-
۱
اعتبار الأجهزة الحديثة
في رؤية الهلال
الأستاذ الشيخ محمّد جواد الفاضل اللّنکراني -
۵
-
۶
-
۷
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدّمة
من المسائل المطروحة للبحث اليوم مسألة اعتبار أو عدم اعتبار الأجهزة والوسائل الحديثة في رؤية الهلال، فمع ظهور هذه الأجهزة الجديدة من قبيل الناظور والمرصد الفلکي طرح هذا البحث في مدى إمكانية الاجتزاء بها لرؤية الهلال، وجرى الكلام في أنّه هل تكفي مثل هذه الوسائل لإثبات الرؤية كما تكفي فيها الرؤية بالعين المجردة أو لا؟ وبعبارة اُخرى: هل تجزي الرؤية بالعين المسلّحة أم لا؟
وقد ورد استفتاء على سماحة آية الله العظمى الشيخ الفاضل اللنكراني ـ قدّس سرّه ـ في 24 رمضان 1425 بخصوص
-
۸
الاستفادة من الوسائل الفلكية (كالناظور والتلّسكوب وغيرها) لرؤية الهلال، فكان جواب سماحته ما يلي:
«لا فرق في رؤية الهلال بين كونها بالعين المسلّحة أو غير المسلّحة، فتكفي الرؤية بالتلّسكوب كما تكفي بالمنظار والنظّارات المستخدمة في الصيد ونحوه».
الوقد تركت هذه الفتوى انعكاساً وصدى واسعاً في الخارج والداخل، سيما بين العلماء والأكابر، ولعلّه يمكن أن يقال بأنّه لا نجد نظيراً لهذه الفتوى بين المراجع العظام بهذه الصراحة والوضوح قبل هذا، وقد طلب منّي جمع من الأفاضل على إثر ذلك بيان وتوضيح هذه الفتوى.
الوحالفني التوفيق ـ ولله الحمد ـ لبحث هذه المسألة التي هي في عداد المسائل المستحدثة بحثاً استدلالياً بحسب ما سنحت به الفرصة وفي حدود الإمكان، راجياً من ذوي الرأي ملاحظتها بعين الإنصاف.
تحريرمحلّ النزاع
القبل الخوض في الآراء واستعراض الأدلّة يلزم أولاً تحرير محلّ النزاع فنقول: إنّ للهلال من الناحية التكوينية والواقعية حالتين:
الاُولى: المقارنة، وهي عندما يكون الهلال واقعاً تحت
-
۹
الضوء الشمس بحيث لا يمكن رؤيته بالعين المجرّدة إطلاقاً.
الثانية: الولادة، وهي عندما يخرج القمر من المحاق ومن تحت ضوء الشمس، ويبدأ بذلك شهر جديد، وهو ما يعبّر عنّه في اللغة والعرف بالهلال.
وبعبارة أخرى: إنّ أول زمان الولادة هو أوّل زمان الهلال.
والوارد في لسان الأخبار كملاك للمسألة عبارة عن عنوان مركّب هو: «رؤية الهلال »، وهو مكوّن من «الرؤية والهلال»، ولابدّ من البحث في كلّ منهما. وسوف نتناول فيما يلي من البحث عند تعريف الرؤية كيفية أخذها في الأخبار وأنّه هل بنحو الموضوعية أو الطريقية؟ وهل إنّ لها إطلاقاً من جهة السبب أو لا؟ إنّما المهم الآن البحث عن تحديد معنى «الهلال» بمعنى «الشهر الجديد» أي ولادة القمر وإن كان المستفاد من بعض العبائر إمكانية أن يكون ثمّة فاصل زمني يتخلّل بين زمان الولادة وتحقق الهلال، فلكي يتحقق الهلال لابدّ من مضي مدّة بعد ولادته لشدّة ضعف نوره، إلاّ أنّ الظاهر تحقق بداية الشهر بمجرّد ولادة الهلال.
تعريف الهلال
والهلال لغة هو الشهر الجديد وإن كان يطلق عليه لليلة أو ليلتين هلالاً أيضاً عند البعض أو إلى سبعة عند آخر.(1)
1. منتهى الإرب، أقرب الموارد.
-
۱۰
قال في لسان العرب:
«الهلال غرّة القمر حين يهلّه الناس في غرّة الشهر. وقيل: يسمّى هلالاً لليلتين من الشهر ثمّ لا يسمّى به إلى أن يعود في الشهر الثاني. وقيل يسمّى به ثلاث ليال ثمّ يسمّى قمراً»(2).
ويتضح من هذا النصّ أنّ الهلال يصدق على الشهر من أول ليلة ومنذ الولادة؛ لأنّ ابن ليلتين يعني الليلة الأولى والثانية، والنتيجة هي صدق الهلال عليه بخروجه من المحاق ولو لم يره الناس والتعبير بـ «حتى يهلّه الناس» ليس مقوّماً لمعناه، بل هو من آثاره الغالبة، والشاهد على ذلك ما ورد في القاموس المحيط من تفسيره الهلال بغرّة القمر(2) ولم يتضمن عبارة «حين يهلّه الناس» ثمّ قال: «قال أبو إسحاق: والذي عندي وما عليه الأكثر أن يسمّى هلالاً ابن ليلتين؛ فإنّه في الثالثة يتبين ضوؤه».(3) وعليه فإنّ الهلال صادق على بداية ضوء القمر الضعيف، في حين أنّه لا يغلب على ظلمة السماء. قال في صحاح اللغة: «الهلال أوّل ليلة والثانية والثالثة، ثم هو قمر».(4) حيث اعتبر أول ليلة هلالاً ويصدق عليها عنوان
1. لسان العرب 11: 702 مادة هلل.
2. القاموس المحيط 4: 70.
3. لسان العرب 11: 702.
4. صحاح اللغة 5: 1851.