pic
pic
  • ۵۱

    النجاسة بالمكبّرة أو الميكروسكوب على الثوب فما حكم ذلك؟

    يمكن القول بأنّ هذا من مصاديق الاستبانة استناداً إلى الاطلاقات‌‌، وبما أنّه حصل اليقين بالنجاسة فيشترك هذا المورد مع سائر الموارد في الحكم.

    ولكن من المحتمل أيضاً أن يستفاد من مجموع الأدلّة الواردة في باب الطهارة والنجاسة أنّ الشارع لم يجعل هذا المقدار موضوعاً للحكم وأنّه قد تلقّى ذلك بمنزلة العدم‌‌، ولكن هذا لا يعني إسناد ذلك إلى الانصراف.

    الإيراد الثاني: قيل في حدّ الترخّص: إنّه المكان الذي يتوارى فيه الجدران ويخفى فيه الأذان. فلو قلنا إنّ المعيار هو مطلق الرؤية ومطلق السماع لكان اللازم اعتبار المكان الذي يبعد عشرين كيلو متراً حدّاً للترخّص فيما لو كان يُرى منه الجُدران بواسطة التسلكوب مثلاً‌‌، والحال أنّ الفقهاء اعتبروا المعيار هو الحالة العادية.

    والجواب: من الواضح إنّ حدّ الترخّص لا يختلف باختلاف الأفراد‌‌، بل هو أمر عرفي‌‌، وتحديد الشرع له ليس تحديداً تعبّدياً محضاً‌‌، بل هو كاشف عن ضابطة عرفية‌‌، فالعرف يعتبر الرؤية والسماع الطبيعيين هما المقياس‌‌، ولا يقيم اعتباراً للأجهزة والوسائل؛ وذلك لأنّه لو أخذ مثل هذه الوسائل بنظر الاعتبار لاختلف حدّ الترخّص باختلاف هذه الوسائل‌‌،

  • ۵۲

    ولخرج عن حقيقة الحدّ. وبعبارة ثانية: إنّ الملاك لحدّ الترخّص هو الابتعاد عن البلد بحيث تخفى الجدران ولا يسمع الأذان‌‌، وهذا الابتعاد نفسه هو أفضل قرينة على وجود حدّ معيّن له في الواقع.

    الإيراد الثالث: قيل إنّه لو شهد اثنان حادّي البصر لا تكفي شهادتهم‌‌، فتلحق الرؤية بالوسائل بذلك في عدم الاعتبار.

    والجواب:

    أولاً: إن حدّة البصر في نفسها يحتمل معها قوياً وقوع الخطأ فيه‌‌، في حال أنّ مثل هذا الخطأ في التلسكوب إمّا معدوم أو ضعيف.

    ثانياً: إمكانية الرؤية بالتلسكوب أو المكبّرات لكلّ أحد‌‌، وهذا بعكس هؤلاء ذوي البصر الحادّ فإنّ ذلك خاص بهم‌‌، ولذا لا يمكن قياس النظر بالتلسكوب على حادّ النظر.

    ثالثاً: إنّ هذا الاستدلال لا يعدو أن يكون قياساً فلا يمكن أن يقال ـ مثلاً ـ في باب النجاسات: إنّه لو رأى النجاسة شخص حادّ البصر بما لا يراها غيره لم يجب عليه الاجتناب‌‌، بل يجب عليه الاجتناب عند التيقّن بالنجاسة وإن لم يجب على الآخرين الاجتناب.

    رابعاً: المستفاد من هذه الفتوى عدم حجية مثل هذه الشهادة للغير لكن هي حجّة في حقهم ويجب عليهم ترتيب آثارها.

  • ۵۳

    الإيراد الرابع: إنّ لازم اعتبار الشارع للرؤية بالعين المسلّحة معناه تخطئة المسلمين لأكثر من ألف سنة‌‌، حيث إنّ هذه الوسائل لم تكن في السابق‌‌، فمعناه أنّ الشهر كان يتأخّر عندهم إمّا دائماً أو غالباً.

    والجواب:

    أولاً: إنّ القبول بهذا الإشكال ينحصر بصورة منع الشارع الناس من هذه الوسائل‌‌، والحال أنه لم يمنع منها.

    ثانياً: إنّ تمامية هذا الإشكال تتوقّف على أن تكون الرؤية بالعين المسلّحة هي المتعيّنة والمعيار الحقيقي‌‌، مع أنّه قد تقدّم أنّ القائلين بها يذهبون إليها على نحو مانعة الخلو.

    ثالثاً: إنّه إذا تمّت رؤيته في منطقة ما بالعين غير المسلّحة فهذا لا يعني أبداً عدم إمكانية رؤيته في الليلة السابقة‌‌، وعليه فلا يمكن مناقشة هذا الرأي من خلال الإيراد المذكور.

    وبعبارة ثانية: إنّ اعتبار الرؤية بالعين المسلّحة كافية أو غير كافية لا يؤثر في الواقع شيئاً كما هو الحال في الرؤية بالعين غير المسلّحة.

    الإيراد الخامس: إنّ القول بحجية الرؤية بالعين المسلّحة يستتبع إشكاليات عديدة وهو قابل للنقض ببرهان الخلف. بيان ذلك: إنّ حجية هذا القول تستلزم القول بأنّ الأحكام الشرعية والمصالح والمفاسد هي تابعة لتطور الحياة والأجهزة

  • ۵۴

    الحديثة‌‌، فإذا تمّ اختراع التلسكوب مثلاً وأمكن من خلاله رؤية الهلال الذي لم يكن يُر بدونه فهذا معناه أن تتقدّم ليلة القدر وأن تعجّل الملائكة بنزولها في تلك الليلة التي رُئي فيها الهلال.(1)

    والجواب:

    أولاً: إنّ هذه الإشكاليات يمكن أن تكون مشتركة‌‌، بمعنى أنّه حتى لو كان المعيار هو الرؤية بالعين الاعتيادية فإنّ مثل هذه الإشكالات موجودة أيضاً في البلاد التي لم يُر فيها الهلال وليست قريبة الاُفق. وبعبارة أخرى: إنّ هذه الاشكالات ليست ناشئة من استعمال الوسائل الحديثة.

    ثانياً: إنّنا ندّعي أساساً أنّ اعتماد الرؤية بالعين غير المسلّحة تحول دون وقوع مثل هذه الإشكالات‌‌، فهذا الطريق أسلم من الرؤية بالعين الطبيعية.

    ثالثاً: وهو العمدة في الجواب‌‌، وحاصله: إنّه قد ثبت في علم الاصول أنّ الأحكام الواقعية والظاهرية هي التابعة للمصالح والمفاسد‌‌، وأمّا الأحكام الفعلية التي تحمل العنوان الظاهري فلها ملاكاتها الخاصّة بها المذكورة في علم الأصول.

    رابعاً: الوارد في الروايات والفتاوى أنّه لو رأى شخص الهلال لوحده دون سواه واطمأنّ إلى رؤيته من غير شك فيها


    1. بررسى حكم شرعى رؤيت هلال باچشم مسلّح‌‌، محمد سميعى.

  • ۵۵

    وجب عليه الصوم وحده‌‌، وأمّا إذا كان شاكّاً صام مع سائر الناس. وعلى كل حال‌‌، فإن وظيفته تختلف عن غيره‌‌، فهل تلتزمون في مثل هذه الصورة بالإشكالات المذكورة؟ أم أنّ العلاج هو طرق الجمع المذكورة في محلّها بين الحكم الواقعي والظاهري؟

    فالنتيجة هي عدم ترتب شيء من هذه التوالي الفاسدة على الرأي المختار القاضي بجواز استعمال الأجهزة الحديثة لرؤية الهلال.

۱۲,۴۶۷ الزيارة