خُذِ الْعَفْووَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ)(1) من الأدلة على ذلك.
وقد قلن بعدم تمامية الاستدلال بهذه الآية على حجية السير المستحدثة ولنا على ذلك شواهد، منها أن قوله تعالى (خُذِ الْعَفْوَ) للاستحباب و (وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) للاستحباب وعليه يجب أن يكون (وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ) أيضاً للاستحباب وذلك لقرينة السياق.
وعلى الاستحباب تكون الآية أجنبية عن المدعى إذ المدعى حجية السير العقلائية المستحدثة بمعنى أن العقلاء إذا حكموا بوجوب مراعاة حقوق الطبع والتأليف مثلاً وجب علين الالتزام بوجوب مراعاته، أما لوإلتزمنا بأن كلمة العرف في (وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ) تشمل السير العقلائية المستحدثة ثبت بالآية رجحان العمل بهذه السير العقلائية فيكون المعنى
1. الأعراف: 199.
-
۴۴
أنّ الراجح أن تأمر الناس بالعمل بهذه السير، وهذ كلام غير تام لأن المدعى وجوب العمل بما قامت السيرة العقلائية عليه.
وبرأينا ل يمكن إثبات حجية السير العقلائية المستحدثة خلافاً لما ذهب إليه المرحوم الإمام(رحمة الله) فلا يمكن أن نثبت من الأدلة حجية كل سيرة للعقلاء بما هم عقلاء لتكون سنداً ودليلاً للفقيه.
حل الإشكال على أساس الاستصحاب القهقرائي:
هناك طريقة واحدة بأن نقول فيما نحن فيه: إنّا نعلم الآن بقيام سيرة العقلاء على لزوم مراعاة حقّ التأليف، ونشك في أنّ العقلاء في عصر الإمام المعصوم(عليه السلام) هل كانت لهم هذه السيرة أولا؟ في مثل ذلك يجري الاستصحاب القهقرائي وهوعلى عكس الاستصحاب المتعارف ففي الاستصحاب المتعارف لدينا يقين سابق وشك لاحق، وفي الاستصحاب القهقرائي يكون الشك سابقاً واليقين لاحقاً مثلاً في علم الأصول يقال في باب معرفة معاني الألفاظ بأن لفظ (الصلاة) في هذا الزمن ظاهر في الأركان المخصوصة وهي معناه الموضوع له وهنا نشك في أنّ الواضع هل وضع لفظ (الصلاة) في هذا المعنى من الأول حتى لا يثبت النقل أووضعه لمعنى آخر ثم نُقل منه إلى هذ المعنى؟ فإنّهم
-
۴۵
يتمسّكون بالاستصحاب القهقرائي لإثبات أن هذا المعنى الحالي هوالذي قد كان سابق، وكذا يقال فيما نحن فيه بأنا نعلم بوجود سير كهذه عند العقلاء ونشك في ثبوت هكذا سير للعقلاء في زمن المعصوم(عليه السلام) ونجري الاستصحاب القهقرائي ونثبت به وجود هذه السير سابق، وبالنتيجة لا تكون السيرة فيما نحن فيه من السير المستحدثة.
الإشكال على جريان الاستصحاب القهقرائي فيما نحن فيه:
سلّمنا صحة الاستصحاب القهقرائي وأنه لا فرق بينه وبين الاستصحاب المتعارف من ناحية الحجية إلّا أنه لا وجود للشك السابق فيما نحن فيه بل لوسُئِلنا عن وجود سيرة العقلاء على لزوم مراعاة هذه الحقوق في الزمان السابق لأجبنا باليقين بعدم ذلك حيث نعلم بأن هذه السيرة إنما حدثت في المئة والمئتين سنة الأخيرة وعليه فلا مجال للاستصحاب القهقرائي.
حصيلة البحث:
أهم الأدلة على حقّ التأليف هوالتمسك بسيرة العقلاء ونحن نقبل سيرة العقلاء في الموضوعات والعقلاء يرون حقّ التأليف حقاً ومالاً وإذا ثبت
-
۴۶
كونه حقاً ومالاً وجبت مراعاته من باب: (لا يحل مال امرئ مسلم إلّا بطيب نفسه)(1) فيتمّ الاستدلال بهذه الأدلة النقلية، فلا مانع من التمسك بسيرة العقلاء في تنقيح الموضوع وتشخيصه ويتم الاستدلال به، أما لوأردنا استنباط الحكم من سيرة العقلاء بأن نلتزم بقيام سيرة العقلاء على وجوب مراعاة هذه الحقوق وبالتالي نعتقد بوجوب مراعاتها فإن هذه السيرة سيرة مستحدثة لا يصح الاستدلال بها.
الدليل الثاني على وجوب مراعاة حقّ التأليف والسيرة المستحدثة:
الدليل الثاني هوالتمسك بالآية الكريمة (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(2) وكيفية الاستدلال بالآية: أن من ألف كتاباً اختص له حقّ يسمى حقّ التأليف، وقد يتّفق المؤلف مع شخص آخر بأن يأخذ منه مبلغاً معيّناً بإزاء إنتقال حقه في التأليف إلى ذلك الشخص ونحن نشك في أن هذا العقد والاتفاق
1. عوالي اللئالي 1: 222، وسائل الشيعة 29: 10، أبواب القصاص في النفس، ب1، ح3.
2. المائدة: 1.
-
۴۷
هل يجب الوفاء به أولا؟ نتمسك هن بعموم أوفوا بالعقود ونحكم بوجوب الوفاء بهذا العقد.
الإشكالات الواردة على الدليل الثاني:
الإشكال الأول:
أن المراد بالآية (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) إما أن يكون العقود الشرعية أي أوفو بالعقود التي أمضى عليها الشارع وحينئذٍ لا بد من إحراز أنّ العقد عقد شرعي أولا.
حتى يثبت وجوب الوفاء به وليس ذلك محرزاً فيما نحن فيه، وإما أن يراد بـ (أَوْفُو بِالْعُقُودِ) كما يراه المشهور (ما يسمى بالعقد عند العقلاء) والعقد العقلائي متفرّع على ما يكون مالاً وحقّاً ليصح العقد فيه، فإن شككنا في أن هذا مال أول مالية له وشككنا في أن هذا حقّ أوليس بحق فإن العقد في مثل ذلك لا دليل على وجوب مراعاته.
فالإشكال هوأنّنا لما لم نحرز كون حقّ التأليف مالاً وحقاً لم يثبت كونه عقداً عقلائياً أوعقداً شرعياً وبالتالي لا يدخل تحت عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) لدينا وذلك كم لوجرى عقد بين شخصين على ملكية أشجار
-
۴۸
غابة فإننا نشك من الأساس في صحة وقوع أشجار الغابة تحت الملكية الشخصية فلا يجري عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) هنا.
الإشكال الثاني:
أن الدليل أخص من المُدَّعى لأن كلامنا فيما إذا لم يقع عقدٌ أساساً ـ كما لوألّف كتاباً فهل يتعلق به حقّ باسم حق التأليف قبل أن يقع العقد بحيث لوأضاعه وأتلفه الآخر ضمنه أويورّث ذلك الحق بعد موت المؤلف فإن الاستدلال بـ (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) إنّما يصحح تلك العقود التي انعقدت على هذا الحق وهذا أخص من المدعى، فالاستدلال بهذه الآية غير تام ويرد عليه إشكالان.
الدليل الثالث:
الدليل الثالث الاستدلال بحديث (لا ضرر)، كيفية الاستدلال به أنه لولم يُراعَ حقّ المؤلف كان ذلك إضراراً به، فمن أجهد نفسه وتعب مدة عشر سنوات وألّف كتاباً ولم يراع حقه الآخر فطبع كتابه ونشره باسمه فإن هذا إدخال للضرر على المؤلف وينفيه حديث (لا ضرر ولا ضرار في الإسلام)(1) كما حصل ذلك مع أحدهم حيث كتب مقالاً بخط يده
1. تفصيل وسائل الشيعة 25: 428 كتاب إحياء الموات ب12 ح3، 4.
-
۴۹
وأخذه منه الآخر ليطبعه لكاتبه إلّ أنه وللأسف قد طبعه باسمه لا باسم كاتبه.
الإشكالات على الدليل الثالث:
هناك عدة إشكالات على هذا الدليل:
الأول: ما معنى (لا ضرر)؟ فيه آراء عديدة منها رأي المرحوم الإمامuوهوأنّ لا ضرر حكم من النبي(صلي الله عليه وآله) على نحوالحكومة فيكون حكماً خاصاً حكومياً غير قابل للتعدي إلى سائر الموارد ولا حكومة له على الأحكام الأولية، ومنها رأي المشهور وهوأن لا ضرر حكم ثانوي حاكم على أدلة الأحكام الأولية مثلاً يقول الدليل: (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ)(1)، ثم يقول حديث لا ضرر: إن كان الوضوء ضررياً فلا تتوضؤوا.
الإشكال الثاني: أن لسان حديث لا ضرر لسان النفي أي رفع الحكم الضرري مع أن المدعى إثبات الحق لمن ألف كتاباً ولا يمكن الاستدلال
1. المائدة: 6.
-
۵۰
بحديث لا ضرر لإثبات هذا الحكم لأن لسان لا ضرر لسان النفي ولا يمكن إثبات الحق بلسان النفي.
دليل آخر على حقّ التأليف:
ذكرنا إلى هنا أدلّة متعددة على حقّ التأليف حيث كان بعضها مقبولاً لدينا وبعضها مرفوض، وهنا أدلة أخرى يمكن الاستدلال به، منها التمسك بأدلة حرمة السرقة والغصب وذلك أن من نشر وطبع كتاباً لآخر من غير إذن مؤلفه صدق على ذلك عنوان الغصب بل يصدق عليه عنوان السرقة، وهما محرّمان في الشريعة فمن ارتكب ذلك فقد ارتكب الحرام واقترف المعصية.
الإشكالات على هذا الدليل:
الإشكال الأول: أنّ الغصب والسرقة إنما يصدق مع إحراز كون الشيء مالاً أوحقاً فمن تعدّى على هذ الحق أولم يراعه صدق عليه عنوان السارق أوالغاصب فما لم تثبت مالية الشيء وحقيته ل يجوز الاستناد إلى هذا الدليل، وبعبارة أخرى لا يمكن إثبات المالية والحقية للشيء