pic
pic
  • ۹۱

    الكليّة التي هي حرمة أخذ المال مقابل الواجب. ويمكن أن نقول: بغضّ النظر عن هذه القاعدة فإن الرواية تصرّح بوجوب نشر العلم وحرمة كتمانه ولها إطلاق في ذلك أي سواء دفعوا لك المال أو لم يدفعوا يجب عليك ذلك.

    فلهذ الاستدلال وجهان الأول عن طريق أخذ الأجرة على الواجبات والآخر عن طريق الأدلة والروايات. والوجه الأول يتمّ البحث عنه في المكاسب المحرّمة في مسألة أخذ الأجرة على الواجبات ولو مع قصد القربة فإنّ ذلك لا يتنافى مع الواجبات التعبدية كالصلاة. هذا مع أنّ فقهاءنا اليوم يرون جواز أخذ الأجرة على الواجبات خلافاً للقدماء منهم. أمّا في الوجه الثاني وهو إطلاق الأدلة فنقول: لأدلّة حرمة الكتمان إطلاقاً أي مع المال أو بدونه يحرم الكتمان ويجب الإظهار. قلنا في ردّ ذلك بأنّ هذا غير مناف مع المدّعى لأن الإظهار واجب فلو تبت بعد الإظهار حقّ مالي عقلائي بحيث أمكن للآخرين جني أرباح مالية كثيرة من وراء هذا الحقّ كان صاحب الحق أولى به فمن أظهر علمه في كتابٍ لكنّه لم يطبعه هو بل قام بطبعه ناشرٌ آخر فطبع ألف نسخةٍ ممّا درّ عليه ربحٌ وخير فهل يمكن أن يُمنح مؤلّف هذا الكتاب من هذا الحقّ بينما يعطى كامل الحق للناشر فقط؟ ذلك غير صحيح ولا شك في أنّه

  • ۹۲

    لو وُجد هنا حقٌّ فإنه يتعلّق بالمؤلف نفسه. فحرمة الكتمان وحق التأليف عنوانان حيث يجب عليه الإعلام والإظهار وبعد ذلك يتحقق الموضوع الآخر وهو الحق المالي فحق هذا الشخص شيء ومراعاة هذا الحق شيء آخر. وعليه يكون موضوع روايات حرمة الكتمان مغايراً لما نحن فيه.

    ربّم يقال: بأن روايات حرمة الكتمان فيها قرينة مناسبة الحكم مع موضوعه على اختصاص الكتمان فيما لو سبقه السؤال أي فيما لو سأله الشخص ولم يجبه -وهذا ظاهر في باب الفتوى بمعنى أنّ المقلّد إذا استفتى مرجع تقليده وامتنع المفتي من بيان فتواه صدق عليه (من كتم علماً) لكنّه يقال: بأنّ هذا المعنى مناف لإطلاق (من كتم علماً) أي سواءً يُسبق بسؤال أم لم يُسبَقْ يحرم الكتمان.

    الطريقة الثانية لمنع الشارع من حقّ التأليف:

    الطريقة الثانية روايات زكاة العلم نشره. والزكاة ما يجب على الإنسان فصله من ماله أو علمه أو ممّا ذكر في الروايات كالتواضع. فزكاة العلم نشره فإذا وجب نشر العلم على صاحبه لم يجز أخذ المال عليه.

  • ۹۳

    الجواب عن الطريقة الثانية: إن هناك تغايراً بين وجوب نشر العلم ووجوب مراعاة الحقوق المالية فمن نشر علمه في كتابه المطبوع تعلّق له حق مالي كذلك عند العقلاء وهذا الحق له قيمة وقابل للمعاوضة والمبادلة وهذا الحق إنّما يختصّ بمن ألّف الكتاب دون ناشره فهناك عنوانان متغايران أحدهما وجوب نشر العلم والآخر وجوب مراعاة الحقوق المالية.

    الطريقة الثالثة لمنع الشارع من حقّ التأليف: إنّ هذه الحقوق لم تتمّ مراعاتها في زمن الشارع أي في زمن الأئمة المعصومين(عليهم السلام) وقد أمضو(عليهم السلام) على عدم مراعاتها حيث كان الدارج أنّ الكاتب يؤلّف كتاباً روائياً أو تفسيرياً وكان الآخرون يستنسخونه فلو كانت مراعاة حقّ التأليف واجبة لوجب حتى على الشخص الخامس والسادس والسابع الذي استنسخ من أصل هذا الكتاب أن يستأذنوا من المؤلّف وكان الاستنساخ أمراً دارجاً قبل هذا القرن الحاضر إلى العصر المتصل بزمن الأئمة(عليهم السلام). ولم يكن مراعاة حق التأليف وحقّ المؤلّف أمراً معهوداً ويؤيّد ذلك تمسّك بعض الكبار من العلماء المنكرين لحقّ التأليف بسيرة العلماء أنفسهم وسيرة العلماء أقوى من سيرة المتشرعة -فقد قامت سيرة العلماء على نقل أحدهم عبارات من قبله من كتابه من غير تصريح

  • ۹۴

    باسم صاحبه وهكذا نقل العلماء العامة من العلماء الخاصة والعلماء الخاصة من العلماء العامة. ومن ذلك كلّه نستنتج أنّ الشارع لم يعتبر حقّ التأليف ولم تجب مراعاته.

    الجواب عن الطريقة الثالثة: إنّ حق التأليف حقّ عقلائي مستحدث لم يكن له الموضوعية سابقاً كم لم تكن ملكية الأرض أمراً معهوداً في السابق باعتبار قلة أفراد البشر فكان كلّ منهم يستولي على قطعة أرض ويبني عليها بيته بوضع أحجار تحدّد سوره فيتحقّق بذلك له الحقّ. أمّا الآن فلو وضعنا أحجاراً وصنعنا أسواراً لهتكارات من الأراضي والصحاري لم يحدث بذلك حقّ لنا.

    فكما اختلفت ملكية الأراضي في زمننا عن الزمن القديم فكذلك حقّ التأليف فإنّه لم يكن أمراً مألوفاً عند القدماء وهو من الحقوق المستحدثة العقلائية.

    والحاصل أنّه أثبتنا بالأدلة حقّ التأليف وليس هناك ما ينافيها شرعاً بعد الردّ على تلك الطرق الثلاث التي قد يدّعى كونها مانعة عن حقّ التأليف.

    مدة صلاحية حقّ التأليف: والبحث الأخير في حقّ التأليف هو مدى صلاحيته واستمراريته فهل يستمر حق التأليف إلى آخر لحظة من حياة

  • ۹۵

    المؤلف أو يستمرّ بعد وفاته إلى يوم القيامة؟ وهن احتمالات عديدة لأوّل وهلة:

    الأول: إنّ العقلاء هم منشأ هذا الحق وبيدهم تحديد صلاحيته فهم الذين يقرّرون لحقّ التأليف زمناً معيّناً أمّا عالمياً فقد حُدّد لحقّ التأليف خمسة أعوام في الابتداء ثم مدّدوه إلى عشرة أعوام ثم إلى عشرين عاماً. والآن تترواح المدة بين خمسين إلى ستين سنةً -ابتداؤها من حين التأليف أو من حين موت المؤلف.

    الاحتمال الثاني: إن ترتبط مدّة صلاحية حقّ التأليف بمقدار الجهد وكمية العناء الذي تحمّله المؤلف فمثلاً من بذل جهد سنة في تأليف كتابه يكون حقّه في التأليف مستمراً إلى خمس سنوات ومن بذل جهد سنتين فله الحق عشر سنوات وهكذا وعلى هذا لا بدّ من التفريق بين الجهد القليل والكثير زمنياً.

    الاحتمال الثالث: أن يستمرّ حق التأليف إلى مدّة يرضى بها المؤلف ولاسيما مع قيام الدليل في وجوب مراعاة حق التأليف من لزوم الظلم فيما لو تجب مراعاته والظلم قبيح عقلاً. فل بدّ من استمرار حقّ التأليف إلى زمنٍ يقنع به المؤلف.

  • ۹۶

    وليس هناك أدلّة تؤيد هذه الاحتمالات والاحتمال الأوفق مع القواعد لئلا يلزم الهرج والفوضى في النظام والمجتمع وهو أن نفوّض ذلك إلى عقلاء كلّ زمنٍ فإنّ العقلاء يحدّون لكل كتاب زمناً معيناً بحسب العمل ولا يمكن تحديد عشرة أعوام ولا خمسين عاماً بحق التأليف. فإذا تمت هذه الطريقة فبها وإلا فلا بد من المصالحة وحل المشكل من خلالها.

  • ۹۷

    فهرس المصادر

    1-القرآن الكريم.

    2-بحوث في علم الأصول، السيد الشهيد محمد باقر الصدر ت1400هـ.

    3-بدائع الدرر في نفي قاعدة لا ضرر، السيد الإمام روح الله الموسوي الخميني ت1368ه،ش، مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني-قم.

    4-تحرير الوسيلة، السيد روح الله الموسوي الخميني، مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني-قم

    5-التبيان في تفسير القرآن، أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي ت460هـ مكتب الإعلام الإسلامي.

    6-تفصيل وسائل الشيعة، محمد بن الحسن الحر العاملي ت1104ه، مؤسسة آل البيت(عليهم السلام) قم.

  • ۹۸

    7-الاجتهاد والتقليد، السيد روح الله الموسوي الخميني، مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني-قم.

    8-جامع المقاصد في شرح القواعد، الشيخ علي بن الحسين الكركي ت940ه، تحقيق مؤسسة آل البيت(عليهم السلام) لإحياء التراث قم.

    9-الدر المنثور، جلال الدين السيوطي ت911ه، دار الكتب العلمية بيروت.

    10-رياض المسائل، السيد علي السيد محمد علي الطباطبائي ت1231ه، تحقيق مؤسسة آل البيت(عليهم السلام) لإحياء التراث قم.

    11-عوالي اللئالي العزيزية، محمد بن علي بن إبراهيم الإحسائي ت940ه، مطبعة سيد الشهداءj قم.

    12-القواعد الفقهية، السيد محمد حسن البجنوردي ت1396.

    13-فروع الكافي، محمد بن يعقوب الكليني ت329ه، مؤسسة الأعلمي بيروت.

    14-الفروق، أحمد بن إدريس الصنهاجي القرافي ت684ه، دار الكتب العلمية بيروت.

    15-كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، المتقي الهندي ت975ه، مؤسسة الرسالة بيروت.

  • ۹۹

    16-كتاب البيع، السيد روح الله الموسوي الخميني، مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قم المقدسة.

    17-مجمع البيان في تفسير القرآن، أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي، من أعلام القرن السادس الهجري، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت.

۱۵,۸۵۴ الزيارة