pic
pic
  • ۴۱

    هناك شبهات قد طرحت أخيراً في هذا المجال ـ إلاّ أنّ أكابر الفقهاء قد تمسّكوا بإطلاقها لكل أفراد الضرب وإن لم تكن من أفراده المتعارفة.

    13 ـ فسّر المشهور ـ ومنهم الشيخ الأنصاري ـ الباطل في قوله تعالى: (وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ)(1) بالباطل العرفي‌‌، وقد طبّق ذلك على مصاديق للباطل سيما في عصرنا هذا استناداً إلى الآية الكريمة كالمعاملات المعبرّ عنها بالمعاملات الهرمية‌‌، فهي وإن كانت قد لا تُعدّ باطلاً بحسب الظاهر لدى العرف‌‌، ولكن حقيقتها باطلة‌‌، ولو كان العرف يقف على حقيقتها واقعاً لحكم بكونها باطلاً.

    14 ـ النظر للأجنبية حرام مطلقاً من غير تقييد بالعين مباشرة‌‌، ولم يذهب فقيه واحد إلى تقييده بذلك‌‌، فلو تمّ النظر إلى الأجنبية على بعد عدّة كيلومترات بواسطة الكاميرات القوية لكان مصداقاً للنظر المحرّم.

    15 ـ لقد ورد في بعض الروايات في نفس مقامنا (مسألة الهلال) أنّه لو رُئي الهلال قبل الزوال نهاراً فذاك هو أول شوال وإن كان بعده فهو من رمضان(2) مع أنّ القائلين بالانصراف ينبغي أن يصرفوا الرؤية للرؤية ليلاً‌‌، والحال أنّ الرؤية نهاراً


    1. البقرة: 188.

    2. وسائل الشيعة 10: 279‌‌، ب8 من إنّه لا عبرة برؤية الهلال قبل الزوال ولا بعده‌‌، ح5.

  • ۴۲

    قد اعتبرت جزءً من الرؤية أيضاً.

    16 ـ تمسّك الفقهاء باطلاق «عورة المؤمن على المؤمن حرام»(1) في تحريم النظر إلى عورة الصغير والكبير‌‌، فانظر مثلاً النراقي في مستنده(2) حين حرّم النظر إلى عورة الصغير لذلك‌‌، ولم يصرف الحديث إلى خصوص البالغ.

    فالمتحصّل من جميع هذه الموارد عدم صحة ما ذكره البعض من: إنّا لا يمكننا الأخذ بالأفراد المتعارفة في سائر المطلقات في الفقه ولكن عندما نصل إلى رؤية الهلال نرجع إلى الأفراد غير المتعارفة.(3)

    ولعلّ المتتبع يظفر بالمزيد من الموارد الاُخرى التي لم يرتّب فيها الفقهاء الحكم على الفرد المتعارف.

    وقد ورد في كتاب «إثارات هامة حول رؤية الهلال» بعض الموارد التي حمل فيها الفقهاء المطلقات على الفرد المتعارف‌‌، إلاّ أنّ العجيب أنّ في تلك الموارد ما لا علاقة له بالمطلوب إطلاقاً. فمثلاً جاء في المورد الرابع: «أنّ الكثير من الفقهاء يجعلون الملاك في المناطق القطبية أو القريبة من القطب والتي يكون فيها الليل أو النهار قصيراً جداً وخارجاً عن المتعارف هو المناطق المتعارفة».


    1. وسائل الشيعة 2: 37‌‌، ب8 من تحريم تتبع زلات المؤمن‌‌، ح1‌‌، 2.

    2. انظر: مستند الشيعة 3: 89.

    3. إثارات هامة في رؤية الهلال.

  • ۴۳

    ولكن أيّة علاقة لهذا المورد بالمدّعى؟ فهل أنّ كلمة «المتعارف» كلّما وردت في الفقه فهي ترتبط بمحل الكلام؟ وهل ثمّة إطلاق في هذا المورد حتى يحمل على الفرد المتعارف؟ إنّ المراد بالمتعارف هنا هو ما كان جهة اشتراك المكلّفين في أصل التكليف في أيّة منطقة ومكان كانوا‌‌، فلابدّ أن يأتوا بأعمالهم العبادية كسائر المكلّفين‌‌، فالمناسب أداء أعمالهم في الأوقات الخمسة كالمناطق المتعارفة الأخرى‌‌، وإلاّ لم يلتزم فقيه بأنّ قوله: (أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ)(1) يجب حمله على الطلوع أو الغروب المتعارف للشمس!

    وهكذا الكلام ذكره في المورد السادس حيث ذكر أنّ المتعارف في موارد الجلد بالسوط المتعارف منه؛ إذ من الواضح عدم استفادة ذلك من الإطلاق‌‌، بل من القرائن المتوفّرة الدالّة على الفرد المتعارف.

    نتائج البحث

    أولاً: إنّ الأصل الأولي هو أصالة الاطلاق فيجب التمسك بها.

    ثانياً: إنّ الانصراف إلى فرد معيّن بحاجة إلى قرينة خاصة‌‌، وقد لوحظ أنّ الفقهاء يتمسكون في موارد عديدة من


    1. الاسراء: 78.

  • ۴۴

    الفقه بالاطلاق فيما لو فُقدت هذه القرينة‌‌، ولا قرينة فيما نحن فيه على الانصراف‌‌، ومناسبات الحكم والموضوع لا تصلح للقرينية هنا.

    ثالثاً: عدم كفاية القرينة الدالّة على الانصراف لو كانت لوحدها‌‌، بل لابدّ من توفّر القرائن والشواهد الاُخرى التي يمكن أن يستند إليها الفقيه.

    رابعاً: إنّه لو كان الشارع الأقدس يعتبر الرؤية بالعين غير المسلّحة لوحدها شرطاً في ثبوت الهلال لأكّد ذلك ببيان أوضح وأجلى ممّا هو عليه. وبعبارة أخرى: إنّه لا يمكن الالتزام بأنّ الشارع قد اكتفى بالانصراف في مثل هذا الأمر المهم الذي هو مورد ابتلاء المسلمين في كل سنة بل وفي كل شهر من الشهور القمرية.

    خامساً: إنّه لو قلنا بالانصراف لوجب الالتزام بأنّ الرؤية المعتبرة هي خصوص ما كان على سطح الأرض المستوي دون ما كان منه على رأس جبل أو بناية شاهقة‌‌، مع أنّه ممّا لا يمكن الالتزام به. نعم‌‌، قد ورد النهي في بعض الروايات من الصعود على الجبل لرؤية غروب الشمس‌‌، إلاّ أنّه خارج عمّا نحن فيه؛ لاختلاف الموضوع بين المقامين.

    وعليه‌‌، فإنّه يمكن المصير إلى جواز رؤية الهلال بالعين المسلّحة كالعين غير المسلّحة تماماً‌‌، والأدلّة والضوابط الشرعية تساعد على إثبات ذلك.

  • ۴۵

    الدعوى الثانية: الطريقية والموضوعية

    طرح البعض في بعض بحوثه حول هذه المسألة مسألة الطريقية والموضوعية وأنّ الرؤية في باب الهلال ذات عنوان طريقي وفي باب النظر للأجنبية ذات عنوان موضوعي ولذا حاولوا حل الإشكال عن هذا الطريق‌‌، أي بما أنّ الرؤية في باب النظر إلى الأجنبية مأخوذة على نحو الموضوعية‌‌، فلذا لا فرق حينئذ بين أقسامها وأسبابها.

    وهذا الكلام في غاية الإشكال‌‌، حيث يرد عليه:

    أولاً: لا شكّ أنّ الرؤية في أول الشهر القمري قد أخذت على نحو الطريقية وأنّ البيّنة أو العلم الشخصي يمكن أن تقوم مقامها‌‌، إلاّ أنّ نزاعنا ليس في أنّ الرؤية مأخوذة بنحو الطريقية أو الموضوعية؛ لأنّه يمكن بناء النزاع على كلا القولين (الطريقية والموضوعية )‌‌، بل النزاع في أنّ هل مطلق الرؤية طريق أو الطريق خصوص الرؤية الاعتيادية؟ وهل أنّ مطلق الرؤية مأخوذة على نحو الموضوعية أو خصوص الرؤية الاعتيادية‌‌، وبعبارة ثانية: إنّه لا يمكن إثبات انحصار الرؤية بالاعتيادية من خلال نفي الموضوعية. فما ورد في بعض المقالات(1) من أنّه بناءً على التفريق بين موارد الطريقية والموضوعية يمكن القول بأنّ الملاك ليس هو إلاّ الرؤية


    1. بررسى حكم شرعى رؤيت هلال باچشم مسلّح‌‌، محمد سميعى.

  • ۴۶

    الاعتيادية في غاية الغرابة؛ إذ كيف يمكن للتمييز بين الموضوعية والطريقية أن ينتج القول بأنّ مجرّد نفي الموضوعية يثبت أصالة الطريقية وأنّ مجرّد نفي الطريقية يثبت أصالة الموضوعية‌‌، وأمّا الاطلاق وعدم الاطلاق فلا ربط لأحدهما بالآخر؟!

    وذهب بعض آخر ـ في بعض المقالات(1) ـ إلى أنّه كلّما ورد السمع أو النظر في الروايات في تحديد شيء معيّن فإنّهما مأخوذان على نحو الطريقية ولا يمكن أن يقوم مقامهما شيء آخر حتى لو كان النظر والسمع حادّين وخارقين للعادة لا خصوص الرؤية والسماع بالوسائل والأجهزة الحديثة.

    ويرد عليه:

    أولاً ـ إنّ الطريقية لا تعني عدم قيام شيء مقامها‌‌، بل يراد بها العكس‌‌، أي إمكانية قيام شيء مقامها.

    ثانياً ـ إنّ التأمل فيما تقدّم من البحث يكشف وقوع خلط بين أن يؤخذ عنوان ما طريقاً وبين أن يؤخذ ملاكاً وموضوعاً للحكم. ومن الممكن القول في مثل هذه الموارد أنّ رؤية الموضوع وسماعه إنّما هو للتحديد وقرينيّة مناسبات الحكم والموضوع تقتضي عدم إمكانية أن يقوم مقامهما أيُّ بديل


    1. رؤيت هلال با چشم مسلح ـ رضا مختارى.

  • ۴۷

    آخر‌‌، بل الذي يقوم هو خصوص ما كان متناسباً مع التحديد دون ما كان منافياً له.

    ثالثاً ـ ذكر كاتب المقال أنّ رؤية الهلال تشبه مسألة حدّ الترخّص‌‌، فكما أنّ الشارع في حدّ الترخص هو في مقام التحديد فكذلك هنا.

    إلاّ أنّ هذه مجرّد دعوى لا دليل عليها؛ وذلك أنّا لا نجيز استعمال الوسائل بدل الرؤية في حدّ الترخّص‌‌، لتوفّر قرينية مناسبات الحكم والموضوع؛ وذلك باعتبار أنّ الملاك هو الابتعاد عن البلد بحيث لا يسمع أذانه‌‌، في حين أنّ مقامنا هو في قيام الوسائل مقام الرؤية الاعتيادية‌‌، وذلك لا ينافي بداية الشهر القمري وتحديده.

    وأخيراً‌‌، فالمهم عند من يناقش في كفاية الرؤية بالوسائل هو دفع جميع الأقوال المقابلة حتى القول بأنّ بداية الشهر هي بخروج الهلال من المحاق‌‌، فهل يمكن أن ندّعي في قبال من يرى أنّ بداية الشهر بالخروج من المحاق أنّ هذا الرأي يتنافى مع كون المسألة في مقام التحديد؟ وإذا أجابكم صاحب هذا القول بأنّ الرؤية المأخوذة في النصوص هي على نحو الطريقية لإثبات خروج الهلال من المحاق لا لإثبات إمكانية الرؤية الاعتيادية‌‌، فما هو الجواب على ذلك؟! إنّ دعوى كون الرؤية هي خصوص الرؤية الاعتيادية ليس إلاّ مصادرة واضحة على المطلوب‌‌، حيث أخذ القائل بذلك في ذهنه مسبقاً هذا المعنى ثم

  • ۴۸

    حمل الرؤية الواردة في الأخبار عليها بما يشبه أن تكون قضية ضرورية بشرط المحمول.

    وبعبارة أوضح إنّ لمسألة حدّ الترخّص خصوصيات‌‌، وهي عبارة عن:

    1 ـ إنّ العرف يرى أنّ ثمّة حدّ معيّن يسمّى بحدّ الترخّص وما ذكره الشارع يمكن أن يكون طريقاً لإحراز ذلك الحدّ العرفي ليس إلاّ.

    2 ـ إنّ كل شيء يراد له أن يكون طريقاً إلى حدّ الترخّص لابّد أن يكون موائماً ومنسجماً مع عنوان التحديد‌‌، وأمّا في مقامنا فالتحديد تكويني وواقعي‌‌، فالشهر له بداية ونهاية محدّدة تستغرق فترة من 29 إلى 30 يوماً‌‌، وهذا أمر تكويني وليس عنواناً عرفياً‌‌، فالحدّ إذن في مسألة حدّ الترخّص له عنوان عرفي بينما في مقامنا له عنوان واقعي. وعليه فبعد أن اعتبر الشارع الرؤية طريقاً يُطرح التساؤل في أنّه طريق لأيّ شيء؟ إذا قلنا إنّه طريق للهلال في حال خروجه من المحاق حيث لا تتيسر رؤيته بالعين الاعتيادية فهذا إضافة إلى بعده فهو عين المدّعى.

    موضوع الرؤية

    وعليه‌‌، فما يقتضيه البحث العلمي ليس التركيز على كون الرؤية بنحو الطريقية أو لا‌‌، بل لابدّ من البحث عن نفس

  • ۴۹

    الشيء الذي تقع الرؤية موضوعاً له‌‌، فهل هو صرف الخروج من المحاق ليُجاب بأنّ الخروج من المحاق أمر عقلي دقيق خارج عن الفهم العرفي؟ احتمال في المسألة.

    الاحتمال الآخر: هو أن يخرج من المحاق بمقدار معيّن وأن يخرج من تحت شعاع الشمس ولا تمكن رؤيته إلاّ بالعين المسلّحة.

    الاحتمال الثالث: هو أن يخرج وتمكن رؤيته بالعين الإعتيادية.

    ويقع البحث في الصحيح من هذين الاحتمالين الثاني أو الثالث وفي الدليل على ذلك؟ وصرف الادّعاء بأنّ الرؤية مأخذوة بنحو الطريقية لا يعيّن الصحيح منهما. وبعبارة بديلة: الطريقية تنسجم مع كلا الاحتمالين. نعم‌‌، يمكن إثبات أحدهما أو نفيه بواسطة الإطلاق وعدمه.

    والحاصل من مجموع ما تقدّم: عدم صحة شيء من هاتين الدعويين في عدم حجّية الرؤية بالعين المسلّحة‌‌، فنستنتج أنّ الملاك لمّا كان هو ثبوت الهلال‌‌، والرؤية ليست إلاّ طريقاً مؤدّياً إليه لتحصيل اليقين بثبوته‌‌، وأيضاً ليس الملاك في بداية الشهر ووجوب الصيام إلاّ اليقين بثبوت الهلال ـ وقد سبقت الإشارة إلى أنّ الهلال أمر واقعي تكويني يتعلق بالليلة الاُولى من الشهر ـ فإنّ الرؤية بالوسائل والأجهزة الحديثة هي معتبرة شرعاً ومجزية في ثبوت الهلال.

  • ۵۰

    إيرادات وتوهمات

    الإيراد الأول: إنّه لو كانت الرؤية بالوسائل الحديثة حجّة معتبرة شرعاً للزم ثبوت النجاسة والطهارة بالميكروسكوب‌‌، بمعنى وجوب غسل الثوب من الذرّات التي يمكن مشاهدتها بالميكروسكوب‌‌، مع أنّه يشكل الالتزام بذلك فقهياً‌‌، بل هو غير صحيح.

    والجواب على ذلك واضح جدّاً وهو أنّ المعيار في باب النجاسات ولزوم تطهيرها ـ كما في الأخبار ـ هو اليقين بالنجاسة‌‌، أي يجب التطهير في صورة التيقن بالنجاسة «إن كان استبان من أثره شيء فاغسله وإلاّ لا بأس».(1)

    طبعاً هذه الروايات واردة في مقام الشك‌‌، فالشارع لا يوجب التفحّص عن الواقع في حالات الشك‌‌، بل يجب الاجتناب والتطهير عند تيقّن النجاسة. وبعبارة ثانية: إنّه لو كان التفحّص عن النجاسة هو الأصل لقلنا بأنّ من طرق ثبوتها هو النظر بالميكروسكوب أو المكبّرة‌‌، ولكن الشارع لمّا وسّع على المكلّفين في ذلك نستنتج عدم وجوب الفحص‌‌، بل لو حصل القطع بالنجاسة بشكل عادي لوجب التطهير.

    وقد يطرح التساؤل التالي: إنّه وإن لم يجب الفحص ولو بالآلات والوسائل ولكن لو اتفق ذلك صدفة وتمّ رؤية ذرّات


    1. الوسائل 3: 467‌‌، ب37 من النجاسات‌‌، ح3.

۱۲,۴۶۴ الزيارة